|
|
جمال الصباغ ليس كل من يتحدث باسم العروبة يمثل تطلعات الأمة وهي تناضل من اجل تحقيق اهدافها. بل العديد منهم اساء للعروبة والبسها ثوبا ليس لها. ثلاثة امثلة نعيشها وهي النظام في العراق وفي سوريا ثم في ليبيا. إن النظام القمعي في كل من سوريا والعراق لا يمثل التوجهات القومية للشعب العربي. وجاءت محاولة صدام احتلال الكويت بالقوة لتضرب الحركة القومية في قلبها. أما الآن فيأتي من اعتقد حقيقة انه امين القومية العربية ليتبرأ من العرب ومن العروبة. وهنا يتململ قلب عبد الناصر في قبره ألما على تلك الهفوة عندما قاله عنه انه امين القومية العربية. ولكن القذافي لم يكن يعلم ان ذلك يعني الإلتزام بمبادىء القومية والعمل من اجلها. لقد اراد القذافي ان يتجاوز الزعامة الكاريزماتية لعبد الناصر وبدأ يتخبط في جهله عندما اراد ان يكون الكتاب الأخضر بديلا للمشروع القومي الذي قاده جمال عبد الناصر... اراد تحقيق الوحدة العربية كي يكون زعيما للأمة وفشل في كل مشاريعه الوحدوية. نادي بالوقوف الى جانب حركات التحرر العالمي فساند الإرهاب في كل بقاع العالم. طرق كل الأبواب التي اعتقد ان يدخل من خلالها الى فيادة الأمة العربية فسدت في وجهه ليس رفضا لما آمن به بل رفضا لأسلوبه المراهق من اجل تحقيق تلك الأهداف. ولكن مسؤولية فشل القذافي لا يتحملها القذافي وحده بل العديد من التنظيمات العربية وخاصة القومية منها التي رأت هي ايضا به امينا للقومية العربية. كم من تنظيم عربي سواء على الساحة الفلسطينية او على الساحة القومية لجأت له رغبة في البحث عن القيادة البديلة بعد غياب عبد الناصر. ولكن شهوة القذافي في الزعامة التي خلقت لديه جنون العظمة افشل كل تعاون مع كل تلك التنظيمات. الآن وبعد ان فشل في زعامة الأمة العربية بدأ يبحث عن بديل واعتقد انه وجدها في افريقيا وهو لا يعلم ان الذي تريده افريقيا ليس صوت العقيد وخطبه الرنانة بل رنين دولاراته التي اعتقدت افريقيا انها وجدتها في طرابلس القذافي. من هنا نستطيع ان ننظر ا لى عزم العقيد الإنسحاب من جامعة الدول العربية بعد أن نفذ صبره وهو ينتظر القرارت الحاسمة التي على الجامعة ان تأخذها وهو يعلم ان ارادة الجامعة العربية هي ارادة مجموع الزعماء العرب , وهم الذين لا ارادة لهم. ولو نظرنا لرغبة العقيد في الإنسحاب دون ان نعلم من هو العقيد لوقف الشعب العربي معه تعبيرا عن تخاذل الجامعة العربية والزعماء العرب لعدم تلبيتهم الحد الأدنى لتطلعات الشعب العربي وهو يواجه اكبر التحديات التي تهم مصير وجوده. ولكن وبالرغم من كل ذلك, وبالرغم من المرارة التي تولدت لدي العقيد في تقاعس الأنظمة العربية في الوقوف الى جانبه اثناء الحصار الدولي الذي قادته امريكا ضد الشعب الليبي , وبالرغم من تخاذل الأنظمة العربية والجامعة العربية , وبالرغم من مأساة العرب في فقدانهم الإرادة, لا نريد للقذافي ان ينسحب من الجامعة العربية. فإن اراد العقيد التحدي فعليه بالمواجهة وليس الهرب كي لا يكون عبئا على القومية العربية. |
بعد حرب الخليج قال جون كيلي مساعد وزير الخارجية الأمريكية آنذاك : " لقد انتهى عصر العرب تماما, لقد زال العرب من الوجود, من يريد الحفاظ على ذاته من العرب امامه بوابة وحيدة وهي التخلي عن عروبته " إن كل ما نشاهده اليوم ما هو سوى التنفيذ العملي لتلك التنبؤات , وما هي حرب الخليج سوى بداية ذلك المخطط الذي نعيش ابعاده كل لحظة. ولسوء الحظ لم تنتبه الأنظمة العربية ولم ينتبه صدام حسين ولا الشعب العربي لتلك المخططات إلا بعد أن وصلت الى مرحلة تنفيذ الخطوة الأخيرة وهي الإحتلال وتنصيب الحاكم العسكري الأمريكي ثم البدء في تغيير الخارطة السياسية لكل المنطقة. لقد راهنت امريكا على خنوع الأنظمة وعلى ضعف الشارع العربي وعلى تأييد العالم "الحر" دولا وشعوبا. ونجحت في الرهان الأول والثاني ولكنها لم تنجح في رهانها الثالث وهذا هو مصدر قلقها الحقيقي. ولا يتعلق الأمر بشرف تلك الدول الغربية التي تقف اليوم في مواجهة الهيمنة الأمريكية بقدر ما هو تعارض مصالح الدول الغربية سياسيا واقتصاديا مع الهيمنة الأمريكية. إن ذلك الغرور الأمريكي ونظرته المتعالية الى الأمور اعمى الإدارة الأمريكية عن حقيقة حتمية وهي ان الشعوب لم تعد ترضى بالإستعمار, وإن قبلته اليوم فهي لن تقبله غدا. قد تستمع امريكا اليوم الى تلك الأصوات المؤيدة لها والداعية للوجود الأمريكي الى المنطقة بحجة تحرير الشعوب من قمع انظمتها. ولكنها غفلت عن فطرة الإنسان ان يكون حرا سواء كان من قمع داخلي او استعمار خارجي. هذه كانت رغبة كل شعوب الأرض التي تحررت , قد تحتل امريكا المنطقة , وقد تنهب خيراتها النفطية, وقد تقوم بالتغيير السياسي في رسم الخارطة الجديدة ولكنها لن تستطيع ان تقهر امل الشعوب في الحرية. عصر العرب لم ينتهي من الوجود كما تنبأ به جون كيلي , بل ان عصر العرب سوف يبدأ الآن من جديد. لقد قاوم العرب الإحتلال البريطاني وتحرر منه, وقاوم الإحتلال الفرنسي وتحرر منه وقاوم الشعب اللبناني بقيادة حزب الله في الجنوب وتحرر, وها هو يقدم اسمى معاني التضحية من خلال مقاومته في فلسطين . ولنتذكر قليلا ماذا حصل لقوات المارينز الأمريكي في بيروت وما حصل لها في الصومال. وسيحمل هذا الإستعمار عصاه على ظهره وسوف يرحل كما رحل غيره. ولن ينتهي عصر العرب. |
لا بد من التغيير
لا بد من تغيير النظام العربي بكل ما يحتوية
من انظمة متخاذلة اثبتت عدم قدرتها ان ترتفع
الى مستوى المسؤولية لا حربا ولا سلما. لقد
اثبت هذا النظام العربي اثناء انعقاد مؤتمر
القمة العربي من جديد عدم قدرته على الحركة
الحرة بالرغم من امتلاكه كل المقومات الحركية
الفاعلة إن توفرت الرغبة والإرادة الحرة.
لا شك ان النظام العراقي ضمن هذه المنظومة
العربية الرسمية ولا يرتفع عنها وهو الذي كان
السبب وإن لم يكن وحده فيما وصلت الحالة
العربية له من تبعية مطلقة لإرادة امريكية
وغربية كبلت حركته وارادته, وإرتماء في الحضن
الأمريكي يوم كان النظاتم العراقي مرضيا عنه
عربيا وأمريكيا.
النظام العراقي هو المطلوب رأسه الآن سواء
كان امريكيا او محليا حتى وعراقيا. ولكننا لا
نريد ان يكون النظام العراقي هو الضحية
الوحيدة الذي يذهب الى المقصلة تحت ضغوطات كي
تحمي الأنظمة العربية المتهالكة . فإن سقط
النظام العراقي فلتسقط معه كل الأنظمة. ولكن
عدم القدرة على اسقاط الأنظمة لا يجب ان يعني
الدفاع عن النظام العراقي وحمايته من السقوط
بإرادة شعبية عراقية.
الحل لا يمكن بل لا يجب ان يكون امريكيا او
غربيا . ولا يجب ان يكون عربيا رسميا. بل يجب ان
يكون التعبير عن ارادة الشعب العراقي . لا
نريد أن يسقط النظام العراقي ارضاء لأمريكا
او لأي نظام عربي بل تأكيدا على رغبة الشعب
العراقي في تقرير مصيره ومصير من يحكمه. لذلك
لا بد من ان يقوم النظام العراقي بمصالحة مع
نفسه اولا ثم مع الشعب العراقي ايضا وان يتقدم
بخطوة جريئة من اجل قيام النظام العراقي
الديمقراطي الحر تعبيرا عن كل فئات الشعب
العراقي وبعيدا عن كل ضغط امريكي او بريطاني
او عربي.
خطوة جريئة على النظام العراقي ان يقوم بها
رغم استحالتها ,ولكن لا بد منها.
قد نعتبر رؤية الشيخ زايد , وبالرغم من
سذاجتها, تعبيرا عن حس وطني من اجل إنقاذ شعب
العراق من ويلات الحرب. ولكنها لا تخدم شعب
العراق بل اعداء العراق. ولا عجب ان تتفق هذه
الرغبة الإماراتية مع رغبة امراء الكويت وبعض
اطراف المعارضة العراقية التي بدأت تشعر
بخيانة امريكا لتلك الوعود التي قدمتها لها
من اجل استمالتها اولا. لا النظام الإمارتي
ولا اي نظام عربي يمكن ان يكون مؤهلا لتقديم
مثل هذا الإقتراح.
ويبقى الحل الوحيد بيد النظام العراقي نفسه
وبيد شعب العراق الوطني الذي رفض العمالة
والخيانة, وهو نفسه صاحب الحق في التغيير
بمعنى عدم الإستسلام للواقع المرير ورفض
الإعتماد على العم سام او الشيخ زايد.
فإذا اردنا التغيير, علينا به ولكن بقدراتنا
وطاقاتنا الذاتية. هكذا سقط نظام الشاه وهكذا
سقطت المنظومة الإشتراكية في مختلف دول
اوروبا الشرقية. لم تأتي امريكا لتحررهم بل هم
حرروا انفسهم لأنهم ابتعدوا عن ثقافة
الإستسلام وعن ثقافة الإتكالية.
لا يجوز ان نأتي بأمريكا عند رغبتنا و رغبتها
بتغيير نظام ما . اليوم العراق وغدا الأردن ثم
سوريا الخ الخ.
لماذا لا نركز كل جهودنا على طاقاتنا الذاتية
وقدراتنا بتفعيل ارادتنا كغيرنا من شعوب
الأرض. وإن فقدنا القدرة على ملك الإرادة
فنستحق ما وقع بنا بل المزيد ايضا..
عصر الإنقلابات العسكرية قد ولّى لسوء الحظ
او لحسنه. ولكن المطلوب هو التغيير بالإرادة
الشعبية وتفعيلها حتى وإن كره كل حاكم. ما
دمنا غير مقتنعين بقوة الإرادة الشعبية نبقى
عالة على انفسنا وعلى غيرنا.
ولكن أين هو الشعب الذي عليه ان يكون صاحب
الإرادة في التغيير ؟
صحيح اننا لا نشاهد حركته ولكن ذلك لا يعني
عدم وجوده. فقدان حركة الشارع لا يعني ان
نوافق على قدوم امريكا الى المنطقة بحجة
التغيير, ونحن نعلم ان امريكا لا تعني التغيير
كما نراه ونريده. امريكا هي التي تسعى لخدمة
مصالحها وهذا من حقها , ولكن ذلك لا يعني
القبول بها.
وإذا فقد الشعب ارادته من اجل التغيير فهذا
تقصير من الشعب نفسه. قد تمر على الشعوب مراحل
تخلف وانحطاط ولكن التخلف والإنحطاط ليس قضية
مصيرية وليس قدر مكتوب.
.
لفد عاشت كل شعوب العالم مراحل مختلفة من تخلف
وانحطاط ولكنها نهضت. هذا الشعب الذي نبحث
الآن عن حركته كان له دور كبير في التاريخ
العربي يوم تخلفت شعوب أخرى. والسؤال الذي
يطرح نفسه هو كيف نهضت الشعوب ؟
الشعب بحاجة الى الأمل بدل الإحباط واليأس.
الأمل الذي نتطلع من خلاله الى رؤية واضحة
للمستقبل, أما الإحباط هو الذي يفرض علينا
قبول الواقع بكل مراراته بإسم العقلانية
والواقعية.
قد نقول ان الإسلام ليس هو الحل. وقد نقول ان
القومية ليست هي الحل ايضا. ولكن امريكا لن
تكون الحل ابدأ.
الحل هو ان تشعر الشعوب بقدرتها على التغيير
وإيمانها به.