|
أمة مستباحه حتى وقت آخر
|
االمسألة
العراقية بين الشرعية الدولية وهيمنة الكاوبوى
المسألة العراقية بين الشرعية الدولية وهيمنة الكاوبوي بقلم: صبحي غندور رغم تضارب التصريحات والمعلومات في كل من واشنطن ولندن حول مدى حتمية الحرب ضدّ العراق، فان الوقائع القائمة الآن تؤكّد أن حل المسألة العراقية لن يكون سلمياً، وان هذا العام سوف يشهد حسم هذه المسألة بواسطة الخيار العسكري الأميركي المباشر، أو من خلال بدء معارك عسكرية في جبهة شمال العراق بين قوات النظام وقوى المعارضة العراقية المدعومة أميركياً. لا شكّ في أن قرار الحرب الأميركية المباشرة ضد العراق سيحتاج الآن الى تغطيةٍ شرعية دولية من مجلس لأمن، وأن هذا الأمر يحتاج بدوره الى تثبّت المفتشين الدوليين من وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وهو ما لم يحدث بعد. فاذا ما استمر تجاوب الحكومة العراقية مع قرار مجلس الأمن 1441 وتسهيل عمل المفتشين الدوليين، واذا ما تأكّد خلوّ العراق من أسلحة الدمار الشامل، فان واشنطن ستعجز عن اقناع باقي أعضاء مجلس الأمن بالتصويت على استخدام القوة العسكرية ضد العراق، بل ان ذلك سيدفع بالعالم كلّه الى المطالبة برفع الحصار عن العراق وليس فقط بوقف قرع طبول الحرب ضدّه. فهل لأميركا مصلحة في الوصول بالتطوّرات الى ذلك الحدّ؟ أعتقد أن واشنطن ستراهن على أحد احتمالين؛ الأول، هو خطأ في المواقف أو التصرّف من قبل الحكم العراقي تجاه قرار مجلس الأمن الأخير (كمشكلة استدعاء علماء عراقيين) في ظلّ السعي الأميركي والدولي لاكتشاف أسلحة دمار شامل، أو الاحتمال الثاني بأن تستبق واشنطن موعد الاستحقاق الأخير لمراحل تنفيذ القرار 1441 فتدفع بقوى المعارضة العراقية الى بدء عملياتٍ عسكرية في جبهة الشمال، وبدعمٍ شاملٍ من واشنطن ولندن. فالاحتمال الأخير يعني نقل المسألة العراقية من مجلس الأمن الى حالة «حرب أهلية» عراقية تدعم فيها أميركا وبريطانيا قوى المعارضة، وتكون فيها الدولتان مسئولتين عن تأمين الحماية الجوّية والبرّية للطرف العراقي المعارض، تماماً كما تفعلان الآن في مناطق الحظر الجوّي في شمال العراق وجنوبه. وهذا الاحتمال يعني أيضاً، امكانات التدخّل العسكري المباشر (الأميركي والبريطاني) برّاً وبحراً وجوّاً على جبهاتٍ متعدّدة، لكن دون الحاجة الى اعلان حربٍ مباشرة ضدّ حكومة بغداد، ودون استخدام أعدادٍ كبيرة من القوات، وبالاعتماد على الطيران والقصف المدفعي البرّي والبحري بشكلٍ أساسي. أي، ستكون الذريعة الأميركية ـ البريطانية هي دعم قوات المعارضة العراقية بعدما تكون ذريعة أسلحة الدمار الشامل قد استنفذت مداها، وبرّرت ما حدث ويحدث وسيحدث من حشودٍ عسكرية أميركية وبريطانية لم تشارك بها حتى الآن أيّة دولة أخرى من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. فأميركا وبريطانيا تتحرّكان وكأن الحرب واقعة غداً، بينما باقي الأعضاء الدائمين يتصرّفون وكأنّ هذه الحرب لن تقع أبداً .. والاحتمال الثاني (أي بدء العمليات العسكرية في الشمال) يفسّر أيضاً حرص واشنطن على أفضل العلاقات مع تركيا، وعلى استرضاء حكومتها الجديدة، لما سيكون عليه من أهمّية دور الجبهة التركية مع العراق وتفاعلات «الحرب الأهلية» في الشمال العراقي، خاصّةً بالنسبة لدور الجماعات الكردية، ولكيفيّة السيطرة على النفط العراقي في الشمال. احتمال «الحرب الأهلية» في العراق هو المرجّح تبعاً للوقائع القائمة الآن، وهو أيضاً يعفي حكومات واشنطن ولندن وأنقرة من الاحراج الكبير تجاه شعوبها، حيث أن الاستطلاعات في هذه البلدان كلّها تؤكّد رفض الغالبية الشعبية لخوض حربٍ ضد العراق دون قرارٍ من مجلس الأمن، خاصّةً أنّ الموقف الأميركي (وهو الأساس) بدأ يعاني من احراجاتٍ داخلية عديدة، مع بدء المنافسة الانتخابية، من خلال المرشّحين الديمقراطيين حول صوابية قرار الحرب ضدّ العراق في ظلّ استمرار الحرب على الارهاب، والتأزّم في العلاقة مع كوريا الشمالية، وازدياد الأزمة الاقتصادية في أميركا. أما تركيا، فان حكومتها الجديدة تحاول عربياً تبرير ظروفها من خلال الجولة التي قام بها رئيس الوزراء التركي عبد الله غول الى بعض الدول العربية، لكن بتوقيتٍ متزامن مع المناورات العسكرية المشتركة بين كل من أميركا وتركيا واسرائيل!! وصحيح أن هناك مخاوف تركية من اعلان «دولة كردية» في شمال العراق، وتكرار لموقف تركي بالتأكيد على وحدة العراق، لكن أنقرة ستجد فوائد عديدة تنتظرها من الحليف الأميركي في حال تسهيل بدء «الحرب الأهلية» العراقية بالشمال، بعض هذه الفوائد ظهر بالضغوط الأميركية على الاتحاد الأوروبي لتسهيل انتماء تركيا له مستقبلاً، اضافةً الى مساعداتٍ مالية أميركية مباشرة وتأمين قروضٍ من البنك الدولي بمليارات الدولارات. أيضاً، فان ما نشرته جريدة «الأهرام» (بتاريخ28/12/2002) نقلاً عن مراسلها في أنقرة، بأن (مراد مرجان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا قد أعلن أن تركيا طلبت رسمياً من أميركا الحصول على نسبة 10% من النفط العراقي في مرحلة ما بعد صدام حسين، وبأن بلاده ما زالت تنتظر الردّ من واشنطن) قد يندرج ضمن منافع تركيا المستقبلية ثمناً للمؤازرة. أما علاقات تركيا مع اسرائيل، فهي لم تتأثّر بوجود الحكومة الجديدة بأنقرة، وهناك تأكيد من الطرفين على استمرار وتطوير العلاقات التي شملت في السابق صفقات أسلحة بقيمة حوالي ملياري دولار اضافةً الى تنسيقٍ مخابراتي وتبادلٍ اقتصادي وتجاري وتصدير مياه تركية لاسرائيل. لذلك، فان نهاية شهر يناير الجاري هو استحقاق زمني مهم بالنسبة للمسألة العراقية، ففي وقتٍ متزامنٍ تقريباً سيتعامل مجلس الأمن مع نتائج التقرير عن أعمال المفتشين الدوليين، ومع تقييمهم لما قاموا به على أرض العراق، اضافةً الى شهادات علماء عراقيين، والى الانتهاء من تقييم الاعلان العراقي الذي جرى تسليمه في الشهر الماضي. ومع هذا الاستحقاق الزمني العراقي في نهاية الشهر الجاري، تكون اسرائيل أيضاً قد أنهت العملية الانتخابية ممّا يؤثّر طبعاً على التحرّكات الأميركية المقبلة في المنطقة. واضافة الى هذين الاستحقاقين العراقي والاسرائيلي، فان واشنطن تشهد مع نهاية يناير من كلّ عام جلسة عامّة مفتوحة لأعضاء الكونغرس الأميركي يلقي فيها الرئيس الأميركي خطاباً يُعرف باسم (حال الاتحاد الأميركي)، وعادةً ما يكون هذا الخطاب أشبه بأجندة الرئيس للعام الجديد. ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي، أطلق الرئيس بوش حملته على دول «محور الشر»، وبدأت منذ ذلك الوقت الحملة الأميركية المركّزة على العراق. والواضح منذ الآن أن «محور الحروب الأميركية» لهذا العام كما سيعلنها الرئيس بوش في خطابه المقبل هي: الحرب على الارهاب، المسألة العراقية، والأوضاع الاقتصادية الأميركية. وسيجد الرئيس الأميركي المبرّرات الكافية للربط بين هذه «الحروب» بحيث تبقى أوهام «مسألة الخوف» عند الأميركيين أهم وأكثر أولوية من احتمالات «مسألة الجوع»، بينما تعيش معظم المنطقة العربية بلاء المسألتين معاً! في الحالات كلّها، تراهن أميركا على احداث تغييرٍ في النظام العراقي بالاختيار أو بالاضطرار، وهي تسعى الآن الى وضع الحكم العراقي أمام خيارين: النفي بالاختيار أو الاقصاء بالقوّة، لكنْ طبعاً هناك أمام حكومة بغداد خيار ثالث، وهو خيار الاستقالة بعد احداث تغييرٍ دستوري جذري يضمن الحرّيات العامّة والمشاركة الشعبية في الحكم والتعدّدية السياسية في المجتمع، واعلان انتخاباتٍ شعبية عامّة بمشاركة مراقبين دوليين في مقدّمتهم الرئيس الأميركي الاسبق جيمي كارتر. ولعلّ في هذا الخيار الثالث انقاذا لشعب العراق ووحدته، ولعموم المنطقة العربية، كما أن فيه نموذجاً لما هو مطلوب أيضاً في أكثر من بلدٍ عربي يعاني من استبدادٍ في الداخل وان لم تصل به الحال بعد الى أن يٌستبدّ به أيضاً من الخارج! ـ مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن |
ثورة 23 يوليو
في كلّ سنةٍ تمرّ على مناسبة ذكرى "ثورة 23 يوليو" في مصر، يحضُرُني قول جمال عبد الناصر: "إنّ قوّة الإرادة الثورية لدى الشعب المصري تظهر في أبعادها الحقيقية الهائلة إذا ما ذكرنا أنّ هذا الشعب البطل بدأ زحفه الثوري من غير تنظيم ثوري سياسي يواجه مشاكل المعركة، كذلك فإنّ هذا الزحف الثوري بدأ من غير نظريةٍ كاملة للتغيير الثوري. إنّ إرادة الثورة في تلك الظروف الحافلة لم تكن تملك من دليلٍ للعمل غير المبادئ الستّة المشهورة". هذا القول الذي ورد في الباب الأوّل من "الميثاق الوطني" الذي قدّمه جمال عبد الناصر للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية في أيار/مايو 1962 يضع الإطار الصحيح لكيفية رؤية "ثورة 23 يوليو" وإنجازاتها ولتطوّر مسارها في مصر وعلى المستوى العربي عموماً. فحينما تقوم ثورة بعظمة "ثورة يوليو" عام 1952، وتحدث تغييراتٍ جذريةً في المجتمع المصري ونظامه السياسي والاقتصادي والعلاقات الاجتماعية بين أبنائه، وتكون أيضاً ثورة استقلالٍ وطني ضدّ احتلالٍ أجنبيٍّ مهيمن لعقودٍ طويلة (الاحتلال البريطاني لمصر)، ثمّ تكون أيضاً قاعدة دعمٍ لحركات تحرّرٍ وطني في عموم أفريقيا وآسيا، ثمّ تكون كذلك مركز الدعوة والعمل لتوحيد البلاد العربية ولبناء سياسة عدم الانحياز ورفض الأحلاف الدولية في زمن صراعات الدول الكبرى وقمّة الحرب الباردة بين الشرق والغرب .. حينما تكون "ثورة يوليو" ذلك كلّه وأكثر، لكن دون "تنظيم سياسي ثوري" ودون "نظرية كاملة للتغيير الثوري" -كما قال ناصر في "الميثاق الوطني"- فإنّ هذا شهادة كبرى للثورة ولمصر ولقائد هذه الثورة نفسه جمال عبد الناصر. فإنجازات "ثورة يوليو" ومسارها التاريخي أكبر بكثير من حجم أداة التغيير العسكرية التي بدأت الثورة من خلالها، وهي مجموعة "الضباط الأحرار" في الجيش المصري. كذلك، فإنّ الأهداف التي عملت من أجلها الثورة طوال عقدين من الزمن تقريباً، إي إلى حين وفاة جمال عبد الناصر عام 1970، كانت أيضاً أوسع وأشمل بكثير من "المبادئ الستّة" التي أعلنها "الضباط الأحرار" عام 1952. فهذه "المبادئ" جميعها كانت "مصرية" وتتعامل مع القضاء على الاستعمار البريطاني لمصر وتحكّم الإقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم في مصر، وتدعو إلى إقامة عدالة اجتماعية وبناء جيش مصري قوي وحياةٍ ديمقراطيةٍ سليمة. وإذا كان واضحاً في هذه المبادئ الستة كيفية تحقيق المرفوض (أي الاحتلال وتحكّم الإقطاع والاحتكار)، فإنّ تحقيق المطلوب (أي إرساء العدالة الاجتماعية والديمقراطية السليمة) لم يكن واضحاً بحكم غياب "النظرية السياسية الشاملة" التي تحدّث عنها ناصر في "الميثاق الوطني". أيضا، لم تكن هناك رؤية فكرية مشتركة لهذه المسائل بين أعضاء "حركة الضباط الأحرار"، حتى في الحدِّ الأدنى من المفاهيم وتعريف المصطلحات, فكيف بالأمور التي لم تكن واردة في "المبادئ الستة" أي بما يتعلّق بدور مصر العربي وتأثيرات الثورة عربياً ودولياً وكيفية التعامل مع صراعات القوى الكبرى ومع التحدي الصهيوني الذي فرض نفسه على الأرض العربية في وقتٍ متزامنٍ مع انطلاقة ثورة يوليو، حيث شكّل هذا التحدي الصهيوني المتمثّل بوجود دولة إسرائيل (هذا الوجود المدعوم والمستخدَم من قبل الغرب) أبرز ما واجهته ثورة يوليو من قوّة إعاقةٍ عرقلت دورها الخارجي وإنجازاتها الداخلية. أهمّية هذه المسألة المتمثّلة في ضيق أفق أداة الثورة (الضباط الأحرار) ومحدودية (المبادئ الستّة) مقابل سعة تأثير القيادة الناصرية وشمولية حركتها وأهدافها لعموم المنطقة العربية ودول العالم الثالث، أنّها تفسّر حجم الانتكاسات التي حدثت رغم عظمة الإنجازات، وأنّها تبيّن كيف أنّ الثورة كانت تيّاراً شعبياً خلف قائدٍ ثوريٍّ مخلص لكن دون أدواتٍ سليمة تربط ما بين القائد وجماهيره، وبين الأهداف الكبرى والتطبيق العملي أحياناً. ورغم هذه السلبية الهامّة التي رافقت "ثورة 23 يوليو" في مجاليْ الفكر والإداة، فإنّ ما صنعته الثورة داخل مصر وخارجها – تحت القيادة الناصرية- كان أكبر من حجم السلبيات والانتكاسات. وإذا كانت الإنجازات المادية للثورة في داخل مصر تتحدّث عن نفسها في المجالات كافّة، الاقتصادية والاجتماعية والتربوية ..الخ، فإنّ الإنجازات الفكرية والخلاصات السياسية لهذه الثورة، خاصّةً في العقد الثاني من عمر الثورة، هي التي بحاجةٍ إلى التأكيد عليها بمناسبةٍ أو بغير مناسبة. فالقيادة الناصرية لثورة 23 يوليو طرحت مجموعة أهدافٍ فكرية عامّة وعدداً من الغايات الاستراتيجية المحدّدة، إضافةً إلى جملة مبادئ حول أساليب العمل الممكنة لخدمة هذه الغايات الاستراتيجية والأهداف الفكرية العامّة. وقد ظهرت هذه الأمور الفكرية والاستراتيجية والتكتيكية في أكثر من فترة خلال مراحل تطوّر الثورة، لكن نضوجها وتكاملها ظهر واضحاً في السنوات الثلاث الأخيرة من حياة عبد الناصر، أي ما بين عامي 1967 و1970. فاستناداً إلى مجموعة خطب عبد الناصر، وإلى نصوص "الميثاق الوطني" وتقريره، يمكن تلخيص الأبعاد الفكرية لثورة "23 يوليو" الناصرية بما يلي: · رفض العنف الدموي كوسيلةٍ للتغيير الاجتماعي والسياسي في الوطن أو للعمل الوحدوي والقومي. · الاستناد إلى العمق الحضاري الإسلامي لمصر وللأمّة العربية انطلاقاً من الإيمان بالله ورسله ورسالاته السماوية، والتركيز على أهمّية دور الدين في بناء مجتمعٍ قائم على القيم والمبادئ الروحية والأخلاقية. · الدعوة إلى الحرية، بمفهومها الشامل لحرية الوطن ولحرية المواطن، وبأنّ المواطنة الحرّة لا تتحقّق في بلدٍ مستعبَد أو محتَل أو مسيطَر عليه من الخارج. كذلك، فإنّ التحرر من الاحتلال لا يكفي دون ضمانات الحرية للمواطن، وهي تكون على وجهين: - الوجه السياسي: الذي يتطلّب بناء مجتمعٍ ديمقراطي سليم تتحقّق فيه المشاركة الشعبية في الحكم، وتتوفر فيه حرية الفكر والمعتقد والتعبير، وتسود فيه الرقابة الشعبية وسلطة القضاء. - الوجه الاجتماعي: الذي يتطلّب بناء عدالةٍ اجتماعيةٍ تقوم على تعزيز الإنتاج الوطني وتوفير فرص العمل وكسر احتكار التعليم والاقتصاد والتجارة. · المساواة بين جميع المواطنين بغضّ النظر عن خصوصياتهم الدينية أو العرقية، والعمل لتعزيز الوحدة الوطنية الشعبية التي بدونها ينهار المجتمع ولا تتحقّق الحرية السياسية أو العدالة الاجتماعية أو التحرّر من الهيمنة الخارجية. · اعتماد سياسة عدم الانحياز لأيٍّ من القوى الكبرى ورفض الارتباط بأحلافٍ عسكرية أو سياسية تقيّد الوطن ولا تحميه، تنزع إرادته الوطنية المستقلّة ولا تحقّق أمنه الوطني. · مفهوم الانتماء المتعدّد للوطن ضمن الهويّة الواحدة له. فمصر تنتمي إلى دوائرَ أفريقية وإسلامية ومتوسطيّة، لكن مصر - مثلها مثل أيّّ بلدٍ عربيٍّ آخر- ذات هويّة عربية وتشترك في الانتماء مع سائر البلاد العربية الأخرى إلى أمّةٍ عربيةٍ ذات ثقافةٍ واحدة ومضمونٍ حضاريٍّ مشترك. · إنّ الطريق إلى التكامل العربي أو الاتحاد بين البلدان العربية لا يتحقّق من خلال الفرض أو القوّة بل (كما قال ناصر) "إنّ الإجماع العربي في كلّ بلدٍ عربي على الوحدة هو الطريق إلى الوحدة" .. وقال ناصر أيضاً في "الميثاق الوطني": "طريق الوحدة هو الدعوة الجماهيرية .. ثمّ العمل السياسي من أجل تقريب يوم هذه الوحدة، ثمّ الإجماع على قبولها تتويجاً للدعوة وللعمل معاً". وقال أيضاً في الميثاق: "إنّ اشتراط الدعوة السلمية واشتراط الإجماع الشعبي ليس مجرّد تمسّك بأسلوبٍ مثالي في العمل الوطني، وإنّما هو فوق ذلك، ومعه، ضرورة لازمة للحفاظ على الوحدة الوطنية للشعوب العربية". *** أمّا على صعيد مواجهة التحدّي الصهيوني، فقد وضعت قيادة "ثورة يوليو" منهاجاً واضحاً لهذه المواجهة، خاصّةً بعد حرب عام 67، يقوم على: 1 - بناء جبهةٍ داخليةٍ متينة لا تستنزفها صراعات طائفية أو عرقية ولا تلهيها معارك فئوية ثانوية عن المعركة الرئيسة ضدّ العدوّ الصهيوني، ومن خلال إعدادٍ للوطن عسكرياً واقتصادياً بشكلٍ يتناسب ومستلزمات الصراع المفتوح مع العدوّ. 2- وضع أهدافٍ سياسيةٍ مرحلية لا تقبل التنازلات أو التفريط بحقوق الوطن والأمَّة معاً، ورفض الحلول المنفردة أو غير العادلة أو غير الشاملة لكلّ الجبهات العربية مع إسرائيل. 3- العمل وفْقَ مقولة "ما أُخِذ بالقوّة لا يُسترّدّ بغير القوّة" وأنّ العمل في الساحات الدبلوماسية الدولية لا يجب أن يعيق الاستعدادات الكاملة لحربٍ عسكريةٍ تحرّر الأرض وتعيد الحقَّ المغتصَب. 4- وقف الصراعات العربية/العربية، وبناء تضامنٍ عربي فعّال يضع الخطوط الحمراء لمنع انزلاق أيّ طرفٍ عربي في تسويةٍ ناقصةٍ ومنفردة، كما يؤمّن هذا التضامن العربي الدعم السياسي والمالي والعسكري اللازم في معارك المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي. *** هذه باختصار مجموعة خلاصات فكرية وسياسية أراها في ثورة 23 يوليو، خاصّة في حقبة نضوجها بعد حرب عام 1967. لكن أين هي مصر الآن وأين هي المنطقة العربية من هذه الخلاصات الفكرية والمواقف الاستراتيجية؟ هنا يعود الأمر بنا إلى ما قاله جمال عبد الناصر عن كيف أنّ الثورة بدأت دون "تنظيم سياسي ثوري" ودون "نظرية سياسية ثورية"، وهنا أجد تفسيراً أيضاً لما وصلت إليه مصر والأمَّة العربية بعد وفاة جمال عبد الناصر، حيث فقدت الجماهير العربية اتصالها مع القائد بوفاته، ولم تكن هناك بعده أداة سياسية سليمة تحفظ للجماهير دورها السليم في العمل والرقابة والتغيير. أيضاً، مع غياب ناصر، وغياب الأداة السياسية السليمة، أصبح سهلاً الانحراف عن المبادئ، والتنازل عن المنطلقات، والتراجع عن الأهداف. "ثورة 23 يوليو" كانت من حيث الموقع الجغرافي في بلدٍ يتوسّط الأمّة العربية ويربط مغربها بمشرقها، وكانت من حيث الموقع القارّي صلة وصلٍ بين دول العالم الثالث في أفريقيا وآسيا، وكانت من حيث الموقع الزمني في منتصف القرن العشرين الذي شهد متغيّراتٍ واكتشافاتٍ كثيرةً في العالم وحروباً وأسلحةً لم تعرف البشرية مثلها من قبل، كما شهد القرن العشرين صعود وأفول ثوراتٍ كبرى وعقائد وتكتّلات ومعسكرات .. وشهد أيضاً اغتصاب أوطانٍ واصطناع دويلات .. كذلك، فإنّ ثورة 23 يوليو، من حيث الموقع الفكري والسياسي، كانت حالاً ثالثةً تختلف عن الشيوعية والرأسمالية، قطبيْ العصر الذي تفجّرت فيه الثورة، فقادت "ثورة 23 يوليو" ثورات العالم الثالث من أجل التحرّر من كافة أنواع الهيمنة وبناء الاستقلال الوطني ورفض التبعية الدولية. أمّا اليوم، ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين، فإنّ مصر تغيّرت، والمنطقة العربية تغيّرت، والعالم بأسره شهد ويشهد متغيّراتٍ جذرية في عموم المجالات .. لكن يبقى لمصر دورها الطليعي في أحداث المنطقة العربية إيجاباً أو سلباً، وتبقى الأمَّة العربية (التي هي أمَّة وسطية في مضمون حضارتها) بحاجةٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى إلى مشروع فكري نهضوي وإصلاحي معاً، إلاّ أنّ هذا المشروع يتطلّب أولاً إصلاحاً ونهضة في حال الأدوات السياسية العربية، سواء أكانت في الحكم أم في المعارضة أم في الخارج. إنّ العطب الآن هو في الفكر والأدوات معاً، والأمل في إصلاحهما معاً، فظروف قيام ثورة 23 يوليو وقيادتها المخلصة النادرة، أمران لن يتكرّرا في المدى القريب، وإن حصل ذلك، فلن يكون النجاح ممكناً دون "نظرية سياسية سليمة" ودون "تنظيم سياسي سليم" !! http://www.albayan.co.ae/albayan/2002/07/20/ray/5.htm
أزمة الفكر القومى العربى
كثر عدد الجلادين للفكر القومي في هذه الأيام، وأصبحت السهام الموجهة لهذا الفكر تنطلق من كل اتجاه، وكأن العروبة هي المسؤولة عن كل الرذائل العربية، فحق عليها الرجم حتى الموت! الانتماء القومي، بنظر البعض، أشبه بثوب يُلبس حسب المواسم، والآن موسم كل شيء - بما في ذلك اسرائيل - إلا موسم القومية العربية! فلماذا يعيش الفكر القومي العربي هذه المحنة المميتة بينما كان من المفترض حصول العكس مع مطلع التسعينات عندما بدأ الفكر الأممي المادي يترنح ويتساقط في الشرق لتخرج من بين أنقاضه قوميات عريقة عجز الفكر الشيوعي عن طمسها رغم محاولات وأدها أكثر من مرة وفي أكثر من مكان؟! أيضاً، كان مطلع التيسعينات تتويجاً لمراحل الوحدة الأوروبية التي جمعت في ظلالها أكثر من قومية ولغة وتراث ودين، بل تواريخ وذكريات حافلة بالصراعات والدم والحروب، لكن المصلحة الأوروبية المشتركة في الوحدة تغلبت على كل التباينات والفروقات... ترى، ما كانت جريمة الفكر القومي العربي حتى يستحق وحده دون كل التيارات القومية الأخرى في العالم، هذا العزل والرجم والعقاب؟ لقد كان الخيار القومي - وما يزال- يعني القناعة بأن العرب أمة واحدة تتألف الآن من أقطار متعددة لكنها تشكل فيما بينها إمتداداً جغرافياً وحضارياً واحداً وتتكامل فيها الموارد والطاقات. إن المتضررين من هذا الخيار هم حتماً من غير العرب الذين، في الماضي وفي الحاضر، يمنعون وحدة الأمة العربية حفاظاً على مصالحهم في المنطقة وعلى مستقبل استنزافهم لخياراتها ومواردها وطاقاتها المادية والبشرية. فمن المفهوم أن يحارب غير العرب (على المستويين الإقليمي والدولي) فكرة القومية العربية، لكن لماذا إطلاق السهام على هذه الفكرة من بعض أبناء العروبة؟ في محاولة للإجابة نقول: أزمة الفكر القومي العربي تعود لعدم كونه فكراً قومياً عربياً فقط، ولعدم وجود مفهوم واحد له، فلم يكن له مفهوماً واحداً لدى كل دعاته، ولم يكن واضحاً لدى المعنيين به (أي عموم العرب) الفرق بين الدعوة القومية وبين الدعاة لها، فاختلط سوء بعض الدعاة واضرارهم مع حسنات الدعوة وفوائدها. الفكر القومي العربي امتزج (للأسف) مع أفكار مادية، غربية وشرقية، فأصبح الفكر القومي عند البعض يقوم على قاعدة الماركسية- اللينينية، وكان ذلك وحده كفيلاً بتخريب عقول الدعاة والتناقض مع مضمون الدعوة نفسها. كذلك المزج بين الفكر القومي العربي والمفاهيم الفاشية والعنصرية والالحادية وما نتج عن ذلك من طروحات وممارسات أساءت للأمة العربية كلها. كانت الدعوة للفكر القومي لا تصدر عن مرجعية عربية واحدة حتى تتحدد المفاهيم والمنطلقات والأساليب والغايات، بل كان بعض القوى القومية يطرح شعار الوحدة ويحارب القيادة الجماهيرية لهذه الدعوة ويشارك في التآمر على أول تجربة وحدوية في العصر الحديث (وحدة مصر وسوريا عام 1958). ثم بإسم الوحدة وبإسم الأحزاب القومية، جرى اعتقال وذبح وتشريد الآلاف من القوميين العرب في أكثر من بلد عربي حكم فيه ادعياء للقومية وليس دعاة حقيقيين لها. وكما صح القول المأثور: "كم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها الحرية"، فان أكثر الجرائم العربية وحشية وضرراً كانت ترتكب باسم الوحدة العربية... وغزو الكويت أفضل مثال على ذلك. لكن، هل الجرائم باسم الحرية أدت الى التخلي عن هذا الهدف النبيل والمطلب المشروع لكل فرد وجماعة وأمة..؟! وحتى لا يكون هذا الكلام مجرد تبريرات لأزمة الفكر القومي العربي، نقول: إن الأطروحة القومية طغى عليها في الخمسينات والستينات، الطابع التحرري العام ضد النفوذ الأجنبي، وكانت هذه سمة إيجابية طبعاً عززت من جماهيرية الطرح القومي بين المحيط والخليج. ثم دخل البعد الإجتماعي على الأطروحة القومية ليصبح الحديث عن الإنتماء القومي مرادفاً للاشتراكية بينما الأول هو حالة كيانية مستمرة بغض النظر عن النظام السياسي والإجتماعي المطلوب في أي مرحلة أو ظرف. وفي المرحلتين، التحررية والاجتماعية، كانت الأطروحة القومية ضعيفة الاقتران أو الوضوح في العلاقة مع ثلاث مسائل: الاسلام، الديمقراطية والوطنية. فقد غابت هذه المسائل، جملة وتفصيلا، عن الأطروحة القومية أو على الأقل بشكل أضعف بكثير من الجانبين التحرري والاجتماعي. فالتيار القومي ساهم في تحرير الجزائر مثلا من الاستعمار الفرنسي، لكنه لم يستطع إلزام قادة معركة التحرير بانتهاج الأسلوب الديمقراطي في الحكم أو بوضوح العلاقة مع الاسلام. وساهم التيار القومي أيضاً في الدفاع عن عروبة لبنان عام 1958، لكنه لم يعكس طرحاً متكاملاً بين العروبة والوطنية اللبنانية، حيث كان دعاة العروبة في لبنان يرفضون مجرد القبول بالانتماء للوطن اللبناني وينظرون الى الوطنية كنقيض للعروبة، كما كانت العروبة تشكل هاجساً خطيراً على دعاة "اللبنانية". وكان التركيز الشديد على الربط بين دعوة الوحدة وبين الاشتراكية كفيلا بجعل كل المتضررين من قرارات التأميم والتطبيق الاشتراكي (في مصر وسوريا وغيرها)، من أعداء الوحدة عوضاً عن النظرة لها بأنها ستفتح أسواقاً جديدة لمصالحهم وتجارتهم. من ناحية ثانية، فان الاشتركية كانت دعوة فكرية غير متفق على مضمونها عربيا، حيث وضعها البعض في خانة الفكر الماركسي وتجربته الاقتصادية.. وفي ظل العلاقات القوية التي كانت سائدة بين المعسكر الشيوعي وقادة التيار القومي. وقد أدى هذا الأمر الى ردة فعل فكرية وسياسية ضد الفكر القومي من قبل كل من يتناقض فكرهم أو سياستهم مع الفكر الماركسي، ومن ضمنهم بعض الجماعات الإسلامية. إن الأمة العربية هي الأمة الوحيدة بين أمم كل العالم الإسلامي التي لا يصحّ التناقض فيها بين الإسلام والإنتماء للعروبة. فالأمة العربية هي الأمة الوحيدة التي أوجدها الاسلام ولم تكن موجودة قبله، وهي تتميز بهذا عن بقية الأمم الأخرى ولو كانت أمماً مسلمة. وبينما الاسلام هو دين وحضارة للعرب المسلمين، فانه حضارة وتاريخ وتراث للعرب غير المسلمين. فلو ان الفكر القومي بشكل عام يمكن أن يتناقض مع الاسلام في أية أمة في العالم، فانه لا يمكن ان يكون كذلك في الأمة العربية. فالعرب هم حملة رسالة الاسلام، والعربية هي لغة قرآنه الكريم وحاوية معظم تراثه الفكري، بل ان في توحد العرب قوة للاسلام ودعم للمسلمين في كل مكان. ورغم كل ذلك حدث ويحدث التناقض بين دعاة العروبة ودعاة الاسلام بينما يُفترض بهما الاشتراك سوياً في المنطقة العربية بالدعوة للعروبة والاسلام معاً. وعلى صعيد العلاقة بين العروبة والوطنية، فان الهوية الوطنية لا يجب أن تتعارض مع الدعوة للانتماء القومي، بل أن تعزيزها (اي الهوية الوطنية) يساهم في إذابة الانقسامات القائمة داخل البلاد العربية على أساس طائفي أو قبلي أو عرقي حيث تصبح الوحدة الوطنية داخل كل وطن عربي أساس الدعوة للوحدة العربية، وحيث يكون الولاء للوطن الواحد أرفع درجة من الولاء للطائفة أو القبيلة أو العشيرة. إن دولة "الولايات المتحدة العربية" يجب أن تكون حصيلة تكامل "الوطنيات" العربية وليست نتيجة سيطرة إقليمية على إقليمية أخرى.. وباسم الوحدة العربية!! إن الإجماع الشعبي داخل كل بلد عربي على دعوة الوحدة هو الطريق لبناء دولة الوحدة، وأي أسلوب آخر هو هدم لفكرة الوحدة وتعميق لشرخ الانقسام بين العرب. لقد كان غزو الكويت أكثر التجارب العربية مرارة وخسارة، لأن ما حصل بعد ذلك هو تراجع دعوة الوحدة العربية مسافات الى الوراء. وقد تأكد في هذه التجربة المريرة كل ما سبق قوله عن مساوئ الخلط بين أدعياء القومية وبين دعوة القومية، كما تأكدت أيضاً اخطار عدم الترابط بين الاطروحة القومية والمنهح الديمقراطي. إن غياب الديمقراطية في المنطقة العربية يجعل استباحة حقوق الأفراد والأوطان من الأمور القابلة للتكرار - وتحت شعارات مختلفة - باسم العروبة حيناً وباسم الاسلام أحياناً أخرى، كما كان يحصل في الماضي القريب باسم التحرر أو التقدم!! إن الأطروحة القومية العربية لا يمكن لها أن تستمر وأن تستقطب حولها ما لم تقف على ثلاث ركائز أساسية: الاسلام الحضاري والديمقراطية والوطنية، وبدون أي منها، ستبقى الأطروحة القومية عرجاء وعاجزة عن النهوض بالأمة العربية والارتفاع فوق ما فيها من تجزئة وتخلف واستبداد . والله الموفق . |
وجهة نظر حول معنى العروبة
|
صبحي عندور
وجهة نظر حول معنى العروبة
صبحي غندور
مدخل معنى العروبة ـ كما افهمها ـ هو إدراك
ماهية الإنسان العربي. وقد وضعت كلمة الإنسان
قبل كلمة العربي -ومعها- لأن ذلك أساس لتأكيد
وحدة الأصل الإنساني ولإسقاط كل تعريف على
أساس عنصر الدم أو الجنس أو الأصل العائلي أو
حتى مكان الولادة. فكثيرون يولدون خارج
المنطقة العربية، ويعتبرون أنفسهم عرباَ..
وكثيرون يولدون داخل المنطقة العربية،
ويرفضون الانتماء العربي ويعتزون بأصول
قومية أخرى غير عربية.
فالإنسان العربي لا يتحدد فقط من خلال كونه
يتحدث بالعربية، لأن الحديث بأي لغة لا يعني
بالضرورة حالة انتماء لأمة اللغة نفسها..
الإنسان العربي، هو إنسان الثقافة العربية (لغة
وتفكيراً).. هو الإنسان الذي يعيش الثقافة
العربية بما فيها من لغة وعناصر تاريخية
مشتركة حصلت وتحصل على أرض عربية مشتركة. {أي
جمع اللغة مع التاريخ المشترك على أرض مشتركة}.
هكذا مثلاً تكونت الأمة الأميركية في القرون
الخمسة الماضية. فالإنسان العربي هو الإنسان
المنتمي للأمة العربية من حيث عناصر تكوينها:
لغة/ثقافة مع تاريخ مشترك على أرض مشتركة، حتى
لو لم يدرك هذا الإنسان العربي عناصر تكوين
أمته.
وحسب اجتهادي الخاص، فان معادلة الواقع
الراهن للعروبة، تقوم على:
العروبة = انتماء لأمة واحدة (زائد) مضمون
حضاري مميز متصل بالإسلام (ناقص) وحدة كيان
سياسي.
وهذا يعني فوارق بين:
(1) العروبة والعربية
(2) وبين العروبة والقومية
(3) وبين العروبة والوحدة العربية.
1- الفرق بين العربية والعروبة:
- العربية: هي لغة الثقافة العربية. فكل إنسان
عربي.. هو عربي.. لكن ليس كل إنسان عربي هو
عروبي. فالعروبي هو من يجمع بين مقومات
العربية ومستلزمات العروبة (أي بين لغة
الثقافة العربية وبين المضمون الحضاري لها
وبين التسليم بالانتماء لأمة واحدة). لذلك
أحبذ استخدام تعبير العروبة الحضارية وأكرره
في مجلة "الحوار" منذ عددها الأول.
لكن بعضاً من العرب يعتقد بالانتماء إلى أمم
أخرى غير الأمة العربية، (مثال: "القوميون
السوريون" الذين يعتقدون ب "الأمة
السورية" وبالانتماء للعالم العربي وليس
للأمة العربية، كمثل انتماء الأمة الفرنسية
للعالم الأوروبي أو للوحدة الأوروبية).
بينما -حسب وجهة نظري- فان "الكل العربي"
هو مكون أصلاً من "أجزاء" مترابطة
ومتكاملة. فالعروبة لا تلغي - ولا تتناقض مع -
الروابط العائلية أو القبلية أو الوطنية أو
المناطقية، بل هي تحددها في إطار علاقة الجزء
مع الكل.
2- حول العروبة والقومية:
القومية تعبير يسمح بالتقلص وبالامتداد بما
هو أكثر أو أقل من معنى العروبة. (كمثال "القومية
السورية" في المجال العقائدي والسياسي) و"القومية
الكردية" أو البربرية في المجال العنصري..
الخ...
القومية تعبير اختلطت فيه مضامين أخرى في
التاريخ الحديث والمعاصر (مضامين عنصرية أو
مضامين معادية للدين أحياناً)... القومية
تَشَوّه استعمالها من قبل الكثير من الحركات
السياسية المعاصرة...
بينما العروبة تحدد نفسها بنفسها، فالعروبة
تشمل خصوصيتها وعمومية تعريف القومية، في حين
أن استخدام تعبير القومية الآن لا يؤدي غرض
معنى العروبة نفسها.
(القول: أنا "عروبي" يعني أموراً فكرية
وثقافية محددة، بينما القول أنا "قومي عربي"
يحتاج الآن إلى الكثير من التوضيح والتفسير).
فالعروبة هي تعبير عن الانتماء إلى قومية
محددة، لها خصائص وخصوصيات تختلف عن القوميات
الأخرى حتى في دائرة العالم الإسلامي.
3- حول العروبة والوحدة العربية:
الدعوة إلى العروبة هي دعوة فكرية وثقافية،
بينما الدعوة إلى الوحدة العربية هي دعوة
حركية وسياسية.
الانتماء إلى العروبة يعني التسليم
بالانتماء إلى أمة واحدة يجب أن تُعبّر عن
نفسها بشكل من أشكال التكامل والاتحاد بين
أبنائها.. لكن "الوحدة" قد تتحقق بحكم
الفرض والقوة أو بحكم المصالح المشتركة (كالنموذج
الأوروبي) دون أن تكون الشعوب منتمية
بالضرورة إلى أمة واحدة. ف"الوحدة" ليست
معياراً لوجود العروبة بينما العروبة تقتضي
حتماً التعبير السياسي عن وجودها بشكل وحدوي.
***
ظروف حول العروبة والعرب
لقد ترافق تحول الأمم إلى دول -أو القوميات
إلى حكومات خاصة- مع سقوط إمبراطوريات، بحكم
التضارب أصلا بين وجود إمبراطورية تضم أكثر
من أمة، وبين الدعوات إلى استقلال الأمم
وبناء الكيان/الدولة لها. (مثال قوميات
الاتحاد السوفياتي التي تحررت الآن التي
تحررت الآن من الهيمنة الروسية، ومثلما حدث
في أوروبا بالقرن التاسع عشر).
لكن الملفت للانتباه على الصعيد العربي (منذ
عهد الخلفاء الراشدين إلى نهاية العهد
العثماني) هو توالي أشكال من الحكم العربي
وغير العربي على أساس غير قومي أصلا وغير محدد
بشعب معين أو أرض معينة (وهذا شكل من أشكال
الإمبراطورية التي تضم أكثر من شعب وقومية).
وفي مرحلة القرن العشرين -التي ورثت فيها
الإمبراطوريتان (البريطانية والفرنسية)
الإمبراطورية العثمانية- انتقل العرب من حال
حرية الحركة على أرض واحدة (بدون كيان سياسي
عربي واحد طبعاَ) إلى حال من القيود والحواجز
على أرض العرب المشتركة، في ظل محاولات لصنع
ثقافات خاصة مجتزأة شجعت عليها بقوة السلطات
البريطانية والفرنسية التي كانت تهيمن على
معظم البلاد العربية .
ثم ورثت الولايات المتحدة الأميركية دور
بريطانيا وفرنسا في المحافظة على الواقع
العربي المجزأ، مع دعم كبير ومفتوح لوجود
إسرائيل كنواة لبناء قومية جديدة (غير عربية
على الأرض العربية) وبطابع عنصري يهودي
وتوسعي!.
خلاصات
1- العربية موجودة كلغة وثقافة قبل وجود
الإسلام، لكنها كانت محصورة بالقبائل
العربية وبمواقع جغرافية محددة.. بينما
العروبة –كهوية انتماء ثقافي- بدأت مع ظهور
الإسلام ومع ارتباط اللغة العربية بالقرآن
الكريم وبنشر الدعوة بواسطة رواد عرب..
فالعروبة هي إضافة حضارية مميزة أوجدها
الإسلام على العربية كلغة نتيجة ارتباط
الإسلام بالوعاء الثقافي العربي ماضياً
وحاضراً ومستقبلاً.
وهكذا أصبحت العروبة الحضارية هي الثقافة
العربية ذات المضمون الحضاري الذي جاء به
الإسلام، وبالتالي خرجت الثقافة العربية من
دائرة العنصر القبلي ومن حدود الجغرافية
الصغيرة إلى دائرة تتسع في تعريفها ل"العربي"،
كل من يندمج في الثقافة العربية بغض النظر عن
أصوله العرقية. 2- العرب هم أمة واحدة في
الإطار الثقافي وفي الإطار الحضاري وفي
المقاييس التاريخية والجغرافية (اشتراك في
عناصر اللغة والثقافة والتاريخ والأرض) لكنهم
لم يجتمعوا تاريخياً في إطار سياسي واحد على
أساس العروبة فقط. فالعروبة قائمة وجوداً
كثقافة خاصة قبل الإسلام ثم كحضارة من خلاله
وبعده لكنها لم تتجسد سياسياً بعد كأمة
واحدة، في إطار كيان سياسي واحد، وعلى أساس
مرجعية العروبة كانتماء. أن الأرض العربية
كانت تحت سلطة واحدة في مراحل من التاريخ، لكن
على أساس مرجعية دينية إسلامية (الخلافة) وليس
على أساس قومي عربي.
ان العروبة هي حالة انتماء إلى مضمون حضاري
إسلامي مميز بعلاقته مع اللغة العربية، وتقوم
على قاعدة الثقافة العربية، وهي رغم توفر
عناصر تكوين الأمة فيها، فإنها لم تصل بعد إلى
حالة الانتماء إلى كيان سياسي موحد، ولم يحصل
ذلك تاريخياً من قبل على أساس مرجعية العروبة
فقط. وللوصول إلى مشروع الكيان الواحد أو
الاتحادي تتوجب الأساليب المرحلية المتعددة
شرط قيامها جميعاً على أساس ديمقراطي في
الداخل وسلمي حواري في العلاقة مع الطرف
العربي الآخر.
3- من المهم معالجة مشكلة العروبة مع الرافضين
لها على أساس الدين أو على أساس الإقليم/القطر.
فإدراك الانتماء إلى أمة عربية واحدة، وإدراك
معنى العروبة وخصائصها الحضارية .. لا يعني
حتماً إدراك ضرورة التعبير السياسي
والدستوري عن الأمة العربية الواحدة.
من هنا أهمية التوافق على مسألتين:
الأولى: حسم مسألة الانتماء إلى أمة عربية
واحدة من حيث عناصر تكوين الأمة (لغة- ثقافة-تاريخ-
أرض مشتركة)، وحسم مسألة البُعد الحضاري
الإسلامي الخاص في العروبة والمميز لها عن
باقي القوميات في العالم..
الثانية: ضرورة المرونة في كيفية الوصول إلى
تعبير دستوري سياسي عن وحدة الأمة (أهمية تعدد
الوسائل للهدف الواحد). وفي عالمنا المعاصر
نماذج لذلك:
- التجربة الأميركية (دستور اتحادي/فيدرالية
بين خمسين ولاية)
- التجربة الأوروبية (تكامل تدريجي/من
الكونفدرالية إلى الفيدرالية بين أمم ودول
مختلفة).
ويبقى الأساس في أي وسيلة تستهدف الوصول إلى
الوحدة هو:
1- الدعوة السلمية ورفض الابتلاع أو السيطرة
أو الهيمنة من وطن عربي على آخر..
2- نظام الحكم الديمقراطي قبل المباشرة بعملية
الوحدة. فالتحرر والديمقراطية معاَ هما
المدخل السليم لوسائل تحقيق الوحدة أو أي شكل
اتحادي عربي.
مركز الحوار العربي - واشنطن