|
عبدالناصر والبعث 2
|
ا
ندوة عالم مابعد 11 سبتمبر
عالم ما بعد 11 سبتمبر يجعل احياء المشروع القومي حتميا * نسبة ما جرى بعد 73 إلى يوليو نوع من التدليس التاريخي * واشنطن تريد اسرائيل الأقوى لذلك تحولت مصر من بناء المصانع الى القرى السياحية تأتي الذكرى الخمسون لثورة 23 يوليو في مصر، في ظل ظروف عربية ودولية عصيبة.. وفي مناخ من المواجهات الحاسمة في تاريخ المنطقة، تستوجب منا جميعا أن نقف طويلا امام هذه الذكرى.. ونستحضر تجربة وسيرة 50 عاما من النضال، ونحاول أن نرى الحاضر والمستقبل على هدى هذه الثورة، التي غيرت وجه الحياة في مصر والمنطقة العربية. وفي هذه المناسبة، عقد مكتب «البيان» في القاهرة حلقة نقاشية تحت عنوان «ثورة يوليو: نظرة نقدية.. ورؤية للمستقبل»، شارك فيها مجموعة من السياسيين والمفكرين المصريين، من الذين عاصروا تفجر الثورة.. وعايشوا معاركها وانتصاراتها، وأيضا انكساراتها. بدأ جلال عارف ـ مدير مكتب «البيان» بالقاهرة ـ الحلقة بقوله ان المدخل الطبيعي لمناقشة الموضوع، خصوصا لأجيال لم تعاصر الثورة.. ولم تتعرف على أسباب اندلاعها، ان يتم القاء مزيد من الضوء على الظروف التي قامت بسببها ثورة يوليو 1952، سواء على المستوى المحلي في مصر أو الاقليمي في المنطقة العربية أو المستوى الدولي، للاجابة عن هذا التساؤل الكبير الذي ردده أعداء الثورة كثيرا ولا يزال بعضهم يردده حتى اليوم، في عملية غسيل مخ تهدف لمحو ذكرى هذه الثورة، وهو: هل كانت ثورة يوليو مجرد مغامرة عسكرية، مثل المغامرات الأخرى التي كانت تسود المنطقة وقتها، قام بها مجموعة من الضباط الشبان عديمي الخبرة والتجربة، أو انها كانت جزءا من صراع القوى الكبرى على النفوذ في المنطقة أم أنها كانت حاجة وضرورة ملحة، مصرية وعربية، استوجبتها الظروف والتحديات التي مرت بها مصر والمنطقة؟ وبعبارة أخرى: هل كانت الثورة (انقلاباً) على أوضاع يتباكى البعض عليها الآن، باعتبار انها كانت اوضاعا ليبرالية تبشر بالخير والازدهار، أم أنها كانت ضرورة نضالية وحياتية لمصر والمنطقة العربية والعالم الثالث بأسره؟ حضور الندوة شارك في الحلقة النقاشية عن (ثورة يوليو: نظرة نقدية.. ورؤية نقدية.. ورؤية للمستقبل» كل من الاساتذة: محمد عودة الكاتب والمفكر الكبير، وعبدالغفار شكر المفكر السياسي المعروف، والدكتور اسامة الغزالي حرب عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير مجلة «السياسة الدولية» والدكتور عبدالحليم قنديل الكاتب الصحفي ورئيس تحرير جريدة «العربي» الناصرية. وشارك في جزء من الندوة سامح عاشور نقيب المحامين المصريين رئيس اتحاد المحامين العرب. فلسفة الثورة محمد عودة: في كتاب فلسفة الثورة، يروى عبدالناصر قصة اعتقد انها تجيب على هذا السؤال: وهي أن القائمقام أحمد عبدالعزيز ـ قائد المتطوعين في فلسطين ـ جمع الضباط، ولم يكن الجيش النظامي قد دخل بعد، وقال لهم: ان المعركة الحقيقية في مصر.. ونحن لن نستطيع تحرير فلسطين، الا اذا حررنا مصر.. وهو بهذه الكلمة، اعطى الرؤية الحقيقية لثورة يوليو.. فالثورة لم تكن مغامرة عسكرية، ولم تكن مجرد ثأر لهزيمة .1948. ولكن كان فيها رؤية سياسية استراتيجية متكاملة، توضح ان المعركة في مصر لا تعني فقط تحرير فلسطين.. وانما أيضا تحرير كل المنطقة العربية. فالضباط الاحرار الذين قاموا بالثورة، كانوا قد درسوا الحرب العالمية الاولى.. ودرسوا قطعا النظرية المتكاملة، التي ظهرت منذ أيام ابراهيم باشا، والتي تقول ان الأمن العربي لا يتجزأ، من جبال طوروس شمالا الى منابع النيل جنوبا. واريد ان اذكر ان الجنرال اللنبي عندما دخل القدس قال: الآن انتهت الحروب الصليبية، ومعنى عبارته انه بالسيطرة على هذه المنطقة سيتمكن الغرب من انهاء الحرب الصليبية المستمرة منذ ألف عام. ثورة يوليو اذن حققت هذا الهدف، هدف تحرير مصر والسعي لتحرير كل المنطقة العربية، والتزمت به منذ البداية والشرارة الثورية امتدت ايضا ـ بعد الدائرة العربية ـ الى الدائرة الافريقية، ثم الدائرة الاسلامية لأن المنطقة كلها كانت حبلى بالثورة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فهي منطقة ذت أهمية خاصة وهي مستهدفة دائما، وكانت تعتبر سُرة العالم منذ أيام نابليون، واكتسبت أهميتين اضافيتين كبيرتين بعد الحرب العالمية.. فهي أصبحت أغني منطقة في العالم بالبترول، وثانيا أنها باتت من أهم المناطق في استراتيجية الحرب الباردة وكانوا يسمونها بطن روسيا الناعم، لذلك رأى الغرب انه لابد من الاستيلاء عليها، لهذين السببين تحديدا، واصبحت منطقة رئيسية للصراع على النفوذ ابان الحرب الباردة. ولذلك فان هدف تحرر مصر، الذي سعت الثورة لتحقيقه، كان معناه اسقاط هذه الاهداف الاستعمارية، وهي حاولت ليس فقط تحرير مصر ولكن تحرير الامة العربية كلها. ومن هنا بدأت المعارك المعقدة التي استهدفت الثورة المصرية، والتي شهدتها المنطقة العربية أيضا. أما بالنسبة للأوضاع الداخلية في مصر، فأقول لمن يرددون أن ثورة يوليو 1952 ارتكبت خطأ، بالقضاء على التجربة الليبرالية التي كانت موجودة في البلاد وقتها، أن الثورة قامت بعد 6 أشهر من القضاء النهائي على الليبرالية في مصر.. وذلك عندما حدث حريق القاهرة يناير 1952، ثم اقالة الملك لآخر وزارة من وزارات الوفد وبالطريقة المهينة التي اقيلت بها، من تغيير ست حكومات خلال ستة أشهر فقط. وأضيف الى ذلك ماكشفته الوثائق عن وجود اتفاق بين ملك مصر السابق فاروق والولايات المتحدة الأميركية، يقضي بمساعدتهم له بفرقتين مسلحتين لدعم وجوده في السلطة. كل ذلك أدى الى سقوط مايسمى بـ الليبرالية المصرية، التي لم تتحقق أو تستقر على أرض الواقع. لكن المؤكد أن مصر، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي حبلى بالثورة.. فمنذ عام 1946 كانت انتفاضة الجامعة، والتي هتف فيها المتظاهرون ـ لأول مرة ـ بسقوط الملك، ثم شهدت البلاد ـ بعد ذلك ـ أطول انتفاضات عمالية، وعرفت أول انتفاضات زراعية مسلحة، وشهدت أغرب الأحداث.. وهي اضراب البوليس، ثم جاءت هزيمة الجيش المصري في حرب 1948. وهذه كلها كانت أحداث جعلت جنين الثورة يكتمل، ويخرج في ليلة 22 يوليو 1952. الحقبة الليبرالية د.أسامة الغزالي: اتصور أن الحديث عن ثورة يوليو بعد مرور 50 سنة على قيامها، يختلف عنه بعد 10 أو 20 سنة، فنصف قرن من الزمان فترة كافية، وتسمح لنا بنظرة موضوعية، ونحن الآن أحوج مانكون لرصد الأزمات الحقيقية والمسيرة المتعثرة والاحباطات الهائلة التي تحيط بنا من كل جانب الآن. وفي ضوء ذلك، اعتقد اننا في حاجة لأن نفهم أكثر ـ بشكل موضوعي فترة ماقبل يوليو 1952، وتحديدا منذ عام .1923. أي الثلاثون عاما التي سبقت الثورة، وهي التي توصف بأنها الحقبة الليبرالية. وأنا أدعي انه كلما قرأت أكثر عنها، وكذلك كلما تعرفت على الاحداث قبلها وبعدها، اعتقد ان هذه الفترة ظلمت كثيرا وأظن أننا بحاجة لأن نفهمها أكثر على حقيقتها، بدون تحيز مع أو ضد. فلا شك أن كل مايقال عن الاوضاع الداخلية ـ خاصة على الصعيد السياسي ـ التي مهدت للثورة، سليم تماما.. فلا يمكن التشكيك ـ مثلا ـ في مسألة فساد الملك، أو الاحتلال، أو قصر نظر كل القوى السياسية.. بما فيها (الوفد) حزب الاغلبية، والعجز لدى النظام السياسي عن استيعاب القوى الجديدة التي ظهرت في هذه الفترة مثل: الاخوان المسلمون أو الشيوعيون أو حركة مصر الفتاة، وغيرها من القوى التي كان يموج بها المجتمع والحياة السياسية المصرية. ولا شك ايضا انه كانت هناك حالة من الضيق والتذمر لدى الناس، على الاقل ازاء ظاهرة عدم استقرار النظام السياسي الغريبة، فقد كانت الوزارة تتبدل كل شهر تقريبا، وحزب الاغلبية الوفد لم يحكم الا ما مجموعه 6 سنوات طوال تلك الفترة كلها.. وهذه أشياء كلنا نسلم بها. انما أنا أشعر أننا لم نعرف هذه الفترة بالكامل، وأعتقد أنه أيا كانت نواحي القصور في تلك الحقبة الزمنية.. فانها شهدت تجربة يمكن أن نسميها «شبه ليبرالية»، فقد كان هناك دستور عام .1923. وكانت هناك درجة معينة من الحريات السياسية والاجتماعية، وكذلك الحريات العامة.. مثل حرية التعبير والصحافة، لاشك أنها كانت متقدمة اذا ما قورنت بكل المنطقة المحيطة بمصر. والاهم من ذلك، أن هذه الدرجة من الحرية النسبية أنتجت ربما أفضل ما ظهر في مصر الحديثة من ظواهر فكرية وثقافية.. فكبار مفكري مصر، مثل طه حسين وعباس محمود العقاد ومحمد حسين هيكل وتوفيق الحكيم وغيرهم من القمم الثقافية، ظهروا في هذه الفترة. ونفس الامر ينطبق على الفن: أم كلثوم وعبدالوهاب في الغناء، وكبار فناني المسرح والسينما، والاسماء اللامعة في الفنون التشكيلية. اذن، تلك الفترة شهدت ازدهارا حقيقيا في الحياة الثقافية والفكرية المصرية، وكانت تموج بحيوية سياسية واجتماعية لا يمكن انكارهما على الاطلاق. وصحيح اننا كلنا نعلم الابعاد الطبقية لهذه الحرية، وكلنا نعرف ونفهم حدودها لكن الصحيح أيضا أن المجتمع كله كان في حالة نهوض ملموسة. حتى في المجال الاقتصادي، نجد أن تلك الفترة ظلمت كثيرا. من المهم أن نخضعها لدراسة موضوعية.. ونفهمها بشكل متوازن، من اجل أن نستطيع تقويم التجربة المصرية تقويما موضوعيا. واذا رجعنا الى ما قبل الثورة عام 1945 وما بعده، كان الهاجس الاساسي الذي يراود القوى العظمى الصاعدة ـ آنذاك ـ التي ورثت الامبراطورية البريطانية، وهي الولايات المتحدة الأميركية، هو محاربة الشيوعية ومن عاشوا في تلك الفترة يدركون كيف كانت الولايات المتحدة تتحدث عن الشيوعية كما تتحدث اليوم عن الارهاب، وهذه هي طبيعة الأميركيين.. فهم عندما يكونون مهمومين بشئ معين، فانهم يرون كل الدنيا من هذه الزاوية. ولذلك أنا أتصور أن الولايات المتحدة كان همها الاساسي في هذه المنطقة، وهذه مسألة ثابتة تاريخيا وسياسيا، هو ـ بالدرجة الاولى ـ احتواء الخطر الشيوعي. اذن، ولكي نفهم الظروف الاقليمية والدولية التي أحاطت تلك الفترة، فان «ثورة يوليو» عندما قامت ـ في ذلك الوقت ـ كانت هناك قوات احتلال انجليزية في مصر وبعض الدول المجاورة لها، والثابت تاريخيا أن الولايات المتحدة ضغطت على بريطانيا.. حتى لا تتدخل لمواجهة الحركة التي قام بها الجيش المصري في يوليو 1952، لأن أميركا كان تقديرها أن هذا النظام الجديد هو أفضل من أي احتمالات أخرى للثورة، لأنها تعرف الجيش وانضباطه .. وأنه سوف يكون هو القوة التي تقف ضد التوسع والخطر الشيوعي في المنطقة. ولاشك أن التقدير الأميركي هنا كان سليما، كما أن «عبدالناصر» كان من القوة والجاذبية والشعبية بحيث أنه قضى على أي أمل للشيوعيين بأن يكون لهم أي نفوذ في هذه المنطقة. حلقة مفرغة سامح عاشور: لم يعد هناك أي شك في تقدير الاسباب والمبررات التي أدت الى اندلاع الثورة، ولا يستطيع أحد أن يقول الآن أنه لم تكن توجد مبررات.. صحيح أننا قد نختلف على مساحاتها أو أبعادها، لكن لا يمكن انكارها على الاطلاق. كذلك لا أحد يستطيع أن ينكر أنه كانت هناك تجربة ليبرالية موجودة في الحكم، ساهمت في الحركة الوطنية المصرية لكنها فُرغت من مضمونها، وتحولت من منطق تداول السلطة الى منطق تبادل وتوالي السلطة، حتى أصبحت التجربة مفرغة من المعاني والمضامين. فعندما تتبدل الحكومات الواحدة تلو الاخرى، خلال فترة زمنية لا تتجاوز عدة شهور، دون أن تقدم أي حكومة منها موقفا واضحا يفصل بينها وبين الحكومة السابقة عنها.. أو التالية لها، فان معنى ذلك أن المجتمع وصل الى (حلقة مفرغة).. وأصبح مثل المركب التي تسير نحو جرف بسرعة كبيرة جدا، ومن هنا كان لابد وأن يحدث تحول في اتجاه آخر. وأنا هنا أطرح سؤالا، أعتقد في أهميته، وهو: هل نحن الآن في حاجة للبحث في الثورة؟.. أنا أقول: نعم، ولكن ليس من منطق أو منطلق أن نقيم أو نرصد مناقب الثورة أو عيوبها، وانما من منطلق أن هناك أهمية كبيرة جدا الآن في الشارع لوجود «مرجعية» وجذور، بعد فترة طويلة للغاية من الفراغ الذي حاولت فيه بعض الحكومات والقيادات أن يقطعوا «جذور الثورة» عن ما يجري في مصر والوطن العربي، وبعد أن فشل منهج التعايش مع قوى العالم . لأنه في الحقيقة حدث انقلاب عن نهج الثورة، فبعد أن كان «عبدالناصر» يواجه بثورته ويخوض معارك تمثل ـ سواء فشلت أو نجحت ـ الطموحات والأماني القومية للمواطن العربي، الذي كان يستشعر فيها بالقوة والعزة والاعتزاز بالنفس فاننا نجد أنفسنا الآن، ومنذ عشرات السنين، نسير في ركب «الآخر».. وبمنطق مختلف، هو منطق التعايش والقبول والتسليم بما تراه القوى المحيطة بنا، وهذه القوى الآن هي: اسرائيل وأميركا.. وبالتالي أصبحنا أسرى للموقف الأميركي والاسرائيلي في كل القضايا التي أمامنا وحولنا، ولا نستطيع أن نأخذ خطوة حقيقية الا ونحسب حساب أن هناك احتمالا لمواجهة قد تضيع مصر، وبالتالي فان علينا أن نتراجع خطوات كبيرة وحاسمة الى الوراء. وأنا أرى أن فشل «منهج التعايش» الحالي، يفرض علينا أن نحدث تعديلا جديدا في الخطاب السياسي والاعلامي والقانوني، بالشكل الذي يجعلنا نحصد الفوائد التي حصلت عليها الأمة العربية نتيجة رفضها ـ في الماضي ـ التعايش والاستسلام، وانتصاراتها التي تحققت في المنطقة بغض النظر عن اختلاف الظروف والمعايير التي تفرض علينا أن نعدل في وسائلنا وأدواتنا، لكي نخرج من مرحلة التعايش والتسليم بما يتم حولنا ويرسم لنا من حدود الى مرحلة أخرى من المواجهة، ندرك فيها ما تم من تغيير في خريطة العالم .. وأن نعي خطورة المواجهة بشكلها التقليدي، لكن علينا أن نتحول جميعاً للبحث عن وسيلة جديدة للتعامل مع هذا العالم الجديد، الذي يريد أن يعيد المنطقة الى ما قبل التاريخ، فالمطلوب منا الآن هو ـ ببساطة شديدة ـ أن نعود الى ما قبل عصر «محمد علي»، سواء في مصر.. أو المنطقة العربية كلها. وفي مواجهة ذلك، أكرر القول بأننا في أشد الحاجة الآن لاستحضار تجربة «ثورة يوليو» ونهجها في التعامل مع كافة القضايا من منظور وطني وقومي خالص، على أن نأخذ في اعتبارنا أن العالم قد تغير.. ويحتاج آليات جديدة للتعامل معه، شرط ألا تفقدنا رؤانا وارادتنا المستقلة. الانجاز الرئيسي عبدالغفار شكر: أنا أوافق على ما قاله د. أسامة الغزالي من زاويتين: الأولى تتناول جوهر الانجاز الذي تم، والثانية تتعلق بالسبب الرئيسي في أنها توقفت ولم تكتمل.. وهنا نتحدث بعيدا عن فكرة أنه كانت هناك مؤامرات على الثورة وأعداء لها، ونركز على البحث في العيوب الذاتية والنواقص الخاصة بالثورة، والتي أدت الى أن هذه الظاهرة لم تكتمل. صحيح أن الفترة السابقة على ثورة يوليو، وهي الفترة التي أسماها د. أسامة «الحقبة الليبرالية»، شهدت ظواهر ايجابية كثيرة فيما يتعلق بالحياة الحزبية والسياسية والثقافية، لكن الحقيقة أن المشكلة الرئيسية التي وجدت «ثورة يوليو» استجابة كبيرة من الناس في تعاملها معها.. هي أنه في ظل كل هذه الاوضاع الايجابية للفترة الليبرالية، كانت الحقيقة الكبرى أن الاقتصاد المصري يعاني من التخلف.. فلا يستطيع أحد أن ينكر أنه كانت هناك أوضاع مزرية، قبل قيام الثورة، من التخلف الاقتصادي والاجتماعي. وتعقيبا على ما يقوله د. أسامة، فان فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي حدث فيها نمو اقتصادي كبير بالفعل.. حيث بنى بنك مصر ـ بفضل الاقتصادي الكبير طلعت حرب ـ عدة صناعات، وكذلك فعلت أسر مصرية أخرى، لكن بعد الحرب العالمية الثانية خرجت تقارير اتحاد الصناعات المصرية كلها ـ وهو أكبر مؤسسة مسئولة عن الصناعة في ذلك الوقت ـ تؤكد أنه لا مستقبل أمام الصناعة الوطنية ونموها، الا اذا تمت مواجهة ثلاث ظواهر: أولها ضرورة توسيع «السوق الوطني» الذي كان يتشكل الجزء الاكبر منه ـ في ذلك الوقت ـ من الفلاحين الذين ليست لديهم قدرة شرائية، والسبب أن كبار ملاك الاراضي الزراعية يستغلون الفلاحين بدرجة لا تسمح بوجود فائض من الدخل لديهم.. يمكنهم من شراء منتجات الصناعات الوطنية الموجودة وقتها، من أقمشة ومنسوجات ومنتجات جلدية.. وغيرها. الظاهرة الثانية، كانت السيطرة البريطانية على الاقتصاد المصري.. حيث كانت الرأسمالية الانجليزية والاجنبية تتعامل مع الشركات المصرية بوسائل احتكارية. يضاف الى ذلك مسألة ثالثة، هددت مستقبل ونمو الصناعة المصرية الوليدة قبل ثورة يوليو، هي أنه رغم تخلف تلك الصناعة.. الا أن بعض قطاعاتها وصلت الى مرحلة الاحتكار، خاصة في الاسمنت والسكر وبعض المنسوجات، وتقرير اتحاد الصناعات ـ عام 52/1953 ـ يتحدث عن أنه في صناعتي الاسمنت والسكر لم يكن الانتاج يغطي السوق المحلي ، ورغم ذلك كان المنتجين وأصحاب المصانع يلجأون الى تقليل الانتاج، لكي يحافظوا على السعر الاحتكاري وبالتالي فان الرأسماليين أنفسهم، والمستنيرين منهم خصوصا، كانت كل كتاباتهم تركز على أنه طالما كانت هناك ملكية كبيرة للأرض الزراعية.. وسيطرة أجنبية على الاقتصاد.. وطالما بقي الاحتكار، فانه لا أمل أمام نمو الصناعة الوطنية.. التي هي الامل والوسيلة الاساسية لتقدم الاقتصاد المصري. وأنا أرى أن أهم انجاز لثورة يوليو، هو أنها تعاملت مع هذه الظاهرة.. عندما أصدرت قانون «الاصلاح الزراعي» الذي صفى الملكية الزراعية، وبذلك سمحت للسوق الوطني أن يتسع. كما أنها قامت بتصفية الملكية الاحتكارية لوسائل الانتاج. والخطوة الثالثة أنها أنهت وجود الاستعمار الانجليزي وبالتالي قضت على السيطرة الاقتصادية الاجنبية، وفتحت الباب أمام نمو الصناعة الرأسمالية. ورغم أن الثورة لم تكن قررت ـ في ذلك الوقت ـ تبني الفكر الاشتراكي، الا أنها أصدرت سلسلة قوانين تسمح بنمو الرأسمال الوطني. وأنا أعتقد أنه بعد مرحلة تالية، اكتشفت الثورة أن ذلك التوجه لا يمكن أن يتم الا من خلال برامج تنموية مخطط لها. اذن قامت الثورة بتصفية طبقة كبار ملاك الاراضي الزراعيين، وألغت الرأسمالية الاحتكارية، والشركات الأجنبية. وأضافت الثورة ثلاث فئات اجتماعية جديدة، هي: عمال القطاع العام الصناعيين المهرة، وعمال الاصلاح الزراعي، والمتعلمون من أبناء الفلاحين والعمال وبذلك أصبح في مصر «بناء طبقي» جديد، يسمح بالنمو والتطور.. وهذه مسألة يجب أن نقف عندها ونتأملها طويلا. وما أريد أن أقوله، ان ما أنجزته الثورة في هذا الصدد كان للمجتمع المصري ولم يذهب هباء، فالمصانع التي بنيت مازالت موجودة.. رغم انتقال ملكية معظمها للقطاع الخاص، والعمال والفنيون والمهندسون الذين تعلموا بفضل الثورة مازالوا موجودين في الوطن، وأفادوه كثيرا. وبالتالي، فان الانجازات التي تحققت هي اضافة للمجتمع والاقتصاد المصري، وليست أشياء تتبدد مع تغير السياسات والأشخاص. أشواق التغيير د. عبد الحليم قنديل : أعتقد أن الدوافع وراء استرجاع تجربة ثورة يوليو، وبعد 50 عاما من قيامها، متعلقة برغبات كامنة في التغيير.. وهي رغبات لم تتحول بعد، أو لم تتوفر الشروط لتحويلها، الى مقدرة على احداث التغيير. وهذه هي النقطة الجوهرية ـ من وجهة نظري ـ التي تجعل الجدال حول الثورة له علاقة بطبيعة الصراع الاجتماعي الدائر الآن في البلاد، وأشواق التغيير وحدود هذا التغيير، والموافقة على أو رفض سياسات بعينها الى آخره. في هذا السياق، لي بعض الملاحظات..أؤجل الحديث عنها، لأن الكلام الذي قاله د. أسامه الغزالي له علاقة مباشرة بفكرة تذكرنا لثورة يوليو من منظور الوضع الراهن. ومن منظور هذا الوضع، يرى كثيرون أنهم في حاجة الى تأصيل أو افتعال «علاقة ما» بين أميركا وعبد الناصر، لاحداث تبرير أو فرضية تاريخية يرى في ضوئها أن العلاقة الحالية بأميركا، وهي علاقة على ما تعرفون، استطراد طبيعي أو أمر غير معيب، لا يمس فكرة الاستقلال الوطني أو فكرة النهضة ولا التغيير ولا أي شئ. وأنا أعتقد أن افتعال مثل هذه العلاقة فيه نوع من خلط الأوراق. وعندما نمد الخيط بعد ذلك، نجد أن بريطانيا وفرنسا تدخلتا في «الاعلام المعادي» للثورة، لتصوير عبد الناصر كهتلر جديد في حملة شديدة جدا، وصولا الى التدخل العسكري الذي حدث عام 1956. بالنسبة لأميركا.. فانه من الطبيعي لها كقوة طالعة.. وراغبة في الهيمنة على المشهد الكوني وبين الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، والتي بدأت تنسحب عنها الشمس، هذه التناقضات لاحظتها قيادة ثورة يوليو وحاولت الاستفادة منها الى أقصى حد. والدليل على ذلك أن أميركا في الفترة من 52 ـ 1956 على الأقل حاولت مع القيادة المصرية في موضوع محدد هو فكرة العلاقة «باسرائيل»، ومحاولة اصطناع أو اقامة علاقة سلام أو تعاون أو هدنة مقابل اغراءات في المعونة، على النمط الذي اتبع فيما بعد لتكريس أو ضمان استمرار «كامب ديفيد»، وانتهى هذا الأمر بالفشل. وبعد 1956 دخلت أميركا في تناقض مباشر مع حركة التحرر العربي التي قادها «جمال عبد الناصر» ، وأصبحت ـ في العين الأميركية- أخطر على خريطة المنطقة من فكرة دخول الشيوعية على الخط. ولكن أحب أن أرجع لبعض الملاحظات الأساسية، وأولها أننا ـ في تقديري الشخصي ـ ازاء قوس يمتد 25 عاما من القرن الماضي، وهي الفترة من 1948الى 1973، هو «قوس النهضة» في هذا القرن، وفي القلب منه ثورة يوليو 1952 ونداءات حركة التحرر العربية التي أطلقتها. وأن مد قوس ثورة يوليو، لكي يشمل ما بعدها ـ من عام 1973 الى الآن ـ فيه نوع من خلط الأوراق،وأخشى أنه يخفي نوعا من «التدليس التاريخي» لأن ما جرى في تلك الفترة هو «انقلاب كامل» على الاختيارات الأساسية للثورة، وعلى فكرة التحرر ذاتها وفكرة الاستقلال بجوانبها المختلفة. النقطة الثانية، أنه في ممهدات ثورة يوليو علينا أن نرى المشهد، بعيدا عن اطلاقات من نوع «الفترة الليبرالية»، فاطلاق هذا التعبير على الفترة من 23 ـ 1952 فيه قدر كبير من التجاوز، لأنه لايمكن الكلام عن أي ديمقراطية ـ يمكن أن نتحدث عنها بارتياح.. وبقدر موثوق به من التناول العلمي ـ في غياب فكرة الاستقلال الوطني.. ولا أعتقد أن أحدا يمكنه أن يدعي توافر هذا الاستقلال في ذلك الوقت. كذلك لايمكن الحديث عن الديمقراطية في غياب فكرة التنمية الذاتية، صحيح أنه كانت هناك نداءات ـ قبل الثورة ـ لتوطين التنمية المصرية ولكسر نفوذ الاحتكارات الأجنبية، لكن أي مراجعة للوضع تجد أن تلك الاحتكارات كانت غالبة على المشهد الاقتصادي والاجتماعي قبل 1952. هناك نقطة أخرى مهمة، هي أن «المخاض» الذي كان يحدث في التجربة الحزبية التي كانت قائمة، كان ينطوي على شئ مهم، وصل به الى ذروة النهاية ليلة ثورة 1952. مبالغة محمد عودة: أود هنا أن أعلق على نقطة مهمة، تتعلق بتشخيص نظام ما قبل الثورة، وأقول انه من المبالغة الشديدة ـ ولا أقول الافتراء ـ أن توصف تلك الفترة بالليبرالية. فمحمد محمود باشا حكم بيد من حديد ثلاث سنوات، وصدقي باشا حكم بالحديد والنار ـ لمدة 5 سنوات ـ وقتل الطلبة والمتظاهرين، والوفد تولى الحكم ما مجموعة 7 سنوات خلال 24 عاما.. وأقيل عدة مرات. ثانيا: صحيح انه كانت هناك نهضة صناعية في ظل الليبرالية الاقتصادية، لكنها صناعات خفيفة.. مثل تلك التي تعتمد على محصول القطن، حتى عندما حاول «بنك مصر» كسر احتكار الشركات الأجنبية لتلك الصناعات. أقيل «طلعت حرب» عقابا له على ذلك. النقطة الثالثة: أن هذه الليبرالية الاقتصادية تركت المواطن المصري في أدنى مستوى معيشة في العالم، قبل الهند فقط، وبمتوسط خمسة أمراض، و80% من المصريين تحت خط الفقر. أما بالنسبة للجانب الثقافي، فصحيح أن الثقافة في مصر كانت مزدهرة منذ أيام «رفاعة الطهطاوي».. لكنها ظلت محصورة في القاهرة ، وكان 80% من الرجال أميون ووصلت النسبة الى 90% بين النساء، وبالتالي لا نستطيع أن نرسم صورة «شبه وردية» عن تلك الفترة.. كذلك، فان مصر لم يكن لديها جيش حقيقي. لأن الجيش المصري، الذي هو أهم مقومات الدولة، احتواه الوجود البريطاني وكان عبارة عن «جيش رديف» استغلته القوات البريطانية كاحتياطي مساند لها خلال الحرب العالمية الثانية. لكن الحقيقة المؤكدة، التي تدعمها شواهد التاريخ، أن ارادة وبذرة وشرارة الثورة موجودة في مصر، منذ أيام الثورة ضد «نابليون». نقطة أخرى أود الاشارة اليها، هي أن «ثورة يوليو» لم تقم بمساعدة أو مساندة ـ أو حتى بمجرد غض الطرف عنها ـ من أي قوة أو دولة أجنبية، وهذا باعتراف السفير الأميركي في مصر. والدليل على ذلك أن أول خطاب أرسلته الولايات المتحدة الى الثورة، حسب الوثائق الأميركية، جاء فيه أنهم يرحبون بالثورة على أساس أن تدخل مصر في الحلف الموالي لها في الشرق الأوسط، وأن تقبل الصلح مع اسرائيل. وهذا يؤكد على عدم وجود أي معرفة أميركية مسبقة بالثورة ورجالها، أو أهدافهم وتوجهاتهم السياسية والوطنية. أما بالنسبة للخريطة السياسية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، ففي تقديري ان العالم لم ينقسم الى معسكرين.. بل كانت هناك ثلاثة معسكرات والولايات المتحدة شنت حرباً باردة شديدة على «معسكر باندونج» وقال وزير خارجيتها آنذاك دالاس أنه «لايوجد حياد بين الخير والشر، وأن من ليس معنا.. فهو ضدنا».وأميركا لم تكن تريد أن تحمي مصر، أو أي شعب آخر، من الشيوعية بل كان ما تسعى اليه باستمالة أن ترث النفوذ الأوروبي، وأن تبني الامبراطورية التي تسعى للسيطرة على الكون كله وهذا بالضبط ما أكده الرئيس الأميركي الأسبق «تيودور روزفلت»، عندما قال: «سيكون القرن العشرين قرنا أميركيا». وسر الحقد الأميركي على «عبد الناصر»، أنه منع منطقة الشرق الأوسط من ان تكون جزءا من «الحزام» الذي تريد الولايات المتحدة اقامته لحصار روسيا.. ولذلك دبرت المخابرات الأميركية والأوروبية محاولات كثيرة لاغتيال «عبد الناصر»، لكنها باءت جميعها بالفشل.. وهناك كتاب مشهور اسمه «حبال من رمال» ، ألفه أحد رجال المخابرات المركزية في الشرق الأوسط، قال فيه انه لم يحدث في التاريخ أن اشتركت أجهزة مخابرات عربية وأميركية واسرائيلية وأوروبية في محاولة القضاء على رجل الا «عبد الناصر» ، ولجأوا في ذلك الى أحط وأدنى الوسائل.. لكن كل تلك الأجهزة منيت ـ كما قال ضابط المخابرات ـ بفشل ذريع ومهين. العداء الأميركي والغربي لمصر ولثورة يوليو بدأ اذن منذ أن اختار عبد الناصر «باندونج» ورفض الاحلاف، وهذه كانت نقطة التحول في نظرتهم الى الثورة. وزاد من اثارة حفيظتهم، أن عبد الناصر قال «ان ثورة مصر هي القاعدة لثورات التحرر الوطني» وبالفعل تحررت الجزائر. وشقت الثورة طريقها الى اليمن، التي تحدث الأميركيون عن أنهم سيستدرجون عبد الناصر فيها الى فيتنام أخرى. والنقطة الأخيرة منذ 1970 الى الآن نحن نعيش في ظل «ثورة مضادة».. ردت الثروة الى الملاك الرأسماليين، وأعادت مصر الى كنف الغرب.وأعتقد أن المجتمع المصري يشهد الآن تجمع «نذر ثورة» جديدة، نأمل أنها تكون ديمقراطية. تفسير النوايا د. أسامة : كل ما قيل اعتبره بمثابة اختلاف في وجهات النظر، وليس عندي أي مشكلة تجاهه.. فكل ما قاله «عودة» عن مسألة الليبرالية يمكن أن نتفق أو نختلف حوله، وما ذهب اليه د. «عبد الحليم» من تفسير كلامي على أنني أريد «تبرير» العلاقة الحالية بأميركا.. اعتبره بمثابة «تفسير للنوايا» وليس للكلام نفسه، فأنا لم أقصد بحديثي على الاطلاق الدفاع عن أميركا أو العلاقة معها ولم أكن «أميركيا» في يوم من الأيام. د. عبد الحليم : أنا لم أقل ذلك يا دكتور أسامه، لكني كنت أتحدث بشكل عام عن أنه خلال «الموسم» الحالي للهجوم على عبد الناصر، وهو موسم يتكرر سنويا مع اقتراب ذكرى الثورة، لاحظت أن أكثر من متحدث ـ من منطلقات فكرية مختلفة ـ يحاولون الربط بين الثورة ورجالها وبين الولايات المتحدة.. أو سفارتها بالقاهرة، في «ايحاءات» بأن أميركا ربما ساعدت الثورة أو حتى غضت البصر عنها، وبالتالي فان هؤلاء يحاولون «تأصيل» قضية العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة، وأنها تعود الى أيام الثورة . ومثل هذا التحليل، الذي يربط ما بين ثورة 52 ومحاربة الشيوعية، يمكن دحضه ببساطة شديدة.. فنحن في منطقة كان فيها «شاه ايران» وهو يشكل «النموذج» الذي يمكن أن ينطبق عليه هذا التحليل، حيث أنه كان له دور في محاربة الشيوعية. وفي مصر كان هناك ـ حسب الوثائق الأميركية نفسها ـ الملك فاروق. وفي تقديري، أنه قد تكون أميركا قد بدأت في «مغازلة» الثورة.. ومحاولة التقرب من رجالها، مدفوعة في ذلك بفكرة وهاجس محاربة الشيوعية لكن المؤكد أنها سرعان ما أكتشفت أن «المارد الجديد» الذي يستيقظ أكثر خطورة وتأثيرا في «سُرة العالم» من المد الشيوعي. د. أسامة: نحن متفقين في هذه النقطة. لكن أنا أريد التوقف عند ما ذكره د.عبدالحليم، من أن قوس النهضة بدأ من 1948 وحتى عام .1973. ومعنى ذلك أن هناك وجهة نظر تقول اننا الآن منقطعي الصلة كلية بكل ماله علاقة بثورة يوليو، وأن الثورة انتهت عام 1973. وأنا أدعي أننا مازلنا في ظل نظام ثورة 23 يوليو، من الناحية التاريخية والسياسية والاقتصادية.. يعني ملامح النظام الذي رسمته الثورة مازالت هي القائمة حتى الآن، من حيث خصائص العلاقة بالمجتمع المدني، والحريات العامة، والمؤسسات السياسية في الدولة ولا يستطيع أحد أن يقول ان هذا النظام قد تغير. وبالطبع فان الأهداف والسياسات والنوايا المعلنة مختلفة، انما الملامح الهيكلية للنظام ظلت كما هي.. وهذا كلام موضوعي. مشروع وطني وقومي «البيان»: ندخل الى النقطة الثانية، وهي كيف تطورت الحركة التي قام بها الضباط الاحرار الى مشروع وطني وقومي.. ثم كيف تم تحديد ملامحه، والتطورات التي ادت اليه، والأدوات التي امتلكتها الثورة لتحقيقه. ثم ماخلقه هذا المشروع من أعداء ومن أصدقاء، وأيضا ما أدى اليه من صراع. على مدى نحو ربع قرن من الزمان ؟ محمد عودة : هناك رأي يقول ان «الثورة العرابية» بدأت تاريخيا، حينما أصدر «الوالي سعيد» قرارا بترقية الجنود الفلاحين من «تحت السلاح» ـ أي صف ضباط ـ الى رتبة الضباط.وفي نفس السياق، هناك رأي للمفكر السياسي الفرنسي «جان لابوتير» يقول ان ثورة يوليو بدأت حينما سمح لأبناء الطبقة المتوسطة بدخول الكلية الحربية، بعد عام1936. وأعلق هنا وأقول : ان هؤلاء الذين قاموا بالثورة ـ سواء العرابية أو يوليو ـ ليسوا من «العسكر»، بل هم فلاحون وأبناء فلاحين ممسكين ببنادق، حاولوا بها أن يستخلصوا حقوقهم من الاجنبي المحتل. هؤلاء أبناء «الطبقة المتوسطة» الذين عاشوا فترة الحرب العالمية الثانية، وعايشوا مشاكل مصر.. وهموم شعبها، ولم يكونوا مجرد «عسكر انقلابيين». وانما كانوا قوة عسكرية وطنية مهمومة بقضايا وطنها وأمتها. كذلك فان هؤلاء الضباط الثوار، عندما دخلوا «كلية أركان الحرب». ورأوا خريطة الشرق الأوسط، عرفوا كيف يتم الاستعداد للسيطرة على المنطقة. «البيان» : اذن، هؤلاء الضباط انطلقوا من مفاهيم عامة مبسطة في البداية، ثم انتهت حركتهم الى برنامج عمل لمشروع وطني وقومي مركب. كيف تطورت تلك الأفكار البسيطة، التي تبلورت في المبادئ الستة التي أعلنتها الثورة في بدايتها، الى المشروع الذي امتلكه الثورة بعد ذلك.. جمع الأمة العربية كلها ـ في وقت من الأوقات ـ حول أهداف محددة، خاضت الأمة حولها معارك طاحنة من أجل ترجمتها الى واقع ؟ عبدالغفار شكر: النقطة التي بدأت منها، هي أن الضباط الأحرار كان هاجسهم الأساسي هو تحسين مستوى معيشة الناس، وعندهم التزام بثلاث مبادئ أساسية التي تدور حولها أهداف الثورة، والتي كان «عبدالناصر» يتحدث عنها، أولا العداء للاستعمار وأي سيطرة أجنبية، وهذا مبدأ أساسي، كان يحكمهم دائما في كل المعارك التي خاضوها. ثانيا: الانحياز الى الفقراء أكثر من أي قطاع آخر في المجتمع، أي فكرة العدالة الاجتماعية. أما المبدأ الثالث فهو أنه لابد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. هذه العناصر الثلاث في خلفية فكر الثورة من اليوم الأول لها، دون أن يكون لدى قادتها أيديولوجيا واضحة أو محددة أو متكاملة أو فكر سياسي متبلور.. ولكن عبر معارك الثورة تبلور برنامجها كما انتهى اليه في الميثاق من خلال التزامهم المستمر بهذه المبادئ الثلاثة. النموذج الاشتراكي اذن أنا في رأيي ان تفسيرنا لتبلور هذا البرنامج على النحو الذي انتهى اليه، وهو: الاستقلال الوطني، التنمية الاقتصادية والاجتماعية المخططة، والملكية العامة لوسائل الانتاج، العدالة الاجتماعية، عروبة مصر كلها جاءت عبر التزامهم بثلاث مسائل أساسية هي: العداء للاستعمار، الانحياز للفقراء، وأهمية التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي دي اللي لعبت الدور الأساسي في تبلور ما نسميه بالمشروع القومي لثورة يوليو والعداء للاستعمار جاء معه العداء للصهيونية .. باعتبارها فرع من الاستعمار، رفض السيطرة الأجنبية جاءت معه فكرة ربط تحرر المنطقة العربية بتحرير مصر ولعبها لدورها المؤثر في هذه المنطقة وبالتالي فان «عروبة مصر وكل الأفكار النابعة منها هي من هذه الزاوية. أنا في رأيي ان التزام الثورة بهذه الأفكار الأساسية عبر المعارك التي خاضتها، وعدم الانحراف عنها.. هو الذي أدى الى تبلور هذا البرنامج على النحو الذي أصبح عليه فيما بعد. عودة: أضيف كلمة بسيطة، وهي ان الاشتراكية والشيوعية كانتا مطروحتين في الحياة السياسية المصرية، فقد كان هناك حزب اشتراكي وكان هناك حزبان شيوعيان. اذن كانت الحلول الاشتراكية والحلول الشيوعية موجودة في الساحة المصرية. عبدالغفار: في السنوات الأولى من الثورة لم تكن مطروحة. عودة: أنا أقول أنها كانت معروفة ولم تكن مستورد، وكان فيه خالد محيي الدين ويوسف صديق وكمال رفعت أي أن اليسار كان ممثلا في داخل الثورة وفي قيادتها بدرجات متفاوتة. «البيان»: هل هناك ملاحظات على كيفية تكوين المشروع القومي لثورة يوليو؟ د. أسامة: أنا متفق مع ما قيل، بمعنى انه من المؤكد أن الثورة عندما قامت لم يكن هناك مذهب أيديولوجي واضح يحركها، فالمبادئ الستة نفسها أعلنت بعد قيام الثورة بعام تقريبا.. وكتاب «فلسفة الثورة» ظهر عام 1954. الواضح ـ مما ذكره الأستاذ عبدالغفار أنه في البداية كان عندهم أفكار في التنمية الاقتصادية، وكان التصور أن يقوم بهذه التنمية القطاع الخاص ثم حدث التحول. أنا في الحقيقة أدعي أن هناك أحد الأفكار الشائعة التي تقول ان الثورة عرضت على رأس المال أن يساهم وأن يتقدم للتنمية.. ولكنه أعرض عن ذلك، وأنا رأيي أن هناك مبالغة في هذه النقطة ، فمن وجهة نظر رأس المال كان من الصعب جدا أن يتقدم بجرأة ويشارك، لأنها كانت فترة تغير سياسي خطير جدا في أعوام 53 و54 و1955، غليان سياسي ومواجهة مع العالم الخارجي، أي فترة عدم يقين.. وبالتالي ليس هذا هو المناخ الملائم الذي نتصور فيه ان رأس المال يمكن أن يشارك . النقطة الثانية، أنه لأمر ما فان عبدالناصر شخصيا لم يكن يستريح للأغنياء،وكان عنده «نفور» من الطبقات المالكة.. وميل وحب طبيعي للفقراء والمحتاجين. ومن المعروف انه عاش طول عمره عيشة لا علاقة لها بعيشة الأغنياء والأرستقراطية. وأنا أتصور أن هذا أسهم بسرعة في انه يصبح أكثر ميلا لتقبل النموذج الاشتراكي، وأنا أذكر أنه في أحد خطب عبدالناصر، قال بالنص أن عبدالمنعم القيسوني ذكر أن مجموعة من الرأسماليين يريدون شراء المشروعات بعد عمليات التمصير، فقال له عبدالناصر: «لأ.؟. دول عايزين يلهفوا المشروعات برخص التراب.. وهذا الكلام لا أسمح به».. كان عنده عداء طبيعي للرأسماليين اللي عايزين يلهفوا الحاجة. انما كيف انتقل هذا الى عبدالناصر وكيف أثر على قراره بحيث تم اتخاذ القرارات التنفيذية لتبني النموذج الاشتراكي. عودة: عبدالناصر أجاب على هذا السؤال، وقال: «احنا عملنا الخطة الخمسية الأولى وانتظرنا ان الرأسماليين يتقدموا فلم يتقدموا، ففرضنا تأميم البنوك علشان نمول هذه الخطة.. ولما أممنا البنوك ومولنا نجحت الخطة». وقال كذلك: «أنا مابكرهش الأغنياء زي ما بيشعوا، ولست متحيزا ضدهم.. لكن أنا منحاز للفقراء»، وهذا طبيعي في ظل المأساة الاجتماعية التي كانت تعيشها مصر. الغريب أنه بعد نجاح الخطة تسابق أصحاب رأس المال على الدخول فيها. أسامة الغزالي: هل في هذه الفترة لم يكن هناك علماء وأساتذة اقتصاد، أو اقتصاديين تنفيذيين لهم وجهة نظر مغايرة بشأن نمو الاقتصاد المصري، وهل استسلموا لهذا الخيار الاشتراكي. عودة: الرأسمالي يريد اقتصاد ربح بينما الثورة كانت تسعى لعمل «بنية أساسية» للاقتصاد المصري. اضافة الى أن كل الاقتصاديين وقتها كانوا يمينيين. عبدالغفار شكر: الثورة كانت دائما اطارا للصراع، حتى داخلها فقد كان بداخلها مفكرين وباحثين رأسماليين، لذلك جاء تصور عبدالناصر في الميثاق للاشتراكية يحمل سمات من النظامين، يعني ليس هو النموذج.. فما سعت الثورة لتطبيقه هو فكرة الجمع بين الملكية العامة والملكية الخاصة.. والسماح للملكية الخاصة بقدر كبير من الوجود في قطاعات، وان الملكية العامة تلعب الدور القائد لعملية التنمية ككل ذلك لأنه كان هناك صراع داخل النظام نفس، حول أيهما أفضل: هذا.. أو ذاك، وأعتقد أن هذه «التوليفة أو النتيجة التي توصلوا اليها هي محصلة لهذا الصراع». عودة: عبدالناصر كان أقرب الى النموذج الصيني، فقد كان شديد الاهتمام ومنحازا الى التجربة الصينية، وصديقا شخصيا لشوين لاي، تلك التجربة التي عملت الاقتصاد المختلط: رأسمالي واشتراكي وتعاوني ومستقل ومختلط، أي تعبئة كل الأساليب.. وجعلها تتنافس مع بعضها. مشروع النهر د. قنديل: أنا أريد أن ألفت النظر الى أن الحوار دار حول تطور مشروع ثورة يوليو من زاويتين، زاوية التطور الداخلي في تعامل الضباط الأحرار بمنطق التجربة والخطأ مع الفئات الاجتماعية والسياسية الأخرى، وزاوية ثانية تتعلق بالمشهد في الخمسينيات والستينيات الذي كان مميزا باغراء فكرة معينة جاذبة هي فكرة الاشتراكية. وأريد أن ألفت النظر الى زاوية أخرى تتعلق بمشروع النهضة نفسه، وهي زاوية تاريخية تتعلق بالتطور المصري في السياق العربي. بمعنى أن ما نسميه الآن «الناصرية» أو «المشروع القومي».. أنا أعتقد أنه كان موجودا قبل عبدالناصر، وموجودا كحلم وهاجس بعد عبدالناصر وان كان ارتباطه بعبد الناصر يرجع لفكرة الوهج.. فترة التحقق النسبي فترة المخاض.. الى آخره. بمعنى أننا خلال قرنين من الزمان نحاول صنع النهضة تحت حد السيف الغربي، منذ حملة نابليون الى الهيمنة الأميركية الراهنة. ومن هنا نجد أن حركة الضباط الأحرار، رغم تكوينها العسكري والقيود التي يفرضها عليها هذا التكوين، استحصلت خبرة طويلة من «حلم النهضة».. والجوانب التي أضافها مسرح الأحداث فيما بعد الحرب العالمية الثانية، من حيث استيعاب القضية الاجتماعية والقومية. اذن الفكرة عميقة الجذور في التفكير. وأنا هنا أتساءل: هل «عبدالناصر»، في تطبيقه لتجربة الاصلاح الزراعي، كان دارسا في كتاب؟ وأنا أتحدث هنا عن الاستصغار أو الادراك.. استصغار «المضمر الحضاري»، أو الادراك المضاف بأثر التعامل مع الظروف. هذه النقطة التي تجعلنا الآن نجد أنفسنا كما لو كنا نعاني من فكرة تجدد نفس الأسئلة، تجدد الأسئلة نفسها مرتبط بالاخفاقات المتتالية لذات المشروع، التي تظهر في صور متعددة. «البيان»: اذن حلم النهضة، في جوانبه الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، الذي امتلكته في النهاية ثورة يوليو أين نجح، وأين أخفق؟ أين أنجز، وأين لم يستطع أن يحقق ما يريد. ولماذا كانت في النهاية ما نسميه الانقضاض على الثورة، أو سنوات الردة؟ ولماذا حدث ما حدث مع المشروع الذي امتلكته مصر بقيادة عبدالناصر؟ عودة: ان ما خلفته ثورة يوليو هو باق وصلب وقائم لا يستطيع أحد أن ينكر أننا استرددنا الارادة كاملة، وأننا عملنا خطة خمسية ناجحة الى آخر انجازات ثورة يوليو: المصانع والمزارع.. وأهم شئ أننا بنينا «جيش حقيقي» حقق التوازن الاستراتيجي في المنطقة. يعني جيش مصري في ظل هزيمة قوية وحاربنا في اكتوبر 1973 بجيش من المتعلمين والمثقفين استطاعوا أن يحطموا «خط بارليف «الذي قال عنه اليهود أنه حسم نهائيا استراتيجية المنطقة والسيادة الاسرائيلية. الى آخره. شعلة الثورة لم تنطفئ. في داخلنا الآن صراع مستميت بين قوى الثورة.. وقوى الثورة المضادة، لأن المشكلة الاجتماعية والمشكلة القومية نعيشان في أزمة سوف تنعكس على كل هذه المشاكل، ونحن الآن ـ خصوصا بعد الانتفاضة ـ نواجه موقفا وتحديات جديدة، وهذه التحديات الجديدة سيكون لها تأثيرها على الداخل وعلى الواقع، فنحن الآن في موقف دقيق وعصيب ولكنه ليس موقفا مخيفا بالنسبة لنا. نقد الثورة عبدالغفار شكر: أنا أعتقد أنه ـ كما يقول الأستاذ عودة ـ أن البرنامج الذي بلورته ثورة يوليو لم يفقد صلاحيته، وهذه الصلاحية ـ أو عدمها ـ مسألة لا تتحقق تلقائيا، وانما محتاجة الى أن يقوم المؤمنون بهذا المشروع بنقد الثورة لكي يتعرفوا على نقطة الضعف الرئيسية فيها. لأن هذا المشروع لن يبعث من جديد باستنساخ كل ما جرى فيه، ولكنه يبعث في اطار الغايات والأهداف. أنا رأيي أنه ما لم يحدث هذا، فان المشروع سيظل حلما وفي اعتقادي أن نقطة الضعف الرئيسية في مسيرة ثورة يوليو هي ظهور «الطبقة الجديدة» التي سرقت الثورة وهي التي انحازت الى أنور السادات في صراعه مع رجال الحكم وهي التي وضعت أساس التحولات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة هذه الطبقة هي نتاج موضوعي لمجموعة من الظواهر حصلت، وهي: 1ـ سهولة الاستيلاء على السلطة يوم 23 يوليو 1952 وعدم الحاجة الى تدمير جهاز الدولة القديم والاستعانة به في تحقيق انجازات الثورة. 2ـ ان الثورة، عندما استولت بسهولة على السلطة السياسية، وجدت أمامها جهاز دولة «فركبته» من فوق، واستخدمته بنفس ناسه وأفكاره في تحقيق انجازاتها الكبرى. وكان الهاجس المستمر عند عبد الناصر هو تغيير هذا الجهاز، مرة بالثورة الادارية، ومرة بالاصلاح الاداري ومرة بالتطهير، لكن في النهاية هذا الجهاز لعب دورا سلبيا. 3ـ ان قرارات الثورة الكبرى نفذت بواسطة أجهزة الدولة، وليس بواسطة أجهزة ثورية. 4ـ انه تم حرمان كل القوى السياسية من المنافسة السياسية العامة، واكتفت الثورة بتنظيم سياسي واحد وعندما نضجت الأوضاع الطبقية في المجتمع طرح عبدالناصر فكرة امكانية الانتقال الى التعددية الحزبية ولم يحدث هذا الانتقال. 5ـ الأهم من هذا كله، والذي لعب دورا سلبيا عندما بدأت الانتكاسة على الثورة، هو الوصاية التي فرضت على المنظمات الجماهيرية للعمال والفلاحين والمهنيين والطلبة وبالتالي ألحقت هذه التنظيمات بالتنظيم السياسي، الذي لم يكن يحكم.. ولكن كان أداة موصلة بين القيادة والقاعدة. 6- في النهاية تحولت البيروقراطية والتكنوقراطية التي تقود جهاز الدولة، في ظل عملية تصنيع واسعة النطاق.. وفي ظل توسع كبير في جهاز الخدمات، الى أنها تستأثر بجزء من العائد القومي.. تحولت بمقتضاه من بيروقراطية وتكنوقراطية الى «برجوازية بيروقراطية» والى رأسمالية بيروقراطية. واحنا عارفين الأمثلة في مئات من رؤساء مجالس ادارات الشركات وكبار الموظفين فيها، الذين نهبوا وسرقوا ثروات البلاد. أخلص من ذلك الى أن الذي حصل، نتيجة لهذا المسار، أن الطبقة هذه وهي في موقع السلطة العليا، استطاعت أن تستخدم نفوذها في أن يجري التحول من أعلى نحو الأوضاع الرأسمالية الجديدة. ورغم أن الطبقات المستفيدة من انجازات الثورة الاقتصادية والاجتماعية ناضلت ودافعت ضد هذا التحول، الا أنهم لم يكونوا في وضع يمكنهم من ان يتصدوا ـ كحركة جماهيرية مستقلة ـ لهذه الهجمة . رغم ذلك أقول أنه ما زال المستقبل للمشروع القومي الذي بلورته ثورة يوليو، والذي حققت من خلاله انجازات مهمة جدا في المجال الوطني القومي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري والثقافي.. بشرط أن يعطي «الناصريون» ـ أصحاب هذا المشروع ـ في الفترة المقبلة، الأولوية للديمقراطية. وأن يكون هذا هو الدرس الأساسي المستفاد من مسيرة ثورة يوليو. الوصفة السحرية د. عبدالحليم: أنا أريد أن أتأمل الفكرة التي طرحها الأستاذ عبدالغفار قليلا، وهي فكرة التوصية العامة للديمقراطية بمعنى التعدد الفكري والسياسي، والفصل بين السلطات، حقوق الانسان، تداول السلطة، حرية التعبير.. الى آخره، أي «الوصفة السحرية» للديمقراطية. وأريد أن أقول أنها ليست وصفة سحرية بذاتها ان لم ترتبط بغيرها من العناصر، بمعنى أنه يمكن أن تأتي كل هذه الأشياء في سياق سياسي واقتصادي معين فلا تؤتي الثمار المرجوة في احداث تطوير، ان لم تكن خارجة من قلب التناقضات الاقتصادية الاجتماعية السياسية وتاريخ تطور البلد يقول انه قبل ثورة 1952 هناك كلام عن الليبرالية وبعد الثورة بنحو عشرين عاما ـ وبالتحديد بعد 1973 ـ هناك كلام أيضا عن الليبرالية. اذن أستطيع أن أقول ان عندك «قوس نهضة» سبقه ولحقه كلام عن ليبراليتين مشوهتين. ومن التحصيل الحاصل هنا أن أقول أنه منذ سنة 1976 الى سنة 2002، أي ربع قرن كامل، يوجد كلام عن تعددية مقيدة قابلة للتطوير من داخلها.. وفك قيودها، والتحول لتعددية حقيقية ورغم هذه المدة، نجد أنها ما تحولت الى تعددية حقيقية.. ولا حققت قدرا أوسع من المشاركة السياسية، ولا أي نهوض ثقافي، ولا توفير حريات عامة... لماذا؟.. في تصوري الشخصي أن ذلك نتيجة مباشرة لفك الارتباط بالشرط القومي والشرط الاجتماعي. اذن فك ارتباط الشرط الديمقراطي بالشرط القومي والشرط الاجتماعي، سوف نجد ان فكرة الديمقراطية عموما قد تكون اطارا لاعادة الارتباط بالغرب على نحو ما جرى. ومن هنا فان فكرة تعدد الشروط وتعدد الجوانب هذه نقطة أساسية في الكلام عن المشروع القومي. النقطة الثانية: من الأفكار الأساسية التي راجت، ان ثورة يوليو من نقائصها الأساسية انها لم توجد تنظيما سياسيا وأيديولوجية كاملة من البداية.. فلذا سهل الانقضاض عليها، وهذا كلام له قدر كبير من المصداقية من حيث الوقائع.. وأنا أريد أن أصل بهذه المصداقية الى حدها المتطرف، فأقول ان جمال عبدالناصر شخصيا كان هو ممثل الجناح الناصري في النظام الناصري، وانه بوفاته اختفى هذا الجناح.. فتداعت مضامين الأشياء. فعلا هناك أخطاء، يمكن أن نعدها بصفة اجرائية في أسئلة حائرة: لماذا جاء بالسادات؟ لماذا سكت على عبدالحكيم عامر؟.. وما هي جدوى التنظيمات التي أقيمت في حضن جهاز الدولة، باستثناء وحيد هو تجربة منظمة الشباب حتى عام .1968. وقضية الانفصال: لماذا فرط في فكرة منع الانفصال بالقوة، وهو كان يملك ذلك.. ويملك التأييد؟ في كل تلك القضايا، في تقديري أننا اذا أبعدنا الكلام عن الديمقراطية.. وتأملنا المسألة من زاوية أنها مشروع نهضة، فقد وضعت قضية التكوين العسكري في نخبة ثورة يوليو قيودا على عدم توافر نخبة متجانسة أوسع نطاقا، مستوعبة للمشروع ومنحازة اليه.. لا تتفق معه بالقطعة، نخبة بها مدنيين وعسكريين. د. أسامة: أولا أنا سعيد بما قاله الدكتور عبدالحليم، فيما يتعلق بتخوفه الحالي من مسألة ان الديمقراطية عندما تأتي في شروط معينة.. يمكن ألا تكون فعالة، وهذا يذكرني الآن بالالحاح الأميركي على الديمقراطية في بلادنا.. وبيفرضوا الديمقراطية على «ياسر عرفات»، وبعد قليل سيفرضون نفس الكلام على آخرين، وللأسف سوف تشوه الدعوة الى الديمقراطية.. وتربط بالعلاقة مع أميركا ومع اسرائيل، أي أننا دخلنا في «كارثة» ثانية. لكن هناك سؤال أطلب تفسيرا له من عودة، هو: لماذا كانت فكرة الديمقراطية غائبة بالفعل عن ذهن عبدالناصر وكذلك مسألة الحريات الفردية بالشكل التقليدي؟ يضاف الى هذا، أن جوهر التراث السياسي والحياة السياسية المصرية وروح مصر.. ليست هي فكرة الحرية والديمقراطية، وانما هي فكرة الدولة.. وجهاز الدولة وسطوته. وهذه مسألة غالبة منذ عهد الفراعنة، فضلا عن أن «جمال عبدالناصر» كان يتمتع «بجوهر ما» من الديمقراطية، وهو أن الشعب يؤيده.. ولاشك أنه وراءه، فجعلت المسألة بديهية ولا تحتاج الى تفويض. فهو كان يتحدث باسم هذه الجماهير التي تحبه وتؤيده بهذا الشكل الكاسح. وكان من نتيجة ذلك كله، أنه بالرغم من أن عبدالناصر كان حساسا جدا لحرية الدولة المصرية.. انما لم يكن مهتما في نفس الوقت بما نسميه حرية المجتمع، بل كان يهتم بحرية الطبقة.. وتحرير طبقة العمال والفلاحين، انما ليس حرية الفرد.. وهذا الاهمال لحرية الفرد، كان في رأيي أحد المثالب الأساسية التي تفسر معظم الاخفاقات التي حدثت لثورة يوليو. د. عبدالحليم قنديل: لو توقفنا عند فكرة استنتاج التطابق أو التواصل في فكرة الأشكال وآليات الحكم، هي فكرة مغرية بالتصديق.. ولكن لو توقفنا عندها سوف نصل الى نتائج شديدة الغرابة، نجد مثلا أن كافة الأنظمة المقيدة لا يوجد أي فرق بينها على الاطلاق وبالتالي تنتفي الفروق الاقتصادية والاجتماعية والنهضوية في كافة الاتجاهات. على سبيل المثال بما ان الجيل الأول للضباط الأحرار كان هو العنصر الداعم، ثم بعد أكتوبر 1973 هناك جيل آخر في المؤسسة العسكرية، وانه كان يوجد جهاز الدولة طول الوقت اذا أنا صدقت على هذين العنصرين، باعتبارهما عناصر أدعى الى تصديق فكرة الاستمرارية، فانني هنا أغفل أمورا أكثر أهمية.. منها ـ مثلا ـ أن الذي حصل بالفعل بعد حرب أكتوبر 1973 أن حد السلاح مضى في طريق.. وحد السياسة خان ما أنجزه السلاح، هذا في تقديري الشخصي، وترتب على ذلك تغيير جوهري في الاختيارات الأساسية جرى بطريقة متدرجة، أو بطريقة بها صراعات.. لكن وصل في النهاية الى اعادة تبعية البلد وارتهان قرارها السياسي والاقتصادي. عبدالغفار شكر: أنا لا أقول ان نظام يوليو موجود اليوم، أنا أرى أنه بعد أكتوبر 1973 - وبالتحديد منذ عام 1975 - حدث تخلي عن السياسات الرئيسية لثورة يوليو، الاقتصادية والاجتماعية والطبقية والوطنية. د. اسامة: أنا أيضا من المؤمنين بذلك، وقلت ـ في أحد مقالاتي ـ أن «يوليو انتهت مع حرب 1973». عبدالغفار شكر: نحن متفقون في هذا. وأضيف أنه صحيح أن الديمقراطية السياسية لا تنفصل عن الكيان الاقتصادي والمضمون الطبقي، وأقول ان الديمقراطية يجب أن تكون أساسية وهي هنا ليست بمعنى الديمقراطية الليبرالية فقط، انما الديمقراطية ـ في رأيي ـ يجب أن تنبني على ما حققته الليبرالية من انجازات في التطور الديمقراطي. ومن هنا يصبح القضية هي أن كلمة الديمقراطية بدلا من «النضال بالنيابة عن الجماهير ومن أجل الجماهير»، يجب النضال انطلاقا من حركة جماهيرية مستقلة للقوى الاجتماعية والوطنية والقومية المستفيدة من هذا الموضوع. د. محمد عودة: أنا أريد أن أقول اننا جميعا نريد الديمقراطية، لكن الديمقراطية ليست «روشتة» في الصيدلية.. نستطيع الحصول عليها بسهولة، انما يجب أن تكون هناك «بنية تحتية» تقوم عليها الديمقراطية. فالديمقراطية الغربية ـ مثلا ـ قامت على ثلاث ثورات: الثورة الفرنسية والانجليزية والأميركية وعلى حركة التنوير، وعلى الثورة الصناعية.. وعلى قيام طبقة جديدة ديناميكية هي التي عملت الديمقراطية الليبرالية في أوروبا. ما أريد أن أقوله ان سر تهاوي الديمقراطية في بلادنا هو أن «البنية التحتية» ليست موجودة، فعندما يكون عندك اقتصاد زراعي شبه اقطاعي متهالك.. وعندك نسبة تعليم 5%.. وعندك سيادة منقوصة، فلا يمكن أن تتحدث عن الديمقراطية.. والذي حدث أن الجهد الديمقراطي لثورة يوليو أنها استبسلت في بناء البنية التحتية، استبسلت في بناء أساس اقتصادي.. أساس ثقافي.. أساس فكري، لكي تقوم عليه الديمقراطية.. ثم أجهضت هذه التجربة. لذلك، أنا أعتقد أن الطريق الوحيد لاستعادة «روح» ثورة يوليو، هو أنه لابد أن يكون هناك تنظيم جديد ليس الضباط الأحرار، وانما تنظيم المثقفين أو القادة الأحرار.. وهذا يحتاج الى «مقاتلين» يشتغلون وسط الناس. د. اسامة: ولكن هل يقود المثقفون ثورة؟ د. عودة: نعم.. هناك الثوريون المثقفون، وكل الذين قاموا بالثورات كانوا مثقفين. د. عبدالحليم: استمرار ثورة يوليو كان شرطا الى حد كبير للتطور الى الديمقراطية وهذا كلام قاله من انتقلوا الى مواقع شديدة العداء لتراث ثورة. أنا هنا أتحدث عن التنمية والتقدم، والعصر الذهبي للتنمية على خريطة القرن هو في زمن ثورة يوليو من سنة 1956 ـ 1966 أى عشر سنوات متحصلة ـ كانت هناك نتنمية بالتراكم وكان تقرير البنك الدولي يقول أن لدينا معدل متواصل للتنمية يدور حول 7%، وفي الخطة الخمسية الأولى كانت تصل الى 10%. وبعد 1967، ورغم توجيه غالب موارد الدولة للمجهود الحربي، جرى معدل التنمية على النحو التالي: من 67 الى 1969 كان 4%، ومن 69 الى 1973 أصبح 1.5 % وهذه معدلات عندما نقارنها بالمعدل الذي وصل الآن 5.2%، أو أوائل التسعينيات عندما كان تحت الصفر، نكتشف أنه لم تفلت فقط فكرة مشروع النهضة.. وانما انتهت أيضا فكرة اجراء تنمية حقيقية. وأسباب هذا التراجع، الذي نراه الآن أيضا في الوضع والقوة السياسية والعسكرية المؤثرة.. اضافة لغياب الحريات العامة، تكمن ـ فيما اعتقد ـ في اننا افتقدنا (البوصلة المرشدة) التي كانت تمثلها ثورة يوليو، أو مانسميه (حلم النهضة) الذي لا يعبر فوق التحيزات الاجتماعية أو التاريخية، انما هو يشكل (الاختيار الاساسي).. نحن نعيش الآن مرحلة غياب الاختيار الأساسي. دروس التاريخ محمد عودة: نعود لاستحضار التاريخ، لنتعلم منه دروسا تفيد الواقع. الآن، نحن مواجهين بتحد أكبر وهو الآن الولايات المتحدة الأميركية تتعهد بضمان التفوق النوعي لاسرائيل على كل الدول العربية مجتمعة، وهي قاعدة أساسية في السياسة الأميركية. ولنتذكر أن (بن جوريون) قال ان منطقة الشرق الأوسط (لا تسع دولتين كبيرتين.. فاما مصر، واما اسرائيل).. وهذا هو ما أشار اليه مدير المخابرات الاسرائيلية الأسبق، عندما قال (ان اتفاقيات كامب ديفيد لم تكن مهمتها هي الصلح مع مصر أو غيرها من الدول العربية، وانما كان هدفها عزل مصر، واخراجها من الصراع.. وتحييدها لكي تظل في الجنوب)!! وهذا هو الخطر الحقيقي الكبير، الذي يفوق كل التحديات التي تواجهنا وهو الخطر الذي يراد به أن يمنعنا من اقامة ديمقراطية، ومن بناء اقتصاد حقيقي.. لأنه لابد أن تكون مصر (مكملة لاسرائيل) ولذلك تحولت مصر من دولة صناعية زراعية سياحية، الى دولة سياحية فقط. (ثورة يوليو) كانت تبني مصانع، أما الآن.. فاننا نبني قرى سياحية! كذلك فاننا اشتركنا في (العولمة) لكن فتحنا أسواقنا للبضائع الأميركية والأجنبية.. بدون وجود منتجات مقابلة نصدرها الى تلك الأسواق. هذا هو ـ في رأيى ـ (التحدي الأكبر) الذي علينا أن نواجهه، كي نستطيع أن نبني المجتمع الذي نتمناه. استعادة المشروع القومي «البيان»: هل من أمل في استعادة المشروع القومي، وماهي شروط استعادته في ظل هذه الظروف الصعبة، من سطوة أميركية مطلقة.. وعربدة اسرائيلية، وفي ظل ظروف قاسية يمر بها العالم العربي. هل من أمل، أم أن الانسحاق هو المصير؟! د.قنديل: أولا لا يوجد مجتمع يتوقف عن الدوران، ومايحدث في مصر على سبيل المثال ـ وهي قلب العالم العربي وميزانه ـ أن السطح يبدو هادئا.. مميتا، ولكن (الباطن) ربما يتحرك بشئ آخر وفي تقديري أن السياسة ـ على السطح ـ يبدو أنها ماتت، في مقابل ازدياد منسوب ماأسميه (السياسة الجوفية) فنحن مجتمع قد يبدو على السطح أنه توقف عن الدوران، وفي حالة شلل.. أو في حالةفرجة ومراقبة وانتظار للمجهول محمد عودة: أعود فأقول انني حينما أرى انتفاضة شباب موريتانيا واليمن والجزائر وتونس، بهذا القدر.. وتلك الحرارة، من أجل قضية فلسطين.. فلا أظن أن المشروع القومي تدهور، بل أن هذا (رد اعتبار) لهذا المشروع. وحينما تثور مشكلة العدوان على العراق، فتتفق كل الأمة العربية ـ بما فيها الحكام ـ على رفض ضرب العراق فلا يمكن أن أتصور أن المشروع القومي قد انحسر، فهو مشروع حي ويضاف اليه كل يوم مقومات، لكنه يريد قيادات وكوادر. ـ «البيان»: اذن هل الأزمة في عدم وجود القيادات؟ ــ عودة: الأزمة ليست أزمة تعبئة وتنظيم فقط، ولكن هي أيضا أزمة (اثراء فكري). د.أسامة: اتفق مع الأستاذ عودة، أنه يمكن اعادة احياء المشروع القومي واننا يمكن أن نجد نزوعا الى هذا التوجه القومي العام في كل أنحاء الوطن العربي، وانما يجب أن نلتفت الى مسألة (القصور الديمقراطي) هذه مشكلة ليست خاصة بالتجربة المصرية وثورة (23 يوليو)، لكنها متعلقة بالعالم العربي كله.. ويجب أن نفرق هنا بين أن الوعي القومي العربي يقف بقوة - مثلا ـ مع الحفاظ على العراق، كقطر أساسي في المنظومة العربية، وبين أن هذه الوعي يرفض النظم المعادية للديمقراطية والتي كانت أحد أسباب النكسات التي نحن فيها. تجديد المشروع القومي ـ اذن ـ يكون بالديمقراطية أولا، وبالقدرة على التفاعل الخلاق مع العصر ثانيا ومع التحديات الجديدة التي فرضها ـ للأسف الشديد. وشئنا أم أبينا ـ عالم مابعد (11 سبتمبر). عبدالغفار شكر: من المهم اعادة (طرح المشروع) على الظروف الجديدة: المصرية والاقليمية والدولية، والبحث عن سبل وامكانات تجعل المشروع قابلا للتطبيق في ظل هذه الظروف الجديدة، التي تتحكم فيها قوة وحيدة تقود العالم. وهي التي كانت تقف دائما ضد الاستقلال والتنمية الوطنية. لابد أيضا من ضرورة تبلور (قيادة جديدة) على نفس مستوى قيادة ثورة يوليو. د.عبدالحليم قنديل: أنا أعتبر أن قطاعات كبيرة من الظاهرة الاسلامية هي (قومية) في حقيقتها، من ناحية أنها تنطوي على التعبير عن (الذات القومية) بصورة مغايرة للصورة النقية كاملة العقلانية التي نتصورها. لأن تاريخ المنطقة دائما يظهر أنه في مرحلة الاحتجاج والمقاومة، تعلو فيها الظاهرة الدينية وصوت الاسلام.. وحين ينتقل من الاحتجاج الى التغيير، ينشأ التناقض على صعيد (العقلانية) والاتباعية.. مثلما جرى الأمر بين محمد علي وعمر مكرم، وكما جرى بين الاخوان وجمال عبدالناصر. وأخيرا، أقول انه ليست مشكلة العالم العربي، ولا مثقفيه أو قواه السياسية.. ولا مشروع النهضة، هي مشكلة أفكار.. بالعكس، فان هناك ترسانة هائلة من الكتابات والدراسات التي لم تتح للمشروع القومي في أي لحظة.. لكن المشكلة تكمن في أن التيار القومي عندما انسحب الى حالة (التأمل)، فانه فقد مواقع (الفعل).. والفعل هو الشئ الوحيد المطلوب الآن، فلا قيمة لفكر مالم يمتحن.. و(السيف أصدق انباء من الكتب). محمد عودة: قال المستشرق الفرنسي (جاك بيرن)، وهو من أعظم المستشرقين والمفكرين، في مقدمة كتابه ـ المرجع ـ عن (مصر.. الثورة والاستعمار: (مصر قد تخسر أحيانا.. لكنها لا تضيع أبدا) أدار الندوة : جلال عارف ـ أعدها للنشر: كارم محمود القاهرة ـ مكتب «البيان البيان الإماراتية 24.7.2002 |