الـدكـتـورة هـدى جـمـال عـبـدالـنـاصـر
[مقالات متنوعه]


 





العــولمة وحتمـية التكـتل العـربي
بقلم : د‏.‏هدي جمال عبد الناصر



من الملاحظ الاهتمام بظاهرة العولمة في الوطن العربي‏,‏ ودراسة تحدياتها السياسية والاقتصادية والثقافية‏,‏ والتخطيط لمواجهتها‏,‏ وذلك له ما يبرره‏.‏ فإن الموقع الإستراتيجي للعالم العربي مجاورا لأوروبا‏,‏ وفي منتصف الطريق إلي آسيا والشرق الأقصي‏,‏ مكونا كيانا ثقافيا عربيا واحدا ووحدة حضارية إسلامية‏,‏ كل ذلك جعله هدفا مباشرا لسياسات العولمة‏,‏ كما يتضح من الكتابات الغربية مثل نهاية التاريخ و صراع الحضارات‏.‏
ولعل مما يبشر بالخير أن ذلك الاهتمام بظاهرة العولمة يأتي من مستويات مختلفة في العالم العربي‏:‏ من بعض الحكومات والجامعات ومراكز الأبحاث والجمعيات الأهلية‏,‏ ومن المثقفين والكتاب والفنانين والعمال‏.‏ كل يعبر عن الجانب الذي يمسه مباشرة‏.‏

من أين نبدأ ؟

وهنا يتبادر إلي الذهن السؤال‏:‏ من أين نبدأ ؟ إن الإجابة ليست بالمهمة السهلة‏,‏ ولكن يمكن وضع بعض النقاط علي طريق الحل‏,‏ أري أن الكثيرين ممن تناولوا موضوع العولمة بالتحليل يتفقون حول‏:‏
:أولا‏
إن تقبل البعض للعولمة باعتبارها قدرا حتميا‏,‏ ورفض آخرين لها باعتبارها امتدادا للهيمنة الرأسمالية الغربية هو مدخل غير مجد‏.‏ فالعملية هنا ليست القبول أو الرفض للعولمة‏,‏ فنحن أمام ظاهرة آخذة في الاتساع وتتداعي تأثيراتها في قطاعات هامة من حياتنا‏,‏ وما ينبغي أن تتجه إليه الجهود هو كيفية التعامل معها‏.‏

:ثانيا
إن العولمة التي توفر وسائل الهيمنة الخارجية‏,‏ يمكن‏-‏ إن استخدمنا وسائلها بكفاءة واقتدار‏-‏ أن نحمي هويتنا القومية‏,‏ بل وأن نجعل ثقافتنا أكثر حيوية وتطورا‏,‏ بمزيد من انفتاحها علي العالم‏,‏ وحوارها مع الثقافات الأخري‏.‏ إن التحديات الكبري يجب أن تستنفر المقاومة لدي الدول ذات الثقافات الحية والإمكانات البشرية الغنية‏.‏

:ثالثا
إن افتراض قيام ثقافة عالمية واحدة هو افتراض مستحيل‏,‏ فالثقافة ترتبط بالإنسان‏,‏ وطالما وجدت اختلافات في الجغرافيا والتاريخ والتجارب والطموحات القومية فإن ظاهرة التعدد الثقافي لن تختفي‏.‏ وتلعب اللغة القومية هنا دورا مهما‏,‏ خاصة وأن الترجمة بين اللغات لا تنقل إلا المعني السطحي من دون روح الثقافة‏.‏ كذلك فإن ثقافة العولمة تعتمد أساسا علي اللغة الإنجليزية التي لا يتقنها إلا النخبة في العالم العربي‏,‏ وهذا يعطي ميزة نسبية للإعلام العربي‏,‏ حيث تؤدي رابطة اللغة‏,‏ عندما تتلاقي مع أساليب الاتصال الحديثة من أقمار صناعية وشبكة اتصال إلكترونية‏,‏ إلي مزيد من أواصر الاقتراب بين أبناء الوطن العربي‏,‏ ومن التلاحم الثقافي اليومي‏.‏
ولعل ذلك يدعونا إلي مقاومة اتجاهات تهميش اللغة العربية بدعوي أن إتقان اللغة الأجنبية من متطلبات القرن الحادي والعشرين‏:‏ فلقد بدأ الاتجاه في العديد من الجامعات العربية لاستحداث أقسام التدريس باللغات الأجنبية في مجال العلوم الإنسانية كالحقوق والاقتصاد والعلوم السياسية بديلا عن اللغة العربية‏,‏ وأخشي أن يؤدي ذلك إلي خلق نظام طبقي في إطار المعاهد العلمية‏,‏ وإلي إضعاف الارتباط باللغة العربية‏,‏ وإضعاف الرغبة في دراستها‏,‏ لأن السوق تغلق أبوابها في وجه أنصار الثقافات الوطنية‏.‏ إن الانفتاح علي الثقافات الأخري‏,‏ وإتقان اللغات الأجنبية‏,‏ لا يعني إضعاف لغتنا العربية التي تشكل وجدان الأمة وأداة تفكيرها‏.‏

:رابعا
إن التفوق العلمي والتقدم التكنولوجي هو شرط أساسي للمشاركة بإيجابية في القرن الحادي والعشرين‏,‏ ولعل ذلك يكون حافزا لنا لوضع خطط لتنشيط دور العلم والثقافة في حياتنا‏,‏ تلعب فيها الحكومات والجامعات والمؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني دورا أساسيا‏.‏

:خامسا
إن الدور الذي يلعبه الإعلام في حوار الثقافات والاتصال والتفاعل فيما بينها لم يزل سطحيا وهامشيا‏:‏ فالمحتوي الثقافي في القنوات الفضائية العربية لا يتناسب مع القوة التكنولوجية التي تمتلكها‏,‏ وليس قادرا علي أن ينافس الإعلام الخارجي الذي يتدفق حرا طليقا عبر الأقمار الصناعية‏.‏ لذلك فإن التركيز علي الإبداع والتجديد في الرسالة الإعلامية يتطلب اتساع المشاركة السياسية‏,‏ والسماح بمزيد من حرية التعبير‏,‏ وإنشاء وسائل إعلام عربية دولية باللغة العربية وبغيرها من اللغات‏,‏ حتي تعبر رسالتها حدود الوطن العربي وتربط العرب في المهجر بأصولهم القومية العربية‏.‏

:سادسا
إن الهدف الأساسي للعولمة هو الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي تقود إلي المواجهة الثقافية‏.‏ ولن نتمكن من التصدي لهذه الهيمنة إلا بالعمل العربي المشترك والتكتل العربي‏,‏ فالعالم العربي يحتاج إلي تخطيط إستراتيجي واضح الأهداف‏,‏ وحشد لطاقات المجتمع العربي البشرية والاقتصادية بتحقيق التكامل الاقتصادي‏,‏ والتنمية الشاملة‏,‏ وتأكيد الهوية القومية‏.‏
وفي هذا الصدد أعتقد أن تداعيات العولمة يجب أن تكون هي المنبه العصري الذي يجب أن يؤدي إلي التغيير العميق في العالم العربي‏,‏ وفي هذه المرة تأتي دعاوي التغيير من النخبة المثقفة ومن العمالة المعطلة‏,‏ وليس كما كان الوضع في الماضي عندما طرح التغيير من خلال القيادات التاريخية التي جسدت آمال الأمة‏.‏ وإذا كانت أوروبا تحمي نفسها من الهيمنة الأمريكية‏,‏ فأولي بنا أن نتصدي لمحاولات الهيمنة الأمريكية والأوربية معا‏.‏
وفي إطار هذا التكتل العربي يمكن وضع مشروع ثقافي قومي يهدف إلي حماية هويتنا القومية‏,‏ ويشمل تعريب التعليم الجامعي‏,‏ ودعم المؤسسات العلمية والإنتاج الأدبي والعلمي والفني‏,‏ وتشجيع حركة الترجمة في الأدب والعلوم والفلسفة إلي اللغة العربية‏.‏

:سابعا
يجب أن تحتفظ الدولة بدورها القيادي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية‏,‏ وفي المحافظة علي الثقافة والهوية القومية بمقاومة الضغوط الغربية لإتباع سياسات غير نابعة من المصلحة القومية‏.‏ وأود أن أشير هنا إلي أن قوي العولمة غير قادرة علي أن تحكم سيطرتها إلا من خلال مؤسسات الدولة القومية‏,‏ التي تضع التشريعات والقوانين والقرارات التي تسهل هذه السيطرة‏.‏ وفي نفس الوقت‏,‏ فمازالت الدولة القومية تلعب دورا لا ينافس في مجال الأمن الداخلي‏,‏ وتحقيق الاستقرار المطلوب الذي يسمح للشركات المتعددة الجنسية أن تمارس نشاطها الاقتصادي بما يعود بالفائدة علي الطرفين‏.‏ ومفهوم الأمن هنا يتعدي الإطار العسكري أو البوليسي إلي إطار أوسع هو الأمن الاجتماعي والاقتصادي‏,‏ الذي لا يمكن أن يتحقق إلا في جو من الاستقرار السياسي‏,‏ والتفاعل الديمقراطي السليم بين المواطنين‏.‏ ومما لا شك فيه أن التكتل العربي من شأنه أن يدعم قدرات الدول العربية في هذا الاتجاه‏.‏

:ثامنا
إن ما يثير القلق في الحقيقة ليس مجرد الغزو الثقافي الغربي‏,‏ فلدينا ثقافة بقيت متماسكة عبر العصور‏,‏ ولها نسق قوي يستطيع أن يتطور ويواجه المستقبل‏,‏ ولكن العامل الخطير هنا هو التبعية السياسية والاقتصادية التي تقود إلي الخلخلة الثقافية‏,‏ وإلي الاهتزاز في ثقة الشباب في هويتهم العربية‏,‏ وإلي انتشار الشعور بالإحباط بينهم‏,‏ وخاصة مع حملات التشكيك في كل ما هو قومي‏,‏ التي تقودها بعض أجهزة الإعلام الأجنبية والعربية في منظومة متسقة أهدافها‏.‏
ولست أري في هذا التحدي جديدا إلا من حيث مداه‏,‏ ومن حيث مقدار العجز الذي بلغته الدولة عن السيطرة والرقابة عليه‏.‏ ويذكرنا ذلك بفترات قريبة من تاريخنا كانت مكرسة فيها محطات الإذاعة الأجنبية الناطقة بالعربية للتشكيك في هويتنا وفي عروبتنا‏,‏ إلا أن رد الفعل كان عكسيا‏,‏ فقد تمسكت الجماهير بعروبتها‏,‏ وافتخرت بهويتها‏,‏ وكان ذلك في إطار عاملين أساسيين‏:‏
‏1‏ ـ قوة المد القومي العربي في الخمسينات والستينات الذي واكب حركات التحرر من الاستعمار الغربي‏,‏ والذي توفرت له القيادة التي نجحت في إعادة طرح الفكر القومي مقرونا بالإنجازات القومية المعروفة‏,‏ وتجاوبت النخب المثقفة في العالم العربي معه بإسهاماتها الفكرية‏,‏ وبالحوارات التي جرت بين فصائلها الفكرية المختلفة‏.‏
‏2‏ ـ وصول ثمار التنمية الاقتصادية التي بدأت بعد التحرر من الاستعمار إلي الطبقة المتوسطة والطبقات الفقيرة‏.‏
إذن إن مفتاح التمسك بالهوية القومية والاحتفاظ بالتميز الثقافي يكمن في الاستقلال السياسي المبني علي حد أدني من الاستقلال الاقتصادي وعدالة التوزيع‏,‏ والاتجاه إلي التكتل العربي علي كافة المستويات‏,‏ أيا يكون الشكل الذي يتخذه هذا التكتل في البداية‏.‏
ولا يجب أن ننسي أننا أصبحنا في عصر بعث القوميات علي مستوي العالم‏,‏ وذلك بعد انتهاء الاستقطاب الدولي في زمن الحرب الباردة‏.‏ ومن هنا أجد التناقض شديدا بين هذه الظاهرة العالمية نحو بعث القومية وبين الادعاءات من حولنا حول ضعف الارتباط القومي وضعف الهوية القومية في العالم كله‏.‏ فلماذا يؤدي هذه الوضع في العالم كله إلي إثارة التميز الثقافي القومي‏,‏ ويؤدي في وطننا العربي إلي الظاهرة العكسية ؟ اللهم إلا إن كانت الظاهرتان المتناقضتان تخدمان الهدف وهو تفكيك الدولة‏.‏
إن تلك حملة يجب ألا نتوقف عندها‏,‏ حيث أن القومية العربية توحد بين الأقطار العربية‏,‏ بينما يذكي نمو الشعور القومي في أوروبا مثلا الفرقة بين دول الوحدة الأوروبية‏,‏ ورغم ذلك اتخذت خطوات عملية علي مدي نصف قرن جعلت من أوروبا قوة جديدة تستعد لتأخذ مكانها المميز‏.‏
لقد أقلق هذا الاختلاف في مفهوم القومية في العالم العربي عنه في الغرب الكثير من الباحثين الغربيين‏,‏ وخاصة في فرنسا‏.‏ ومن هنا كانت الحملات المكثفة علي دعوة القومية العربية منذ الخمسينات‏,‏ تلك الحملات التي لم تنجح إلا من الناحية الظاهرية فقط‏,‏ فالوجدان العربي مازال تنبض فيه الحياة‏,‏ تغذية الثقافة العربية والماضي المشترك‏,‏ وتدعمه اللغة العربية وتحميه‏,‏ ولكنه يحتاج إلي عنصر غاب سنوات طويلة وهو الإرادة العربية الواعية بقيمة التكتل العربي بدرجاته وأشكاله المختلفة‏,‏ وإن نبع هذه المرة من الحاجة إلي الاحتماء في مواجهة قوي العولمة‏.‏
وإنه لمما يشجع علي المضي في هذا الاتجاه وجود عدو رئيسي للعرب وهو الصهيونية التي تعمل علي استغلال قوي العولمة لمصلحتها‏,‏وساعدها علي ذلك آلياتها التنظيمية منذ بداية القرن‏.‏ والأمثلة هنا كثيرة منها محاولة إسرائيل استخدام آليات السوق الرأسمالية لكي تجعل من نفسها وسيطا بين العرب والغرب‏,‏ وكذلك العمل علي السيطرة علي العديد من وسائل الاتصال العالمية لتنقل في أغلب الوقت وجهة النظر الصهيونية‏.‏
إنه مع تقديرنا لصعوبة عملية التكتل العربي الفاعل‏,‏ إلا أنها قضية مصيرية ينبغي المضي فيها بصيغة جديدة تلائم العصر الذي نعيش فيه‏,‏ وتحمي الهوية والسيادة في العالم العربي في الحاضر والمستقبل‏.‏



الأهرام
5.7.1999




.






 هدى جمال عبد الناصر

‏44‏ عاما علي قيام الجمهورية العربية المتحدة

الوحدة المصرية السورية في الوثائق البريطانية

بقلم : د‏.‏ هدي جمال عبد الناصر

خرجت مصر بانتصار سياسي في‏1956‏ بعد فشل العدوان الثلاثي عليها‏,‏ وهنا بدأت مخططات جديدة بهدف تحقيق ما عجز السلاح عن فرضه‏,‏ فأصبحت منطقة الشرق الأوسط محور صراع سياسي ضاريا بين الغرب وقوي التحرر العربية‏.‏ وتكشف الوثائق البريطانية تلك المخططات وتسجل تفاصيل ذلك الصراع‏,‏ وبصفة خاصة خلال معركة الأحلاف العسكرية‏,‏ وبعد تحقيق الوحدة المصرية السورية‏,‏ وخلال مرحلة المد التحرري العربي الذي ساندته مصر بكل قواها في اليمن والخليج وجنوب شبه الجزيرة العربية‏.‏

فبالرغم من استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وبريطانيا منذ العدوان الثلاثي في‏1956,‏ فإن الوثائق البريطانية تحتوي علي معلومات دقيقة توضح اهتمام بريطانيا والغرب عموما بتتبع عملية الوحدة‏,‏ كما تكشف ـ وهو الأهم ـ مدي خطورة الوحدة المصرية السورية ليس فقط علي المصالح البريطانية والغربية في منطقة الشرق الأوسط‏,‏ بل أيضا علي مصالح الكتلة الشرقية التي وقفت من الوحدة منذ البداية موقفا معاديا‏.‏

وأخطر ما في الوثائق البريطانية المتعلقة بالوحدة المصرية السورية التفاصيل التي ذكرت عن مخططات الدول الغربية لمنع انضمام أي من الدول العربية الأخري الي دولة الوحدة‏,‏ ومختلف الوسائل التي استخدمت من أجل تحقيق هذا الهدف‏.‏ فلقد قدم الغرب الدعم المالي والعسكري للدول المجاورة لمصر وسوريا‏,‏ بالإضافة الي تغذية شكوك جميع دول المنطقة في الدولة العربية الوليدة‏.‏ وكانت بريطانيا هي المحرك الرئيسي لإثارة مخاوف كل من العراق ولبنان والأردن من احتمال تعرضهم لهجوم عسكري من جانب الجمهورية العربية المتحدة‏.‏

وتوضح الوثائق البريطانية تفاصيل الدور الذي قامت به بريطانيا لمنع انضمام الأردن الي الجمهورية العربية المتحدة من خلال نقلها معلومات مضللة إلي الملك حسين عن تقديم جمال عبد الناصر الدعم إلي مجموعة من القوات المسلحة الأردنية للقيام بانقلاب عسكري ضده في‏17‏ أغسطس‏1958.‏ وقد طلبت الحكومة البريطانية من سفيرها في الأردن ضرورة مقابلة الملك حسين بصورة عاجلة‏,‏ وتقديم النصح له بطلب المساعدة العسكرية من بريطانيا لحماية عرشه من أي انقلاب عسكري ضده تقوم الجمهورية العربية المتحدة بتدبيره‏,‏ واقناعه ـ في نفس الوقت ـ بأن الوجود العسكري البريطاني في الأردن يسهم في استقرار المنطقة‏.‏

وقد أكد ذلك سلوين لويد ـ وزير الخارجية البريطانية ـ للسفير الفرنسي في لندن في‏23‏ يوليو‏1958‏ بقوله‏:‏ إن انضمام الأردن الي الجمهورية العربية المتحدة يلحق ضررا شديدا بالمصالح الإنجليزية والغربية في المنطقة‏,‏ كما أنه يضع الجيش المصري علي حدود إسرائيل من ثلاث جبهات‏,‏ وهذا قد يدفع إسرائيل الي القيام بعمل عسكري ضد الأردن أو الاستيلاء علي الضفة الغربية علي الأقل‏.‏

وتفضح الوثائق البريطانية أيضا الضغوط الضخمة علي لبنان من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لكي يقبل الوجود العسكري الأمريكي علي أراضيه‏,‏ تحت زعم حمايته من هجوم مسلح تقوم به قوات الجمهورية العربية المتحدة‏.‏ وقد تزامن ذلك مع حملة دعائية منظمة ضد دولة الوحدة في أوساط المسيحيين اللبنانيين كي لا يوافقوا علي اقتراح بعض الطوائف السنية بالانضمام الي الوحدة‏.‏

وفي نفس الوقت لعبت بريطانيا دورا كبيرا في إثارة مخاوف العراق من دولة الوحدة‏,‏ بدعوي احتمال قيامها بغزوها عسكريا‏.‏

وتكشف الوثائق البريطانية عن مقابلة بين نوري السعيد ـ رئيس وزراء العراق ـ وسلوين لويد في لندن في أغسطس‏1958,‏ أيد فيها الأخير مقترحات نوري السعيد بضرورة إجهاض الوحدة بين مصر وسوريا‏,‏ علي أن يكون الانفصال ناجما من تحرك سوري منفرد يحظي بدعم دول الجوار‏.‏ وأضاف نوري السعيد أنه ينبغي إقامة اتحاد فيدرالي بديل بين كل من العراق وسوريا والأردن ولبنان‏,‏ وأوضح ان الهدف من ذلك هو عزل مصر داخل حدودها فقط‏,‏ وتوجيه ضربة قاضية لدور مصر العربي‏.‏

وفي واقع الأمر لقد اعتبرت الدول الكبري قيام الوحدة المصرية السورية انقلابا خطيرا في منطقة الشرق الأوسط يهدد مصالحها تهديدا مباشرا‏,‏ مما حفز هارولد ماكميلان ـ رئيس الوزراء البريطاني ـ إلي دعوة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وفرنسا لاجتماع قمة رباعي يتم خارج نطاق الأمم المتحدة لمناقشة أزمة الشرق الأوسط‏,‏ كما كان يطلق عليها في ملفات وزارة الخارجية البريطانية‏!‏ ويتضح من الوثائق البريطانية كيف تلاقت مصالح كل من الكتلتين الشرقية والغربية ضد تجربة الوحدة المصرية السورية‏.‏ فقد انتقد الاتحاد السوفيتي القيود التي فرضها جمال عبد الناصر علي الشيوعيين الذين قاموا بأنشطة معادية للوحدة منذ بدايتها‏,‏ ولقد كان ذلك هو السبب الرئيسي في الخلاف الشديد الذي حدث بين الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد السوفيتي‏,‏ والذي بلغ ذروته في‏.1959‏

وبالطبع حظي انفصال سوريا عن مصر وانتهاء تجربة الوحدة الأولي في التاريخ الحديث في‏28‏ سبتمبر‏1961‏ بمساحة كبيرة من الوثائق البريطانية‏,‏ فقد أوردت رصدا دقيقا لكل جوانب الوضع الداخلي والخارجي في كل من مصر وسوريا‏,‏ يتضح منه تبني بريطانيا مطالب بعض الفئات السورية التي أضيرت من القوانين الاشتراكية التي صدرت في يوليو‏.1961‏ وتكشف هذه الوثائق ايضا عن أن غالبية الدول الغربية ـ وبعض دول المنطقة ـ قابلت الانفصال بارتياح شديد‏,‏ بل إن الملك حسين قرر التدخل عسكريا إلي جانب حركة الانفصال في سوريا اذا اتخذ جمال عبد الناصر قرارا باستخدام القوة العسكرية للحفاظ علي دولة الوحدة‏,‏ كما تعهدت لبنان بتقديم الدعم في حدود الممكن للحركة الانفصالية‏.‏

أما إسرائيل فقد حذرها السفير الأمريكي في تل أبيب بضرورة مراعاة أقصي درجات ضبط النفس تجاه الأحداث في سوريا‏.‏ وتشير إحدي الوثائق إلي مقابلة بين السفير البريطاني في تل أبيب ومدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية‏,‏ أكد فيها الجانبان أن انفصال سوريا عن مصر يمثل ضربة شديدة للفكر الثوري في منطقة الشرق الأوسط‏,‏ مما يوفر فرصة ملائمة تماما لكلا الدولتين للتعاون معا لمحاصرة مصر ومنعها من مد نفوذها علي هذا النحو مرة أخري‏.‏

وحتي الآن لم يكشف النقاب بعد عن الدور البريطاني في إتمام عملية الانفصال‏,‏ نظرا لأن هناك‏50‏ ملفا كاملة ستبقي مغلقة لمدة‏50‏ عاما استثناء من قاعدة فتح الوثائق البريطانية بعد ثلاثين عاما‏,‏ بالاضافة الي وجود‏4‏ ملفات مغلقة إلي عام‏2055,‏ وهي تتعلق بالسياسة البريطانية تجاه الجمهورية العربية المتحدة‏.‏

الأهرام 26.2.2002










الأهرام ينفرد بنشر المحاضرالسرية لجلسات اللجنة المركزية
للاتحاد الاشتراكي التي أدارها عبدالناصر
بعد قبول مصر لمبادرة روجرز
عبدالناصر يعلن أنه ليس مستعدا لكي يقف ضد أمريكا
بقلم : د‏.‏ هدي عبد الناصر
رئيس وحدة دراسات الثورة بـالأهرام




عبدالناصر فى طريقه الى اجتماع اللجنة المركزية وفى الصف الاول انور السادات وعلى صبرى وعبدالعزيز حجازى وامين هويدى ولبيب شقير ومن خلفه كمال الشاذلى فى اول ظهوره السياسى
قصة التحول الاستراتيجي في مواقف عبدالناصر بعد عام من النكسة وقبل رحيله بعامين
في محاولة لإتاحة الوثائق الأصلية لثورة‏23‏ يوليو‏1952‏ أمام الشباب الذين لم يعاصروا أحداثها تتقدم وحدة دراسات الثورة المصرية بمؤسسة الأهرام الصحفية بجمع وتحقيق محاضر اجتماعات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي خلال الفترة من عام‏1968‏ وحتي عام‏1970,‏ فالقارئ لفعاليات تلك المحاضر ـ وبعد مرور أربعة وثلاثين عاما علي بدء أولي اجتماعاتها في‏3‏ أكتوبر عام‏1968‏ ـ يسترعاه حجم القضايا الداخلية والخارجية التي نوقشت وتداولها الحوار بين القاعدة والقيادة‏,‏ منذ ذلك التاريخ وحتي سبتمبر‏1970.‏ فعلي مدار عامين فقط نوقشت عدة قضايا لعبت دورا هاما في تلك الفترة داخليا وخارجيا‏,‏ وهي فترة تعتبر وبحق من أخصب فترات التاريخ السياسي لثورة يوليو‏1952,‏ فلقد شهدت هذه الفترة نموا في أطوار التنظيم السياسي في ظل الثورة في محاولة لتلاشي أخطاء التنظيمات السياسية الأولي ـ هيئة التحرير والاتحادالقومي ـ واستيعاب مرحلة الإعداد الوطني لجماهير الشعب لمعركة التحرير وإزالة آثار العدوان لاسترداد الأراضي العربية المغتصبة منذ يونيو‏1967,‏ وفرض حل عادل للقضية الفلسطينية‏,‏ ورفض السلام المبني علي القهر والعدوان‏.‏

ورغم أعباء التعبئة الشاملة لكل موارد الدولة للإعداد لمعركة التحرير‏,‏ ورغم اشتداد الصراع العربي الإسرائيلي وخوض مصر أطول الحروب ضد إسرائيل وهي حرب الاستنزاف‏,‏ إلا أن الاقتصاد المصري قد شهد نموا ملحوظا في معدل التنمية في كافة القطاعات الاقتصادية‏,‏ حيث أن معدل الإنتاج والدخل القومي قد ازداد بمعدل‏5%,‏ وهو أمر يدعونا للتساؤل‏..‏ كيف استطاع عبدالناصر بعد عدوان يونيو‏1967,‏ وبعد عام واحد من الانكسار العسكري واحتلال الأراضي العربية‏,‏ أن يرفع معدل النمو الاقتصادي للاقتصاد المصري رغم أعباء تلك المرحلة؟‏!‏
وبرغم أنها كانت بدون جدول أعمال إلا أن الجلسة الرابعة والعشرين للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي التي عقدت في الساعة السابعة والأربعين دقيقة مساء يوم‏22‏ يوليو‏1970‏ كانت نقطة تحول استراتيجية في تاريخ الثورة ـ علي حد تعبير الرئيس جمال عبدالناصر ـ عندما أجاب علي سؤال لأحد قيادات اللجنة المركزية التي تضم‏200‏ قيادة سياسية حول مشاركة الطيارين السوفييت في الدفاع عن مصر ضد غارات العمق التي قامت بها إسرائيل ضد أهداف في الصعيد‏.‏

قال الرئيس عبدالناصر‏:‏ في يناير اللي فات أنا ذهبت إلي موسكو‏..‏ وبعد أن ابتدأ الضرب في العمق‏..‏ الحقيقة طلبت منهم مساعدة‏..‏ بعد نقاش طويل هم وافقوا يدونا المساعدات‏,‏ ولكن بنحتاج مدة طويلة علشان نتدرب عليها‏..‏ إذن معني هذا ان احنا ممكن نأخذ صواريخ سام‏3,‏ ولكن حنقعد حوالي‏7‏ أو‏8‏ أشهر بننضرب لغاية ما يتدرب أولادنا علي استعمالها‏.‏ وكان هناك إلحاح أيضا علي أساس ان احنا عندنا طيارات أكثر من الطيارين‏..‏ وعلي أساس أن الاتحاد السوفيتي يشترك معنا في طيارات ـ بعلامات مصرية ـ في الدفاع عن العمق‏..‏ وافق الاتحاد السوفيتي علي هذا الموضوع‏.‏ هذا الموضوع الحقيقة من الناحية الاستراتيجية يعتبر نقطة تحول كبيرة‏.‏
وقال الرئيس معلقا علي سؤال حول ردود أفعال الدوائر السياسية الأمريكية والأوروبية علي التعاون العسكري المصري ـ السوفيتي في منطقة غرب القناة‏:‏ هناك أيضا قلق في أوروبا الغربية‏..‏ وهناك قلق في أمريكا‏..‏ وهناك أيضا قلق في إسرائيل لسبب بسيط جدا أن الاتحاد السوفيتي طالما تحرك بهذا الشكل لايمكن أنه حيسلم أو يقبل أن ينهزم أمام إسرائيل‏..‏ ومساعدات أمريكا لإسرائيل‏,‏ حتي ولو حصلت مواجهة مع أمريكا‏.‏ طبعا فيه ناس حاولوا يمثلوا هذا بكوبا‏,‏ ولكن فيه فرق كبير بين كوبا والعملية دي‏..‏ في كوبا كان موجود صواريخ ذرية تهدد أمريكا‏,‏ أما كل الأسلحة الموجودة عندنا عادية‏..‏ هوكل الاتفاق اللي تم مع الاتحاد السوفيتي كان علي أساس عملية دفاعية‏.‏

وردا علي سؤال حول الحملة علي الاتحاد السوفيتي في علاقته مع مصر قال الرئيس جمال عبدالناصر هناك حملة تجتاح البلد بين حين وآخر ضد الاتحاد السوفيتي‏..‏ وان الاتحاد السوفيتي مسيطر علي البلد‏,‏ ومسيطر علي الجيش‏,‏ ومسيطر علي كل حاجة‏,‏ وإن احنا مانقدرش نعمل حاجة إلا بالاتحاد السوفييتي‏.‏ هذا الكلام لا نصيب له من الصحة مطلقا‏,‏ واحنا بنعمل اللي احنا عايزين نعمله‏.‏ أما الأسطول السوفيتي‏,‏ فأنا الحقيقة اللي قايل لهم يقعدوا في بورسعيد علشان اليهود مايضربوش بورسعيد‏..‏ أنا اللي طالب ده‏..‏ ومره جم يمشوا‏..‏ قلنا لهم‏:‏ ماتمشوش من بورسعيد‏,‏ لأن اليهود لما بيجوا يضربوا في بورسعيد‏,‏ يخافوا يضربوا تيجي طلقة في مركب روسي‏,‏ تحصل أزمة كبيرة بينهم‏,‏ ويمكن يردوا عليهم ويدخلوا في إشكال‏.‏
وفي رده علي سؤال لـ محمد أحمد عبدالهادي حول وجود اتفاقيات دفاع مشترك بين الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد السوفيتي‏,‏ أكد الرئيس أنه لا توجد أية اتفاقات للدفاع مع الروس علانية كانت أو سرية وقال‏:‏ إذا طلبنا اتفاقية دفاع مشترك مع الروس مش حيرضوا‏,‏ أؤكد لك كده‏100%‏ يعني لأن بيبقي فيه يمكن مأخذ علي سياستنا‏..‏ فمافيش اتفاقية دفاع مشترك‏,‏ أبدا‏.‏

وإذا اتخذنا قرار دلوقت في اللجنة المركزية بإن احنا نطلب من الاتحاد السوفيتي دفاع مشترك‏,‏ أؤكد لك‏100%‏ لو باطلب منهم بكره‏..‏ لن يقبلوا‏..‏ حيقولوا إن ده ضد مصلحتنا‏,‏ وضد العملية كلها‏,‏ وإن ده بيعقد الموقف‏.‏
فهؤلاء الناس‏..‏ يعني أي واحد يقدر يقول اللي هو عايزه‏.‏ طيب إذا كانت فيه اتفاقية دفاع مشترك مش كنا لازم يصدق عليها في مجلس الوزراء‏.‏ ونوديها مجلس الأمة يصدق عليها‏,‏ وإلا فأي اتفاقية سرية لا قيمة لها‏.‏ افرض انهم حتي اتفقوا معايا أنا سرا‏,‏ تبقي قيمة الاتفاقية معايا إيه؟‏..‏ ممكن بعض الناس اللي بيقولوا ده‏..‏ أما تقول لهم الرد اللي أنا باقوله‏..‏ حيردوا عليك يقولوا لك‏:‏ إن فلان متفق معاهم‏,‏ الاتفاق معايا سرا ما يساويش حاجة‏..‏ ما يبقاش اتفاق‏.‏

وانتقل الحوار حول مبادرة وزير الخارجية الأمريكي روجرز قال عبدالناصر‏:‏ كان من الواضح أن نرد علي روجرز في رد موضوعي‏,‏ إيه اللي جد في جواب روجرز؟ هو مقترح عدة اقتراحات‏:‏ النقطة الأولي‏:‏ وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل لمدة‏3‏ أشهر‏..‏ بين مصر بس وإسرائيل‏,‏ لأن الأردن لم تلغ وقف إطلاق النار‏..‏ وسوريا لم تلغ وقف إطلاق النار‏,‏ احنا اللي أعلنا في مايو اللي قبل اللي فات بدء حرب الاستنزاف وإنهاء وقف إطلاق النار إلا إذا كان هناك نص علي الانسحاب‏.‏ الكلام اللي في النقطة الثانية‏:‏ تنفيذ قرار مجلس الأمن بكل أجزائه‏.‏ النقطة الثالثة‏:‏ عودة يارنج للاتصال بالأطراف كما كان في الماضي‏..‏ اللي هو إقرار الأطراف بسلامة‏,‏ واستقلال‏,‏ ووحدة الأراضي الموجودة‏.‏ النقطة الرابعة‏:‏ هي أن تعلن إسرائيل الانسحاب وفقا لقرار مجلس الأمن من الأراضي المحتلة‏.‏
وشرح الرئيس عبدالناصر مبررات قبوله لمبادرة‏'‏ روجرز‏'‏ قائلا‏:‏ إذن كل ـ الحقيقة ـ الكلام الموجود في هذه المبادرة الأمريكية وافقنا عليه قبل كده‏,‏ ولكن حيبقي الموضوع موضوع مبدأ‏,‏ هل سنرد علي أمريكا‏..‏ أم لانرد علي أمريكا؟ احنا عملنا الرد‏..‏ وردينا علي أمريكا بالنسبة للموضوع‏,‏ علي أساس إننا لا نعطي فرصة بأي شكل من الأشكال للولايات المتحدة علشان تعطي سلاح لإسرائيل‏.‏

ومازال الرئيس يعلق قائلا‏:‏ ايه رد الفعل اللي حيبقي بعد كده؟ وفي تقديرنا ان الموقف يكون صعب جدا لإسرائيل‏..‏ في تقديرنا ان إسرائيل لاتستطيع أن تقبل وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر‏..‏ في تقديرنا انهم كانوا مستنيين ان احنا اللي نرفض‏.‏
وفي تعليق للرئيس عبدالناصر حول أسئلة الأعضاء حول الموقف بين رفض سوريا لقرار‏242‏ لعام‏1967,‏ وقبول الجمهورية العربية المتحدة له‏,‏ وتأثير ذلك علي وضع الجولان المحتلة قال عبدالناصر‏:‏ الحقيقة هم مايقدروش يقبلوا قرار مجلس الأمن‏,‏ ومايقدروش يدوا أي تصريح حتي عن السلام‏..‏ لو تدروا احنا بندي تصريحات وأحاديث‏..‏ هم مقيدين تقييد كامل لأن عندهم مشاكل وانقسامات برضه بالداخل‏..‏ وحاجات بهذا الشكل‏.‏ ولكن يعني أنا لما قبلت قرار مجلس الأمن سنة‏1967‏ أنا جاني رئيس وزراء سوريا وقال‏:‏ كيف تقبل هذا الموضوع‏..‏ ده حيؤثر علي شعبيتك في العالم العربي؟ فأنا قلت له‏:‏ أنا ماوضعتش هذه الحكاية أبدا في الحساب ـ أنا عايز أشوف كيف حابني جيش؟‏..‏ الاتحاد السوفيتي طالما باقول ان أنا ححارب وحادمر إسرائيل‏..‏ مش ممكن يديني سلاح‏..‏ لأن عالميا يبقي موقفه صعب‏,‏ وعايزين وقت علشان نبني قواتنا المسلحة‏.‏ نيجي بقي لموضوع الجولان‏..‏ احنا الحقيقة متمسكين بالانسحاب من كل الأراضي‏,‏ والله إذا حصل اتفاق علي سيناء‏..‏ وإذا حصل اتفاق علي القدس‏..‏ وإذا حصل اتفاق علي غزة‏..‏ وإذا حصل اتفاق علي الضفة‏,‏ فيبقي هنا بنقول‏:‏ لازم يحصل اتفاق أيضا علي الجولان ويبقي فيه كلام مع السوريين‏.‏

وحول سؤال وجهه د‏.‏ مصطفي أبوزيد بشأن تلويح إسرائيل بشن حرب نووية‏,‏ أو استخدام بعض أسلحتها النووية التي منحتها لها الولايات المتحدة خاصة حصولها علي مدافع لها القدرة علي حمل رءوس نووية‏,‏ متعللين بقوة المدافع المصرية‏,‏ وإعلان إسرائيل بأنها تريد كسب الحرب الجديدة ضد العرب بسرعة خاطفة في إشارة إلي استخدام الأسلحة النووية‏,‏ فرد قائلا‏:‏ موضوع الحرب النووية ده موضوع كبير جدا‏,‏ وموضوع ان الروس يقولوا إنهم عاوزين يجيبوا هنا أسلحة نووية‏..‏ أنا باقول‏:‏ لأ‏..‏ لأنهم إذا ادونا أسلحة نووية‏..‏ اليهود علي طول يأخذوا أسلحة نووية من أمريكا‏,‏ إذا جابوا هنا أسلحة نووية‏..‏ الأمريكان هنا بقي بيقولا لهم امشوا‏..‏ ده الكلام اللي قاله كيسنجر‏..‏ لازم يمشوهم ولو يدخلوا في مواجهة‏,‏ فالعملية في الحقيقة أكبر من هذا‏,‏ وممكن تتكرر عملية زي كوبا‏.‏ هناك نقطة أخري بالنسبة لاستخدام الأسلحة النووية‏..‏ احنا موقعين اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية‏,‏ وهذه الاتفاقية منها نص يتعهد به الاتحاد السوفيتي وأمريكا علي حماية كل الدول الموقعة علي الاتفاقية من أي تهديد ذري‏.‏ وإدخال الأسلحة النووية ـ الحقيقة ـ في منطقة الشرق الأوسط موضوع ما أظنش ان إسرائيل تقدر تشتغل فيه لوحدها‏,‏ وما أظنش ان أمريكا توافق لها‏,‏ لأن أمريكا إذا وافقت يبقي معني هذا ان الروس حيجيبوا هنا أسلحة نووية‏,‏ فعملية الأسلحة النووية عملية تتحسب حساب بالشعرة‏..‏ وبعدين ماحدش بيدي حد أسلحة نووية أبدا‏..‏ يعني من يوم ما اكتشفوها حتي فرنسا ماادوهاش الأمريكان الأسرار‏..‏ اضطروا انهم يبحثوا ثم يصلوا‏..‏ إلي اخر هذه العملية‏.‏

ومازال الحديث للرئيس عبدالناصر تعليقا علي إمكان استخدام إسرائيل أسلحة نووية في حربها ضد العرب‏,‏ وإمكانية امتلاك مصر لقنبلة نووية‏..‏ قال‏:‏ الانجليز والصين أيضا هم اللي عملوا العملية‏,‏ واحنا سبق وبعتنا بعثة إلي الصين سرا‏..‏ وقالوا لنا‏:‏ اعتمدوا علي أنفسكم‏.‏ الحقيقة احنا عندنا ناس تستطيع انها تعمل القنبلة الذرية‏,‏ ومعروفين بالاسم‏,‏ لكن الموضوع تكاليفه ليست في طاقتنا‏.‏ وبعدين الميدان اللي حندخله مش ممكن يسيبونا نستخدم أسلحة ذرية‏..‏ مش ممكن حد يسيبنا يعني إذا استخدمنا أسلحة ذرية ضد إسرائيل‏..‏ وإسرائيل ما عندهاش‏,‏ يبقي بالتالي تاني يوم احنا ننضرب ـ أو في اليوم نفسه ـ سننضرب بأسلحة ذرية من أمريكا‏.‏
وردا علي سؤال للرئيس عبدالناصر حول ضرورة التركيز علي القضية المصرية بعد أن تحملت عبء القضية العربية منذ عام‏48:‏ قال عبدالناصر عن دور مصر العربي هو قدرنا لعدة أسباب‏..‏ لأن مصر هي أكبر دولة عربية‏,‏ وبدون مصر الحقيقة تبقي الدول العربية لا تساوي شيئا‏..‏ وقلت للفريق فوزي احنا عاوزين نكون مستعدين إلي درجة لما نحارب يمكن نحارب وحدنا‏.‏

وحول إمكان استخدام سلاح البترول في المعركة ذكر الرئيس عبدالناصر ان استثمار شركات البترول في المناطق العربية ليس له تأثير فعال علي الولايات المتحدة فإن إجمالي ما تصرفه واشنطن علي حربها في فيتنام في أربعة أيام يساوي استثمار شركات البترول العاملة في الأراضي العربية بمنطقة الشرق الأوسط‏.‏
وردا علي رسالة الرئيس الأمريكي‏'‏ ريتشارد نيكسون‏'‏ التي بعثها إلي عبدالناصر حول عودة العلاقات بين القاهرة وواشنطن‏,‏ قال عبدالناصر‏:‏ احنا مش مستعدين ندخل دلوقت في معركة مع أمريكا لسبب بسيط‏..‏ إذا حصل تغيير في سياسة الولايات المتحدة فلا يمكن أن يحدث فجأة‏..‏ ولن يكون هناك تغيير جذري في الموضوع‏...‏ أنا جت لي رسالة أخيرا من‏'‏ نيسكون‏'‏ مع‏'‏ هندسون‏'‏ بيقول عودة العلاقات فكان ردي له بقول ان اللي تغير في أمريكا حاجة واحدة بس هي الرئيس‏,‏ مفيش حاجة بعد كده اتغيرت‏.‏




http://www.ahram.org.eg/arab/ahram/2002/7/18/THAW9.HTM







في دراسة لهدى عبدالناصر حول «ثورة يوليو في الوثائق البريطانية»: لندن نظرت للثورة كمصدر تهديد للنفوذ البريطاني والمصالح الغربية، بريطانيا سعت عام 51 لفصل سيناء وتدويل القناة

اكدت الدكتورة هدى جمال عبد الناصر استاذة التاريخ بجمهورية مصر العربية وكريمة الرئيس الراحل عبد الناصر بأن الوثائق البريطانية مصدر مهم وثري للدراسات في تاريخ مصر وخاصة منذ الاحتلال البريطاني لعام 1882 حيث تدخلت بريطانيا في جميع الشئون الداخلية المصرية،

وحينما قامت ثورة 23 يوليو عام 1952 كانت السيطرة البريطانية محكمة على البلاد بالرغم من تركز القوات العسكرية البريطانية في منطقة القناة ولذلك توافرت في دار الوثائق البريطانية كميات هائلة من الوثائق الخاصة بمصر في ذلك الوقت.

واشارت الدكتورة هدى في ورقة العمل التي قدمتها مساء امس بندوة وثائق تاريخ العرب في الارشيفات العالمية بأنه ينبغي توخي الحذر في استخدام الوثائق البريطانية كمصدر للمعلومات التي تبنى عليها الدراسات الاكاديمية فهي تعكس بالدرجة الاولى رؤية محرريها وآرائهم وبالتالي فان المعلومات الواردة فيها لا يجب أن تؤخذ كشيء مسلم به، بل ينبغي على الباحث أن يعمل على تقييم هذه المعلومات وتأكيدها من مصادر اخرى حتى يصل الى الحقيقة. وتناولت الدكتورة هدى في ورقتها دور الوثائق البريطانية في حرب فلسطين واحداث ثورة يوليو والوحدة المصرية السورية وغيرها من الاحداث العربية مؤكدة بأن هذه الوثائق فتحت كثيرا منها لاطلاع الباحثين بعد ثلاثين عاما من تاريخها كما فتحت بقية الوثائق التي كانت مغلقة لمدة خمسين عاما ولم يتبق سوى 6 ملفات فقط مغلقة حتى عام 2011 الاول بعنوان مصر والثاني عن العائلة المالكة والقصر واربعة ملفات بدون عنوان. وفيما يلي نص الورقة: تعتبر الوثائق البريطانية مصدرا مهما وثريا للدراسات في تاريخ مصر وخاصة منذ الاحتلال البريطاني عام 1882، حيث تدخلت بريطانيا في جميع الشئون الداخلية المصرية، فحوت تلك الوثائق ادق تفاصيل مختلف اوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الخاصة، في مصر، واستمر ذلك حتى توقيع اتفاقية الجلاء في 18 اكتوبر 1954، وتصفية القاعدة البريطانية في منطقة القناة، والقضاء على النفوذ البريطاني برمته بعد العدوان الثلاثي على مصر في 1956. وعندما قامت الثورة في 23 يوليو 1952، كانت السيطرة البريطانية محكمة على البلاد، بالرغم من تركز القوات العسكرية البريطانية في منطقة القناة، ولذلك توافرت في دار الوثائق البريطانية كميات هائلة من الوثائق الخاصة بمصر في ذلك الوقت.

وقيمة هذه الوثائق في انها تتصف بالتنوع والشمول، فلم تقتصر على المراسلات بين السفارة البريطانية في القاهرة ووزارة الخارجية في لندن، وانما تحتوي ايضا تسجيلا للمناقشات حول مصر في مجلس الوزراء البريطاني والمذكرات التي عرضت عليه في هذا الشأن، وكذلك المذكرات الصادرة من رئيس الوزراء ووزير الخارجية ومساعديه ورؤساء الادارات المختلفة بالخارجية البريطانية، كما تشمل ايضا جميع التقارير الواردة من الوزارات الاخرى المتعلقة بصنع السياسة البريطانية تجاه مصر، وكذلك محاضر مناقشات مجلسي العموم واللوردات كما وردت في مضابطهما في نفس الموضوع.يضاف الى ما سبق ايضا المراسلات بين قادة القوات العسكرية البريطانية في مصر ووزارتي الحرب والخارجية البريطانيتين. كما تضم الوثائق البريطانية كل ما يتصل بمصر في اي بلد في العالم وفي المنظمات الدولية، مثل الامم المتحدة وحلف شمال الاطلسي ومما يزيد في اهمية تلك الوثائق للباحثين أن بعضها كان يكتبه الخبراء البريطانيون الذين كانوا يعملون في مختلف وزارات الحكومة المصرية بمرتبات منها، وظلوا في مواقعهم حتى بعد عقد معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، التي تحول بمقتضاها المندوب السامي البريطاني الى سفير له اقدمية على باقي السفراء في مصر محتفظا بنفس نفوذه السابق، وظل رئيس البوليس المصري بريطاني يتلقى تعليمات مباشرة من لندن.

ولكن، من جانب اخر، ينبغي توخي الحذر في استخدام الوثائق البريطانية كمصدر للمعلومات التي تبني عليها الدراسات الاكاديمية، فهي تعكس بالدرجة الاولى رؤية محرريها وآرائهم، وبالتالي فأن المعلومات الواردة فيها لا يجب أن تؤخذ كشيء مسلم به، بل ينبغي على الباحث أن يعمل على تقييم هذه المعلومات وتأكيدها من مصادر اخرى حتى يصل الى الحقيقة.

الا انه تجدر الاشارة الى أن قيمة الوثائق تزيد كمصدر للبحث اذا كانت متعلقة بالاهداف السياسية البريطانية بالنسبة لقضية معينة، وتقديرها للموقف الذي على اساسه يتم صنع القرار، فهي هنا تصبح مصدرا من الدرجة الاولى بالنسبة للباحث.

ولقد كانت بريطانيا طرفا في صراع مع مصر امتد منذ الاحتلال البريطاني في الربع الاخير من القرن التاسع عشر، واشتد مع تصاعد الحركة الوطنية المصرية بعد الحرب العالمية الاولى، التي قادت الى ثورة 1919 وما نتج عنها من استقلال اسمي لمصر في عام 1922، ولكن ذلك لم يمنع من استمرار هذا الصراع حول تمكين الحكم الدستوري وتحقيق الجلاء. وبعد قيام ثورة يوليو 1952 اصبح هذا الصراع اشد ضراوة ووصل الى مؤامرة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

ولقد جعل هذا الصراع المستمر بين مصر وبريطانيا الوثائق البريطانية ذات قيمة كبيرة للباحث، حيث يجد بها تفسيرا لكثير مما يتعلق بالطرف الثاني من الصراع، من حيث المعلومات التي لديه عن الموقف الذي يدور حوله الصراع وتحليله لها، والتحالفات والتحركات والوسائل التي يستخدمها لتحقيق اهدافه سواء كانت سياسية او اقتصادية او عسكرية او اعلامية ودعائية.

ولكن ينبغي الاشارة هنا الى أنه ليست كل الوثائق تفتح لاطلاع الباحثين بعد ثلاثين عاما، وانما هناك وثائق تعدم، واخرى تظل مغلقة الى الابد، وبعضها يفتح بعد اربعين عاما او خمسين عاما او خمسة وسبعين عاما، او مئة عام، كما حدث مثلا بالنسبة لوثائق عدوان يونيو 1967.

وفي معالجة هذه الورقة لثورة 23 يوليو 1952 في الوثائق البريطانية تقسم الى الاقسام الاتية:

اولا: مقدمات ثورة يوليو في الوثائق البريطانية.

ثانيا: الرؤية البريطانية لاحداث الثورة.

ثالثا: الصراع بين الثورة والاحتلال البريطاني.

رابعا: الثورة كمصدر تهديد للنفوذ البريطاني والمصالح الغربية.

اولا: مقدمات ثورة 23 يوليو في الوثائق البريطانية

تعتبر الوثائق البريطانية مصدرا غزيرا للمعلومات المتعلقة بمقدمات ثورة 23 يوليو، فقد فتحت كثيرا من هذه الوثائق لاطلاع الباحثين بعد ثلاثين عاما من تاريخها، كما فتحت كذلك باقي الوثائق التي كانت مغلقة لمدة خمسين عاما، ولم يتبق سوى ستة ملفات فقط مغلقة حتى عام 2011، الاول بعنوان مصر، والثاني عن العائلة المالكة والقصر، واربع ملفات بدون عناوين.

ونبدا اولا بتحديد ما الذي نقصده بمقدمات ثورة 23 يوليو؟ نستطيع أن نقول أن الشعور الثوري في الجيش بدأ في عام 1942 عندما اقتحمت الدبابات البريطانية قصر عابدين وحاصرته، وفرض السفير البريطاني «مايلز لامبسون» على الملك تولي حزب الوفد الحكم برئاسة مصطفى النحاس، وقد اعتبر ضباط الجيش هذا الحدث بمثابة اهانه للشرف العسكري والشعور القومي.

وقد توالت بعد ذلك احداث وظروف يمكن اعتبارها المقدمات الاساسية لثورة 23 يوليو نقتصر في هذه الورقة على عرض ابرزها.

1- حرب فلسطين، وما ارتبط بها من قضية الاسلحة الفاسدة التي دفعت ضباط الجيش الى التصميم على العمل للقضاء على الفساد في القاهرة بعد رجوعهم من ميادين القتال.

وتوضح الوثائق البريطانية وقائع قضية الاسلحة الفاسدة بالتفصيل من خلال عشرة ملفات كاملة، اربعة ملفات عام 1948، واربع ملفات عام 1949، وملف واحد لكل من عامي 1950 و 1951. وتلقي الوثائق البريطانية بمسئولية صفقات الاسلحة الفاسدة على مجموعة من كبار قيادات الجيش، ومن ابرزهم الفريق حيدر باشا، وزير الحربية، والادميرال احمد ندر، رئيس اركان القوات البحرية واحد افراد الاسرة المالكة. ويتضح من تلك الوثائق أن صفقات الاسلحة الفاسدة لم تتم اثناء حرب فلسطين فقط، بل امتدت حتى منتصف عام 1949.

وترصد هذه الملفات مدى الشعور بالغضب الذي كان سائدا في صفوف الجيش بصفة عامة والمشاركين في حرب فلسطين بصفة خاصة، وذلك لشعورهم بأنهم طعنوا من الخلف اثناء حرب فلسطين. وكذلك هناك وصف لحالة التذمر والغضب العارم بين ضباط الجيش في عام 1951، عندما قرر الملك فاروق اعادة الفريق حيدر باشا مرة اخرى ليكون رئيسا لاركان الجيش، بالرغم من تورطه في قضية الاسلحة الفاسدة.

فساد الحياة السياسية وانقسام الاحزاب السياسية وتداول السلطة بينها في دائرة مفرغة، تقوم على التدخل غير المشروع من جانب البريطانيين في الحكم، والتلاعب غير الدستوري من جانب القصر في الحياة السياسية. وهنا ترصد الوثائق البريطانية واقع الحياة السياسية في مصر من خلال سلسلة من الملفات تحت اسم «الوضع السياسي في مصر» ويبلغ عدد هذه الملفات 35 ملفا في الفترة من 1949- 1952. وتكشف هذه الملفات عدم الاستقرار السياسي الذي كانت تعاني منه مصر، حيث كانت رغبات السفير البريطاني واهواء الملك هي المحدد الاساسي الذي يتم على اساسه اختيار الوزارة التي تتولى مقاليد الحكم. كما تسجل هذه الوثائق تفاصيل كثيرة عن التغييرات الوزارية المتعاقبة التي كانت تحدث على فترات متقاربة جدا، فبعض الوزارات لم تمكث في الحكم سوى اسبوع واحد، واخر وزارة قبل الثورة استمرت يوما واحدا.

وتسجل الوثائق تدني شعبية جميع الاحزاب السياسية، بما فيها الوفد، نظرا لتورط قادة هذه الاحزاب في العديد من قضايا الفساد التي كشفتها الخلافات الشخصية بينهم والانقسامات الحزبية، مثل ما ذكره مكرم عبيد في «الكتاب الاسود» من تجاوزات القيادات الوفدية.

ويضاف الى ما سبق تفاصيل الممارسات السياسية التي تؤكد عدم وجود ديمقراطية داخل هذه الاحزاب، وتسابقها في ارضاء الملك والانجليز على حساب المصلحة العامة للشعب، مما ادى الى انفصال هذه الاحزاب عن قواعدها الشعبية. ومن ابرز الامثلة على ذلك ضعف المشاركة السياسية في انتخابات مجلس النواب عام 1950 وبصفة خاصة في المدن الكبرى، حيث لم يتعد المشاركون في التصويت نسبة 20% في مدينة القاهرة. اما ازدياد نسبة المشاركة في الريف، فترجع الى قيام كبار ملاك الارض الزراعية باجبار الفلاحين على الادلاء بأصواتهم.

سيطرة الاقطاع ورأس المال على الحكم وتفشي البؤس وانخفاض مستوى المعيشة لعامة الشعب.

وتعتبر الوثائق البريطانية احد اهم المصادر لمعرفة الاوضاع الاقتصادية لمصر في فترة ما قبل الثورة، نظرا لتغلغل النفوذ الانجليزي في جميع نواحي الحياة في مصر. فلقد كان هناك رصد مستمر من قبل السفارة البريطانية عن الحالة الاقتصادية في مصر،تدون في تقارير شهرية وضعت في ملفات تحت اسم «الوضع الاقتصادي في مصر». وتكشف هذه التقارير عن مدى سيطرة الاجانب وكبار ملاك الارض الزراعية على الاقتصاد المصري وتمتعهم بثراء فاحش، في الوقت الذي كان يعاني فيه غالبية الشعب المصري من الفقر وتدني مستوى المعيشة.

فشل جولات المفاوضات المصرية، البريطانية المتعددة من اجل تحقيق مطلب الجلاء، والانتقال في عام 1951 الى الكفاح المسلح ضد العسكريين البريطانيين في منطقة القناة الذي شارك فيه شباب الضباط المصريين.

وتسجل الوثائق البريطانية بالتفصيل جولات المفاوضات المتعددة التي عقدت بين الحكومات المصرية المتعاقبة بريطانيا. ويزيد عدد الملفات التي تتناول هذه المفاوضات على 350 ملفا، وهي تغطي الفترة من 1946 الى 1951. وتشير هذه الوثائق الى قيام الحكومة البريطانية بربط موافقتها على الجلاء عن مصر، بموافقة مصر على الدخول في علاقة تحالف دفاعي معها، يتيح لها ابقاء قوات عسكرية بريطانية في قاعدة قناة السويس بصورة دائمة، تحت ذريعة مواجهة الخطر السوفييتي.

وتكشف الوثائق البريطانية النقاب عن وجود خطة بريطانية وضعها الكولونيل «جينينجز براملي» في عام 1951، تهدف الى فصل شبه جزيرة سيناء عن مصر ووضعها تحت الادارة الدولية، وتدويل قناة السويس.

كما اتاحت الوثائق التي فتحت بعد خمسين عاما الاطلاع على التفاصيل الكاملة لخطة الانتشار العسكري للقوات البريطانية في منطقة قناة السويس، والمعروفة باسم rodeo، التي قامت بوضعها رئاسة الدكتور الاركان البريطانية للسيطرة على اجزاء كبيرة من الدلتا وبعض ضواحي القاهرة والاسكندرية، وذلك في حالة حدوث مستجدات خطيرة على الساحة السياسية المصرية من وجهة النظر البريطانية. ومن امثلة ذلك قيام تمرد عسكري في صفوف الجيش يؤدي نجاحه الى شيوع حالة من الفوضى والاضطراب، مما يؤدي الى الحاق الضرر بالمصالح البريطانية في مصر.

تطويق قوات الجيش البريطاني لعدد من قوات البوليس في مدينة الاسماعيلية في 25 يناير 1952 وابادتهم، احتجاجا على اعمال الفدائيين في منطقة القناة، ثم ما تبعها في اليوم التالي من اندلاع الحرائق في القاهرة التي استهدفت بالدرجة الاولى ممتلكات الاجانب.

وقد تعرضت الوثائق البريطانية بصورة تفصيلية للحدثين، حيث شكلت الحكومة البريطانية لجنة تحقيق للتوصل الى الحقيقة في احداث 26 يناير، وقدمت هذه اللجنة تقريرا مطولا يتكون من 58 صفحة، اصبح متاحا للباحثين عام 2001 فقط.

ثانيا: الرؤية البريطانية لاحداث الثورة قبل قيام الثورة بعدة ايام رصدت الوثائق البريطانية الاوضاع الداخلية المتدهورة، فالملك اصبح هو المسيطر على الامور، وساعد ضعف الوزارة على التنبؤ بسقوطها، وهو ما حدث في 22 يوليو 1952، حيث عين نجيب الهلالي رئيسا لها.

وقد عكست الوثائق البريطانية في هذه الفترة القلق من تذمر شباب الضباط داخل الجيش، وانخفاض شعبية الملك بينهم بسبب اصراره على تعيين ضباط حاشيته في المراكز المهمة في الجيش، وبرز اسم محمد نجيب الذي رشحه شباب الضباط لمواجهة مرشح الملك، على اساس انه الشخصية التي يتجمع حولها هؤلاء الضباط.

ولم تستبعد التقارير البريطانية احتمال قيام تمرد عسكري يؤدي نجاحه الى الفوضى واعمال العنف بواسطة المتطرفين، خاصة مع سوء الاحوال الاقتصادية، مما قد يستوجب تنفيذ الخطة rodeo السابق ذكرها.

وفي نفس الوقت حدث اتصال من جانب السفارة البريطانية بالسفارة الامريكية في القاهرة في 21 يوليو، لابلاغهم بتقديراتهم لخطورة الموقف داخل الجيش، الا أن الامريكيين ردوا بأن الامر ليس بهذه الخطورة.

وعندما اجرى الملك التغيير الوزاري في 22 يوليو، وتولت حكومة الهلالي التي عين فيها اسماعيل شرين وزيرا للحربية للتعامل مع شباب الضباط، صدرت التقارير من السفارة البريطانية بأن الوضع اصبح مطمئنا. وفي ليلة 23 يوليو فوجيء الجميع بتحرك مجموعة من رجال الجيش واستيلائهم على القاهرة، وتتبعوا تسلسل الحوادث وفوجئوا بطاعة رجال البوليس لاوامر قادة الحركة فور قيامها، ثم توالي تأييدها من جانب قطاعات الجيش المختلفة في سيناء، وكذلك القوات الجوية المصرية التي اظهرت ذلك بالطيران فوق القاهرة والاسكندرية، حيث كان الملك والحكومة يقضيان اشهر الصيف. وقد ارسلت قيادة حركة الجيش صباح الثورة رسالة الى السفارة البريطانية،من خلال احد اعضاء السفارة الامريكية، بأنهم سيقاومون اي تدخل بريطاني ضدهم، وأن تلك الحركة مسألة داخلية تماما هدفها الاساسي هو وضع حد للفساد في البلد.

في نفس الوقت سارع كبار رجال النظام، مثل عمرو باشا ومرتضى المراغي، الى الاتصال بالسفارة البريطانية لطلب التدخل العسكري البريطاني لقمع الحركة، على اساس انها مستوحاة من الشيوعيين والاخوان المسلمين، وأن ضباط الحركة من المتطرفين المعادين للرأسمالية. وكذلك ابلغ «كافري» السفير الامريكي في مصر «كريسويل» القائم بأعمال السفارة البريطانية، أن الملك اتصل به تليفونيا عدة مرات منذ الثانية صباح 23 يوليو، مرددا أن التدخل الاجنبي هو وحدة الذي يمكن أن ينقذه اسرته! وعلق «كافري» أن الملك وأن لم يطلب صراحة التدخل العسكري البريطاني، الا أن ذلك كان متضمنا في كلامه. وقد اضاف أن الملك كان في حالة ذعر شديد، وأنه حاول تهدئته وتشجيعه على مواجهة الموقف، على امل أن يستمر في موقعه، ولكن في اطار ملكية دستورية. وقد عكست الوثائق البريطانية الانطباعات البريطانية يومي 23 و 24 يوليو 1952 من مختلف المصادر في مصر، السفارة البريطانية، وقيادة القوات البريطانية في الشرق الاوسط في منطقة القناة، وردود الفعل في الخارجية البريطانية ووزارة الحرب في لندن.

وتبلور الموقف البريطاني كما يلي

يوم 23 يوليو:

1- تم رفع استعداد القوات البريطانية في منطقة القناة بهدوء، ومنعت الطائرات البريطانية من الطيران فوق الدلتا، لعدم اثارة الشعور المعادي لبريطانيا.

2- الحرص على تجنب اي تحرك استفزازي للقوات المسلحة المصرية من جانب القوات المسلحة البريطانية، طالما لا يوجد اي تهديد لحياة وممتلكات البريطانيين او لامن القوات البريطانية في منطقة القناة.

يوم 24 يوليو:

1- وردت تعليمات من وزارة الخارجية البريطانية بارسال «هاميلتون» مساعد الملحق العسكري، لمقابلة محمد نجيب لاخطاره بأن الحكومة البريطانية لا ترغب في التدخل في الشئون الداخلية المصرية، الا انها لن تتردد في التدخل اذا اعتبرت ذلك ضروريا لحماية ارواح البريطانيين، لذلك فقد صدرت تعليمات خاصة الى القوات البريطانية في منطقة القناة لوضعها في حالة الاستعداد، وأن تلك الترتيبات ليست موجهة للقوات المسلحة المصرية، وخاصة أن ما ورد في بيان الثورة من أن الجيش المصري سيكون مسئولا عن حماية ارواح وممتلكات الاجانب قد طمأنهم.

2- تتبعت السفارة البريطانية موقف الملك من خلال السفير الامريكي، الذي اخبرهم بمقابلة الملك بعد ظهر يوم 23 يوليو، وكيف كان يشعر بمرارة ضد بريطانيا لانها لم تتدخل عسكريا، وأنه لم يكن لديه أي بديل الا أن يقبل طلبات قادة حركة الجيش، بما فيها طرد نجيب الهلالي وتعيين علي ماهر كرئيس وزراء.

3- اصدرت وزارة الحربية تعليمات الى قيادة القوات البريطانية في الشرق الاوسط المقيمة في منطقة القناة بالاستعداد لتطبيق خطة odeor، التي ترفع استعداد القوات البريطانية في قاعدة قناة السويس، وذلك بدون اي اثارة للجيش المصري.

يوم 25 يوليو:

ابلغ السفير الامريكي في القاهرة السفارة البريطانية أن الملك ارسل له يوم 25 يوليو ما بين الساعة 4، 5 صباحا عدة رسائل، يطلب فيها طائرة او مركب امريكية ليهرب بها، خاصة بعد أن اعلن كل الحرس الملكي تأييده لحركة الجيش، وبعد أن وصلته الاخبار بتحرك قوات من الجيش المصري ودبابات في طريق القاهرة، الاسكندرية، وأنها على وصول، وأنه يخشى أن يعرف ضباط الحركة عن اتصاله بالسفارة الامريكية، ولذلك فهو يطلب التدخل البريطاني.

وبناء على ما سبق بدأ البحث عن اقرب السفن العسكرية البريطانية للشواطيء المصرية، فوجدت سفينتان احداهما على بعد 10 ساعات والثانية على بعد 6 ساعات، ولكن قائد البحرية البريطانية اوضح انه لا يمكنه استخدام هذه السفن لهذا الغرض الا بعد استشارة رئيس الوزراء البريطاني.

يوم 26 يوليو:

توالت الرسائل من الملك الى السفير الامريكي، الذي كان يقوم بنقلها الى السفارة البريطانية.

ففي الساعة الثامنة صباحا ارسل الملك رسالة من القصر بأن القوات العسكرية المصرية دخلت ارض القصر بالقوة، وحدث ضرب رصاص.

وفي الساعة الحادية عشرة والربع ابلغه الملك انه اعطى مهلة حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا للتنازل عن العرش لابنه، وحتى الساعة السادسة بعد الظهر لمغادرة البلاد.

وفي الموعد المحدد غادر الملك فاروق ارض مصر على اليخت الملكي «المحروسة» وكان «كافري» في وداعه.

وتتضمن الوثائق البريطانية وصفا تفصيليا لاحداث يوم 26 يوليو في القصر كما رواها السفير الامريكي.

وبعد تلك الاحداث الفاصلة عبر وزير الخارجية البريطانية عن موقف الحكومة البريطانية من التطورات السريعة التي حدثت في مصر من 23 يوليو الى 26 يوليو، وقد تلخص في عدم التدخل على اساس أن تلك مشكلة داخلية، وقد اضاف معلقا أن الحكومة البريطانية كانت دائما ترى ضرورة تطهير مصر من العناصر الفاسدة في القصر والادارة، حتى يستتب الامر في البلاد. الا انه اظهر قلقه من نشاط الجيش في القاهرة، ومن الشائعات بأن بعض الضباط في الحركة لهم علاقات بالاخوان المسلمين، خوفا من سيطرة عناصر متطرفة على السلطة، ومن هنا فقد كان افضل وضع بالنسبة لهم هو استمرار وزارة علي ماهر.

ويلاحظ أن اهم ما ركزت عليه التقارير البريطانية هو رصد رد فعل الشعب المؤيد لحركة الجيش، وذلك من الترحيب والهتافات المؤيدة التي قوبلت بها القوات المسلحة المصرية لدى دخولها الاسكندرية في 25 يوليو، لحراسة القنصليات وتأمين الوضع بالمدينة قبل مغادرة الملك.

وفور الاعتراف بنجاح حركة الجيش، بدأت التقارير التي تعيد تقدير الموقف، ويلاحظ منها مدى تعاظم الدور الامريكي في الموقف، وخاصة في حالة لجوء بريطانيا الى استخدام القوات العسكرية ضد النظام الجديد في مصر بتطبيق العملية rodeo.

ولقد كان تقدير البريطانيين أن الرأي العام الامريكي لن يؤيد التدخل العسكري البريطاني خارج منطقة القناة، بل سيدينه، وحيث أن هذه هي سنة الانتخابات الامريكية، فمن المتوقع الا تقوم الحكومة الامريكية بتأييد بريطانيا، ولو معنويا، في هذه الحالة، وهذا يعني الانقسام بين بريطانيا والولايات المتحدة حول سياسة الغرب في الشرق الاوسط، مما اعتبره السياسيون البريطانيون كارثة.

الا أن الحكومة البريطانية لم تعترف بسرعة بالنظام الجديد في مصر، وظلت ترقب الامور بحذر، الى أن صدر من الحكومة الامريكية تصريحا في 3 سبتمبر، اعطى الانطباع باستعدادها لتأييد نظام 23 يوليو طالما أنه لا يشرك شيوعيين في الحكومة.

وهنا بدأ التساؤل في وزارة الخارجية البريطانية، هل يؤيدوا حركة الجيش؟ وكان ذلك بعد أن اقيلت وزارة علي ماهر، ثم صدر قانون الاصلاح الزراعي في 9 سبتمبر، الذي حدد الملكية الزراعية بمئتي فدان للفرد وثلاثمئة للاسرة، وتبعه الاعلان عن توزيع ارض الاصلاح الزراعي على الفلاحين.

وقد قررت الولايات المتحدة الدخول في مفاوضات فورية مع النظام المصري لتحديد مجال وطبعية التعاون بينهما، على أن تكون الطلبات محددة فيما يتعلق بالمساعدة الاقتصادية والعسكرية، وتكون الاخيرة مقتصرة على المساعدة الفنية، اي تلك المتعلقة بالتدريب، واعتزمت الولايات المتحدة الاعتذار في نفس الوقت عن تقديم السلاح الى مصر، وحثها على أن تتباحث في ذلك مع بريطانيا التي كانت مصدرها الاساسي في هذا الشأن، موضحة صعوبة امداد مصر بالسلاح قبل الوصول الى تسوية سلمية مع اسرائيل.

ثالثا: الصراع بين الثورة والاحتلال البريطاني لمصر

لقد دخلت الثورة المصرية بعد قيامها بعدة اشهر في مفاوضات مع الحكومة البريطانية تتعلق بالوضع في السودان والجلاء عن مصر، هاتان القضيتان اللتان ظلتا محورا للحركة الوطنية المصرية منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى، وجرت حولهما مفاوضات متعددة وصلت الى طريق مسدود.

1- المفاوضات المصرية البريطانية الخاصة بالسودان:

تتضمن الوثائق البريطانية الخاصة بهذا الموضوع تسجيلا تفصيليا لكل ما دار من محادثات بين المسئولين المصريين والبريطانيين حول وضع السودان، الى أن تم توقيع اتفاقية السودان في 1953. كما تتضمن ايضا كل الاتصالات التي تمت بين الجانبين لتنفيذ بنود الاتفاقية بعد توقيعها.

وتكشف الوثائق البريطانية عن الدور الذي قامت به بريطانيا في انفصال السودان عن مصر، من خلال تقديم الدعم الى القوى السودانية المنادية بالانفصال، ووضع العراقيل امام جميع الصيغ الوحدوية التي اقترحتها حكومة الثورة او الصادرة عن القوى السودانية المؤمنة بفكرة الوحدة بين شطري وادي النيل.

وقد بدأت المفاوضات حول السودان في نهاية عام 1952، وتحديدا بعد قيام ثورة يوليو بخمسة اشهر، وهذه المفاوضات مسجلة في سلسلة من الملفات يبلغ عددها 16 ملفا في عام 1952، وقد تم الكشف عن محتوى هذه الوثائق بصورة كاملة.

وقد تم استكمال المفاوضات بين الجانبين في عام 1953، وهذه المفاوضات مسجلة في 25 ملفا. وبالرغم من مرور ما يقرب من نصف قرن، الا أن جزءا لا يستهان به من هذه الوثائق لايزال مغلقا، وهو الجزء المتعلق بالسياسة البريطانية في السودان اثناء المفاوضات، وموجود في عشرة ملفات.

2- مفاوضات الجلاء عن مصر:

بدأت هذه المفاوضات عام 1953 بعد توقيع اتفاقية السودان مباشرة، وتكشف الوثائق البريطانية عن التناقض في اهداف كل من الطرفين المتفاوضين، فقد كان هدف مصر النهائي من هذه المفاوضات هو توقيع اتفاقية تضمن جلاء القوات البريطانية عن منطقة قناة السويس، بينما كانت بريطانيا تهدف الى ضم مصر الى التحالف الغربي المناهض للاتحاد السوفييتي تحت ذريعة الدفاع عن الشرق الاوسط، في محاولة منها للحصول على غطاء شرعي يضمن بقاء القوات البريطانية في منطقة القناة.

وتكشف الوثائق البريطانية عن وجود اتصالات اسرائيلية بريطانية من اجل تنسيق المواقف فيما بينهما فيما يتعلق بالمفاوضات مع مصر. فلقد ابدت اسرائيل في هذه الاتصالات قلقها العميق من جلاء القوات البريطانية عن قاعدة قناة السويس، وطالبت بضرورة أن يتم التشاور معها قبل توقيع أن اتفاقية مع مصر، حيث ظهر أن اسرائيل كانت تعتبر الوجود العسكري البريطاني في منطقة القناة بمثابة المنطقة العازلة بينها وبين الجيش المصري. وقد تم الكشف عن جزء من هذه الاتصالات الاسرائيلية، البريطانية، الا أن هناك العديد من الوثائق التي تتناول هذا الموضوع مغلقة لفترة 50 عاما، واغلبها يشمل الضمانات التي قدمتها بريطانيا لاسرائيل، خاصة فيما يتعلق بقيام بريطانيا بالتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية بتقديم مبادرة سلام لانهاء الصراع في المنطق.

3- العدوان الثلاثي 1956:

تمثل حرب السويس نقطة فارقة في تاريخ مصر ومنطقة الشرق الاوسط والعالم، حيث انها الغت تعهدات مصر في اتفاقية الجلاء، فيما يتعلق باعادة استخدام القوات البريطانية لقاعدة قناة السويس في حالة وقوع هجوم مسلح من دولة من الخارج على أن بلدا يكون طرفا في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية او تركيا. وفي نفس الوقت تعتبر هذه الحرب بداية النهاية للوجود الاستعماري البريطاني، الفرنسي في المنطقة. كما اكد فشلها دور ثورة يوليو المحوري في قيادة دول المنطقة وتقديم الدعم لحركات التحرر في المنطقة العربية وفي افريقيا، واصبحت مصر نموذجا يحتذى به في العالم الثالث لمقاومة السيطرة الاستعمارية وتحقيق الاستقلال.

وتبرز الوثائق البريطانية بالتفصيل قصة حرب السويس من بدايتها الى نهايتها، وتكشف عن وجود مخطط بريطاني، فرنسي، امريكي لتحجيم دور مصر الثورة في المنطقة منذ بداية عام 1955. ولقد كان السبب الرئيسي في وضع ذلك المخحطط هو رفض مصر الانضمام الى سياسة الاحلاف، التي حاولت الدول الثلاث اقامتها في المنطقة لمواجهة الاتحاد السوفييتي.

وتشير الوثائق بوضوح الى أن قرار جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس لم يكن السبب الرئيسي لشن العدوان الثلاثي على مصر، وانما كان الغطاء الذي احتمت به الدول الثلاث ليوفر لها شرعية شن الحرب. فقد تم الكشف عن وثائق بريطانية يرجع تاريخها الى عام 1951 تؤكد حق مصر المطلق في تأميم شركة قناة السويس، لأن ذلك حق سيادي لمصر يتوافق مع ما جاء في اتفاقية القسطنطينية 1888 الخاصة بقناة السويس. وتكشف الوثائق تفاصيل التخطيط بين الدول الثلاث المعتدية الذي لم يتم، كما اصبح معروفا، عن طريق الوسائل الدبلوماسية المعتادة، وانما تم عن طريق اعلى مراكز صنع القرار في الدول الثلاث، اي رؤساء الوزارة، حيث لم يكن سفراء الدول الثلاث في الخارج على علم بهذه الخطط. وكذلك اختفاء الوثيقة الرئيسية التي تم التوقيع عليها في فرنسا بين رؤساء الحكومات الثلاث بشأن العدوان على مصر، لأن رئيس وزراء اسرائيل اصر على الاحتفاظ بها في تل ابيب، خشية أن تتركه فرنسا وبريطانيا وحده في مواجهة مصر، كما اعلن عند نشر اسرائيل هذه الوثيقة.

ولقد تناولت الوثائق البريطانية ايضا حالة العزلة التي وجدت الحكومة البريطانية نفسها فيها داخليا وخارجيا اثناء حرب السويس، فقد عارض غالبية الشعب البريطاني هذه الحملة العسكرية، في الوقت الذي نجحت فيه مصر في حشد تأييد الرأي العام العالمي لموقفها، كما اتضح ايضا وجود مصلحة لبعض القوى الاقليمية، بجانب اسرائيل، في القضاء على الثورة المصرية، فقد كان نورى السعيد، رئيس وزراء العراق، احد ابرز مؤيدي الهجوم العسكري على مصر، املا في ايجاد نظام بديل فيها يؤيد سياسته في اقامة تحالفات مع الدول الاستعمارية.

وترصد وثائق وزارة الدفاع البريطانية بصورة تفصيلية احداث العدوان العسكري على مصر، بدءا من الهجوم الاسرائيلي على سيناء في التاسع والعشرين من اكتوبر، وعدم قدرة اسرائيل على تحقيق اي نصر عسكري حاسم حتى يوم 31 اكتوبر، وهو يوم صدور القرار المصري بالانسحاب من سيناء، ثم الهجوم على المطارات والقواعد الجوية املا في اخراج السلاح الجوي المصري من المعركة في الاوقات الاولى من الحرب، ثم عملية الانزال البري التي قامت بها القوات الفرنسية والبريطانية في بورسعيد، والمقاومة الباسلة التي قام بها الجيش والشعب المصري في مواجهة القوات المعتدية.

رابعا: الثورة المصرية كمصدر تهديد للنفوذ البريطاني والمصالح الغربية خرجت مصر بانتصار سياسي في 1956 بعد فشل العدوان الثلاثي عليها، وهنا بدأت مخططات جديدة بهدف تحقيق ما عجز السلاح عن فرضه، فأصبحت منطقة الشرق الاوسط محور صراع سياسي ضار بين الغرب وقوى التحرر العربية. وهنا تظهر قيمة الوثائق البريطانية فهي تكشف تلك المخططات وتسجل تفاصيل ذلك الصراع، وبصفة خاصة خلال معركة الاحلاف العسكرية، وبعد تحقيق الوحدة المصرية السورية، وخلال مرحلة المد التحرري العربي الذي ساندته مصر بكل قواها في اليمن والخليج العربي وجنوب شبه الجزيرة العربية. وقد وصل الامر في منتصف الستينيات الى التآمر لتوجيه ضربة عسكرية من اجل القضاء على نظام عبد الناصر تماما، ولما لم يتم ذلك، عندما رفض الشعب العربي الهزيمة بعد ضربة يونيو 1967، استمر العداء بين مصر والغرب الذي القى بثقله بجانب اسرائيل سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وذلك حتى رحيل جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970.

وسوف نتوقف هنا عند نقاط اساسية في هذه المرحلة لنستعرض ما تعكسه الوثائق البريطانية بصددها:

الوحدة المصرية السورية 1958، 1961، حركات التحرر العربي والافريقي، عدوان 5 يونيو 1967.

1- الوحدة المصرية السورية 1958- 1960:

بالرغم من استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وبريطانيا منذ العدوان الثلاثي في 1956، الا أن الوثائق البريطانية تحتوي على معلومات دقيقة توضح اهتمام بريطانيا والغرب عموما بتتبع عملية الوحدة، كما تشكف، وهو الاهم، مدى خطورة الوحدة المصرية السورية ليس فقط على المصالح البريطانية والغربية في منطقة الشرق الاوسط، بل ايضا على مصالح الكتلة الشرقية التي وقفت من الوحدة منذ البداية موقفا معاديا. واخطر ما في الوثائق البريطانية المتعلقة بالوحدة المصرية السورية التفاصيل التي ذكرت عن مخططات الدول الغربية لمنع انضمام اي من الدول العربية الاخرى الى دولة الوحدة، ومختلف الوسائل التي استخدمت من اجل تحقيق هذا الهدف، فلقد قدم الغرب الدعم المالي والعسكري للدول المجاورة لمصر وسوريا، بالاضافة الى تغذية شكوك جميع دول المنطقة حول الدولة العربية الوليدة، فلقد كانت بريطانيا هي المحرك الرئيسي لاثارة مخاوف كل من العراق ولبنان والاردن من احتمال تعرضهم لهجون عسكري من جانب الجمهورية العربية المتحدة.

وتكشف الوثائق البريطانية اسرار حملة الدعاية المضادة لدولة الوحدة التي لم يكن لها اساس من الصحة، وانما كانت تهدف الى تشويه صورة الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها امام الجماهير العربية.

ومما يثير مزيد من الشكوك حول الدور المشبوه الذي قام به الغرب لاحباط تجربة الوحدة بين مصر وسوريا وابعاد الدول العربية الاخرى عنها، هو وجود 50 ملفا مغلقا من هذه الوثائق لمدة خمسين عاما، استثناء من قاعدة فتح الوثائق السياسية بعد ثلاثين عاما، بالاضافة الى وجود 4 ملفات مغلقة لمدة قرن من الزمان! ومما يدل على مدى الانزعاج الذي سببته الوحدة المصرية السورية للقوى الاستعمارية هو أن معظم الوثائق البريطانية المتعلقة بها محفوظة تحت اسم «ازمة الشرق الاوسط».

وبالطبع لقد حظى انفصال سوريا عن مصر وانتهاء تجرب الوحدة الاولى في التاريخ الحديث في 28 سبتمبر 1961 بمساحة كبيرة من الوثائق البريطانية، فلقد كان هناك رصد دقيق لكل جوانب الوضع الداخلي في كل من مصر وسوريا، كما قامت بريطانيا بتبني مطالب بعض الفئات السورية التي اضيرت من القوانين الاشتراكية، وفي النهاية تشير هذه الوثائق الى أن انفصال سوريا عن مصر يمثل ضربة شديدة للفكر الثوري في المنطقة، والتي كانت ثورة يوليو في طليعته.

2- حركات التحرر العربي والافريقي:

احدثت ثورة يوليو انقلابا في خريطة المنطقة العربية والقارة الافريقية، من خلال قيامها بمساعدة حركات التحرر ضد الاستعمار، مما اثار حفيظة الدول الاستعمارية الغربية ودعاها للتكتل لضرب الثورة المصرية وتحجيم نفوذها المتزايد، سواء في الوطن العربي او افريقيا او في حركة عدم الانحياز.

وتقدم الوثائق البريطانية رصدا دقيقا للمساعدات التي قدمتها مصر لحركات التحرر في المنطقة العربية وافريقيا والعالم الثالث، ويبرز دور مصر في مساعدة تونس والمغرب لنيل استقلالهما في منتصف الخمسينيات، ثم الدور المصري الحاسم في مساندة الثورة الجزائرية، والذي كان احد اسباب تآمر فرنسا ضد مصر في عدوان 1956، حيث كانت مصر تمد الثورة الجزائرية بالسلاح والاموال، اضافة الى الدعم الاعلامي، واستضافة المناضلين الجزائريين في القاهرة. وتحتل مساندة مصر للثورة اليمنية مساحة كبيرة من الوثائق البريطانية المتعلقة بمصر في بداية الستينيات، نظرا لاهمية موقع اليمن الاستراتيجي في جنوب البحر الاحمر وقربه من منابع النفط في الخليج العربي، اضافة الى حجم الدعم الذي قدمته مصر، حيث انها كانت المرة الاولى التي تخرج فيها قوات مصرية بهذا الحجم لمساعدة دولة عربية.

وتذكر الوثائق البريطانية التي تم الكشف عنها أن المساعدات الضخمة التي قدمتها مصر للثورة اليمنية تجاوزت الخطوط الحمراء للقوى الاستعمارية، لانها كانت بمثابة تهديد مباشر وصريح لاهم مصالح القوى الغربية في المنطقة، والتي تتمثل في النفط والتحكم في الممرات المائية. وقد حفزهم ذلك الى محاولة استنزاف قدرات مصر الاقتصادية والعسكرية في اليمن، من خلال اطالة زمن الحرب. وقد لعبت الحملات الدعائية البريطانية دورا كبيرا في تأجيج نار الخلافات العربية، العربية من خلال تشويش صورة مصر، وابرازها بمظهر الساعي للهيمنة على المنطقة العربية باسرها، وقلب انظمة الحكم فيها بما يتوافق مع سياساتها هي.

ولم يتم الكشف بعد عن جزء كبير من وثائق حرب اليمن، خاصة تلك التي تتعلق بالسياسة البريطانية تجاه اليمن وجنوب شبه الجزيرة العربية، او التي تتعلق بالمساعدات العسكرية التي قدمتها المخابرات البريطانية بالتعاون مع جهات اخرى للقوى الرافضة للدور المصري في جنوب شبه الجزيرة العربية.

كما تذكر الوثائق البريطانية أن مساعدة مصر لحركات التحرر في القارة الافريقية والعالم الثالث ادى الى تنامي علاقات مصر الخارجية بصورة كبيرة، مما وفر لها دعما سياسية هائلا في معظم قضاياها. كما أن هذا الدور، تحديدا، مكنها من اجهاض معظم المحاولات الاسرائيلية المتكررة لمد نفوذها في دول القارة الافريقية لتطويق الدول العربية من جهة الجنوب.

وتقدم الوثائق البريطانية استعراضا شاملا لعلاقات مصر الخارجية مع القارة الافريقية ودول العالم الثالث في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية. كما تسجل الوثائق تفاصيل المفاوضات المصرية البريطانية المتعلقة بعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1959، خاصة ما يتعلق بمطالب مصر افتتاح بعض القنصليات لها في افريقيا ومنطقة الخليج العربي، وكيف أن الخلاف في هذه النقطة قد عرقل استئناف العلاقات بين البلدين لمدة تقترب من العامين، الى أن تم التوصل في نهاية عام 1960 الى اتفاق يسمح لمصر باقامة قنصليات لها في كل من نيروبي ودار السلام وفري تاون والكويت.

كما ابرزت الوثائق زيارات جمال عبد الناصر للدول الافريقية، والاستقبالات الشعبية الحافلة التي حظى بها خلالها، ومن ابرز الامثلة على ذلك هو زياراته لكل من السودان عام 1960، وغينيا وغانا عام 1965.

3- عدوان 5 يونيو 1967:

بالرغم من انقضاء ما يقرب من خمسة وثلاثين عاما على حرب يونيو 1967، الا أنه لم يتم الكشف عن كثير من الوثائق البريطانية المتعلقة بها، لأن غالبيتها مصنف تحت بند سري للغاية ويتطلب 50 عاما للكشف عنه. ان الوثائق المتاحة للاطلاع هي فقط المتعلقة بمقدمات هذا العدوان، بالاضافة الى سرد يومي لتفاصيل العمليات العسكرية خلال ايام الحرب، ثم بعض المحادثات السياسية التي جرت بعد انتهاء العمليات العسكرية، خاصة بين الدول الكبرى، واسفرت عن قرار مجلس الامن رقم 242.

وبالرغم من أن وثائق عام 1967 لم يتم الكشف عن الجزء الاكبر منها، الا أن هناك بعض الوثائق التي يرجع تاريخها الى نهاية عقد الخمسينيات، تلقي مزيدا من الضوء على الهدف الاساسي الذي سعت اليه وعملت من اجله القوى الاستعمارية، وهو القضاء على الثورة المصرية.

ومن اخطر تلك الوثائق المذكرة التي قدمها «جوليان امري» مساعد وزير الدفاع البريطاني، عام 1958 الى رئيس الوزراء الذي صدق عليها، ثم تم الرجوع اليها مرة اخرى في عام 1966 اثناء المحادثات الامريكية البريطانية عن الشرق الاوسط في ذلك الوقت. وهذه المذكرة تتضمن مجموعة من الخيارات للتعامل مع نظام جمال عبد الناصر، وانتهت الى أن السبيل الوحيد لضمان المصالح البريطانية والغربية في منطقة الشرق الاوسط هو التخلص من جمال عبد الناصر من خلال استخدام الوسائل العسكرية. وتمثل هذه المذكرة الاساس الذي ارتكزت عليه السياسة البريطانية تجاه مصر خلال العشر سنوات التالية.

وقد سجلت الوثائق البريطانية بالتفصيل الموقف السياسي في مصر في اعقاب عدوان 5 يونيو، وخاصة قرار جمال عبد الناصر بالتنحي عن الحكم، ورد الفعل الهائل من قبل الجماهير العربية برفض الاستقالة ومطالبته بالعودة مرة اخرى من اجل ازالة اثار العدوان. كما رصدت تقارير السفارة البريطانية في الخرطوم الاستقبال منقطع النظير من قبل الجماهير السودانية للرئيس عبد الناصر عند زيارته للمدينة لحضور مؤتمر القمة العربي الذي عقد في اغسطس عام 1967، اي بعد شهرين فقط من العدوان.

وترصد الوثائق الجهود التي بذلتها مصر لازالة اثار هذا العدوان، من خلال اعادة بناء الجيش المصري، حيث يذكر احد تقارير السفارة البريطانية في يونيو 1968 أن الجيش المصري اصبح اكثر قوة وتنظيما مما كان عليه قبل عدوان يونيو 1967. كما اولت هذه الوثائق اهمية كبرى لحرب الاستنزاف، ليس فقط من خلال متابعة العمليات العسكرية المتبادلة بين الجانبين، وانما من خلال دراسة اثر هذه الحرب الاقتصادية والنفسية على كل من مصر واسرائيل، وموقف الدول العربية منها.

وقد تابعت الوثائق البريطانية الموقف الاقتصادي في مصر من خلال تقارير نصف شهرية، واكدت هذه التقارير صمود الشعب المصري خلف قيادته السياسية بالرغم من الصعوبات الاقتصادية الجمة التي يواجهها. كما أنها رصدت التضحيات الغالية التي بذلها الشعب في سبيل الاعداد لمعركة التحرير.

واخيرا، تم فتح بعض وثائق عامي 1970 و 1971 للاطلاع، وهي التي تتناول الموقف في منطقة الشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي بصفة عامة، الا انها ركزت بصفة خاصة على الاحداث المأسوية التي شهدها الاردن والتي تعرف باسم «احداث ايلول الاسود» تعبيرا عن المصادمات الدموية التي حدثت بين الفصائل الفلسطينية والجيش الاردني.

وترصد الوثائق البريطانية هذه المأساة منذ بدايتها، لان بريطانيا لم تكن بعيدة عن مسار الاحداث، فقد كان اعتقال السلطات البريطانية للفدائية الفلسطينية ليلى خالد اثر محاولتها اختطاف طائرة اسرائيلية هو الدافع لمجموعة فدائية فلسطينية لاختطاف ثلاث طائرات والهبوط بها في قاعدة جوية اردنية وتفجيرها بعد اطلاق سراح جميع ركابها.

http://www.albayan.co.ae/albayan/2002/03/03/mnw/21.htm









وثائق جديدة تنسف أكاذيب أعداء ثورة يوليو 1 ـ 7،

وضع أسس دولة جديدة تقبل بالتعددية والفصل بين السلطات

قامت ثورة 23 يوليو 1952 لتحقيق أهداف ستة نبعت من مطالب الحركة الوطنية المصرية باتجاهاتها المختلفة منذ ثورة 1919، وهى :

1-القضاء على الاستعمار .

2-القضاء على الإقطاع .

3 - القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم .

4- إقامة عدالة اجتماعية .

5-إقامة جيش وطنى قوى .

6- إقامة حياة ديمقراطية سليمة .

وقد كان تحقيق هذه الأهداف الستة فى واقع الأمر مرتبطاً ببعضه، وكان يعنى - فى نفس الوقت- تغييراً جذريا فى النظام السياسى الفاسد والنظام الاجتماعى الظالم الذى كان سائداً فى ذلك الوقت .

وقد تولى مجلس قيادة الثورة السلطة لفترة انتقالية لمدة ثلاثة أعوام أُلغى فيها دستور 1923، وأُلغيت الأحزاب السياسية ، وأُجبر الملك فاروق على توقيع وثيقة التنازل عن العرش لابنه، ثم أُلغى النظام الملكى الذى بدأ منذ 1805 برمته، وأُعلنت الجمهورية .

وقد واجهت مجلس قيادة الثورة إشكالية فى ترتيب أهدافه وأوراقه، فبأيها يبدأ؟ فهى متداخلة، كما أن كلا منها يحتاج إلى وقت حتى تبدأ نتائج الإجراءات الثورية فى الظهور؛ ولذلك كان القرار بالمضى فى تحقيق أكثر من هدف فى نفس الوقت .

وكانت البداية بخطوة أساسية فى طريق القضاء على الإقطاع وإقامة العدالة الاجتماعية؛ فصدر قانون الإصلاح الزراعى الأول فى 9 سبتمبر 1952 بتحديد الملكية الزراعية ب200 فدان للفرد، و300 فدان للأسرة، وتم توزيع أراضى الإصلاح الزراعى على الفلاحين المعدمين .

وكذلك مضت الثورة بعمل خطة اقتصادية للإنتاج والخدمات؛ لتحقيق زيادة الدخل القومى وعدالة التوزيع .

وبادرت الثورة - فى نفس الوقت - بالاتصال بالبريطانيين من أجل التفاوض حول السودان وحول الجلاء، وانتهى الأمر باستقلال السودان فى 1953، وتوقيع اتفاقية الجلاء عن مصر فى 1954 . ثم عادت بعد ذلك قوات المستعمر تحتل بورسعيد بعد تأميم قناة السويس فى 1956، وتم القضاء على الاستعمار فى مصر إلى الأبد فى 23 ديسمبر 1956 بجلاء القوات المعتدية من بورسعيد.

وقد تبع ذلك حركة لتمصير المؤسسات الاقتصادية الأجنبية؛ حتى يكون لمصر السيطرة على اقتصادها، بعد أن اتضح الدور المعادى الذى لعبته تلك المؤسسات أثناء الأزمة التى نشأت بعد تأميم قناة السويس، وقادت إلى العدوان الثلاثى على مصر. وذلك ضمن إطار هدف القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم .

وقد ظل هدف الثورة السادس - وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة - مؤجلاً حتى إصدار دستور 1956 الذى كان أول دستور يستفتى عليه الشعب المصرى، وبمقتضاه كان جمال عبد الناصر هو أول رئيس جمهورية ينتخبه الشعب .

فبعد قيام الثورة بإلغاء الأحزاب السياسية، بادرت بتكوين هيئة التحرير التى كان الهدف منها هو تجميع الشعب المصرى فى جبهة واحدة خلال فترة الانتقال؛ حتى يتم القضاء على الفرقة والانقسام الذى سببته التعددية الحزبية قبل الثورة، والتى استخدمها كل من الاستعمار والقصر لإحداث تداول مصطنع فى السلطة، كان سبباً أساسياً فى تمكين الاحتلال والفساد، وفى تفشى ظاهرة اللامبالاة السياسية التى سادت بين الشعب بعد أن فقد الثقة تماماً فى القيادات السياسية فى ذلك الوقت .

وقد اعتبر إنشاء الاتحاد القومى بعد إصدار دستور 1956 خطوة أساسية فى سبيل تحقيق الديمقراطية السليمة؛ حيث اعتمد نظام العضوية فيه على الانتخابات العامة المباشرة كما حصلت المرأة - وهى نصف المجتمع - على جميع حقوقها السياسية وباشرت ذلك عملياً من خلال مجلس الشعب والتنظيم السياسى، والنقابات. إلا أنه ومع بدء التحولات الاجتماعية التى أفرزتها القوانين الاشتراكية فى 1961، وفى ظل الظروف السياسية التى مرت بها مصر فى ذلك الوقت، وأهمها تجربة الوحدة مع سوريا، عجز الاتحاد القومى عن تمثيل القوى الجديدة فى المجتمع، وتسللت إليه العناصر الرجعية والمضادة للثورة .

ومع مرحلة التحول الاشتراكى التى بدأت فى 1960 بدأ حوار قومى حول التنظيم السياسى والممارسة الديمقراطية بهدف توسيع المشاركة السياسية لجميع الفئات الشعبية، أسفر عن إعلان الرئيس جمال عبد الناصر الميثاق الوطنى فى 21 مايو 1962، وتلاه إنشاء الاتحاد الاشتراكى العربى معبراً عن تحالف قوى الشعب العامل؛ العمال والفلاحين والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية.

وفى إطار المستويات المختلفة للاتحاد الاشتراكى - المؤتمر القومى، واللجنة المركزية، واللجنة التنفيذية العليا، والأمانة العامة، والوحدات الأساسية - جرت مناقشات حية شارك فيها ممثلو الشعب فى مختلف هذه المستويات؛ لوضع أسس العمل السياسى فى مصر الذى قام على مبدأ القيادة الجماعية ، وإنشاء المجالس الشعبية المنتخبة، ودعم العمل النقابى والتعاونى، مع ضمان تمثيل العمال والفلاحين- الذين يمثلون أغلبية الشعب المصرى - بنسبة 50% داخل التنظيمات السياسية المختلفة للاتحاد الاشتراكى العربى. وقد تناولت هذه المناقشات أهم الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما ساهم ممثلو الشعب بإيجابية فى العمل السياسى على المستويات الإقليمية والمحلية.

وإن كانت تجربة الاتحاد الاشتراكى قد واجهت مصاعب وانتقادات كثيرة، إلا أنها تجربة جديرة بالدراسة والبحث، مع الأخذ فى الاعتبار القاعدة السياسية التى تعترف بالمشاكل والصعوبات التى تواجه التنظيم السياسى الذى يتم إنشائه من أعلى؛ أى برئاسة القائد السياسى وهو فى السلطة.

وفى محاولة لإتاحة الوثائق الأصلية لثورة 23 يوليو 1952 أمام الشباب الذين لم يعاصروا أحداثها، والذين تعرضوا لحملة إعلامية ضاريه هدفت إلى تشويه كل ما يتعلق بهذه الثورة وزعيمها جمال عبد الناصر، قامت «وحدة دراسات الثورة المصرية» بنشر محاضر جلسات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى فى الفترة من 3 أكتوبر 1968 وحتى 5 أكتوبر 1970، وترجع هذه الأولوية فى الاختيار إلى عدة أسباب : أولاً : أن تلك المحاضر لم تنشر حرفياً من قبل، وبالتالى فهى إضافة هامة للباحثين فى التاريخ السياسى المعاصر لمصر، كما أنها - فى نفس الوقت - مادة هامة مشوقة للمهتمين بصفة عامة باستجلاء الحقائق فى فترة ما بعد ثورة يوليو التى دار حولها جدل صاخب، كانت عين أصحابه على المستقبل لا على الماضى.

ثانياً : أن الفترة التى تمت فيها هذه الاجتماعات فى السنتين الأخيرتين لحكم عبد الناصر، هى فترة من أخطر وأخصب فترات حكمه؛ حيث كان الصراع العربى - الإسرائيلى على أشده بعد أن شنت مصر أطول الحروب جميعاً ضد إسرائيل، وهى حرب الاستنزاف؛ من أجل استعادة الأرض العربية المحتلة، وفرض حل عادل للمشكلة الفلسطينية، وذلك بعد أن رفضت مصر السلام الإسرائيلى المبنى على القهر والعدوان.

كذلك فهى فترة - برغم تحدياتها الخارجية والداخلية - تشهد الإصرار على المضى فى خطة التنمية الاقتصادية، وإن أعطيت الأولوية للمجهود الحربى، كما حرص فيها جمال عبد الناصر على المضى فى تحقيق خطوة هامة فى سبيل المزيد من العدالة الاجتماعية بإعلانه فى 23 يوليو 1969 التحديد الأخير للملكيه الزراعية ب50 فدان للفرد، 100 فدان للأسرة، والذى نبه إليه مسبقاً فى الميثاق الوطنى فى 1962 .

وأخيراً ففى وسط كل هذه التحديات، أنجز الشعب المصرى مشروع السد العالى قبل الوقت المحدد له، كما أعلن جمال عبد الناصر فى 23 يوليو 1970. ثالثاً : أن المناقشات التى دارت فى جلسات اللجنة المركزية تعكس تصور جمال عبد الناصر بالنسبة للتنظيم السياسى، وتوسيع المشاركة السياسية، وتصحيح الممارسة الديمقراطية. وهى أيضاً مثل من الواقع الحى على مدى المشاركة السياسية من جانب الشعب بجميع طبقاته وفئاته، وتوضح النتائج الإيجابية التى تمخضت عن ذلك سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً. وهى مؤشر - فى الوقت نفسه - على التفاعل الحى بين القائد والشعب من أجل مصلحة الوطن، وهو الذى تجلى فى إقبال الشعب المصرى وتجاوبه واستعداده للتضحية إلى آخر مدى، وإثباته أنه قادر على الإنجاز السياسى والاقتصادى فى أحلك الظروف .

تكتسب محاضر اجتماعات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى خلال الفترة من عام 1968 وحتى عام 1970، اهمية خاصة، من كونها جاءت فى اطار مواجهة متطلبات ازالة آثار عدوان 1967 .وكان سبقها، من جهة، اعادة بناء المؤسسة العسكرية. ثم اعادة بناء التنظيم السياسى (الاتحاد الاشتراكى) بالانتخابات، من جهة أخرى. وذلك فى اعقاب اعلان «بيان 30 مارس» الذى تضمن الخطوط الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعمل الوطنى. تجاوبا مع مطالب حركة شباب الجامعات بالتغيير وإعادة بناء الجبهة الداخلية. القارئ لتلك المحاضر بعد مرور أربعة وثلاثين عاماً على بدء أول اجتماعاتها فى 3 أكتوبر عام 1968 ـ يسترعي انتباهه حجم القضايا الداخلية والخارجية التى نوقشت وتداولها الحوار داخل صفوف القيادة، منذ ذلك التاريخ وحتى سبتمبر 1970، فعلى مدار عامين فقط نوقشت عدة قضايا لعبت دوراً هاماً فى تلك الفترة داخلياً وخارجياً، وهى فترة تعتبر من أخصب فترات التاريخ السياسى لثورة يوليو 1952، لقد شهدت هذه الفترة نمواً فى أطوار التنظيم السياسى فى ظل الثورة فى محاولة لتلاشى أخطاء التنظيمات السياسية الأولى ـ هيئة التحرير والاتحاد القومى ـ واستيعاب مرحلة الإعداد الوطنى لجماهير الشعب لمعركة التحرير وإزالة آثار العدوان؛ لاسترداد الأراضى العربية المغتصبة منذ يونيو 1967. وفرض حل عادل للقضية الفلسطينية ورفض السلام المبنى على القهر والعدوان. ورغم أعباء التعبئة الشاملة لكل موارد الدولة للإعداد لمعركة التحرير، ورغم اشتداد الصراع العربى الإسرائيلى وخوض مصر أطول الحروب ضد إسرائيل وهى حرب الاستنزاف، إلا أن الاقتصاد المصرى قد شهد نمواً ملحوظاً فى معدل التنمية فى كافة القطاعات الاقتصادية، حيث يتضح من تقارير اللجان المنبثقة عن اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى ـ ونصها موجود بالمحاضر ـ أن معدل الإنتاج والدخل القومى قد ازداد بمعدل 5% وهو أمر يدعونا للتساؤل.. كيف استطاع عبد الناصر بعد عدوان يونيو 1967، وبعد عام واحد من الانكسار العسكرى واحتلال الأراضى العربية، أن يرفع معدل النمو الاقتصادى للاقتصاد المصرى رغم أعباء تلك المرحلة؟ وبإلقاء نظرة سريعة على المناقشات التى تضمنتها تلك المحاضر، نجد حرصاً شديداً من أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى على تحليل وتفصيل كافة القضايا الداخلية والإقليمية والدولية بدءاً من قضايا الحراسة والتحفظ، ومروراً بقضايا الغزل والنسيج وأحداث الطلبة فى عام 1968، وقضايا المهجرين من منطقة المواجهة حول قناة السويس، ورعاية أسر المجندين، وتطوير نظام الإدارة المحلية، والتسويق التعاونى والعلاقة بين المالك والمستأجر فى مجالى الإسكان والزراعة ومشاكل الصناعة والنهوض بها، والقطاع العام، ومشروعات النقل والمواصلات والضرائب والأسعار، وعلاقة مصر بالمنظمات الدولية والإقليمية والعربية، وانتهاءً بقضية فلسطين والصراع العربى الإسرائيلى والعلاقات بين مصر وكل من الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة الأميركية.

اختصاصات عُقدت الجلسة الأولى للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى فى الساعة السادسة والنصف مساء يوم الأربعاء الثالث من أكتوبر سنة 1968، برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر. بدأ الرئيس جمال عبد الناصر فعاليات الاجتماع بتساؤل وجهه للأعضاء الحاضرين حول كيفية عمل اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى من حيث تعريفها، ودورها ودورية انعقادها، وكيفية تكوينها من بين أعضاء المؤتمر القومى العام، ووفقاً للقرارات التنظيمية التى تصدرها اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى، والانتخابات التى تجرى كل ست سنوات، ثم تناول اختصاصات اللجنة، والتى أجملها فى مباشرة تنفيذ توصيات وقرارات المؤتمر القومى العام، ومراقبة تنفيذ البرنامج الذى أقره المؤتمر، ودراسة الموضوعات الرئيسية فى السياسية الداخلية والخارجية، ومناقشة خطة التنمية الاقتصادية، وإقرار الموضوعات التى تتعلق بتنظيمات الاتحاد الاشتراكى، ومناقشة تقارير لجان الاتحاد الاشتراكى العربى بالمحافظات المختلفة، وبحث طبيعة العلاقة بين اللجنة المركزية والسلطة التنفيذية، ثم موضوع انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى واللجان المنبثقة عنها فيقول: «هذا الاجتماع ليس له جدول أعمال، والحقيقة أنا فكرت فى هذا الموضوع، ولكن وجدت أنه لابد من طرح سؤال معين.. وهو: كيف ستعمل اللجنة المركزية؟ وأيضاً فكرت فى أن أجيب عن هذا الموضوع.. وأجهز الاجابة، ولكنى آثرت أن أترك هذه الإجابة للجنة المركزية نفسها، حيث يمكن للاجتهاد أن يأخذ مجالاً أوسع. فإذاً الموضوع الأول هو كيف ستعمل اللجنة المركزية؟ أو طريقة عمل اللجنة المركزية، أو كيف ستنظم اللجنة المركزية؟ كل دى تدخل تحت عنوان: كيف ستعمل اللجنة المركزية؟ حنعمل بلجان.. وحنعمل بأمانات.. وحنعمل بأى وسيلة من الوسائل. يدخل أيضاً ضمن هذا الموضوع، العلاقة بين اللجنة المركزية والسلطة التنفيذية.. اللى هى الحكومة. وفى هذا طبعاً هناك شئ معروف، وهو أنه لايمكن للجنة المركزية أن تكون سلطة تنفيذية.. لايمكن لها بأى حال أن تكون سلطة تنفيذية.. هى سلطة سياسية، وهناك السلطة التنفيذية التى تتمثل فى الحكومة».

وبعد أن عرض الرئيس جمال عبد الناصر لمجمل اختصاصات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، وقبل أن يفتح باب الحوار والمناقشات بينه وبين أعضاء اللجنة المركزية حول ما سبق ذكره، أكد على أن اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى هى تمثل الجمهورية العربية المتحدة كلها، ولذلك كان يفضل أن يجلس أعضاء اللجنة وفقاً للترتيب بالحروف الأبجدية وليس بترتيب المحافظات، مستهدفاً بذلك التخلص من مفهوم «الإقليمية» ـ على حد تعبيره فى المناقشات ـ لأن مصر تتميز بعدم التعصب الإقليمى منذ قديم الأزل. وتعليقاً على ذلك قال: «الحقيقة هى اللجنة المركزية تعبير عن البلد كلها.. عن مصر كلها.. ولهذا كان من رأيى أن القعاد بيكون بالحروف الأبجدية.. مش المحافظات، وبهذا نتخلص الحقيقة من الإقليمية. واحنا بالذات بلدنا طول عمرها ماكانش فيها إقليمية، وهذه ميزة تمتاز بيها بلدنا يمكن عن كل البلاد العربية، لأن مافيهاش إقليمية، ولا تعصب إقليمى.. فباستمرار نعمل فى اللجنة المركزية، ونضع تقليد ان مافيش إقليمية».

وبدأت المناقشات والتعقيبات من قِبل الأعضاء على حديث الرئيس ودارت معظمها حول الجوانب الهيكلية والتنظيمية للجنة المركزية من خلال استعراض التنظيمات السياسية المماثلة لها فى العالم، مع التأكيد على أن عمل اللجنة سيكون عملاً سياسياً بالدرجة الأولى يستهدف دراسة القطاعات المختلفة للدولة من الناحية السياسية. كما أشار بعض الأعضاء إلى أهمية العمل من خلال الأسس التى أقرها بيان 30 مارس الذى ينص على أن تظل اللجنة المركزية ـ المنتخبة من المؤتمر القومى ـ فى حالة انعقاد دائم فى ظل الظروف السياسية الخارجية التى واجهتها البلاد آنذاك، وأن تقوم لجانها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية برسم سياسات العمل فى جميع المجالات بهدف إعادة بناء الجبهة الداخلية بعد عدوان يونيو 1967، وكذلك دعم الصمود العسكرى فى خطوط المواجهة. وعلق الرئيس على ذلك قائلاً: «إذن احنا كلجنة مركزية حنبنى نفسنا واحدة بواحدة، وحنكون وضعنا واحدة بواحدة.. وعلى قَد نتائج تصرفنا.. على قد ما حتكون قيمتنا كلجنة مركزية. دى الأساسيات الحقيقة اللى الواحد بيقولها بمنتهى الصراحة.. بعدين فيه ناس مثلاً متصورة ان اللجنة المركزية من أول جلسة حتتولى.. وانتم لازم تقولوا للناس ان ده لسه، تتولى كل السلطة فى الدولة، باعتبارها ـ زى أنا ما قلت فى المؤتمر ـ أعلى سلطة سياسية.. الحقيقة هذا الموضوع لا يمكن انه بيجى كده فى ثانية.. هذا الموضوع بيجى بالتدريج، وبالنسبة للجنة المركزية دى بالذات ـ على وجه الخصوص ـ عندها فرصة كبيرة، لأنها فى دورة انعقاد كامل.. مش بتجتمع مرتين كل سنة، كما نص على هذا القانون الأساسى للاتحاد الاشتراكى».

العمل السياسى فى الريف ثم تطرق الحوار ـ بعد مناقشة الموضوعات التنظيمية ـ لموضوع سبل تنمية العمل السياسى فى الريف على مستوى الجمهورية، على أساس أن الجبهة الداخلية هى هدف العدو، وبالتالى لابد من تحقيق معدلات تنمية بشرية وسياسية فى الريف تتواكب مع مرحلة الإعداد لمعركة التحرير. ويلاحظ على جميع مناقشات الجلسة الأولى حرص الرئيس جمال عبد الناصر على توضيح مبدأ القيادة الجماعية جنبا الى جنب مبدأ المسئولية الفردية لدفع العمل السياسى داخل تنظيمات الاتحاد الاشتراكى العربى، كخطوة أولى يتم عليها بناء جميع خطوات العمل السياسى فى تلك المرحلة. واتضح ذلك فى قوله «يجب أن يكون هناك نوع من التفاعل بين القيادة والأعضاء، مش ممكن نصل إلى تصادمات.. أنا بآخذ أقصى ما يمكن أخذه. بعد كده.. الحقيقة فيه حاجة اسمها القيادة الجماعية.. يعنى إيه القيادة الجماعية؟ مانقدرش نجيب مركب ونخلى عشرة يقودوها، ونقول دى قيادة جماعية. لأ.. فيه القيادة الجماعية.. وفيه المسئولية الفردية.. دى جنب دى. القيادة الجماعية بنقعد فى هذا الاجتماع.. ونناقش موضوع الحرب أو السلام، ثم نأخد الأصوات.. اتقال مثلا ان فيه حرب أو سلام. عند هذا الحد من ناحية المناقشات الجماعية ـ تنتهى مسئولية اللجنة المركزية، وتبدأ عملية المسئولية الفردية.. اللى هى مسئولية رئيس السلطة التنفيذية اللى حينفذ الموضوع.. مسئولية وزير الحربية الفردية.. مسئولية رئيس أركان حرب القوات المسلحة.. مسئولية قائد الجيش.. مسئولية قائد الفرقة.. مسئولية قائد اللواء، كل واحد من دول بقى عنده الحقيقة مسئولية فردية، مابقتش مسئولية جماعية».

وانتهت فعاليات الجلسة باتخاذ قرارات بتشكيل اللجنة التنظيمية لأعمال اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى، ولجنة متابعة تنفيذ قرارات المؤتمر القومى العام.

تعبئة سياسية وعسكرية عُقدت الجلسة الثانية للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى فى الساعة السادسة والنصف مساء يوم الأربعاء التاسع من أكتوبر سنة 1968، برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر.

وبدأ الرئيس جمال عبد الناصر باستعراض جدول أعمال اللجنة، بمناقشة تقرير اللجنة الفرعية للشئون التنظيمية مع أعضاء اللجنة المركزية، خاصة ما يتعلق بالنظام الداخلى وتحديد نظام سير العمل، والعلاقة بين اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى وباقى منظمات الاتحاد الاشتراكى، وقد تم استعراض كافة بنود تقرير اللجنة الفرعية للشئون التنظيمية ومواده المختلفة، مع توضيح دور اللجنة فى التعبئة العسكرية والسياسية من خلال تشكيل لجان الدفاع الشعبى والمدنى ولجان دعم العمل الفدائى الفلسطينى، ووضع خطط للتحرك السياسى فى المجال الدولى، وخطط للإعلام الخارجى بوضع دراسة تفصيلية تشترك فيها وزارة الخارجية والإرشاد القومى، مستهدفة خلق بيئة إعلامية دولية مؤيدة للحق العربى فى صراعه مع التوسع الصهيونى على حساب أراضيه مستفيدة من طبيعة العلاقات الدولية السائدة آنذاك، مع العمل على ربط المبعوثين والمغتربين فى الخارج بالوطن وتنظيم نشاطهم. كما ناقش الرئيس طبيعة العلاقة بين الاتحاد الاشتراكى ومجلس الأمة.

كما تناولت المناقشات دور اللجنة المركزية فى مجال التعبئة الاقتصادية وفقاً لآليات محددة أهمها؛ تشكيل مجلس قومى للتخطيط يعمل على وضع خطط شاملة تعتمد على أسس اقتصاديات الحرب مع إعطاء الأولوية لاحتياجات القوات المسلحة، مع الحرص على الاستمرار فى خطط التنمية والارتفاع بمعدلاتها من خلال إقامة مشروعات تستهدف تحقيق زيادة فى الإنتاج، ورفع الكفاية الإنتاجية، وخفض للإنفاق، والحد من الاستهلاك مع وضع سياسة سعرية متكاملة تحقق أهداف ومصالح المجتمع وصالح المنتج فى آن واحد.

ثم تطرق النقاش إلى بحث دور اللجنة المركزية فى وضع برامج إعادة انتخاب المؤسسات التعاونية بمستوياتها المختلفة على مستوى المحافظات ككل، مع تفعيل دور المجلس الأعلى للتعاون، وتقويمه، وتحديد العلاقة بينه وبين الاتحاد التعاونى العام، والأخذ فى الاعتبار ضرورة تفعيل التسويق التعاونى باعتباره أحد ركائز العمل الاشتراكى، ومعالجة مشاكل الجماهير.

واحتلت قضايا الشباب نصيباً كبيراً من مناقشات الأعضاء خلال تلك الجلسة، حيث اشتمل تقرير لجنة التنظيم على عدة بنود تتضمن كيفية النهوض بالشباب ومعالجة مشاكلهم من خلال تقويم دور منظمة الشباب فى الفترة السابقة، مع وضع تخطيط يشتمل على علاج السلبيات وتدعيم الإيجابيات وتحديد وضع الشباب بالنسبة لمستويات التنظيم السياسى، مع العمل على تنسيق جهود كلٍ من اللجنة المركزية، ومنظمة : الشباب، ووزارات التربية والتعليم، والتعليم العالى فى وضع برنامج زمنى يستهدف استيعاب نشاط الشباب وتنظيماته المختلفة.

أما فيما يتعلق بدور المرأة فى العمل السياسى، والمشاكل اليومية للجماهير، ومشاكل المواطنين الموجودين فى منطقة القناة ـ خطوط المواجهة مع العدو ـ وتهجيرهم، والتعليم ومحو الأمية، والصحافة، والثقافة والأعلام فقد تناولت حوارات الأعضاء كيفية تفعيل أدوار كل منها بصورة تتلاءم ومرحلة الإعداد لمعركة التحرير وازالة آثار العدوان.

وبفتح باب المناقشة حول البنود والأهداف السابقة اختلف الأعضاء حول دور اللجنة المركزية فى القيادة والمتابعة والإرشاد ومراقبة الأجهزة التنفيذية، فمؤدى مفهوم أن اللجنة المركزية يجب أن تحكم لأنها تحكم فعلاعن طريق المشاركة ـ وفقاً لرؤية الرئيس جمال عبد الناصر ـ قد انقسم بشأنه الأعضاء بين مؤيد ومعارض حول ذلك الدور. فعزل اللجنة المركزية عن القيادة والمتابعة يمثل عزل اللجنة عن الحكم، وبالتالى عزل الشعب عن المشاركة السياسية على اعتبار أن أكبر قاعدة لتمثيل الجماهير فى تلك الفترة هى اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى. فقد دار الحوار التالى بين الرئيس جمال عبد الناصر والدكتور جابر جاد عبد الرحمن عضو اللجنة المركزية:

دكتور جابر جاد عبد الرحمن «سيادة الرئيس.. تفضلتم فقلتم إن اللجنة المركزية تحكم، ويبدو لى أن هذا القول يأتى من أن أعضاء الحكومة أعضاء فى هذه اللجنة، وحتى بالرغم من هذا، فإن رقابة اللجنة المركزية على الحكومة يجب أن تبقى.. ومع أن الوزراء أعضاء فى هذه اللجنة وفى الاتحاد الاشتراكى، إلا أن رقابة اللجنة المركزية على الحكومة فى تنفيذ القرارات التى اتخذها المؤتمر القومى يجب أن تبقى. ومن ناحية أخرى فإن رقابة اللجنة المركزية على السلطة التشريعية يجب أيضاً أن تبقى. لأنه من المؤكد أن المؤتمر القومى قد يتخذ قرارات تقع مسئولية تنفيذها على عاتق السلطة التشريعية، ولنا فى القرارات الخاصة بإصدار تشريع للتعاون الزراعى دليل، إذ مَنْ المسئول عن وضع قانون التعاون الزراعى ؟ هى الحكومة، أى السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية، وعلى ذلك فإن الرقابة ومتابعة الرقابة من جانب اللجنة المركزية على الحكومة وعلى الأجهزة التنفيذية والتشريعية يجب أن تبقى قائمة. وحتى لو أخذنا بالرأى الذى قاله الزميل خالد محيى الدين، من أن الرقابة نجحت لأن الوزراء وأعضاء مجلس الأمة أعضاء فى الاتحاد الاشتراكى، فإن هذا يتطلب ـ كما قال السيد الرئيس ـ أن يكون كل أعضاء مجلس الأمة أعضاء فى الاتحاد الاشتراكى، وأن يتصدى الاتحاد الاشتراكى لعملية تحديد قائمة بالمرشحين للدخول فى الانتخابات الخاصة بمجلس الأمة.. الأمر الذى لم يحدث حتى الآن. فإذا كانت اللجنة المركزية تمارس رقابتها على أعضائها العاملين فى السلطة التنفيذية وفى السلطة التشريعية جميعاً، بوصفهم أعضاء فى هذا التنظيم، فإن هذا يتطلب أن يكون الوزراء جميعاً أعضاء فى التنظيم، وأن يكون لِلجنة المركزية دورها فى اختيار هؤلاء الأعضاء.. وكذلك أن يكون أعضاء مجلس الأمة فى هذا التنظيم، وأن يكون لهذه اللجنة ـ قائدة العمل الوطنى فى جميع المجالات ـ القول والرأى فى المرشحين الذين يتقدمون للانتخابات، لكى يجلسوا فى كراسى مجلس الأمة.

ـ السيد/ الرئيس: «لى تعليق بالنسبة لموضوعات اتْكلم فيهم الدكتور جابر فى الأول.. الرقابة على السلطة التنفيذية.. والرقابة على السلطة التشريعية.. وتعيين أفراد السلطة التنفيذية.. وتعيين أفراد السلطة التشريعية، الحقيقة برضه بنبص للعالم، وبناخد الدول الشرقية إيه؟ والنظام الليبرالى إيه؟ الدول الشرقية فيها حزب مش من ستة ملايين، ولكن فيها الحزب الشيوعى اللى ليه قيادة، وهذه القيادة مهيمنة كاملاً على الحزب، وفيه ناس متفرغون. هذا هو النظام اللى موجود فى البلاد الشيوعية، وفيه سيطرة كاملة على كل الأمور فى اللجنة التنفيذية، أو رئاسة اللجنة المركزية، فبيكون فيه نوع من الهارمونى والتوافق فى اختيار الأعضاء. بالنسبة للدول الغربية بيختاروا زعامة للحزب، وزعامة الحزب تختار الوزراء، سواء بالنسبة للحزب الحاكم، أو بالنسبة لحزب المعارضة.. وأيضاً زعامة الحزب تستطيع أن تغير فى الوزراء بدون الرجوع إلى الحزب.. هذا أيضاً موجود فى أميركا.. وموجود فى بريطانيا.. وموجود فى كندا. لكن بالنسبة لينا احنا هنا مانقدرش نقول إن اللجنة المركزية تعين الوزراء، ولكن باقول إن اللجنة المركزية تختار رئيس للجمهورية ـ فى وقت انتخابات رئيس الجمهورية ـ وبعد هذا هُو لازم يختار الناس اللى يقدر يشتغل معاهم.. على أساس انه مايكونش فيه شللية أو انقسامات فى داخل مجلس الوزراء، ولا نقدرش نشتغل أبداً شغل تنفيذى».

اعداد وحدة دراسات الثورة المصرية بـ «الأهرام» اشراف الدكتورة هدى جمال عبدالناصر ينشر بترتيب خاص مع وكالة الأهرام للصحافة



لم.


الـنـاصـريـة بـمـنـظـور نـقـدى





عبد الناصر ينتصر لمجلس الأمة في مواجهة صلاحيات الاتحاد الاشتراكي، القبول بالتعددية واختلاف الرأي ومطالبة باحترام نتائج الانتخابات، 2/ 7


تناولت حلقة الأمس مقدمة توضح السهام التي انطلقت من كل اتجاه مستهدفة انجازات يوليو ودورها في حياة المصريين والعرب.



فهذه الوثيقة التي ننفرد بنشرها تعكس روح المراجعة التي سيطرت في مصر بعد انكسار يونيو 1967 وتوجه الرئيس ناصر نحو توسيع المشاركة السياسية وتصحيح الممارسة الديمقراطية وكيف كان هناك تفاعل حي بين القائد والشعب نتج عنه استعداد المصريين للتضحية الى آخر مدى والانجاز في أحلك الظروف.





وضح من الحلقة الماضية ان هناك محاولة لارساء أسس دولة جديدة تتجنب المآسي التي تسبب فيها من أساءوا للمرحلة الناصرية والذين أطاحت بهم هزيمة 67. حيث القبول باختلاف الآراء والفصل بين السلطات وبدء التخطيط العلمي المدروس لتنمية الاقتصاد المصري.





كما أبرزت الحلقة الماضية رغبة عبدالناصر في اختيار ما هو جيد وما يتناسب مع ظروف مصر سواء كان ذلك ليبرالياً أو محسوباً على الشيوعية.





تغطي هذه الحلقة جزءاً من الجلسة الثانية التي عقدت يوم 9 اكتوبر عام 1968 الى منتصف الجلسة السابعة التي عقدت يوم 6 نوفمبر من العام نفسه.





ناقشت الجلسات التي نعرض محتوى محاضرها اليوم استكمال مناقشة صلاحيات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي وانتصاره لفكرة الفصل بين السلطات والقبول بنوع ما من التعددية واختلاف الآراء.





كما تبدو في المحاضر استقلالية الفكر الناصري ومحاولة الأخذ بجلسات نماذج الحكم في الغرب والشرق.





ويبدو ان انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي كان بداية توجه جديد بالجرح، ودعا الرئيس ناصر الى تقبل نتائج الانتخابات مهما كانت وعدم الاحساس بالحرج من قبل من فشلوا في اجتيازها.





وفي أحد الاجتماعات تمت مناقشة مشاريع التسوية التي كانت معروضة في ذلك الوقت وتمثلت في مذكرة قدمها ابا ايبان وزير الخارجية الاسرائيلي، وأدرك عبدالناصر ان اسرائيل لا تهدف من مشروع التسوية الى الانسحاب أو الجلاء وانما تركز على ابرام اتفاقات وتعاقدات. وأكد ناصر ان ما دون الانسحاب الاسرائيلي الشامل الى ما وراء حدود 4 يونيو يعد تفريطاً في الأرض العربية وان مصر تعتبر استمرار الاحتلال عدواناً متواصلاً على سيادة وسلامة أراضي ثلاث دول أعضاء في الأمم المتحدة.





من الجلسة السابقة نفسها (الثانية) تطرقت المناقشات إلى العلاقة بين اللجنة المركزية ومجلس الأمة وانتهى النقاش بشأنهما بين الرئيس جمال عبد الناصر والأعضاء إلى إيجاد نوع من العلاقة الرقابية المتبادلة بين الطرفين، واتضح ذلك من خلال تعليق الرئيس بقوله: «إذا سمحتم لى.. بِدى أرد على إحدى النقاط. الحقيقة حسب الدستور.. وحسب النظام اللى احنا ماشيين عليه دلوقت.. مجلس الأمة مش تابع للاتحاد الاشتراكى، ولكن المفروض ان الاتحاد الاشتراكى بتكون له سيطرة على مجلس الأمة من خلال أعضاء الاتحاد الاشتراكى. ولكن إخواننا أعضاء مجلس الأمة اللى موجودين هنا.. أظن بيعرفوا ان كان فيه خلافات مريرة بين أعضاء مجلس الأمة واللجان التنفيذية فى كل المحافظات، وكان فيه تسابق مين اللى ليه السلطة الأعلى؟ الحقيقة اللى احنا مشينا بيه مختلف عن الأوضاع اللى موجودة فى العالم.. يعنى فى الدول الشيوعية بيْنَزلوا لِسْتَة بأعضاء مجلس الأمة. فى الدول الليبرالية زى بريطانيا.. حزب العمال بينزل مُرَشحيه، وحزب المحافظين بِيْنَزل مُرَشحِيه.. بيبقى الشخص نجح مش لأن اسمه فلان، لأ.. نجح لأنه فى حزب العمال، أو فى حزب المحافظين، ويوم ما ينفصل من حزب العمال ويرشح نفسه.. مش ممكن ياخد الدايرة أبداً. وفيه ناس اتفصلوا سنة 1956 أو 1957، لأنهم كانوا ضد العدوان علينا، وبعد كده ماقدروش ياخدوا دوايرهم. احنا فتحنا الدواير لكل الناس، كان فيه دايرة فيها 10 و 12.. اللى بينجح يبقى نجح بدراعه.. مالهوش دعوة أبداً بالاتحاد الاشتراكى.. ولا هو ملتزم أبداً بالاتحاد الاشتراكى، والكلام ده أنا قلته فى مجلس الأمة، واتْكلمت فيه مرة يمكن ومرتين. وعلى هذا فعملية الالتزام مش موجودة.. وزى ما قلت فى مجلس الأمة إن أصبح عندنا فى داخل المجلس يمكن 360 حزباً.. كل واحد بيمثل حزب لوحده، بيجتهد بنفسه فى كل مسألة من المسائل، وده موضوع من الموضوعات اللى احنا حنبحثها هنا فى اللجنة المركزية احنا فى بيان 30 مارس ـ رداً على كلام الأخ حشيش من الجيزة، أو من القليوبية ـ حنبحث أيضاً موضوع مجلس الأمة، وأنا حاقدم لكم اقتراحاً بهذا الموضوع، ولكن بيان 30مارس كان واضحاً منه ان احنا لازم نبتدى بمجلس جديد، لأن المجلس اللى قدامنا حيخلص فى مارس، وإذا ابتدينا بيه حيحصل تنازع أيضاً بين المجلس، وبين اللجنة المركزية، وبين اللجان التنفيذية، فيجب إننا نبتدى بمجلس جديد، ولكن لابد أن يكون هناك مجلس أمة. حاعرض على اللجنة هذا الموضوع قبل ما نأخد فيه قراراً، ولكن لابد أن يكون هناك مجلس أمة وفقاً للدستور الموجود حالياً.. فيه دستور بينص على وجود مجلس أمة.. وعلى أنه هو السلطة التشريعية. وبعدين احنا حنعمل دستوراً جديداً، على أن ينفذ هذا الدستور الجديد بعد إزالة آثار العدوان، حسب ما جاء فى بيان 30 مارس.. والدستور الجديد حيأخد مننا وقتاً.. وحيأخد دراسات كتيرة. دول الكلمتين اللى حبيت أرد بيهم ».





ثم استطرد الرئيس قائلاً فى نهاية النقاش حول طبيعة العلاقة بين الاتحاد الاشتراكى ومجلس الأمة: «أنا عايز أحسم النقطة دى إذا سمحت لى.. أنا شايف ان من حق اللجنة المركزية المتابعة والرقابة، وانها تكون فى الصورة كاملة، على أساس ان اللجنة المركزية فعلاً بتحكم بواسطة الأعضاء واللجان الموجودة، ولكن الحقيقة ان المشكلة هى كيف تكون طريقة المتابعة؟ وكيف تكون طريقة الرقابة؟ اللجنة المركزية المفروض فى أحوالها العادية حتجتمع مرتين فى السنة.. يعنى حتجتمع مرتين أو أكثر، ممكن إذا دعا الأمر إلى هذا، يعنى لَما حتجتمع مرتين يعنى أسبوعاً كل مدة مثلاً، حيحصل إيه فى هذا الأسبوع؟ اللجان حتقدم تقاريرها.. والوزراء حيتكلموا فى هذا، ونقول إن الموضوع الفلانى اللى قررناه اتنفذ أو مااتنفذش. أنا باتكّلم عن الأحوال العادية.. احنا دلوقت بنعتبر فى حالة انعقاد كامل بالنسبة للظروف اللى احنا موجودين فيها. فعن طريق اللجان حتكون المتابعة والرقابة، واللجان حتقدم تقارير إلى اللجنة المركزية، وإلا بتكون اللجنة المركزية خارج الصورة. وفى الحقيقة.. فى القرارات السياسية - وهى قرارات المؤتمر - اللجنة المركزية والحكومة بيمثلوا شيئاً واحداً، لأنهم هما الاثنان بينفذوا العملية. وهو الحقيقة اللى طَلع الكلام ده.. اللى أثار هذا الموضوع.. النَصّ على الجهاز التنفيذى وقيادات الجهاز التنفيذى. الحقيقة لَما نجيب دستور أى حزب فى العالم.. مافيش حزب.. يعنى أنا قاريء دساتير جميع أحزاب العالم.. مافيش حزب قال على إن الحكومة والجهاز التنفيذى أبداً.. الحزب بيتكلم على أعضائه.. الحزب بيتكلم على الناس اللى بيكونوا الحزب.. الحزب بيتكلم على انه يا بيحكم.. يا فى المعارضة، لكن الحزب مابيقولش إنه يسائل السلطة التنفيذية.. على أساس ان السلطة التنفيذية حاجة ثانية، ولذلك أنا قلت إن دى والمادة (18) والمادة (20) هُمّ اللى خَلوا الأخ سيد مرعى يثير هذا الكلام. احنا لو اعتبرنا أن للجنة المركزية حق مساءلة أعضاء الاتحاد الاشتراكى المسئولين عن كذا.. بنبقى الحقيقة ماخلقناش قطبين.. اللجنة المركزية كقطب - ده الكلام اللى أنا قلته الأول - والحكومة كقطب، وبهذا نستطيع ان احنا نتلافى الموضوع اللى اتقال بهذا الشكل. وبرضه لو طورنا المادة (20) على أساس نقول إنها بتسأل الأعضاء المسئولين.. مانقولش الوزراء ونواب الوزراء. مافيش حزب فى الدنيا اتْكلم على الوزراء ونواب الوزراء.. مافيش حزب فى الدنيا اتْكلم على السلطة التشريعية.. الأحزاب بتتكلم على اللجنة البرلمانية للحزب.. أو الهيئة البرلمانية للحزب. الكلام اللى قاله الدكتور جاد عن الرقابة على السلطة التشريعية.. مافيش حزب فى الدنيا بيقول إنه رقيب على السلطة التشريعية، ولكن الحزب بيقول إن لِى هيئة برلمانية.. بيتفاهم مع هذه الهيئة البرلمانية، وان الهيئة البرلمانية بتلتزم بالقرارات اللى تطلع.. وهكذا. لكن مافيش ولا حزب.. حتى من الأحزاب اللى عندها سلطة تشريعية.. مابتشتغلش غير يوم فى السنة، مافيش حزب قال إن ليه سلطة على السلطة التشريعية، ولكن قالوا إن الجماهير تستطيع انها تسحب ثقتها من النائب إذا انحرف أو خرج.. وطبعاً هذا تهديد للنواب اللى بيخرجوا عن الالتزام، إنه بواسطة الجماهير بيقدروا يطردوهم. احنا الحقيقة فى دستورنا مانقدرش نطرد أى نائب مهما خرج، وحصل فيه نواب خرجوا.. واشتغلوا ضد الاتحاد الاشتراكى.. وضد الثورة، وماقدرناش نعمل لهم حاجة. يمكن فصلنا بعض الناس من الاتحاد الاشتراكى، ولكن فَصْلُهُم من الاتحاد الاشتراكى لا يفصلهم أبداً من البرلمان، أو من مجلس الأمة.. وهذا موضوع الحقيقة حيعوز دراسة تفصيلية فى المستقبل، عن ازاى بنسيطر على السلطة التشريعية. الحقيقة لا يمكن لحكومة أن تحكم فى العالم إلا إذا كانت لها أغلبية فى السلطة التشريعية، والحقيقة الحكومة هى التى توجه السلطة التشريعية، يعنى فيه ناس بيقولوا فصل السلطات.. السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.. بدون الأغلبية فى البرلمان لا يمكن للحكومة أن تحكم، أو تكون فى السلطة التنفيذية، وإذا فقدت الأغلبية فى البرلمان فقدت السلطة التنفيذية. إذاً هناك توافق وترابط كامل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والحكم، ولكن ماحدش بيحط ده أبداً فى اللايحة.. أو فى قانون الحزب، بيقولوا عن الهيئة البرلمانية للحزب.. بيقولوا عن سياسة الحزب، لكن مابيقولوش إن اللجنة المركزية أو اللجنة العامة هى اللى بتسائل الحكومة.. أو تسائل الوزارة.. أو الوزير ملزم بكذا، بنعتبر ان ده مفروض أن يكون شيئاً بديهياً. وزى ما قلت لكم برضه فى الجلسة اللى فاتت، كنت حريصاً جداً إنى أنا ماأجيبش المحافظين.. العدد اللى انتم إدتوه لى أجيب بيه كل الوزراء، سواء فى المقاعد الأساسية أو الاحتياطية، علشان يكون هناك انسجام كامل فى داخل اللجنة المركزية. نبص النهارده لانجلترا.. نشوف مين اللى بيحكم؟ حزب العمال بيحكم فى انجلترا. النهارده فى مصر.. الحقيقة النهارده مانقدرش نقول إن الاتحاد الاشتراكى كان بيحكم، لأن تنظيمات الاتحاد الاشتراكى لم تستكمل أبداً.. مشينا فى التنظيمات وبعدين وقفنا. الحقيقة النهارده لأول مرة ندخل فى تطبيق ان الاتحاد الاشتراكى هو الذى يحكم.. وده الكلام اللى احنا قلناه فى بيان 30مارس.. لو الحقيقة غيرنا بعض الألفاظ اللى هى فى المادة (18) والمادة (20)، وعلاقة اللجنة المركزية بالسلطة التنفيذية دى تبقى مذكرة خاصة لينا.. يعنى على أساس توضيح، أو ازاى نمشى.. بيبقى الوضع واضحاً جداً. ولكن اللجنة المركزية لها سلطة الرقابة وسلطة المتابعة. الحقيقة النقطة الثانية اللى أحب أوضحها.. اللجنة الثانية اللى احنا عملناها الدور اللى فات.. لجنة متابعة قرارات المؤتمر القومى العام. يمكن لو رجعنا للمحضر.. لم يكن القصد أن تكون هذه اللجنة لجنة دائمة، ولكن أنا حينما وضعت هذا الاقتراح كان رأيى أن هذه اللجنة.. لجنة بنعلنها من أول اجتماع لينا - وأنا قلت لكم هذا الكلام - حتى نستكمل تنظيمنا، وأنا كنت معتبراً ان استكمال تنظيمنا حيأخد مناقشات وجلسات، فقدام الناس مانبينْش ان احنا بنتكلم فى مواضيع غير المواضيع الأساسية. وفى الوقت الذى يستكمل فيه تنظيمنا.. اللى قد يأخد مننا جلسات عديدة.. بِتُكَونْ فيه لجنة لمتابعة المؤتمر، وحينما يستكمل التنظيم.. الحقيقة يبقى التنظيم هو اللى يتابع أعمال المؤتمر حسب إقراره من اللجنة المركزية، ولم يكن قصدى فى اللجنة اللى فاتت.. ان لجنة المتابعة دى هى لجنة دائمة».





وفى نهاية الجلسة الثانية أكد الرئيس جمال عبد الناصر على أن للجنة وأعضائها حق مساءلة أعضاء السلطة التنفيذية وقيادات الجهاز التنفيذى، فى حالة عدم تنفيذهم القرارات الصادرة عن اللجان المنبثقة من اللجنة فى كافة الفروع.





مشاريع تسوية عُقدت الجلسة الثالثة للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى فى الساعة السادسة والنصف مساء يوم 10 أكتوبر سنة 1968، برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر، لاستكمال مناقشة موضوع إقامة الهياكل التنظيمية للجنة المركزية. وقد استكمل أعضاء اللجنة المركزية نقاشهم حول تعديل بعض مواد النظام الداخلى للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى، واستكمال مناقشة طبيعة العلاقة بين اللجنة المركزية والسلطة التنفيذية، لتحديد مسئولية القيادات التنفيذية التى سيتم اختيارها من بين أعضاء الاتحاد الاشتراكى العربى أمام اللجنة التنفيذية العليا. وفى إطار شرح الرئيس لطبيعة العلاقة بين الطرفين قال: «موضوع العلاقة بين اللجنة المركزية والسلطة التنفيذية وأنا برضه بدى أكرر ان الجهاز الشعبى هو اللى بيحكم.. مَانِقْسمْش العملية عمليتين، يعنى لَما نقول احنا هنا ان وزير بيعمل كذا وكذا.. بيبقى بيعمل هذا باسم فريد عبد الكريم، وفريد حشيش، وباسم كل واحد موجود فى هذه اللجنة، لأن هذه اللجنة بتمثل الجهاز الشعبى اللى أخذ السلطة». وأضاف: «أنا بدى لَما نقول الأجهزة الشعبية والأجهزة التنفيذية اللى جات فى الميثاق.. برضه اللى هى المجالس الشعبية فى المحافظات. وفى هذا أيضاً بنقدم لكم الموضوع على أساس ان احنا نعمل أجهزة مجالس شعبية فى المحافظات، بحيث ان المحافظ والناس اللى معاه يمثلوا الناحية التنفيذية، والمجالس الشعبية يبقى لها سلطة الرقابة والمساءلة، ومجلس الأمة يمثل سلطة رقابة بالنسبة للاتحاد الاشتراكى ». ثم تطرق الحوار إلى مناقشة دور اللجنة المركزية فى اختيار أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى، لمعاونة الرئيس فى المسئولية التى ألقيت على عاتقه من قِبل الجماهير فى يومى 9 و 10 يونيو 1967، والتى تعكس مدى إدراك أعضاء اللجنة للمرحلة الحرجة التى تمر بها البلاد.





وانتهت الجلسة بمناقشة قضية مصر أمام المنظمة الدولية - الأمم المتحدة - فى ضوء ادعاءات إسرائيل بتقديم مشروع للسلام لتسوية الصراع العربى الإسرائيلى، حيث عرض الرئيس جمال عبد الناصر شرحاً وافياً صريحاً لموقف الجمهورية العربية المتحدة من الحل السلمى والحل العسكرى وموقف كل طرف من الأطراف المتنازعة من مهمة مبعوث السكرتير العام للأمم المتحدة واحتمالات المستقبل بالنسبة للنزاع العربى الإسرائيلى. واستعرض سيادته مدى التقدم الكبير الذى تحقق فى إعادة بناء القوات المسلحة بالنسبة لجميع الأسلحة، والسياسة التى وضعت للاستمرار فى دعم هذه القوات، واستكمال تجهيزاتها من المعدات والأفراد.





تجديد عُقدت الجلسة الرابعة للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى فى الساعة السادسة والنصف مساء يوم الأربعاء الموافق 16 من أكتوبر سنة 1968 برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر.





ودار اجتماع اللجنة حول عملية انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية العليا الأصليين والاحتياطيين، حيث عرض الرئيس جمال عبد الناصر على أعضاء اللجنة أبعاد المسئولية التى كُلف بها بشأن اختيار أعضاء اللجنة التنفيذية العليا، والتى فضل فيها إجراء انتخابات يتم بناء على نتائجها اختيار أعضاء اللجنة، بحيث يكون تشكيل الاتحاد الاشتراكى بلجانه المختلفة يعكس ثقة الجماهير، فى ظل تغييرات متباينة ما بين كفالة الاستمرار للأعضاء، وإتاحة الفرصة للتجديد، أو انتظار انتخابات نقابات العمال مما أدى - وفقاً لحديث الرئيس - إلى صعوبة وضع أسس الاختيار مع مراعاة أن التجديد معناه؛ أن هناك عناصر جديدة تبرز جماهيرياً وسياسياً لابد من استيعابها. قال: «فى المناقشات مع الناس.. وفى المناقشات مع الأمناء.. وضح ان الناس كانت بتعبر تعبيرات متباينة.. وتعبيرات مختلفة.. فيقولوا كفالة الاستمرار، وبعدين يقولوا إتاحة الفرصة للتجديد. ومثلاً بيقولوا ان بعض الناس قالوا : إن من الناحية العمالية نستنى انتخابات العمال.. يعنى حصلت حاجات متباينة كثيرة جداً.. أصبح التوفيق بينها عمل مش سهل.. ولكنه عمل عسير، خصوصاً بالنسبة لإتاحة الفرصة للتجديد». وعرض الرئيس لمبدأ هام من مبادئ الحفاظ على عدم ازدواجية الممارسة السياسية لعضو اللجنة التنفيذية العليا؛ وهو عدم الجمع بين الوزارة واللجنة التنفيذية العليا حتى لا يطغى اهتمامه الأكبر بالعمل الوزارى على عمله كعضو فى الاتحاد الاشتراكى، مؤكداً على أنه فى حالة انتخاب أى وزير عضواً فى اللجنة التنفيذية العليا، لابد أن يترك منصبه الوزارى رغم ما قد يترتب على ذلك من عدم استقرار على مستوى الوزارة التى يتقلد منصبها.حيث أكد الرئيس جمال عبد الناصر على ذلك قائلاً: «من النقط اللى أنا يمكن أيضاً وجدت أنها ضرورية.. عدم الجمع بين الوزارة واللجنة التنفيذية العليا، لأن بالممارسة إذا كان عضو اللجنة التنفيذية العليا حيكون فى الوزارة.. حَيِدى اهتمامه الأكبر للوزارة، ولن يكون هناك اهتمام للعمل فى الاتحاد الاشتراكى. ولهذا أنا تصورى أن عضو اللجنة التنفيذية العليا مايكونش وزير.. يعنى إذا كان وزيراً وينتخب عضواً فى اللجنة التنفيذية العليا، لازم فى الحال يسيب الوزارة». وانتهت الجلسة مثل مثيلاتها من جلسات المجلد الأول بأهمية البحث فى سبل استكمال الجوانب التنظيمية الخاصة باللجنة المركزية، وإعلان نتائج انتخابات أعضاء اللجنة التنفيذية العليا.





انتخابات عُقدت الجلسة الخامسة للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى فى الساعة السادسة وخمسة وأربعين دقيقة مساء يوم السبت 19 أكتوبر سنة 1968 برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر.





وقد دارت فعاليات الاجتماع حول انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية العليا، والأعضاء الاحتياطيين، وفقاً لنص المادة (32) من النظام الداخلى للجنة المركزية، وقد جرى الانتخاب سرياً وبشرط حصول المرشح على الأغلبية المطلقة لأصوات الحاضرين.





وانتهت الجلسة بإعلان نتيجة الانتخابات بتشكيل اللجنة التنفيذية العليا من الأعضاء الفائزين والحاصلين على أغلبية الأصوات وهم: علي صبرى، حسين الشافعى، محمود فوزى، أنور السادات، د. كمال رمزى استينو، عبد المحسن أبو النور، ضياء الدين داود، محمد لبيب شقير، من إجمالى عشرين عضواً تقدموا للانتخاب.





تقبل خسارة الانتخابات بدأت الجلسة السادسة للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى فى الساعة السادسة والنصف من مساء يوم 23 أكتوبر 1968 برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر.





وافتتح الرئيس جمال عبد الناصر أعمال الجلسة بعرض جدول أعمال الاجتماع، وقد بدأه بموضوع انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية العليا، ومبررات الصعوبة التى وجدها فى اختيار أعضائها. وبالتالى ترك الأمر لإجراء انتخابات جرت فى الجلسة السابقة (الخامسة) بين أعضاء اللجنة المركزية، خاصة أن الوصول إلى عضوية اللجنة التنفيذية العليا يمثل الوصول إلى أعلى القيادات فى المجالات المختلفة، مما يتطلب ضرورة توافر جهد وعمل سياسى كبير من قبل الأعضاء يتلاءم وحجم المسئولية التى فرضتها العضوية عليهم، حيث تحدث قائلاً: «اللى أنا بدى أقوله.. إن الوصول إلى اللجنة المركزية فى أى بلد من البلاد، بيعتبر الحقيقة الوصول إلى أعلى القيادات، طبعاً بعد كده اللجنة التنفيذية العليا هى عشرة من 150، يبقى الوصول إلى القيادة العليا.. وهذا عمل مش سهل الوصول إليه، أنا شفت بعض الأعضاء اللى مانجحوش فى الانتخابات.. وحسيت انهم مجروحون ومعتبرين انهم جرحوا.. لأن مانجحوش، الحقيقة مافيش أى مجال لهذا الشعور، فَزَيّ ما قلت إن اللى بيدخل الانتخاب.. لازم يتقبل النجاح، ولازم يتقبل الخسارة».





ويستكمل الرئيس عبد الناصر حديثه عن تشكيل اللجنة التنفيذية العليا حيث سيطر هذا الموضوع على معظم فعاليات الجلسة السادسة، وانتهى الرأى الى الاكتفاء بعدد الأفراد الذين فازوا فى انتخابات اللجنة فى الجلسة الخامسة، وتأجيل انتخاب باقى الأعضاء، معبراً عن ذلك بقوله: «الموضوع الأساسى اللى أنا كنت عاوز أتكلم فيه النهارده وهو: ما العمل بالنسبة لتكملة اللجنة التنفيذية العليا؟ احنا بحثنا هذا الموضوع فى اجتماع اللجنة التنفيذية، واستقر رأينا على أن نعرض عليكم اقتراحاً بتأجيل انتخابات باقى أعضاء اللجنة التنفيذية العليا، والأعضاء الاحتياطيين، إلى وقت لا نحدده، ولكن لما نجد نفسنا جاهزين نعمله. قد يمتد هذا الوقت إلى إزالة آثار العدوان.. ونكتفى بالتشكيل الحالى من الأعضاء الثمانية، اللى انتخبوا فى الجلسة الماضية. هذا هو اللى استقر رأينا على أن نعرضه عليكم، فإذا كان لأحد أى رأى آخر بنسمع له.. هل توافقوا على هذا الرأى؟». ثم يُفتح باب المناقشة للأعضاء، حيث تحدث كل من مفيد محمود شهاب، وفريد عبدالكريم، والدكتور عبدالمنعم فرج الصدة، وفريد زكى حسنين عن مدى قانونية استكمال أو عدم استكمال تشكيل الجنة التنفيذية العليا، وفقاً لما تنص عليه المادة (13) فقرة (ح ـ 1) من قانون الاتحاد الاشتراكى من ضرورة تكوين اللجنة التنفيذية العليا من عشرة أعضاء، على رأسهم رئيس الاتحاد الاشتراكى العربى فى الوقت الذى تم فيه انتخاب ثمانية أفراد فقط مشكلين أعضاء اللجنة التنفيذية العليا. علق الرئيس قائلاً: «هو الحقيقة تغيير القانون بيكون فى المؤتمر عادة، والعملية ان القانون أقوى من اللايحة.. أنا متفق مع الأخ الدكتور فى هذا، ولكن يمكن قد نختلف فى التفسير ولكن حتى نحسم الموضوع.. يبقى نقدر نتفق فى الرأى بإرجاء استكمال عضوية اللجنة التنفيذية العليا، والاكتفاء بتشكيلها الحالى من الأعضاء الثمانية الذين انتخبوا أخيراً، وده فيه التفويض زى مابيقول الدكتور جاد.. وهذا يبقى مافيش مشكلة بيننا كلنا. من يوافق على هذا يرفع إيده؟ ( موافقة ) ». وفى هذه الجلسة تم تشكيل اللجان المنبثقة عن اللجنة التنفيذية العليا وعددها خمس لجان هى: لجنة الشئون السياسية، لجنة التنمية الاقتصادية، لجنة الشئون الداخلية، لجنة الثقافة والفكر والإعلام، لجنة شئون التنظيم. وتم الاستقرار على تحديد أولويات موضوعات البحث فى اللجان السابقة، ووضع أعضاء تلك اللجان من الموظفين العاملين فى المصالح الحكومية أو المؤسسات المختلفة.





ثم يختتم الرئيس أعمال الجلسة بإعلان تقرير لجنة متابعة تنفيذ قرارات وتوصيات المؤتمر القومى العام كأساس للمناقشة على مستوى اللجان الدائمة للاتحاد وطرحها للنقاش أمام أعضاء اللجنة المركزية، حتى إذا أقرتها اللجنة يمكن للجان الدائمة أن تبدأ عملها. وقد اشتملت هذه الأسس على إنشاء منظمات الدفاع الشعبى والمدنى، ورعاية أسر المجندين، وإعطاء مزيد من الاستثمارات فى قطاع البترول، وتدعيم سيادة القانون بإعادة صياغة القوانين التى تتعلق بالحريات الشخصية، ضماناً لحرية المواطن وكرامته مع الحفاظ على أمن الوطن وسلامته.





كما أعطت اللجنة أولوية لتشكيل لجنة لوضع الدستور الدائم، وتعديل قوانين النقابات المهنية والعمالية، ومتابعة مشاكل الجماهير ووضع الحلول لها. وتضمن ذلك فى قول الرئيس جمال عبد الناصر خلال مناقشات الجلسة: «الموضوع الآخر هو تشكيل اللجان الدائمة.. اللى هو الباب الثالث فى اللائحة: تشكيل اللجان الدائمة للجنة التنفيذية العليا، وهذا الموضوع احنا أجلناه من الجلسة اللى فاتت، اللى هو البند رابعاً.. النظر فى تشكل اللجان الدائمة.. اللى هى الباب الثالث فى الصفحة (4) فى اللائحة: ـ لجنة الشئون السياسية.




ـ لجنة التنمية الاقتصادية.




ـ لجنة الشئون الداخلية.




ـ لجنة الثقافة والفكر والإعلام.




ـ لجنة شئون التنظيم.




احنا بحثنا هذا الموضوع فى اجتماع اللجنة التنفيذية العليا وعملنا لجنة.. علشان فيه لجان كان العدد اللى فيها قليل.. ولجان العدد اللى فيها كبير، علشان نصل إلى رأى بالنسبة لهذه اللجان، على أساس تحقيق رغبات الأعضاء، سواء كانت رغبة أولى أو رغبة ثانية، وعلى أساس ان كل اللجان الحقيقة بيكون فيها عدد مناسب من الأعضاء ».





إصرار على التحرير بدأت الجلسة السابعة للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى فى الساعة السادسة والنصف مساء يوم 6 نوفمبر 1968، برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر.





بدأ الاجتماع بمناقشة الموقف السياسى العام على ضوء التطورات السياسية والعسكرية التى عكست التوجه المصرى ـ عربياً ودولياً ـ من قضية فلسطين، ومشاريع التسوية التى حاولت المنظمة الدولية والولايات المتحدة الأميركية فرضها على مصر بعد عدوان يونيو 1967، والتى واجهتها مصر بإعلانها التمسك بالقومية العربية، والإصرار على إعادة بناء القوات المسلحة المصرية، وتقوية فصائلها وتطوير إمكانياتها لتحرير الأراضى العربية المحتلة.





وجاءت ردود الرئيس جمال عبد الناصر على نتائج الاتصالات الدولية التى أجريت فى ذلك الوقت قاطعة، مؤكداً على أنه لا يمكن التنازل عن أى شبر من الأراضى العربية وأنه لا تفاوض، ولا صلح، ولا اعتراف بإسرائيل كما أقره مؤتمر القمة العربى الذى عُقد فى أغسطس عام 1967 فى الخرطوم. والإصرار على الانسحاب الإسرائيلى الشامل والكامل من الأراضى المحتلة عقب عدوان 1967، واعتبار أن مادون ذلك يعد تفريطاً فى الأراضى العربية.





وفى معرض حديث الرئيس عبد الناصر عن الموقف السياسى والعسكرى فى ضوء زيارة وزير الخارجية محمود رياض لنيويورك، ومقابلته مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة «جونار يارنج» ومع «دين راسك» وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية بشأن المذكرة التى قدمها وزير الخارجية الإسرائيلى «أبا إيبان» عن وجهة نظر إسرائيل تجاه قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر فى 22 نوفمبر 1967، والتى مثلت أول مشروع تسوية تفصيلى تطرحه تل أبيب يتلخص فى النقاط التالية: ـ إقامة سلام عادل وشامل. ـ وجود حدود آمنة ومعترف بها، حيث ترغب تل أبيب فى السعى وراء اتفاق مع الجمهورية العربية المتحدة على حدود دائمة ضمن سلام نهائى.





ـ حرية الملاحة فى المياه الدولية.





ـ إنهاء المزاعم الخاصة بحالات الحرب.





ـ البدء فى عملية صنع السلام.





وهنا يبدأ تعليق الرئيس جمال عبد الناصر على مشروع التسوية ـ السابق ـ والذى تتقدم به إسرائيل إلى الأمم المتحدة قائلاً: « الرد بتاعنا كان الحقيقة ماحبيناش أيضاً إن احنا ندخل فى مناقشات، لأن ده بيتلافى كليةً عملية الانسحاب.. وعملية الجلاء.. وعملية خمسة يونيو، وبيركز على عملية اتفاقات وتعاقدات.. العملية اللى طبعاً فى مؤتمر الخرطوم احنا رفضناها، وهُم يعرفوا إن احنا رفضناها. كان كل كلامنا برضه.. ملخص الرد.. إن موقف الجمهورية العربية المتحدة، إزاء التسوية السلمية التى أقرها مجلس الأمن فى 22 نوفمبر 1967، هو موقف معروف وسبق أننى أعلنته فى خطابى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 أكتوبر وأعود ألخصه فيما يلى: 1ـ إن الجمهورية العربية المتحدة تقبل قرار مجلس الأمن الصادر فى 22 نوفمبر 1967.





2ـ إن الجمهورية العربية المتحدة على استعداد لتنفيذ التزاماتها الناشئة عن هذا القرار.





3ـ نرى أن يقوموا بوضع برنامج زمنى لتنفيذ كافة بنود القرار.





4ـ إننا نرى أن يكون تنفيذ القرار تحت إشراف وضمان مجلس الأمن».





موضحاً ان عدوان إسرائيل على ثلاث دول عربية وعن موقفها الرافض لقرار مجلس الأمن ما زال قائماً حتى الآن، وإن الجمهورية العربية المتحدة تعتبر استمرار احتلال القوات الإسرائيلية للأراضى العربية هو عدوان متواصل على سيادة وسلامة أراضى ثلاث دول أعضاء فى الأمم المتحدة. ويشكل موقفاً ينطوى على أخطر الاحتمالات بالنسبة للسلام والأمن فى الشرق الأوسط. واستمراراً فى تعليقه على مشروع التسوية الذى طرحه «أبا إيبان» ـ وزير خارجية إسرائيل ـ حول مضمون السلام الذى تريده تل أبيب يقول الرئيس جمال عبد الناصر: «الحقيقة مطلوب منا حسب كلام «إبا إيبان» وحسب التصريحات المعلنة ـ وأكثر منها التصريحات غير المعلنة اللى بتتقال فى إسرائيل ـ انهم بيطلبوا منا استسلاماً كاملاً. فى الحقيقة احنا ملتزمين على أساس اننا لا يمكن أن ننهى حالة الحرب طالما هناك شبر من الأراضى العربية محتل من إسرائيل، وحتى لو تعهدنا أمام مجلس الأمن بإنهاء حالة الحرب فإن إنهاء حالة الحرب سيكون معلقاً بالجلاء الكامل، أو بالانسحاب الكامل الإسرائيلى من كافة الأراضى العربية بما فى ذلك القدس.. طبعاً هذا الكلام تعرفه إسرائيل لأن احنا قلناه ليارنج». كما استطرد قائلاً: «إننا لا يمكن أن نتنازل عن أى شبر من الأراضى العربية، والانسحاب الإسرائيلى معناه الانسحاب إلى الخطوط اللى كانت موجوده فيها قبل 5 يونيو 1967، وإن احنا لا يمكن أن نقبل التفاوض أو ان احنا نقعد مباشرة مع إسرائيل».