جيل الوسط فى الحركة الوطنية المصرية وبناء جسور للمستقبل
[أمين اسكندر]

قصة طليعة الاشتراكيين .. التنظيم السرى لعبد الناصر


إجيل الوسط في الحركة الوطنية المصرية وبناء جسور للمستقبل

 

 أمــين اســكندر

 

ن جدل الهدم والبناء يتم في ساحة العمل السياسي المصري الشرعي وغير الشرعي في صمت أحياناً ، وفي معظم الأحيان وسط أصوات الصراع والمعارك الحزبية والقانونية ، ومن أجل معرفة ما يدور الآن وسط الحركة الوطنية المصرية ، وبالذات عن جيل وسط تلك الحركة المنوط به عملية الهدم والبناء تلك لابد من الحديث أولاً عن هذا الجيل في كل من التيارات السياسية والفكرية الرئيسية في المجتمع المصري والعربي ‏ : التيار القومي والتيار الإسلامي والتيار الماركسي ، مع التنويه إلى أن هناك محاولات قد بدأت في التيار الليبرالي إلا أنها لم تنضج بعد لتناوُلها بالحديث .

 

  • جيل الوسط ‏ :

تفتّح وعي هذا الجيل وسط هزيمة 1967 وما لحق من جرائها من هزيمة للحُلم العربي في الوحدة ، وانكسار لمشروع النهضة العربية ، والكشف عن الثغرات والثقوب فيما تم إنجازه من ثورة يوليو عام 1952 ، تلك كانت البداية . ومن بعدها بدأ البحث عن الطريق ، البعض اعتقد أن سبب الهزيمة هو البُعد عن الإسلام والسنن الإلهية ، والبعض اعتقد أن الطريق الاشتراكي لم يكن علمياً بالمفهوم الماركسي ، والبعض اعتقد أن الطريق لم يكن قومياً نقياً ، متخلصاً من شبهات الإقليمية وأجهزة الدولة ، مع العلم أن التيارات الثلاثة تلك كانت ممثّلة في إطار تنظيمي واحد هو (الاتحاد الاشتراكي العربي) ، و(منظمة الشباب) ؛ لذلك لم يكن غريباً أن يتبين لنا بعد ذلك ومن خلال رصد القضايا التي حدثت في السبعينات حتى التسعينات من هذا القرن أن معظم مَن شاركوا في الفعل السياسي والتنظيمي والنقابي كانوا معاً في (منظمة الشباب) ، وفي تقديري أن ذلك قد أثّر فيهم دون أن ينتبهوا لذلك ، بالإضافة إلى ذلك فقد كانت هناك حركات سياسية غير شرعية ومطارَدة من قِبَل السلطة في مصر مثل حركة (الإخوان المسلمون) والتنظيمات الشيوعية ؛ لذلك كان من الطبيعي في ظل أجواء الهزيمة أن يبحث الشباب عن قنوات رافضة لما حدث ، وقادرة على تقديم تبرير نظري لذلك .

لكن هذا الجيل اصطدم بحقيقة أخرى على مستوى مصداقية تلك التيارات اصطدم في حركة (الإخوان) بتاريخ الفشل في مواجهة السلطات ، وبتاريخ الصدام الدموي بينهما ؛ لذلك ظن البعض منهم أن التشدد وحمْل السلاح هو الطريق الوحيد للخلاص ، وبالذات عندما يكون هناك داخل حركة الإخوان تنظيم داخلي للعنف ، أما الماركسيون الجدد فقد واجهتهم أزمة حل (الحزب الشيوعي) والانضمام للتنظيم الطليعي والاتحاد الاشتراكي العربي ؛ لذلك كان عليهم واجب البحث عن أُطُر جديدة ورموز جديدة ، وشاءت الأقدار أن تكون بعض الرموز هي التي رفضت الحل ، وهنا تنوعت السبل ، فالبعض منهم تمسك برؤية أكثر جذرية في الفعل الطبقي ‏(حزب العمال‏) ، والبعض منهم تمسك بمبدأ وحدة الحركة الشيوعية ‏(8 يناير‏) وآخرون فضّلوا الحزب الشيوعي المصري الذي كان معترَفاً به في الأممية الدولية التابعة للاتحاد السوفييتي السابق .

أما الناصريون الجدد فقد عانوا أولاً من عدم وجود آباء لهم بالمفهوم العقائدي والتنظيمي ، حيث كان الناصريون رجال الدولة ورجال العمل السياسي في الاتحاد الاشتراكي العربي ، ؛ ولذلك كان من الطبَعي أن يُستخدم تعبير (الناصرية) و(الناصريون) لأول مرة بعد وفاة عبد الناصر ، ومن قِبَل منظمة الشباب في الكتاب الصادر عنها ‏(عبد الناصر . . الفكر والطريق‏) ، بالإضافة إلى إضافة (الناصرية) لاسم المنظمة ، حيث أصبحت (منظمة الشباب الاشتراكي العربي الناصري) .

ومن عام 1970 حتى عام 1980 استطاعت الحركة الناصرية الجديدة أن تدير معاركها بنجاح في الواقع من أجل إخراج الناصرية من أُطر وقنوات السلطة ووضْعها في الشارع كرافد وتيار سياسي معارض ، له وزنه ، وله أفكاره ومعتقداته ، لكن بعد عام 1980 خرج بعض من رموز الدولة الناصرية من السجن ، وهنا حدث الصدام بين الناصريين الجدد والحرس القديم من رجال الدولة ، حيث تبين أن هناك رؤيتين وحساسيتين في فهم الناصرية والعمل السياسي والاجتماعي وفي الحلم وقضايا التغيير .

نستطيع من خلال تلك النبذات القصيرة جداً ، والحاكية لبزوغ ذلك الجيل الوسطى للحركة الوطنية المصرية أن نرصد بوضوح تشابهاً في المنشأ والتأسيس ، وتشابهاً في الظروف الحاضنة والبيئة المحيطة لفعلهم النضالي ، كما نستطيع أيضاً أن نرصد قاسماً مشتركاً هو الصدام مع المفاهيم القديمة والتاريخ القديم والفعل القديم ، وقد تضافر مع بيئة التنشئة تلك بيئة جديدة على مستوى العالم وعلى مستوى الحضارة وعلى المستوى القومي والمحلي .

 

  • البيئة الحضارية والدولية والقومية والمحلية ‏ :

تبلورت حضارة جديدة (حضارة الموجة الثالثة) أو (ما بعد الصناعة) ، وأحدثت ثورة في وسائل الاتصال على مستوى العالم كله بالإضافة إلى انفجار ثورة المعلومات ، وتأثيرها في حق المعرفة والتطور ، وركزت هذه الثورة الجديدة على فردية الإنسان كمشارك في العملية الإنتاجية وعلى نسبية الحقيقة مهما كان نوعها .

وقد أثر ذلك في طريقة التفكير لدى الإنسان ، وفي طريقة النظر إلى المشكلات ، كما أنها قد فتحت ثغرات واسعة في الأنساق الأيديولوجية السائدة والمغلقة ؛ لذا فقد تأثرت التيارات السياسية كافة وبالذات جيل وسط الحركة الوطنية المصرية بتلك المتغيرات الحضارية ، وكان من الطبيعي أن تعمل بعض تلك الفاعليات في جميع اتجاهات هذا الجيل بمجالات عمل حديثة في داخل منظومة الثورة الحديثة تلك مثل الحاسب الآلي وشبكة الاتصالات الدولية (الإنترنت) والهندسة الوراثية والإعلام المرئي والمقروء ، ولم يكن ذلك هو المتغير الوحيد الذي ساهم في تثبيت نسبية الحقائق الإنسانية عند جمهور واسع من تلك التيارات ، إنما قد واكب بلورة تلك الثورة الانهيار الهائل الذي أصاب الاتحاد السوفييتي ثاني أكبر قوة في العالم بعد الولايات المتحدة ، ومن بعده انهيار المنظومة الشيوعية وحلف وارسو ، وقد تسبب ذلك في مراجعة فكرية شاملة على كل الأصعدة لدى كل التيارات السياسية الفاعلة وعلى وجه الخصوص الحساسية الجديدة ‏(جيل وسط الحركة السياسية‏) ذلك الجيل الذي عاش الحلم القومي وهزيمته والثنائية القطبية ومن ثم انفراد الولايات المتحدة بقمة العالم مؤقتاً وعاش الحلم الاشتراكي ومن بعده الانتصار الليبرالي الكبير ، وقد أثرت كل تلك المتغيرات في بنية الأفكار والمعتقدات في الحركة الشيوعية المصرية وبالذات جيل الوسط فيها ، الذي اكتشف وجود ثغرات كبيرة جداً في نسق الأفكار الماركسية وفي طريقة بناء الاشتراكية وفي العلاقة بين الاشتراكية والديمقراطية والاشتراكية والقومية وطريقة نظام الحكم وديكتاتورية الطبقة العاملة . . الخ .

وقد تواكب مع ذلك على مستوى البيئة القومية أزمة مستحكمة متعددة الأبعاد أمسكت بخناق الأمة ، جاءت نتيجة تفريط في الإرادة القومية ، حيث تصاعد التدخل الأجنبي المباشر في بعض الأراضي العربية وفرض الحصار الاقتصادي على بعض الشعوب العربية ، وتجسد الوجود العسكري الأجنبي في بعض البلدان العربية على الرغم من الموارد الضخمة الكامنة في الوطن العربي ، إلا أنها تعاني من مشكلات التخلف الاقتصادي وضعف التنمية والتبعية وتعاني بعض الأنظمة من فقدان شرعية تمثيلها لمواطنيها ، كما يعاني المواطن العربي من عدم الاعتراف بصوته الانتخابي في اختيار مَن يمثله ، هذا بالإضافة إلى عدم احترام حقوق الإنسان وإهدار آدميته .

واقع عربي مأزوم بشدة ومواطن عربي مأزوم هو الآخر ، وفعل سياسي تعبير عن تلك الحالة ، لذلك كان طبيعياً أن تشعر تلك الحساسية الجديدة في بدء مشوارها النضالي بجسامة المسئولية التي تستوجب شجاعة الرجل وتضحيات الشهادة وإيمائية الفكرة عند كل من التيارات الثلاثة ، لكن وبعد مرور قليل من الزمن اكتشف الجميع هم بالذات الذين ينظرون إلى المستقبل أن المهام جسام تحتاج إلى الشجاعة وتحتاج إلى الجماعية وتحتاج إلى النسبية ، فلم يعد صالحاً في عالم اليوم أن يتم الحديث عن طريق وحيد لحل المشكل ، فالمشكل ضخم والجهود متفرقة والحلول متعددة على الرغم من خلاف المناهج ، ولعل ذلك هو نفسه ما جعل المستقبل عند هؤلاء يتغلب على الواقع وعلى الماضي ومخلفاته وموروثاته وثأراته بين القوى السياسية الفاعلة .

وبالذات عندما تضافر مع ذلك محلياً قمع مكثف وقوانين مقيدة للحريات وتصفيات جسدية ومواجهات دموية بين السلطات وبعض التيارات السياسية المعارضة ، جعلت البعض منهم وبالذات جيل وسط الحركة الوطنية يراجع التفكير في نتائج تلك اللعبة الصفرية المدمرة في عالم اتّشح بالديمقراطية كأسلوب للوصول إلى السلطة والتغير من أسفل ، وبعدما أكدت كل التجارب غير الديمقراطية فشل محصلتها والانقلاب عليها وبعدما عاش الجميع ثورة التقنية في حياتهم المعاشة وتأثير ذلك في تفكيرهم ونموذج حياتهم ، ولم يكن غريباً على هذه المدرسة الجديدة أن تكون هي سواعد الحركات السياسية الثلاث في الواقع ، فالجيل السبعيني الماركسي هو الذي أسس التيار اليساري الجديد بعد حل الحزب الشيوعي ، وبعد أن عانت الحركة الشيوعية حالة من التمزق وعدم المصداقية وذلك عبر نضاله وسط الجامعة ووسط الجماهير وتبنيه لقضايا المواطنين ونفس الجيل في الحركة الإسلامية هو الذي أسس معظم جماعات العنف ، وهو الذي سيطر على النقابات المهنية في مصر ، أما جيل الحركة الناصرية الجديدة فهو الذي أسس الناصرية كمشروع وناضل من أجل أن تأخذ موضعها المناسب لها في وسط المعارضة وهو الذي ناضل من أجل حزب سياسي لها وهو الذي ساهم في نقد الممارسة الناصرية في الدولة .

هكذا ساهمت تلك البيئة الحضارية والدولية والقومية والمحلية في تشكيل ملامح مشتركة لجيل وسط الحركة الوطنية المصرية آخذين في الحسبان أن المقصود بالجيل ليس عمراً فقط ، وإنما طريقة تفكير وسلوك نضالي وجماهيري ممكن يحتمل في داخله أفراداً من الجيل السابق .

وقد ترتب على ذلك التفاعل بين روافد الطليعة تلك وبين تلك البيئة الحاضنة إحساس مشترك بالأزمة الشاملة التي احتوت الجميع ، أزمة في الخطاب السياسي ، وأزمة حياة حزبية وسياسية ، وأزمة فعل تنظيمي .

‏(1‏) أزمة الخطاب السياسي ‏ :

بعدما غمرت الثورة العالم ، وشعر الكثير بتأثير ذلك في المفاهيم والبشر والسلع ، بالإضافة إلى المتغيرات التي أصابت العالم بدءاً بسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي وحل حلف أرسو ، وسقوط دول دكتاتورية البروليتاريا والحزب الواحد إلى هيمنة القطب الواحد وانتصار الليبرالية كل ذلك أثر في التيارات السياسية كافة في العالم وبالذات في العالم الثالث ، حيث شعر الجميع بالمآسي المركبة والناتجة من تدخل الاستعمار وتخلف الظرف الذاتي ، وعجز إرادة الفعل ، أما في وطننا العربي فقد شعرت الطليعة السياسية بمختلف اتجاهاتها الفكرية والسياسية بأزمة شديدة جاءت نتيجة تفاعل تلك المتغيرات على المستوى الحضاري والدولي مع هزيمة عربية شديدة ومعقدة حدثتا نتيجة لعوامل كثيرة متداخلة كان منها الرئيسي والثانوي بدءاً من كامب ديفيد وحقبة النفط ومسارات التسوية السائدة والحصارات المتعددة على بعض الأقطار العربية وحرب الخليج الثانية وحالة التبعية التي تبدأ بالقواعد العسكرية ولا تنتهي عند احتلال الأرض العربية ، إذن نحن أمام مشروعات فكرية وسياسية وخطابات متعددة لقوى عديدة سادت العالم وسادت عالمنا العربي ، بعضها تحلل وتفكك ، وبعضها أصابه العطب ، وبعضها تصور زيفاً أنه حقق انتصاراً ، وكان أثر ذلك على وجه الخصوص عند جيل الوسط في الحركة الوطنية ، ذلك الجيل الذي احتك ومارس في الواقع الحياتي اليومي وعاش بكل عقله وعواطفه تلك المتغيرات وهذه الهزيمة ، إننا نعيش بقايا أفكار وعقائد وتنظيمات لم تعد صالحة لدخول المستقبل ، ولابد من التطوير حتى يتم ملاحقة العصر ، ولقد تبين من ذلك أن هناك أزمة في الخطاب السياسي تجسدت عند الإسلاميين وتفاقمت عند جيل الوسط منهم ، بدت واضحة في عمومية الخطاب ، ويقينيته وشموليته وعدم اعترافه بالآخر .

أما عند الماركسيين ، فلقد كان الخطاب السياسي أشد أزمة ، حيث سقط النموذج المجسّد لمشروعاتهم السياسية عند سقوط الاتحاد السوفييتي ، وسقط المشروع السياسي عند بزوغ الثورة الثالثة ، فها هي شعوب أوروبا الشرقية وشعوب الاتحاد السوفييتي تعود إلى الإيمان بعد إلحاد ممنهج وتعليمي ، وها هو النموذج الرأسمالي يحقق انتصارات واسعة لدرجة أن قوانين السوق تفرض نفسها على الاقتصاد الاشتراكي في الصين ، وها هو العامل يختلف بشكل واسع عن العامل في مفهوم ماركس ويصبح عاملاً فنياً ذا قدرة تقنية عالية ، وها هي ثورة المعلومات تكتسح العالم ، وتصبح هي أساس وجوهر العملية الإنتاجية ، وعند ذلك نجد أنفسنا أمام عملية إنتاجية تعتمد على مصدر متجدد دائماً ، عكس العملية الإنتاجية في الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية ؛ لذا كان من الطبيعي أن يبدو الخطاب السياسي عند جيل السبعينيين مأزوماً ويحتاج إلى تطوير .

أما القوميون الناصريون فقد عانوا هم أيضاً من تأثير ما حدث في العالم في خطابهم ، حيث لم يعد خطاب الاشتراكية والوحدة الذي رُفع في الخمسينات والستينات صالحاً ، ولم تعد الوحدة في الفعل بسيطة بساطة الحلم ، كما لم يعد المشروع القومي متصادماً مع الإسلام الحضاري كما كان في النضال ضد الحكم العثماني وبداية المشروع القومي .

وقد تواكب مع ذلك أزمة الفعل السياسي في الواقع المحلي والحياة السياسية بشكل عام .

‏(2‏) أزمة الحياة السياسية ‏ :

تجسدت تلك الأزمة في عدم مواكبة القوانين المؤطّرة للفعل السياسي لما حدث من تطورات على مستوى العالم وعلى المستوى الطبقي والاجتماعي داخل مصر نفسها ، حيث تم تقييد الحياة السياسية المصرية بسلسلة من القوانين بدءاً بالدستور وانتهاءاً بما اصطُلح على تسميته (القوانين سيئة السمعة) من قوانين طوارئ وصحافة وإرهاب ومُدّعٍ عام اشتراكي وأحزاب وجمعيات . . الخ ، وقد أصاب ذلك الحياة السياسية بعطب شديد أشعر الكثير من الفاعليات بعدم الجدوى والفائدة في العمل السياسي بغرض التغيير السلمي وتداول السلطة ، وكان ذلك واضحاً بشكل كبير عند جيل وسط الحركة الوطنية الذي عانى بشكل مكثف من تلك القوانين وذلك الإطار الدستوري المُعيق ، حيث كان هو العمود الفقري للحركة السياسية في الأحزاب والنقابات والجمعيات والمنظمات الأهلية ، فهو العصب المحرك ووقود الفعل في نفس الوقت ، وقد تواكب مع ذلك أن قادة أحزاب المعارضة الرسمية وغير الرسمية كانوا من أبناء مدرسة الحرب العالمية الثانية ، وتلاميذ حساسية تلك المرحلة من ثنائية قطبية وحركة تحرر وعدم انحياز واشتراكية . . الخ ؛ لذلك كان طبَعياً أن يقفوا حجر عثرة في تطوير الحياة السياسية فكرياً وسياسياً وثقافياً وديمقراطياً ، فيكفي للعلم أن أصغر قادة أحزاب المعارضة يبلغ عمره ‏(75 عاماً‏) ، وأنه منذ أن بدأت الحياة الحزبية الجديدة في مصر أي منذ ما يقرب من ربع قرن تقريباً لم يتغير رئيس حزب واحد .

كما أن النظريات التنظيمية السائدة داخل تلك الأحزاب لم تعد صالحة للتفاعل مع طبيعة عالم اليوم ولا طبيعة الجماهير ؛ لذلك ضاقت الأُطُر السياسية عن استيعاب فعل الجماهير الاجتماعي والسياسي ، وكذلك ضاقت عن التفاعل الخلاق والمشاركة الجدية في صناعة القرار ، وهكذا أصبحت الأحزاب الرسمية مجرد مكان للجلوس وغرف للأمين العام وبعض أتباعه ، والمفروض أن تكون تلك المقار أماكن تفاعُل مع مشاكل المواطنين ومراكز خدمة لهم ، لكن كيف يحدث ذلك وما زال العمل السياسي لديهم يمارَس من خلال منظور ضيق للسياسةيفهمها على أنها ألاعيب دبلوماسية تعبر عن الحنكة أو عمل نقابي يُعمل من أجل تقديم بعض الخدمات والنظر لإشكالية التنظيم على أنها مجرد تقنيات يجعل من قضية التنظيم مجرد أداة منفصلة عن الهدف والغاية ، ويعرض الحزب للانفصال عن القيم السائدة داخل المجتمع ؛ لذلك كان من الطبيعي أن تعاني الحركة التنظيمية ‏(أحزاب شرعية وغير شرعية‏) سواء في تقسيم العمل ، وانعدام المبادرة ، وضآلة حجم الحِرَاك الداخلي ، وعدم وضوح في دور الأعضاء القاعدين ومن ثم ضيق الفعل الجماهيري . . الخ ، ومن جراء ذلك كان الأثر الواقع على جيل الوسط في الحركة الوطنية كبيراً ، وبخاصة وهم الناظرون للمستقبل والمتفاعلون مع العصر بمتغيراته ، هنا كان لابد من التمرد ، وإعلان رفض السلطة الأبوية لقادة الأحزاب والحركات السياسية والتأمل النقدي لمسيرة الأفكار والتاريخ النضالي .

وكانت الدروس المستخلصة من تلك الرؤية التقويمية متركزة في أربعة دروس رئيسية هي ‏ :

‏(1‏) عجز الخطاب السياسي الحالي عن التفاعل مع العصر ومتغيراته .

‏(2‏) عجز الأطر السياسية القائمة علنية وسرية عن تلبية احتىاجات الجماهير والتفاعل معها والتفاعل مع العصر وتقنياته .

‏(3‏) عدم تحمل مسئولية ما حدث في الماضي من صراعات بين التيارات السياسية الفكرية .

حيث لم تكن من مسئولية جيل وسط الحركة الوطنية ولا يمكن أن تلزمه بشيء وبالذات وهو مهموم بحجم الكارثة التي تحيق بالوطن والتي لا يصلح معها تكامل الأدوار ، وتعدد الفعل ، ولعل هذا أيضاً يكون متمشياً مع العصر الجديد .

‏(4‏) الإيمان الكامل غير المنقوص بالديمقراطية على المستويات والمراحل كافة ، والإيمان بأنها الطريق الأمثل والأصوب للتغيير ولغرس القيم الإيجابية عند الشعب ، ولن يتأتى ذلك إلا عبر نضالات متعددة ، تبدأ من داخل الحركات السياسية والفكرية نفسها ، ولا تنتهي عند السلوك المجسد لها ، إنما تمتد لتشمل مناحي الحياة المختلفة؛ لذلك فمن الواجب الضروري بناء جسور الثقة بين تلك التيارات الجديدة الممثلة لجيل وسط الحركة الوطنية المصرية .

  • بناء الجسور ‏ :

بدأت استراتيجية بناء الجسور بين جيل وسط الحركة الوطنية المصرية ، بعد ما تبين لدى جميع أطرافه الناصري والإسلامي واليساري عدم إمكانية التواصل والتفاعل مع المدرسة القديمة المهيمنة على الحركة السياسية الرسمية وغير الرسمية ‏(جيل الحرب العالمية الثانية بما تعنيه من مفاهيم وموازين وأفعال‏) ، وذلك بعد أن استغرقت تلك المحاولات طوال فترة السبعينات والثمانينات ، وحيث تأكد لدى تلك الأطراف السبعينية عدم الجدوى من ذلك التواصل الذي أدى إلى استنزاف للطاقات ، والغوص في مستنقع الخلافات .

بعد ذلك الحسم بدأ حوار بين كل من المهندس أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي (حزب الوسط) آنذاك ، وهو حزب ينطلق من الإيمان بالمشروع الحضاري العربي الإسلامي مع إيمانه بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحق المواطنة ، وقد مثّل هذا الاتجاه في الحوار ‏(أبو العلا ماضي ود .رفيق حبيب ود .محمد عبد اللطيف‏) ، أما المعبرون عن اليسار السبعيني فقد مثّلهم كل من المهندس أحمد بهاء الدين شعبان وفريد زهران ومجدي عبد الحميد وأحمد عبد الرحمن ، وكلهم من القيادات الطلابية البارزة في السبعينات ومن القيادات الفاعلة في واقع اليوم ، وعن الناصريين الجدد كان هناك حمدين صباحي ‏(من أبرز وجوه العمل الوطني والناصري في مصر‏) وأمين إسكندر ‏(كاتب هذه السطور‏) ، وانتظم الحوار عبر محورين ‏ : محور فكري سياسي ، ومحور حركة ، عبرت عنه نشرة (الحوار) ، والذي شارك في عددها الأول المعنون حول ‏ : لماذا الحوار ؟ وما هي أجندة الحوار ؟ كل من د .محمد نعمان وأبي العلا ماضي وجمال عبد الفتاح ومجدي عبد الحميد وهشام جعفر وشوقي عقل وفريد زهران وأحمد بهاء الدين شعبان وأمين إسكندر .

ولعل ما قاله بعض المتحاورين يعطينا دلالة واضحة عن الغرض من تعريف الجيل والهموم المشتركة من خلال الكلمات المختصرة الآتية ‏ :

  • أحمد بهاء ‏ : (شيئاً جديداً يتكوّن من كافة القوى السياسية من بين أبناء جيلنا ، ذلك أن جيلنا آن له أن يحتل مكانه في بلادنا ، هناك حرب أهلية فكرية بين التيارات الفكرية في الجيل السابق ، أما جيلنا فلم يكن بينه وبين بعضه البعض هذه الصراعات ، وخبرتنا كلها كانت في مواجهة السلطة ، نحن أبناء جيل متقارب ، وعلى أعتاب عصر جديد ، وهذا ليس معناه أنه لا توجد خلافات) .
  • أمين إسكندر ‏ : (الحوار ليس بسبب أننا خارجون من تجارب فاشلة ، ما يحدث في العالم جعلنا في مخاض بالإضافة إلى أزمة خانقة للحكومة والمعارضة على حد سواء ، لا يوجد خطاب سياسي يجيب على التساؤلات المطروحة ، خبراتنا في حاجة إلى تجديد ، علاقتنا بالجماهير محتاجة إلى فهم أكثر عمقاً ، الحوار لا ينبغي أن يصل إلى (طبعة واحدة) ، وإنما المطلوب أن نكون قادرين على فهم بعضنا البعض ، نحن في لحظة مخاض ودليلي على ذلك ثلاثة مشاهد ‏ : (حزب الوسط) ، وهم ناس غير مسئولين عن ماضي الإخوان ، ولهم تجربتهم المختلفة واحتكاكهم مع الواقع ، وأحداث الحزب الناصري والتي نتج عنها استبعاد الشباب الناصري والممثلين للناصرية الجديدة ، واحتفالية جيل السبعينات المعبرة عن الشباب اليساري التقدمي) .
  • أبو العلا ماضي ‏ : (هناك نضج ملحوظ لأبناء جيلنا في الفترة الأخيرة ، وأنا عن نفسي أصبحت أعتقد أن كل القوى من حقها ومن واجبها أن تكون موجودة ؛ لأن الهموم لا قِبَلَ لأحد وحده بها . الأفكار تصل بشكل غير مباشر ؛ ومن ثم فالتعارف والتفهم محدود ، هناك أخطار خارجية تحتّم الحوار والتكاتف ، وهناك غياب واضح للمشروع القومي ، بالإضافة إلى أن التنوع الثقافي يدفع الحوار ويقويه ، وأخيراً علينا أن نسأل لماذا نتوارث عداوات الماضي ؟) .
  • حمدين صباحي ‏ : (نحن في حاجة للحوار من أجل خلق حركة سياسية في الشارع ، قيمتنا تبدأ من العلاقة بالناس ، التغيير لن يأتي إلا من الجماهير ، وهذا في حاجة إلى كتلة تاريخية ممكن أن تُبنى من خلال المدارس الفكرية المختلفة بدون حزب واحد . وبدون تماهٍ ، ومطلوب إعادة فرز داخل كل تيار على هذه الأسس ، هناك ضرورة لتشكل قيادة جديدة للعمل الوطني بعيداً عن فكرة أننا لم نأخذ نصيبنا) .

تلك هي بعض الفقرات المذكورة في نشرة (الحوار) بالعدد الأول ، والتي جاءت على لسان بعض المتحاورين ، ودلت على وضوح في الهدف ورغبة صادقة في تحقيقه ؛ لذا كان طبيعياً أن تتجسد تلك المفاهيم في أدوات وقنوات للعمل المشترك المعبر عن تلك المدرسة وذلك الجيل دون تمثيل عددي ، وإنما كانت الأولوية للقضية والإيمان بالحركة من أجلها .

وكان من أهم تلك الحركات المشتركة ‏ :

‏(1‏) الحركة الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة (إسرائيل) ‏ :

وقد بدأت قبل بلورة جسور الاتصال بين جيل وسط الحركة الوطنية المصرية ، إلا أنه قد تحكّم في رؤيتها وأعمالها نهج الوحدة والتحالف حول قضية بعينها ، (قضية مواجهة التطبيع مع العدو الصهيوني) ، وتشكلت من أهم الفاعليات السياسية والفكرية والنقابية والفنية في مصر ‏(1000عضو‏) دون التماهي مع التمثيل الحزبي والتمثيل العددي ، وقد قامت هذه الحركة بعدة نشاطات مهمة في مواجهة التطبيع والصهيونية ، ويكفي بعد ما تمت الموافقة على وثيقتها الفكرية التي أعدها المفكر فوزي منصور أن نشير إلى وجود أسماء عديدة من اتجاهات متعددة داخلها مثل ‏ : د .حامد عماد ، حلمي شعراوي ، سيد البحراوي ، صلاح حافظ ، د .فوزي منصور ، د .سمير أمين ، حمدين صباحي ، كمال أبو عيطة ، مجدي المعصراوي ، محمد سامي ، حسام عيسى ، محمد عودة ، جمال فهمي ، عبد الله السناوي ، محمد عبد القدوس ، أبو العلا ماضي ، مأمون الهضيبي ، عبد الغفار شكر . . الخ .

وقد ساهمت هذه الحركة بشكل واسع في مقاومة التطبيع والهيمنةفي مناسبات عديدة ، كان على رأسها مواجهة (إسرائيل) في المعرض الصناعي بالقاهرة ، حيث تم القبض على ما يقرب من أربعين عضواً من أعضائها من جراء التظاهر أمام جناح (إسرائيل) ، كما كان لها دور بارز في مواجهة آراء (حلف كوبنهاجن) الداعي للحوار مع الإسرائيليين على صفحات الجرائد المصرية والعربية ، وقد صدر كتاب عن تلك المواجهة تحت عنوان (تحالف كوبنهاجن . . رؤية نقدية لخطاب التطبيع) ، بالإضافة إلى كثير من الندوات والمؤتمرات في فروع المحافظات المصـــرية وفي القـاهرة ، وما زالت هذه الحركة تقوم بدورها في مقاومة التطبيع بالتنسيق مع لجان أخرى لنفس الغرض ، وتعمل على نشر قوائم سوداء بأسماء المطبّعين في نشرتها المسماة (الصراع) ، والتي صدر منها أكثر من عدد حتى الآن .

‏(2‏) اللجنة القومية للدفاع عن سجناء الرأي ‏ :

وقد تشكلت من قِبَل فاعليات فكرية وسياسية وأدبية وثقافية من الحزبيين وغير الحزبيين ، وأخذت على عاتقها الوقوف إلى جانب سجناء الرأي ، مهما كانت مواقفهم وآراؤهم طالما لم يتحول الرأي إلى ممارسة للعنف ، وقد سلكت في ذلك طريق الندوات والمحاضرات وإصدار البيانات وإطلاق المبادرات وإرسال المناشدات ، وتوزيع أوسمة لكل مَن يمارس حقه بشجاعة في الرأي والتعبير ، ومن المعروف أن الرئيس الفخري لهذه اللجنة هو الكاتب الكبير نجيب محفوظ ورئيسها المباشر الصحافي محمد عبد القدوس وأمينها العام كمال أبو عيطة ، المعروف عنه أنه أكثر سجناء الرأي دافعاً من حريته الشخصية الكثير في مرات عديدة ؛ وذلك بسبب مقاومته ومعارضته للتطبيع .

‏(3‏) اللجنة الوطنية لمناصرة مستأجري الأرض الزراعية ‏ :

تلك اللجنة التي تشكلت عقب تنفيذ قانون الأرض الزراعية والمعروف باسم (قانون96) لسنة 1992 ، والذي تسبب في غضب فوّار في الريف المصري من قِبَل صغار الفلاحين ، وقد تشكلت هذه اللجنة من نشطاء سياسيين ونقابيين ومثقفين ممثلين للاتجاهات السياسية كافة من جيل وسط الحركة الوطنية المصرية ‏(حمدين صباحي ، كمال خليل ، كمال أبو عيطة ، د . محمد مورو ، د .محمد عبده ، محسن هاشم ، محمد فرج . . الخ‏) ، وعملت هذه اللجنة على توعية الفلاحين بمصيرهم بعد تطبيق هذا القانون ، كما عملت على تصعيد المواجهة بتشكيل لجان قانونية ، والتكثيف الإعلامي الكاشف لهذا القانون ، وقد نتج من جراء ذلك استشهاد ما يقرب من 30 شهيداً وشهيدة من حركة الفلاحين الغاضبة ، واعتقال ما لا يقل عن ألف فلاح نشط ، كما أصيب أكثر من 400 فلاح آخر .

وقد تم اعتقال كل من حمدين صباحي ومحمد عبده وكمال خليل ومحسن هاشم وحمدي هيكل ومحمد فياض ، ‏(وهم من رموز جيل وسط الحركة الوطنية المصرية‏) ، كما أنهم من رموز اللجنة الوطنية لمناصرة مستأجري الأرض الزراعية .

تلك هي بعض من الجسور التي بُنيت من خلال الممارسة في شارع المعارضة بين جيل ، وذلك عبْر تشكيل أُطر وطنية عامة في قضايا جبهوية ، تتحمل مساحات واسعة من الاتفاق ، ويتشكل عصب الحركة فيها من جيل وسط الحركة الوطنية مع مد جسور التاريخ عبر رموز من الأجيال التي سبقت بشرط تعلمها تجربة وسط الحركة الوطنية المصرية ، وقد ساعد ذلك كثيراً على تشييد جسور للتفاعل والتواصل القوي أثّرت في الموروث العدائي ، فخففت منه ، وساعدت على بناء قدرات متفاعلة متحاورة داخل تلك القوى ، كما أثرت في خلْق تصورات مشتركة للعمل النضالي ، ولعل ذلك هو الذي جعل جميع قُوى جيل وسط الحركة الوطنية المصرية تختار الديمقراطية طريقاً للبناء والنضال ، وذلك عن طريق الحصول على شرعية حزبية ، وشرعية إعلامية ، وشرعية حديثة عبر بناء مؤسسات المجتمع الأهلي ، من ذلك المنطلق سوف نفسر محاولة جيل وسط (الإخوان) التقدم بحزب الوسط والتقدم بشركة لإصدار جريدة ، كما أنه امتلك بعضاً من مؤسسات المجتمع الأهلي مثله مثل اليسار الجديد الذي بصدد التقدم بحزب وجريدة ، وأسس بالفعل (مركز جيل السبعينات) ، الذي يقوم بمهمة الحوار داخل صفوفهم ، والحوار مع قضايا المجتمع أيضاً ، وذلك عبر مجلة (الجسر) ، أما وسط الحركة الناصرية فقد تقدموا لامتلاك جريدة ، وبعض من مؤسسات المجتمع الأهلي وبصدد تشكيل حركة (الكرامة) .

إذن ومن خلال تفاعل تلك القوى الجديدة مع البيئة المحيطة سواء أكانت دولية أم إقليمية أم محلية استطاعت أن تنشئ جسوراً قوية بينها، كما أنها استطاعت أن تنسج قواسم مشتركة كثيرة وأحلاماً كبيرة للوطن وللديمقراطية ، هذا بالإضافة إلى امتلاك قدرة نقد التجربة الذاتية في الممارسة على مستوى الفكرة الأيديولوجيا ، وعلى مستوى التجربة التحقّق .

الخطاب قصة طليعة الاشتراكيين .. التنظيم السرى لعبدالناصر 



50 عاماً على ثورة يوليو،

قصة «طليعة الاشتراكيين» التنظيم السري لعبد الناصر (1ـ 8)،

حزب السلطة وحزب الانتهازيين


رغم مرور نحو اثنين وثلاثين عاما على وفاة عبدالناصر، فان قصة تنظيم طليعة الاشتراكيين الذي أسسه عام 1965 لايزال يلفها كثير من الغموض. اهمية طليعة الاشتراكيين ينبع من كونها التنظيم السري لعبد الناصر..


حاول فيه ان يجمع المخلصين لافكاره وتجربته حتى يكونوا حراسا على النظام، وذلك بعد ان امتلأت قنوات الاتحاد الاشتراكي العربي بالانتهازيين والمتسللين والمتسلقين والراغبين في الاقتراب من دوائر السلطة دون اقتناع فكري بما تطرحه الثورة.


لم يكتب احد قصة هذا التنظيم من قبل، وكل ما ورد عنه كان مجرد شهادات متناثرة كتبها البعض في مذكراتهم او اجابوا عن اسئلة بخصوصها ضمن حوارات صحفية.


هناك الغاز كثيرة تحيط بقصة التنظيم.. فهو على الرغم من قوته وقدرته على الحشد لم يستطع الوقوف في وجه انور السادات الذي كان يعد اضعف الحلقات ووقف يتفرج على صفوة رجال عبدالناصر وهم يتساقطون مثل اوراق خريفية امام اول مواجهة حقيقية مع السادات.


ضم تنظيم طليعة الاشتراكيين صفوة السياسيين والمثقفين المصريين اكثرهم لا يزالون على قيد الحياة وعدد منهم في مقاعد وزارية بالحكومة المصرية الحالية، ومن هنا تكتسب رواية قصة تنظيم عبدالناصر السري اهميتها، وقدرتها على اثارة الجدل.


المتابع لمسيرة الزعيم جمال عبد الناصر في التمهيد للثورة والتأسيس لها هدماً وبناءً، وقائداً للتطور والنهضة، في كافة لحظات الانتصار والنكسة، إلى أن وافته المنية، سوف يتبين من خلال القراءة العميقة للأحداث داخل ظرفها الموضوعي وبيئتها المعاشة. انه كان تلميذاً نجيباً لظرفه، وبارعاً في مواءمة الاساليب والأدوات مع الهدف المراد في مرحلة ما من النضال ومسيرته، ومن هنا نستطيع أن نطلق عليه صفة القائد الديالكتيكي المتأثر بالواقع وتضاريسه المختلفة. ولم يكن ذلك النهج الديالكتيكي في الأحداث السياسية المتلاحقة التي مرت بأمتنا وعالمنا الثالث في مصر ثورة يوليو، ولا التغيرات المتلاحقة في داخل القطر المصري على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، وانما بالإضافة إلى ذلك فقد ساد هذا النهج أيضا الاطر والادوات السياسية التنظيمية التي استهدفت حشد وتعبئة اصحاب المصلحة في الثورة حسب كل مرحلة ونهج التطور فيها وحاولت حماية امن المشروع الثوري بواسطة المؤمنين به من طلائع. ولعل استعراضنا لمسيرة التنظيمات السياسية التي واكبت الثورة منذ التفكير فيها الى وفاة قائدها، سوف نكتشف ان هناك تواؤما بين المرحلة وغاياتها وادواتها التنظيمية.


لقد كان ذلك واضحاً في تنظيم الضباط الاحرار، حيث كان الهدف هو تحرير الوطن من المستعمر، لذا كان من الطبيعي ان تكون الإدارة التنظيمية متسقة مع هذا الهدف، فجاءت تعبيراً وطنياً عاماً، وجاءت جامعة لعناصر متعددة في انتماءاتها الفكرية والسياسية، وجاءت متفقة حول مبادئ ستة عامة، كما انها قد حسمت منذ بواكير التفكير في الثورة قضيتين هامتين، اولهما انه لا امكانية للتغيير عبر الاطر والقنوات السياسية القائمة في مصر (علنية وسرية)، وثانيها ان اداة القوة المنظمة الوحيدة هي القوات المسلحة المصرية، وهي التي يجب عن طريقها احداث التغيير.


اذن نحن امام قراءة جادة وعميقة للواقع، واستكشاف واسع لادواته وأطره السياسية والتنظيمية، وتحديد دقيق للغرض والهدف، ومن ثم تحديد طريق الوصول اليه.


وبعد ان قامت الثورة، كان لابد من تحديد دقيق ايضاً للهدف، وكان طرد المحتل الانجليزي، ولما كان قادة الثورة يعرفون جيداً الاحزاب والحركات القائمة قبل الثورة، بالاضافة الى فشلهم بل وتعويقهم للخطوات الابتدائية من تطهير وعدل اجتماعي تجسد في قانون الاصلاح الزراعي، كان لابد من الاعلان عن تنظيم جديد يجمع كل المؤمنين بهدف طرد المحتل الذي فشلت في تحقيقه كل القوى السياسية القائمة على ارض مصر بمختلف اطيافها، لذا ظهرت للوجود هيئة التحرير، التي رفعت شعار كلنا هيئة التحرير. وقد بدأت محاولات تكوينها من بعض رجالات العمل السياسي والحزبي القائم قبل الثورة (علي ماهر، محمد صلاح الدين، فكري اباظة) بالاضافة الى بعض الضباط الاحرار، وكثير من الفعاليات الجماهيرية ذات العزوة العائلية، وهكذا تم تشكيل مجالس هيئة التحرير، وعين محمد نجيب رئيساً للهيئة وجمال عبد الناصر سكرتيراً لها وابراهيم الطحاوي سكرتيراً مساعداً.


وقد استطاعت هيئة التحرير ان تلعب دوراً مهماً في حشد وتعبئة الجماهير خلف ثوار يوليو في المفاوضات التي جرت مع الانجليز بشأن خروج المحتل ونهاية الاحتلال، كما لعبت دوراً مهماً في الاحداث الداخلية التي لاحقت الثورة، والناجمة عن عدم وجود تصور نظري كامل للتغيير، ويعزى لهيئة التحرير دورها البالغ الاهمية في ازمة مارس 1954، حيث نظمت اضراباً واسعاً للعمال ضد قرارات تصفية الثورة (وهذا ما اكده ابراهيم الطحاوي ـ كتاب شهود يوليو، لاحمد حمروش ص 7 وما بعدها).


ونستطيع ان نجمل ما تحقق من اغراض واهداف عبر تلك الاداة التنظيمية الفضفاضة والمتسقة مع غرض التحرير.


1. تحقيق غرض طرد المحتل الانجليزي، وذلك عبر حشد وتعبئة الجماهير وتدريب القادر منها على حمل السلاح.


2. تثبيت مكانة وقيادة جمال عبد الناصر.


3. فتح الباب على مصراعيه لدخول قيادة الثورة الى العمل اليومي وسط الجماهير، بعد ان كانت القيادة تعيش في بيئة ومناخ العمل السري.


لذا فقد كان طبيعياً ان يقيمها الزعيم عبد الناصر بانها كانت اقتراباً غير منظم من مجموعة الاماني العامة ليس لها منهاج تفصيلي تلتقي عنده جهود جماعية على اساس فكري واضح لتصدر عنه ارادة شعبية عميقة ومؤثرة.


في عام 1957، صدر قرار بحل هيئة التحرير، بعدما انتهت المهمة، وفي نفس العام تشكل الاتحاد القومي، بعد معركة السويس وفشل العدوان الثلاثي على مصر. وتم تعيين كمال الدين حسين مشرفاً عليه، وقد جاء في نصوص قانون الاتحاد القومي انه «منظمة عربية تعمل على تحقيق وحدتنا ووحدة الشعب العربي الذي جمعته اصول تاريخية وروحية واحدة، وتجمعه وحدة اللغة والعقائد والتقاليد والدم والمصالح المشتركة، وحدة هذا الشعب العربي في الوطن العربي المتحرر من كل اثر من اثار الاستعمار واعوان الاستعمار».


ورفع الاتحاد القومي شعار «الاتحاد. النظام. العمل»، وتم تحديد اهداف في البناء بعد ان تحقق الجلاء بتوقيع اتفاقية الجلاء عام 1954 ويوم 27 يوليو.


اذن بناء المجتمع الجديد كان هدفاً، وكان الحشد والتعبئة خلف عملية البناء تلك هي وظيفة الاتحاد القومي، وقد جاء بالاضافة الى ذلك الوحدة المصرية السورية والتي انتهت بالانفصال وبدأت المرحلة الجديدة بوضوح نظري اكثر عمقاً بعد معارك الواقع العديدة على مستوى المواجهة مع الاستعمار، وعلى مستوى التنمية والبناء في الداخل، لذا كان من الطبيعي ان يصدر بيان سياسي في 4 نوفمبر عام 1961، اعلن فيه الزعيم عبد الناصر عن تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر وطني يعقد للقوى الشعبية، وتكون مهمة هذه اللجنة دراسة يتم عن طريقها تجميع ممثلين ومعبرين حقيقيين عن الشعب المصري وبالانتخاب.


وبالفعل تم عقد المؤتمر في يناير عام 1962، وكانت اللجنة التحضيرية عقدت ما يقرب من 18 اجتماعا وجرت مناقشات واسعة وعميقة وصريحة وعلنية مذاعة، وانتهت الى اقتراح عدد اعضاء المؤتمر بـ 1500 عضو وتوزيع ذلك العدد على قطاعات الشعب المختلفة من عمال وفلاحين ورأسمالية وطنية ونقابات ومواطنين ومرأة .. الخ.


وقد تابع وشارك عبد الناصر في تلك المناقشات، واعلن بوضوح توجهه الاشتراكي، وربط بين الحرية والاشتراكية في تلك المناقشات قائلاً «لأن الاشتراكية نفسها معناها عملية تنظيم للمجتمع بحيث تكون هناك كفاية، ويكون هناك عدل» وان معنى الديمقراطية بالنسبة للاشتراكية قد يختلف، اما الواحد بيبص بالنسبة للاشتراكية بيجد انه عايز يحد من حريات الناس، اقصد هنا من حريات الناس في التملك، يحد من حريات الناس في اطلاق الاسعار» وماهي الاشتراكية والديمقراطية بالنسبة للفلاح؟ الاشتراكية والديمقراطية ان يجدد فرصة متكافئة في بنك التسليف او يجد التطبيق لقانون سبعة امثال الضريبة وان يستطيع تسويق محصوله بالنسبة له هذه هي الاشتراكية وهذه هي الديمقراطية، بالنسبة لمن لا يجد ما يأكله ما هي الديمقراطية والاشتراكية؟ بالنسبة له ان يأكل. بالنسبة للذي لا يجد عشاء اولاده، اذا ظللنا نقول له ثلاث ساعات حرية واشتراكية وديمقراطية، ما جدوى هذا له؟ الحرية والاشتراكية والديمقراطية انك توفر له العمل وتوفر له وجبة لأولاده، وتوفر له عملا شريفاً يستطيع ان يطمئن اليه على يومه ومستقبله.


الميثاق وفي 21 مايو عام 1962، انعقد المؤتمر الوطني للقوى الشعبية وقدم الزعيم جمال عبد الناصر مشروع الميثاق الوطني، وكان بمثابة الوثيقة النظرية ودليل العمل لمرحلة العمل الوطني القادمة، وخلال المناقشات التي جرت بشأنه في المؤتمر قال جمال عبد الناصر عنه «ان المبادئ الواردة فيه مبادئ عامة ونتيجة تطلعات الى مستقبل مملوء بالاماني ووسيلة نقل من مجتمع متخلف اجتماعياً واقتصادياً الى مجتمع متقدم اجتماعياً واقتصادياً».


اذن الهدف محدد هذه المرة بوثيقة نظرية سياسية ودليل عمل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية.


نضجت مسيرة الثورة، وكشفت العورات والسلبيات، حددت اكثر، طريق النهضة والتطور، وحددت من هم اصحاب المصلحة في ذلك بشكل اكثر فرزاً، لذا كان من الطبيعي ان يتم الحديث عن فئات معارضة بحكم مصالحها سوف يتم عزلها سياسياً، وكان من الطبيعي ان يتم الحديث عن الصراع الطبقي وكيفية ادارته حيث قال عبد الناصر «نحن في الميثاق لم نستبعد العنف. وقلنا اذا الرجعية لم تسر معنا، اذا اخذت فترة لتهاجمنا وتهاجم مجتمعنا، بندخل معها في العنف الى اقصى حد ممكن». وكان من اهم ما جاء في الميثاق ضمان 50% من مقاعد التنظيمات السياسية والشعبية للعمال والفلاحين. وبعد ان اقر الميثاق طرح عبد الناصر في جلسة 2 يوليو 1962 مشروع التنظيم السياسي الديمقراطي ـ الاتحاد الاشتراكي العربي ـ وقد جاء في الميثاق ـ الباب الخامس ـ ربط بين الديمقراطية السليمة وبين الاتحاد الاشتراكي العربي فيقول: «ان تحالف الرجعية ورأس المال المستغل يجب ان يسقط ولابد ان ينفسح المجال بعد ذلك ديمقراطياً للتفاعل الديمقراطي بين قوى الشعب العاملة وهي: الفلاحون والعمال والجنود والمثقفون والرأسمالية الوطنية. ان تحالف هذه القوى الممثلة للشعب العامل هو البديل الشرعي لتحالف الاقطاع مع رأس المال المستغل وهو القادر على احلال الديمقراطية السليمة محل الديمقراطية الرجعية.


ان الوحدة الوطنية التي يصنعها تحالف هذه القوى الممثلة للشعب هي التي تستطيع ان تقيم الاتحاد الاشتراكي العربي ليكون السلطة الممثلة للشعب والدافعة لامكانيات الثورة والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة» هكذا تكون الاتحاد الاشتراكي العربي في ظل اوضاع اجتماعية جديدة بدأت بالقوانين والاجراءات الصادرة في يوليو 1961 واغسطس 1963 ومارس 1964. وقد شملت تلك الاوضاع الجديدة: ـ الاستقلال السياسي والاقتصادي.


ـ عزل كبار ملاك الارض وكبار الرأسماليين عن السلطة السياسية والاقتصادية.


ـ وصول قوى الشعب العامل الى السلطة السياسية والاقتصادية وذلك عبر انحياز القيادة الثورية لجانب قوى الشعب العامل وتقنينها لذلك الانحياز في قوانين واجراءات دستورية وعلى رأسها شرط الخمسين في المئة على الاقل للعمال والفلاحين وانتخاب اعضاء من العمال في مجالس الادارة .. الخ.


ـ تصفية الملكية المستغلة كأساس للعلاقات الاجتماعية وتكوين قطاع عام سيطر على اهم واغلبية سائل الانتاج وتملكه قوى الشعب والى جواره قطاع خاص خاضع لتوجيه الدولة والرقابة الشعبية. ـ تسلح العمل الثوري ولأول مرة بدليل للعمل وبرؤية نظرية اقرت من قوى الشعب العامل (الميثاق) ومن هنا نستطيع ان نرصد ثلاثة عناصر هامة تميز الاتحاد الاشتراكي العربي عن كل من هيئة التحرير والاتحاد القومي اولها وجود الميثاق كرؤية وبرنامج ودليل عمل للمرحلة واختياراتها، وثانيها وجود خطة قومية شاملة للتنمية، وثالثها وجود تحديد واضح لقوى الثورة واصحاب المصلحة منها، واصحاب المصلحة في الحل الاشتراكي، وفي يناير 1963 فتحت الابواب لدخول الاتحاد الاشتراكي العربي وبلغ عدد الذين قيدوا اسماءهم ما يقرب من 5 ملايين مواطن في عشرين يوماً، وتم تشكيل امانة عامة جديدة بعد الامانة التي صدر قرار بتشكيلها من الزعيم جمال عبد الناصر في يناير 1963، اما الامانة الجديدة المشكلة فقد صدر قرار بتشكيلها في ديسمبر 1964 (4) وتولى حسين الشافعي مسئوليته كأمين للاتحاد الاشتراكي، وبدأت تظهر المشاكل المتعددة الناتجة من كبر حجم عضوية الاتحاد الاشتراكي، وعدم وجود شبكة اتصال جديدة، والاهم من ذلك دخول عناصر كثيرة غير مؤمنة بأهداف الثورة او باحثة عن دور ما ونفوذ ووجاهة اجتماعية لن تجدها الا عبر الدخول في تنظيم السلطة وشعرت القيادة السياسية بتلك المشاكل مما دفعها ان تقول في اكثر من اجتماع للأمانة العامة بين 8 ديسمبر 1961 لقد كنا دائماً نعرف الاشخاص غير الصالحين اما الاشخاص الصالحون فليس من السهل التعرف عليهم. من هم الاشتراكيون لابد ان نعمل بسرعة ولابد ان يقف الاتحاد الاشتراكي على قدميه ويعمل. وفي نفس الوقت لا مانع من ان نختار اثناء العمل العناصر الصالحة التي تظهر، وهذا يستدعي ان تكون القيادة على صلة بالجماهير في مواقع عملها وفي مواقع حركتها.


حزب الـ 6 ملايين وبدأت تنكشف امام قيادة الثورة ثغرات هذا الحشد الهائل من اعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي، والذي كان عبارة عن جسد بلا عمود فقري، كما ان هذا الجسد اصبح مليئاً بالعناصر الرجعية لعدم وجود قضايا بارزة، ولا مواقف كاشفة للانتماء القومي والاجتماعي ـ الطبقي، ومن هنا نجد جمال عبد الناصر يتحدث في اجتماع الامانة العامة للاتحاد الاشتراكي العربي «لابد من تحريك الناس ومعرفة النواحي الايجابية والسلبية فيها. والمفروض ان الكادر هو الذي يقوم بهذا، ويجب ان يوجد القياديون الصالحون في كل مكان».


وفي نفس الاجتماع يعلن عبد الناصر بوضوح «ان المشكلة هي ان العناصر المضادة موجودة داخل الاتحاد الاشتراكي، وهي عناصر حركية. ونحن ينقصنا داخل الاتحاد الاشتراكي وجود العناصر الحركية المخلصة».


ويقدم عبد الناصر الحل من وجهة نظره في الحوار الدائر باجتماع الامانة العامة للاتحاد الاشتراكي العربي «الحل هو ان يكون لدينا كادر، او حزب في داخل الاتحاد الاشتراكي، يتكون من اناس حركيين مؤمنين مخلصين، يقودون الاتحاد الاشتراكي الذي يمثل الجماهير فعلاً، وهذا لأنه لا يمكن ان نقوم بتوعية 6 ملايين شخص، او انه لا يمكن ان نعتبر الستة ملايين عضو كلهم حركيون مخلصين».


«حقيقة انه يجب ان ننشط الاتحاد الاشتراكي، ولكن يجب ان يوجد داخل الاتحاد الاشتراكي ـ الحزب الاشتراكي المرتبط، والذي يحرك بوعي الجماهير. اما الستة ملايين عضو، فاننا مهما فعلنا لا نستطيع ان نجعلهم كلهم حزباً، لأنك ستجد شخصاً منهم مؤيداً اليوم، وغداً ينقلب، لأنه لم يعين في وظيفة ما والمفروض ان الشخص المخلص والاشتراكي الحقيقي لا تؤثر عليه عمليات بهذا الشكل».


تلك كانت هي بدايات ومناخات الاعمال التطبيقي لما جاء في الميثاق ـ الباب الخامس بشأن الجهاز السياسي «ان الحاجة ماسة الى خلق جهاز جديد داخل اطار الاتحاد الاشتراكي العربي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويبلور الحوافز الثورية للجماهير ويتحسس احتياجاتها ويساعد على ايجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات» وفي ذلك يقول علي صبري في حديثه مع الكاتب الصحافي عبد الله امام تحت عنوان «على صبري يتذكر» باقرار الميثاق اصبح هناك تكامل في فكر الثورة، يمكن ان يقوم عليه حزب سياسي، فأنشأ الاتحاد الاشتراكي ورغم ان الاتحاد الاشتراكي كانت له فلسفة واضحة ومكتوبة لكنه يقام والثورة في السلطة، فلم تختبر الافراد والقيادات لمعرفة مدى صلابتهم وفكرهم المسبق.. اصبح صعباً التفرقة بين المتسللين الى الاتحاد الاشتراكي خاصة في القيادات البيروقراطية والموجودة في مواقع مؤثرة في الدولة، كيف تفرق بين المؤمن، وبين من يريد ان يستفيد فقط. لم يكن هناك «محك» مسبق، لأنه لم ينشأ التنظيم في ظل المعارضة، ولا في ظل سلطة الملك، او السفارة البريطانية لذلك كان من الصعب ان تنشأ هذا الحزب وانت في السلطة، وأنت ايضاً تحقق نجاحات تلفت الانظار ليس في مصر، بل في العالم الثالث كله.. ومن هنا جاءت الفكرة، التي نص عليها في الميثاق، وهي انشاء تنظيم «طليعة الاشتراكيين» على اساس ان كل من يريد ان ينضم للاتحاد الاشتراكي تقبل عضويته، ولكن الذي يحرك الاتحاد الاشتراكي ويقوده وهو ايضاً قلبه وعصبه، ويكون في شكل تنظيم طليعي صغير».


نشأة طليعة الاشتراكيين في يونيو 1963، ومصر تعيش وقائع ثورة اليمن ووجود القوات المسلحة المصرية في قلب الجزيرة العربية بما يعنيه ذلك من توتر دولي حاد جداً عبرت عنه حركة الرسائل المتبادلة بين جون كنيدي وجمال عبد الناصر وحركة تجميع المرتزقة من بلدان كثيرة لمواجهة القوات المصرية على ارض اليمن، وحركة النظم الرجعية بالتآمر والتنسيق مع قوى الاستعمار القديم والجديد.


وعن ذلك يقول الاستاذ محمد حسنين هيكل (ص648 في الجزء الاول من «سنوات الغليان») ولم يكن المهتمون باليمن هم اطراف الاتفاق بين «كنيدي» و«عبد الناصر» وانما كانت هناك عناصر اخرى ليست اقل قوة وقدرة من الاطراف الاصليين الذين وقعوا عليه، فقد كانت السعودية عنصراً رئيسياً لا يمكن تجاهل اهميته بحكم الجوار، وبحكم التشابك الجغرافي والانساني، وبحكم اوضاع قبلية غائرة في قرون الزمان. وكذلك كانت بريطانيا عنصراً رئيسياً بحكم وجودها العسكري في الجنوب العربي، وهو حقيقة، وبحكم استراتيجيتها في شرق السويس، وبحكم نظرتها لحركة القومية العربية، وبحكم عدائها لـ «جمال عبد الناصر» وهذه كلها ايضاً حقائق كذلك كان الاردن، وكذلك كان «قاسم» في العراق، وكذلك كانت بقايا حكم الانفصال المتهاوي والآيل للسقوط في سوريا.


ايران كان لها دور رئيسي، فقد كان الشاه يعتبر ان الشاطئ الآخر للخلية العربي وحتى مداخل البحر الاحمر منطقة امن ايراني.


تركيا وباكستان ايضاً كان لهما دور بحكم حلف بغداد.


فرنسا كانت قريبة، فهي موجودة في جيبوتي، وهي جريحة في الجزائر ـ ومن الطبيعي ان تهتم.


واسرائيل كان محققاً ان تجد لنفسها دور بحكم تفاعلات الصراع في الشرق الاوسط. وخارج اطار الدول كانت هناك عناصر مؤثرة ابرزها شركات البترول، والبنوك والمؤسسات الاقتصادية المالية ذات الصلة بالبترول وهي كثيرة وكبيرة.


بل ان قبائل اليمن الكبرى، وحتى الصغرى اصبحت من عناصر المعادلات التي لا يمكن نسيانها.


وفي صفحة 663 يكتب هيكل موضحاً خطورة جيش المرتزقة في حرب اليمن قائلاً على ساحة الحرب في اليمن ظهر عنصر جديد، لا يهمه ان يدوس على اطراف غيره، ولم يكن ظهوره مرة واحدة، وانما تدرجت عملية ظهوره خطوة بعد خطوة حتى تحول الى امر واقع شديد الخطورة وباهظ التكاليف.


كان هذا العنصر هو جيش المرتزقة الاجانب الذين جرى استئجارهم من كل عواصم اوروبا، لكي يقاتلوا ضد القوات المصرية في اليمن.


كما كانت في تلك المرحلة من عام 1963 من مارس ـ ابريل مباحثات الوحدة بين مصر وسوريا والعراق والذي سجل فيها عقد الناصر تطوراً مذهلاً في اطروحاته ومفاهيمه لبناء مجتمع الحرية والاشتراكية والوحدة بالذات بعدما تعرض بالنقد والصراحة تجاه الانفصال بين مصر وسوريا.


اما على المستوى الداخلي.. فكانت مصر في تلك الآونة تعيش تنفيذ اول خطة خمسية للاشتراكية والعدل والاجتماعي في وسط تلك البنية الدولية الاقليمية والعربية والمحلية، وبعد اسابيع من جلسات مباحثات الوحدة الثلاثية يدعو جمال عبد الناصر الى اجتماع هام ويوجه الدعوة بالحضور الى عدد صغير من الشخصيات الموثوق في ولائها للثورة وللخط الاشتراكي والمقربين في نفس الوقت من فكره واحلامه، وقد تراوح الحضور الموجه لهم الدعوة ـ حسب الشهادات والمذكرات والمؤلفات ـ من 5 الى 10 من الشخصيات (على صبري ـ محمد حسنين هيكل ـ احمد فؤاد ـ سامي شرف ـ كمال رفعت ـ عباس رضوان وأخرين) وقد جاء على لسان شعراوي جمعه (5) على صعيد الوقائع، بدأ تأسيس التنظيم الطليعي باجتماع للرئيس عبد الناصر مع مجموعة صغيرة ضمت (علي صبري، كمال رفعت، محمد حسنين هيكل، سامي شرف، عباس رضوان، احمد فؤاد) وفي هذا الاجتماع طلب عبد الناصر من الحاضرين ان يسعى كل منهم الى تكوين حلقة تنظيمية من العناصر كان ذلك في 1963 وكنت محافظا للسويس، وفوتحت في دخول التنظيم الطليعي بواسطة عباس رضوان وزير الادارة المحلية حينذاك، وكان علي ان اسعى لتجنيد آخيرين وضمهم الى التنظيم.


اما سامي شرف فيعلن في شهادته الآتي «كانت اللجنة العامة من خمسة اشخاص ولم يكن به احد من اعضاء مجلس قيادة الثورة، والوحيد منهم الذي يعرف بوجود التنظيم هو المشير عبد الحكيم عامر، كان يعرف ان هناك تنظيماً طليعياً ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضواً به» وفي جزء آخر يقول «الاجتماع الأول عقده الرئيس جمال عبد الناصر حضره علي صبري، محمد حسنين هيكل، احمد فؤاد، عباس رضوان، سامي شرف، وكان الاجتماع في الصالون الخاص بمنزل الرئيس وعرض الرئيس فكرته وشرح ما ورد في الميثاق خاصاً بتكوين هذا «الحزب» وقال: احب ان اضع امامكم عدداً من النقاط الاساسية: 1ـ تقديري الكامل لصعوبة تكوين حزب من قمة السلطة او بواسطتها وما قد يترتب على ذلك من مصاعب ومشاكل من بينها محاولات تسلل العناصر الانتهازية.


2ـ الاصرار على السرية سواء في الاتصال بالكوادر او في الاجتماعات او في تداول المناقشات التي تتم بين الاعضاء.


3ـ العمل بقدر الامكان على مراعاة الطبيعة البشرية ونوعية العناصر التي تساهم في هذا العمل على ان تنطبق على الشخص المرشح الشروط والمواصفات، وعدم مفاتحته الا بعد وضعه تحت الاختبار فترة كافية تسمح للقيادة السياسية بدراسة موقفه.


4ـ الشروط الواجب توافرها في العضو كثيرة مع الوضع في الاعتبار العوامل الانسانية والعوامل البشرية ـ منها ان المرشح لابد ان يكون مؤمناً بثورة 23 يوليو وقوانينها عن قناعة مؤمناً بالنظام الاشتراكي، وقادراً على الالتزام بالسرية او ان يكون عنصراً حركياً يستطيع ان يناقش ويقنع الجماهير ويقبل النقد ويمارس النقد الذاتي.


5ـ ان تتوافر فيه الطهارة الثورية مع الوضع في الاعتبار العنصر البشري ونسبة تطبيق هذا الشرط، كما ان يكون المرشح عنصراً مفيداً في حركة التنظيم، بمعنى ان يكون جماهيرياً، خاصة في المرحلة الاولى، فترشح العناصر التي لها القدرة على التحرك وسط الجماهير بشكل مقبول ومقنع.


هذه هي العناصر الأساسية التي وضعها الرئيس جمال عبد الناصر امام المجتمعين، وبدأت المناقشة الواسعة خلال هذه النقاط حتى اقرت بشكل عام بعد ذلك، وانتقل عبد الناصر الى سؤال.. حول اسم التنظيم، ما هو الاسم وما هو الشعار.


الاسم والشعار دارت حولهما ايضاً مناقشة، اقترح الحاضرون اكثر من اسم طرح اسم زالاشتراكيةس ثم طرح اسم «الطليعية الاشتراكية»، ثم اسم «الطليعية الناصرية» رفض عبد الناصر رفضاً باتاً مناقشة هذه التسمية، طرحت فكرة رابعة «الطلائع» دارت مناقشة طويلة ثم اتفق على تسميته باسم «طليعة الاشتراكيين» وان يكون الشعار هو: حرية، اشتراكية، وحدة.


من اقوال سامي شرف يتبين لنا ان جمال عبد الناصر قدم تصوراً كاملاً، مما يجعلنا نرجح ان يكون عبد الناصر قد استمع الى اكثر من حلقة من الافراد حتى تبلورت افكاره. ولعل هذا ما يفسر التضارب الحادث من بعض الشهادات حول مجموعة البداية، او الحلقة الأولى والتي اعتبرها عبد الناصر اللجنة العليا للتنظيم حسب شهادة سامي شرف.


أما احمد حمروش فيقول: عقد جمال عبد الناصر اجتماعاً في يونيو 1963 دعا اليه علي صبري، ومحمد حسنين هيكل، واحمد فؤاد، وحضر سامي شرف سكرتيراً للجلسة».


وقد جاء على لسان احمد فؤاد في شهادته في كتاب حمروش قصة ثورة يوليو «انه في صيف 1963 استدعاني عبد الناصر وقال انه ينوي بناء تنظيم حديدي مثل اللي كان عندكم، ويقصد بهذا التنظيمات الشيوعية، وطلب اسماء 10 مرشحين ودار الحديث في حضور حسن ابراهيم، محمد حسنين هيكل، علي صبري، سامي شرف» وهنا يظهر لنا من خلال تلك الشهادة اسم حسن ابراهيم، ولعل ذلك يؤكد ترجيحنا لفكرة ان عبد الناصر كان قد اجتمع بأكثر من فرد ومجموعة حتى يستشرف آفاق الفكرة والمشروع من خلال سماع رأي الآخرين، وتلك كانت طريقته في العمل واتخاذ القرارات.


المهم بدأ العمل بالتجنيد، حيث بدأ كل واحد يتصل بأقرب الناس اليه ويقدم ترشيحاته امام الرئيس عبد الناصر.


ترشيحات رشح علي صبري، حسب رواية احمد حمروش في كتاب قصة ثورة يوليو، كلا من عبد المنعم القيسوني وعبد العزيز واحمد توفيق البكري وعبد القادر حاتم وعبد المحسن ابو النور ومحمد فايق وعبد المجيد شديد وعبد المجيد فريد وسامي شرف ومحمد ابو نار ود. نبوي المهندس ود. ابراهيم الشربيني وحسني الحديدي اما محمد حسنين هيكل فقد رشح بعض العاملين في «الاهرام» والسيد سامي شرف رشح هو الاخر عشرة اعضاء تم عرضهم اولاً على العشرة الذين يرأسهم سامي شرف رشح هو الاخر عشرة اعضاء تم عرضهم أولاً على العشرة الذين يرأسم علي صبري قبل عرضهم على الرئيس عبد الناصر وكان من بينهم حسب شهادته السادة «محمد المصري، احمد شهيب، منير حافظ، شوقي عبد الناصر، احمد ابراهيم (امين اتحاد اشتراكي مصر الجديدة) عبد العاطي نافع، احمد كمال الحديدي (امين اتحاد اشتراكي قسم الوايلي) جمال هدايت، درويش محمد درويش (امين اتحاد اشتراكي مصر الجديدة السابق) مصطفى المستكاوي، نبيل نجم».


اما عباس رضوان فقد رشح السادة «شعراوي جمعة، حلمي السعيد، سعد زايد، الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الازهر فيما بعد وآخرين».


اما احمد فؤاد فقد اتصل بأحمد حمروش وضموا اليهما عبد المعبود الجبيلي حسب رواية حمروش في قصة ثورة 23 يوليو واعتبروا انفسهم اللجنة القيادية لفرع مزمع تشكيله انضم اليه فيما بعد ما يقرب من 250 عضوا. لكن سامي شرف يقول في شهادته مع الكاتب عبد الله امام «احمد فؤاد رشح كثيرين، لكن الرئيس ضم احمد فؤاد معنا لمجموعة عليى صبري أي انه لم يشكل مجموعة لوحده، ففي شهر اكتوبر سنة 1963 انضم الى مجموعة علي صبري» اذن نحن امام روايتين مختلفتين لحدث واحد، وقد يفيدنا تفسير ذلك ما قاله حمروش بأن اللجنة التقت في بداية تشكيل الفرع بالمشير عبد الحكيم عامر بناء على تعليمات جمال عبد الناصر» وتمت المقابلة في منزله بثكنات الجيش بالحلمية الجديدة، وكان مفروضاً ان يستمر الاتصال به، ولكن ذلك لم يتكرر بعد مقابلات محدودة» وفي جزء آخر صفحة 243 من كتاب مجتمع جمال عبد الناصر يعلن «نما فرعنا نموا سريعاً واستقطب اليه معظم العناصر الناضجة فكرياً وسياسياً في مجالات الثقافة والصحافة، كما انضم اليه عدد من الشيوعيين الذين خرجوا من المعتقلات بعد خمس سنوات كاملة، وذلك حتى لا يبدأ خروشوف زيارته لمصر، التي تمت لتحويل مجرى النيل عند السد العالي في مايو 1964 وهناك معتقل شيوعي واحد».


ويستكمل حمروش روايته في جزء آخر من نفس المصدر (ص 243، 244) «بلغ عدد المنضمين الى فرعنا خلال فترة وجيزة ما يزيد على 250 عضوا معظمهم يصلح كادراً قيادياً مؤثراً في مجال عمله او سكنه.. وقد بدأنا الاتصال فوراً بالتنظيمين الرئيسيين (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني) و(الحزب الشيوعي المصري). وكان الافراج قد تم عن كافة المعتقلين.. مثل (حدتو) في هذه المقابلات احمد رفاعي المحامي وذكي مراد المحامي وفؤاد حبشي وتمت موافقتهم على الانضمام الى طليعة الاشتراكيين، واعدت لذلك خريطة كاملة بأعضاء حدتو وتسكينهم مع اعضاء فرعنا في اماكنهم التي يعملون بها في القاهرة والاسكندرية والاقاليم كما جرت عدة لقاءات مع الدكتور فؤاد مرسي السكرتير السابق للحزب الشيوعي لم تنتهي الى قرار واضح وعندما حمل احمد فؤاد الخريطة التي تحمل اسماء فرعنا مضافاً اليهم اعضاء (حدتو) اخذت الحاضرين (جمال عبد الناصر وعلي صبري ومحمد حسنين هيكل وسامي الشعراوي) الدهشة من سرعة التنفيذ».


من شهادة حمروش يتكشف لنا انه كانت هناك محاولة لضم الحركة الشيوعية المنظمة (ضم جماعي) الى طليعة الاشتراكيين، ومن الواضح ايضاً مما كتبه حمروش عن رد فعل عبد الناصر ونظرته لم تكن تعبيراً عن دهشته عن سرعة التنفيذ، انما كانت تعبيراً عن عدم الرضا، بل والدهشة من سذاجة هذا التصرف، فهل يوجد حزب شيوعي يقبل ضم جماعي لأحزاب ماركسية اخرى؟ وبالاحرى هل من المنطقي ان تقبل الثورة وطليعتها انضمام جماعي لاحزاب شيوعية متمرسة، وهي التي ناضلت من اجل الحفاظ على استقلالها الابداعي في الرؤية والنهج وطرق النضال وادواته (بعيداً عن صحة او عدم صحة أي من تلك الافكار والاساليب).


لذا فمن المنطقي ان يذكر سامي شرف ان احمد فؤاد لم يعمل مجموعة واحدة، ففي شهر اكتوبر 1963 انضم الى مجموعة علي صبري. وانضم محمود امين العالم لمجموعة سامي شرف (حسب شهادة محمود العالم للباحث).


اذاً نحن امام مجموعة طليعية من عشرة افراد تمت مفاتحتهم على اكثر من مرحلة وطلب منهم جميعاً ان يقوم كل واحد منهم بترشيح عشرة آخرين وهكذا تشكل تنظيم من الفروع والخلايا، تنظيم نوعي ـ عن ذلك يذكر حسني امين (عضو امانة مكتب تنظيم طليعة الاشتراكيين من مايو 1965) حسب شهادته «في نوفمبر 1965 تقريباً انتقلنا من العمل الحلقي الى التنظيم الجغرافي وجاء ذلك في نشرة تلزم مسئولي الحلقات بوقف الاتصالات التنظيمية السابقة وتم ارسال اسماء اعضاء التنظيم الى مسئولي المحافظات حسب التخطيط الجديد».


وحسب شهادته ايضاً عن الفترة الحلقية النوعية من عمر طليعة الاشتراكيين (يونيو 1963 حتى نوفمبر 1965).


علي صبري كان مسئول مجموعة فيها محمد فائق، حلمي السعيد، نبوي المهندس، عبد المجيد فريد، لبيب شقير، عبد العزيز السيد، عبد المعبود الجبيلي، عزيز صدقي، عبد القادر حاتم، سيد مرعي.


عباس رضوان كان مسئولاً عن مجموعة كبيرة نظراً لكونه وزيرا للحكم المحلي وكان من بينهم السادة شعراوي جمعة، عصام حسونة، احمد حسن رشدي، سعد زايد، عبد الحميد خيرت، حمدي عاشور، وجيه أباظة، فؤاد محيي الدين، عزت سلامة، الشيخ عبد الحليم محمود، وكان هناك مسئولية اتصال تقع على عاتق كل من كمال رفعت واحمد فؤاد..







قصة «طليعة الاشتراكيين» التنظيم السري لعبدالناصر (2 ـ 8)،

«اسبقوني على 68» كلمة السر من شعراوي جمعة لأعضاء التنظيم


تناولت الحلقة الماضية الظروف التي فكر الزعيم جمال عبدالناصر خلالها في تأسيس طليعة الاشتراكيين والاسباب التي دفعته لذلك وعلى رأسها امتلاء الاتحاد الاشتراكي بالانتهازيين وكونه حزب سلطة يمثل جسداً بلا عمود فقري،


وتعرضت للجدل الذي دار حول عدد الشخصيات المقربة التي اجتمع معها عبدالناصر لمناقشة فكرة التنظيم وكيف بدأت الخلايا الاولى له والتي كان ضمنها الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الازهر فيما بعد.. جنباً إلى جنب مع اقطاب الحركة الشيوعية المصرية.


وتستكمل هذه الحلقة سرد الروايات المتعددة لقصة تأسيس التنظيم على ألسنة من شاركوا في صنع الأحداث.


يسرد شعراوي جمعة روايته لقصة طليعة الاشتراكيين على صفحات مجلة الموقف العربي العدد 65 بتاريخ سبتمبر 1985، فوتحت في دخول التنظيم الطليعي بواسطة عباس رضوان وزير الادارة المحلية حين ذاك وكان علي ان اسعى لتجنيد آخرين وضمهم للتنظيم، وحسب رواية سامي شرف للصحافي عبد الله امام، العشرة الذين كانوا معي هم محمد المصري، احمد شهيب، منير حافظ، شوقي عبد الناصر، احمد ابراهيم، جمال هدايت وآخرين.


اذن نحن امام تنظيم حلقي نوعي، في بداية التكوين، ليس له هيكل تنظيمي، ولم تكن له لائحة تنظيمية حاكمة لاعضائه، حيث ان لائحة طليعة الاشتراكيين مؤرخة بعام 1965 ـ أي عندما اتخذ قرار باعادة ترتيب التنظيم جغرافياً، كما انه لم يكن هناك امين عام له حسب شهادة سامي شرف في حديثه المطول مع الكاتب الصحافي عبد الله امام في كتاب «عبد الناصر كيف حكم مصر؟» حيث يقول في تلك الشهادة ورداً على سؤال من كان اميناً لهذا التنظيم؟ «في المرحلة الاولى لم يكن هناك امين للتنظيم، وقد انشئت امانة للتنظيم بعد ان طور الى تنظيم جغرافي وتولاها شعراوي جمعة، ولم يكن هناك مسئول عن امانة التنظيم قبل شعراوي جمعة».


وعندما صدر قرار 1965 باعادة تنظيم «طليعة الاشتراكيين» على مستوى جغرافي نوعي وتم فرز الاعضاء من جديد حسب رواية حسني امين عضو امانة مكتب التنظيم في شهادته للباحث الانتقال من الحلقي للجغرافي لم يكن آلية توزيع فقط، وانما اشتمل ايضاً على فرز جديد للعضوية الحلقية باعتبار ان الفترة السابقة بمثابة فترة اختبار، ولذلك اذكر انه تم تجميد عضوية كل من السادة/ عزيز صدقي، سيد مرعي ومن يتبعهم من حلقات وكانوا في الاصل تبع علي صبري، واذكر انه وصلت نسبة المجمدين حوالي 20% تقريباً من مجموعي العضوية الحلقية التي وصلت في ذلك الوقت الى 2000 طليعي وبضعة مئات».


اذن عام 1965 هو التاريخ الذي نستطيع ان نأخذه مميزاً حقيقياً لبناء التنظيم على اسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافي ونوعي، وامين تنظيم وتسلسل هرمي، ولائحة جزاءات وقد احتوت اللائحة في مقدمتها تعريف لطليعة الاشتراكيين وسماته الرئيسية وهو تنظيم الطلائع الثورية القائدة لتحالف قوى الشعب العاملة والامينة على حوافز وانطلاقات واهداف الحركة التحررية الكبرى التي اقتحم الشعب المصري بقوة 22 يوليو افاقها السياسية والاجتماعية والقومية مستهدفاً بناء الحرية والاشتراكية والوحدة في العالم العربي متخذاً من ارض الوطن المصري مرتكزاً ودرعاً للجهود الثورية الرامية الى اعادة بناء الحياة العربية وتحديد اسسها وتعميقها واغنائها بالقيم الروحية والرفاهية المادية والثقافية للانشاء العربي. ان الطلائع المنظمة والمنظمة لتحالف قوى الشعب العاملة في الوطن المصري تجمع بذلك مسئولية الرواد في حركة الثورة العربية الشاملة باعتبارها المسئولة عن التنظيم الاشتراكي الاكبر والاسبق والذي هو في الوقت نفسه التنظيم النواة للحركة الواحدة.


هذه الطلائع تتلقى التجربة الهائلة والحافلة بالمنجزات الرائعة مما تحقق بثورة 23 يوليو سنة 1952 وتمر بمرحلة الانتقال من المجتمع الرأسمالي الى المجتمع الاشتراكي.


والميثاق الوطني الذي صاغ مرحلة التحول العظيم وتمكن بنجاح من بلورتها تعبيراً عن الضمير الثوري العربي هو نقطة الارتكاز الوطيدة التي بدأت منها المرحلة الحالية لينتقل بها النضال من ثورة للشعب الى ثورة بالشعب. ان الميثاق يرسم امام هذه الطلائع المنظمة والمنظمة لتحالف قوى الشعب منهاجها ودليل عملها وهدف جهودها.


ان هذه الطلائع تجند العناصر الصالحة للقيادة وتنظم جهودها وتبلور الحوافز الثورية للجماهير وتتحسن احتياجاتها وتساعد على ايجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات.


ان المهمة الاساسية لهذا التنظيم هي ان يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار بأيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد.


ان روح هذه المهمة تتطلب من الطليعة ان تكون ممثلة قبل كل شيء لادارة تحالف قوى الشعب التي هي الارادة الساعية اصلاً واساساً نحو تذويب الفوارق بين الطبقات انطلاقاً من الكفاية والعدل بين الديمقراطيين السياسية والديمقراطية الاجتماعية.


مواصفات التنظيم مهمة هذا التنظيم وروح هذه المهمة تفترض فيه سمات اساسية: 1 - المقدرة على التحليل الموضوعي للواقع الوطني المصري والواقع العربي القومي وللارتباط العضوي بينهما تاريخاً ونضالاً ومصيراً على اساس ان موضوعية التحليل هي التي تستطيع ان تعطي مفاتيح الممارسة الاصلية النزيهة للتغيير الثوري من مجتمع الواقع الى مجتمع الامل.


2 - القدرة على القيادة وعلى التعبئة على اساس المفهوم المقرر في الميثاق من تعريف القيادة بأنها القدرة على الالتحام بالجماهير وتعرف مشاكلها وايجاد الحلول الصحيحة لها وبتعريف التعبئة بأنها الدعوة بالاقناع والتوعية لتقوية وتدعيم حركة تقدم الجماهير الى اهدافها.


3- العناصر المكونة لاطار هذا التنظيم والمجندة من بين جميع قوى الشعب العاملة صانعة التحالف العظيم لابد ان تمثل ارادة التغيير الثوري وتذويب الفوارق بين الطبقات في المجتمع الذي تخدم اهدافه.


وفي كتاب احمد حمروش «مجتمع جمال عبد الناصر صفحة 215- 246» يحكي شهادته قائلاً «تقرر ان تأخذ طليعة الاشتراكيين شكلاً تنظيمياً حزبياً وعهد جمال عبد الناصر بالأمة الى شعراوي جمعة..».


وفي شهادة احمد كامل احد الضباط الاحرار وامين الشباب ورئيس المخابرات العامة فيما بعد المذكور في نفس الكتاب «انه شاهد تأشيرة جمال عبد الناصر وكان وقتها يعمل في الرئاسة».


كما يقول احمد كامل في نفس شهادته «ان جمال عبد الناصر قد حدد شعراوي جمعة اميناً عاماً للأمانة واحمد كامل لشئون التنظيم ومحمد المصري للنشاط السياسي واحمد حمروش للتثقيف».


وهكذا تشكلت اول امانة لطليعة الاشتراكيين من شعراوي جمعة وعبد المجيد شديد والدكتور حسين كامل بهاء الدين وامين عز الدين واحمد شهيب ومحمد المصري واحمد كامل والدكتور عبد المعبود الجبيلي ويوسف غرولي ومحمد عروق واحمد حمروش».


واخذت تلك الامانة على عاتقها اعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على اساس جغرافي ونوعي لكن في شهادة الاستاذ حسني امين والمنضم في (مايو 1965) عضواً بأمانة مكتب تنظيم طليعة الاشتراكيين والمرشح من قبل الاستاذ كامل زهيري ومحمد عروق، وقد قدما الترشيح للسيد شعراوي عندما كان محافظ للسويس واثناء عملهم معه في المعهد الاشتراكي هناك «في اول يوم قابلت محمد عروق في مكتب شعراوي جمعة برئاسة الجمهورية واثار انتباهي قول شعراوي «اسبقوني على 68» وعرفت بعد ذلك ان هذا المكان هو الفيلا القائمة في شارع الخليفة المأمون والمرقم بـ 68 وكانت قريبة من منزل الرئيس عبد الناصر.. وتم في نفس اليوم ان حضر شعراوي وتم عقد اجتماع لهيئة مكتب امانة التنظيم من المتفرغين وكانت تتكون من «احمد كامل، محمد المصري، انور ابو المجد (اخو كمال ابو المجد وكان ضابط شرطة بالجوازات متقاعد) وصلاح عبد المعطي (ضابط شرطة متقاعد) ويوسف غزولي وشوقي عبد الناصر (وكان يعمل بالتدريس في اسكندرية وهو اخو الزعيم عبد الناصر) وكان اهم ما نوقش في الاجتماع وضع خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتجة عن التجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية الى تنظيم جغرافي بحيث يتم تسكين كل عضو في موقع عمله الذي يمكن ان ينشط من خلاله والذي قام بادارة الاجتماع كان شعراوي جمعة الذي كان في ذلك الوقت وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء. واستلمت في هذا الاجتماع ملف به اوراق توضح عضوية التنظيم في شكله الحلقي بهدف معرفة بيانات كل عضو وتحديد الموقع الجغرافي الذي ينتمي اليه فيما بعد وتحديد موعد يتم فيه انهاء كافة الاتصالات التنظيمية القائمة على الشكل الحلقي واستلمنا ايضاً مجموعة من استمارات العضوية التي بها بيانات الاعضاء الحقيقيين وتم تقسيم العمل داخل هيئة مكتب التنظيم على الوجه التالي: 1- مكتب الاتصال التنظيمي: ويقوم بكافة النواحي التنظيمية من تنظيم للعضوية وشبكة الاتصال والتعرف على المواقع الاستراتيجية التي يجب زرع مجموعات طليعية فيها ومتابعة نشاط العضوية في مراحل التجنيد والتصعيد الى مواقع اعلى ومتابعة النشاط وتكليفات هابطة صاعدة وصاعدة هابطة، وكلف يوسف عوض غزولي بمسئولية المكتب وقررا ان يعاونه السادة: انور ابو المجد وحسني امين وتم تدعيمه فيما بعد بعناصر معاونة فنية ضمت للتنظيم مثل السادة: حامد شاكر حجاب وسالم حليمة من جهاز التنظيم والادارة وعبد المنعم حمادة ومحمد رشوان وفاروق ابو زهرة (اخو عبد الرحمن ابو زهرة ممثل المسرح المعروف) ومحمد عبد الغني (من جهاز التعبئة والاحصاء وانضم الينا بعد ذلك عادل الاشوخ من مكتب المعلومات في عام 1966واستلم ايضاً بعد ذلك موقع مدير مكتب شعراوي جمعة.


2- مكتب المعلومات: وكانت مهمته تفريغ التقارير واستخلاص المعلومات التي تتعلق بنشاط المجموعات في المجالات المختلفة ومنها متابعة التجارب الرائدة في العمل الشعبي مثل خفض الاستهلاك وتقديم ساعة عمل تطوعي وتقارير الرأي العام والشائعات وترشيحات عضوية لتسليمها المكتب التنظيم، وكان مسئول المكتب شوقي عبد الناصر وانضم اليه فيما بعد كل من سلامة عثمان ـ ضابط مخابرات سابق ومحمود عبد المجيد (من هيئة استعلامات) وعادل حسين المحامي وكان يعمل بجهاز التنظيم والادارة.


3- مكتب العمل السياسي: وكانت مهمته متابعة المجموعات في تنفيذ التكليفات السياسية والتي كانت تنصب على التحرك وسط الجماهير من خلال لجنة الاتحاد الاشتراكي واللجنة النقابية او مجلس ادارة الوحدات الانتاجية في مهام تتعلق بايضاح مواقف القيادة السياسية من جانب او في تكليفات خاصة بدعم مرشحين لمواقع في هذه التنظيمات او الرد على بعض الشائعات المثارة او القيام بمبادرات في مجالات العمل واحياناً الابلاغ عن بعض الانحرافات مثلما حدث من طليعة الاشتراكيين في محافظة الدقهلية عندما بادرت بتقديم رؤيتها عن حركة ونشاط جماعة الاخوان المسلمين في اواخر 1965 والتي نتج عنها بعد ذلك قضية الاخوان في 1956 ـ وقد تم تكليف احمد كامل ومحمد المصري بمسئولية المكتب.


ولم يكن في هذه المرحلة تحديداً مسئول للتثقيف وكان يقوم بمهامه في الاغلب محمد عروق وذلك باعداد الجانب التثقيفي في النشرة وفي اوائل عام 1966 كلف محمود امين العالم بتلك المسئولية ولم يكن متفرغاً».


وفي شهادة عادل الاشوخ (مدير مكتب شعراوي جمعة) بدأت عملي في مكتب اتصال طليعة الاشتراكيين وكان مسئوله يوسف غزولي».


ويتبين مما سبق من شهادات ان امانة طليعة الاشتراكيين قد تم تقسيم العمل فيها وان بعض اعضائها كان مسئولاً عن مكاتبها النوعية التابعة للجنة المركزية مباشرة، ولعل تناول الهيكل التنظيمي الذي صدر في لائحة طليعة الاشتراكيين والتي تم بحثها في اكثر من اجتماع لامانة اتصال الطليعة بتاريخ 14/6/1969، 28/6/1969 حيث كان جدول الاعمال حسبما جاء في الوثيقة الآتي: جدول اعمال جلسة يوم الاثنين 14/6/1969 1- مشروع تنظيم محافظة السويس.


2- مشروع تنظيم محافظة البحيرة.


3- مشروع استمارة الترشيح.


4- مشروع لائحة التنظيم.


ويضاف بالقلم الرصاص خط العمل السياسي اما جدول اعمال جلسة يوم الاثنين 28/6/1969 1- الموقف السياسي والمواضيع العاجلة.


2- الاجابة على الاسئلة التنظيمية.


3- مناقشة مشروع اللائحة.


4- مناقشة الاهداف الرئيسية العامة في محافظات اسكندرية والسويس والبحيرة.


وقد تكشفت اول امانة لطليعة الاشتراكيين، حسب شهادة احمد حمروش في ص 216 من كتاب قصة ثورة 23 يوليو. مجتمع جمال عبد الناصر.


السادة شعراوي جمعة، عبد المجيد شديد، حسين كامل بهاء الدين، امين عز الدين، احمد شهيب، محمد المصري، احمد كامل، عبد المعبود الجبيلي، يوسف غزولي، محمد عروق، احمد حمروش، وانضم اليها بعد عدة شهور محمود امين العالم. اما ما جاء في كتاب «التنظيمات السرية لثورة يوليو في عهد جمال عبد الناصر «لمؤلفه جمال سليم، وفي ص 65: تكونت امانة للجهاز السري برئاسة شعراوي جمعة وفي القمة بالطبع عبد الناصر ومن بعده علي صبري وضمت كلاً من: 1- احد حمروش.


2- د. حسين كامل بهاء الرين.


3- احمد شهيب.


4- احمد كامل.


5- محمد المصري.


6- محمد عروق.


7- د. عبد المعبود الجبيلي.


8- سامي شرف.


9- امين عز الدين.


10- كمال الحناوي.


11- محمود امين العالم.


12- يوسف غزولي.


13- حلمي السعيد.


وهكذا تشكلت امانة التنظيم، وصدرت لائحته السرية والمحظور تداولها الا للاعضاء فقط وتسلسل البناء التنظيمي حسب اللائحة من: 1- المجموعة (وحدة التنظيم النضالية وسط الجماهير).


2- لجنة المركز او القسم (تتكون من عدد من مسئولي المجموعات القاعدية ترشحهم لجنة المنطقة).


3- لجنة المنطقة (تتكون من عدد من مسئولي لجان الاقسام او المراكز ترشحهم لجنة المحافظة).


4- لجنة المحافظة (تشكل بقرار من اللجنة المركزية).


5- اللجنة المركزية (المسئول الاعلى في بناء التنظيم وهي التي تقود نشاطه وتختار اللجنة المركزية من بين اعضائها امانة تكون مهمتها قيادة العمل اليومي وتنشئ اللجنة المركزية العدد اللازم من المكاتب المساعدة وتختار اعضائها من المستويات المختلفة تبعاً لاحتياجات العمل).


وهكذا تم اعادة هيكلة التنظيم النوعي الى تنظيم جغرافي، كما تم تنقية العضوية القديمة وتجنيد عضوية جديدة، وتشكلت بالتالي امانات ولجان المحافظات المختلفة مع الحفاظ ايضاً على بعض التشكيلات النوعية والتي لها ضرورة.


وحسب شهادة حسني امين مع الكاتب ان القاهرة تم تقسيمها لخمس مناطق: شمال القاهرة وكان مسئول طليعة الاشتراكيين فيها سعد زايد من علي صبري.


وشرق وكان مسئول طليعة الاشتراكيين فيها سامي شرف.


وجنوب وكان مسئول طليعة الاشتراكيين فيها حلمي السعيد.


وغرب وكان مسئول طليعة الاشتراكيين فيها محمد فائق.


ووسط وكان مسئول طليعة الاشتراكيين فيها النبوي المهندس ومن بعد وفاته كمال الحناوي اما محافظة الاسكندرية استلم مسئول طليعة الاشتراكيين فيها شوقي عبد الناصر.


اما محافظة الجيزة استلم مسئول طليعة الاشتراكيين فيها محمد احمد البلتاجي.


اما محافظة البحيرة استلم مسئول طليعة الاشتراكيين فيها وجيه اباظة.


اما محافظة سوهاج استلم مسئول طليعة الاشتراكيين فيها عبد الحميد خيرت.


اما محافظة القليوبية استلم مسئول طليعة الاشتراكيين فيها فؤاد محي الدين.


اما محافظة الدقهلية استلم مسئول طليعة الاشتراكيين فيها محمد المصري.


اما محافظة دمياط استلم مسئول طليعة الاشتراكيين فيها السيد حمدي عاشور.


وكانت هناك محافظات ومواقع كان فيها مسئول طليعة الاشتراكيين هو نفسه امين الاتحاد الاشتراكي مثل محمد المصري في الدقهلية وتشكلت مجموعات مهنية ونوعية فكان هناك الجامعات: ومسئول عنها حسين كامل بهاء الدين.


الاعلام: ومسئول عنه محمد عروق ومن بعده اصبح المسئول عن طليعة الاعلاميين محمد فائق وزير الاعلام.


المحامون: احمد الخواجة.


الاطباء: د. حمدي السيد.


المهندسون: حلمي السعيد.


وهكذا بدأ نشاط طليعة الاشتراكيين سراً من مقرها في 11 حسن صبري بالزمالك (سراي الامير سعيد طوسون).


ثم في مجلس قيادة الثورة بالجزيرة في مايو 1971.


اما نشرة طليعة الاشتراكيين فقد صدر عددها الاول بتاريخ 21 اكتوبر سنة 1963، وكانت حول «العدوان المغربي على الجزائر وموقفنا منه» ومن المعروف انه كان حليفاً في تلك الفترة، اما النشرة رقم (2) فكانت بتاريخ 10/11/1963 وكانت تحت عنوان «تاريخ حزب البعثيين»، وبعدها بأربعة أيام 14/11/1963 صدرت النشرة رقم (3) وكانت تحت عنوان «حول المؤتمر السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي» وفي 25/11/1963 صدرت النشرة رقم (4) وكانت تحت عنوان «تطورات القضية الفلسطينية في الجمعية العامة للامم المتحدة» وفي نفس التاريخ صدرت النشرة رقم (5) تحت عنوان «حول القانون الاميركي لتقييد المساعدات الخارجية» ومما يؤكد ان هذه النشرات من 1 حتى 19 هي نشرات لطليعة الاشتراكيين وقبل اتباع نظام التكويد عبر التخريم كان الغلاف الخارجي في اعلاه حرية. اشتراكية. وحده وعلى الجانب الايمن نشرة رقم...... بتاريخ........ وفي منتصف الصفحة عنوان وفي الاسفل على الشمال نشرة داخلية للأعضاء فقط.


وما يؤكد ايضاً ان النشرات من 1 الى 19 لطليعة الاشتراكيين، هي نشرة رقم 19 والتي تتحدث عن «واجب التنظيم في مرحلة الانطلاق» وهي بتاريخ 29/3/1967 ومن النشرة رقم (2) وهي بتاريخ 30/4/1964 بعد التخريم السري للنشرة بعد ذلك نستطيع ان نتناول الحقوق والواجبات المنصوص عليها في لائحة طليعة الاشتراكيين ـ رغم ان تاريخ اصدار تلك اللائحة كان في عام 1965 ـ أي بعد بدء جغرافية التنظيم.


الحقوق والواجبات: حسب نصوص لائحة طليعة الاشتراكيين «محظورة التداول» ان واجبات الاعضاء ـ وقد جاء النص عليها في اللائحة قبل الحقوق ـ تحددت في: 1- ان ينضم الى المستوى الذي يحدده له التنظيم وان يحضر اجتماعاته ويشارك في اعماله.


2- ان يحافظ على الاستقلال الوطني وان يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول اجنبية او العاملين بتوجهات.


3- ان يناضل بكل قواه لتدعيم مبادئ الثورة والمحافظة على مكاسبها.


4- ان يؤدي اشتراكاً مالياً منتظما.


5- ان يعمل على تنمية ثقافته الاشتراكية باستمرار، وعلى زيادة معرفته بواقع بلاده ومجاله.


6- ان يلتزم بلائحة التنظيم وينفذ توجيهاته ويلتزم بقراراته ويدافع عنهم امام الجماهير.


7- ان يحافظ على وحدة التنظيم، وان يقف موقفاً حازماً ضد أي اتجاهات انقسامية او تكتلية في صفوف التنظيم.


8- ان يكون قدوة للجماهير في عمله وان يتحلى بالخلق الاشتراكي.


9- ان يحرص على الارتقاء بالجماهير والالتحام معها وان يؤدي دوره بينها.


10- ان يعمل على تجنيد افضل العناصر المتصلة به سواء في مجال عمله او في المجالات الاخرى طبقاً لشروط الترشيح.


11- ان يعمل على كشف الرجعية واعداء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال عمله وسكنه، على ان يلتزم في ذلك بالقواعد التنظيمية وبتوجيهات اللجنة التابع لها.


12- ان يمارس النقد والنقد الذاتي.


حقوق الاعضاء: 1- ان يبدي رأية داخل مجاله التنظيمي في مختلف المسائل المتعلقة بسياسة التنظيم وتنظيماته.


2- ان يتقدم بتقارير في مختلف المسائل الى مستواه والى الهيئات الاعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم.


وقد جاء في اللائحة في المقدمة المنصوص عليها تحت عنوان «طليعة الاشتراكيين».


«ان المهمة الاساسية لهذا التنظيم هي ان يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار بأيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد».


اذن نحن أمام هدف ودور لطليعة الاشتراكيين مرتبط بالدولة وواصل اليها والحفاظ عليها. فالهدف بقاء سلطة الدولة بأيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد وذلك عن طريق التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل.


لم يكن الهدف هو تحديث وتثوير وعقلنة المجتمع حتى يستطيع بعد ذلك ان يختار السلطة التي تدافع عن مصلحته وتعبر عنها افضل تعبير بل كان الهدف بقاء سلطة الدولة باستمرار بأيدي التحالف الشعبي الاشتراكي والذي جاءت اليه عبر لحظة انقلاب خاطفة جسدتها ارادة ثوار من القوات المسلحة.


اذا كان من الطبيعي ان تنص اللائحة على 12 واجباً للعضو المنظم للطليعة في مقابل حقين اثنين فقط، وكان طبيعياً ايضاً ان يكون من واجبات العضو ان ينفذ التوجيهات، ويلتزم بالقرارات ويدافع عنها امام الجماهير. تلك التوجيهات الصادرة من المستوى المركزي المنفذ لتعليمات الزعيم عبد الناصر، ويلتزم بالقرارات الصادرة عن مؤسسات واجهزة يختلط فيها الاستراتيجي بالتكتيكي بالسياسي بالامني بالفني، ويدافع عنه رغم عدم مشاركته في مناقشتها تقريباً وبالاحرى لم يصنعها وانما هو منفذ لها فقط.


كان من الطبيعي ان يكون من واجبات العضو ان يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدولة اجنبية او العاملين بتوجهات منها. والتنظيم هنا يقوم بدور اجهزة الامن كما يقوم بدور التحقيق الجنائي الذي يستطيع ان يؤكد بالادلة من هم العملاء والفرق بينهم وبين الخونة، ومن هم العاملين بتوجيهات منها.


كما تنص اللائحة في الواجبات على كشف الرجعية واعداء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال العمل والسكن. إذن لو تصورنا ان مواطناً قد فسر قراراً ما بطريقة لم تكن مؤيدة بتصور الطليعة لصار من الطبيعي ان يكون رجعياً وعدواً للاشتراكية، ولو تصورنا مواطناً قال رأياً او تصوراً مغايراً لما هو حادث لصار من اعداء الاشتراكية وحليفاً للرجعية، فأعضاء التنظيم يلقى على عاتقهم مهمة تعبئة المجتمع لصالح رؤية واحدة بل وطريقة واحدة في التفكير وهو ما يوقع التنظيم في دائرة اجهزة الدعاية الامنية.


تكشف لنا بعض النشرات عن فهم قيادة طليعة الاشتراكيين لواجبات العضوية تلك: حيث جاء في نشرة الطليعة الاشتراكية رقم (26) بتاريخ عشرين يناير 1965 وتحت عنوان «موقفنا من الولايات المتحدة الاميركية ومعوناتها».


«لذلك كله رأت قيادة التنظيم ان تكون هذه النشرة ـ الى جانب القائها الضوء على حقيقة الواقع ـ فرصة لتقديم دراسة مختصرة عن علاقاتنا بالولايات المتحدة فيكون اعضاء التنظيم على وعي بجوانبها ويلتزمون بها». ورغم اهمية تلك النشرة، حيث تناولت قضية خطيرة وهي العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية احدى القوتين العظميين الا ان قيادة التنظيم اسرعت بتلك النشرة حتى تعمل قاعدة تعبئة الالتزام، فالغرض هو الوعي بجوانب العلاقة والالتزام بتلك الرؤية التي نزلت للقواعد من المستوى القيادي لطليعة الاشتراكيين ولم تفكر تلك القيادة في فتح حوار وسماع رؤى ووجهات نظر بشأن تلك العلاقة حتى تتم عملية التوعية عبر الحوار والرأي والرأي الآخر وبالتالي يتم الالتزام عبر الاقتناع وليس الالزام.


وفي نشرة طليعة الاشتراكيين رقم (2) تحت عنوان «نشرة توجيهية بتاريخ 30/4/1964 جاء فيها: «رأت رئاسة التنظيم ان توافي الاعضاء بخطاب الرئيس جمال عبد الناصر في افتتاح مجلس الامة يوم 26 مارس 1964. وكذلك خطاب علي صبري رئيس الوزراء المتضمن برنامج الحكومة امام مجلس الامة يوم 6 ابريل 1964.


والمطلوب من جميع الحلقات دراسة هذين الخطابين دراسة وافية وتقديم نتيجة الدراسة الى رئاسة التنظيم مشفوعة بأي ملاحظات او اقتراحات.


ويتبين من ذلك التوجيه المقصود بالدراسة هو تقديم الاقتراحات والملاحظات. ولم يكن الغرض ان يكون هناك حوار شامل حول الخطاب والخطة ومدى صلاحيتهما للمرحلة. أي تقديم رؤية شاملة من قبل اعضاء الطليعة وليست المسألة نقد تفاصيل او وضع ملاحظات عليها اقتراحات لاعمالها او حتى تحسينها.


وهكذا كان تصميم تنظيم طليعة الاشتراكيين ان يكون بمثابة اطار للحشد والتعبئة وقياس الرأي العام والكشف عن بعض السلبيات في الواقع المعاش. كل ذلك بغرض الحفاظ على السلطة في يد تحالف قوى الشعب.


تجنيد منذ ان صدر التكليف من الزعيم عبد الناصر للمجموعة الاولى (علي صبري، احمد فؤاد، هيكل، عباس رضوان، الخ) وبدأت عمليات تجنيد واسعة من قبل تلك المجموعة ومن بعدها كانت تتم الترشيحات وتوافق عليها المجموعة الأولى الى ان تم تحويل تنظيم طليعة الاشتراكيين من تنظيم خليوي نوعي الى تنظيم جغرافي نوعي وعند ذلك اصبحت اجراءات التجنيد والضم تمر بالمفاتحة وقراءة اللائحة ومقابلة مسئول في الطليعة الاشتراكية.


وينكشف لنا ذلك من سماع شهادة شعراوي جمعة امين طليعة الاشتراكيين منذ بدء المرحلة الجغرافية او الذي تم تجنيده من قبل احد اعضاء المجموعة الاولى وذلك من خلال شهادته المنشورة في مجلة الموقف العربي العدد 65 «كنت محافظاً للسويس وفوتحت في دخول التنظيم الطليعي بواسطة عباس رضوان وزير الادارة المحلية حينذاك، وكان علي ان اسعى لتجنيد آخرين وضمهم الى التنظيم. وكانت الفرصة في السويس مواتية تماماً لتكوين التنظيم الطليعي بالمحافظة، فقد كنت مسئولاً عن الاتحاد الاشتراكي بالسويس وكنا نقيم الندوات تمهيداً لانشاء المعهد الاشتراكي، وفي تلك الفترة حظيت بمساندة مجموعة مخلصة ومناضلة من الشباب كان من بينهم (عبد الهادي ناصف، محمد عروق، جمال سعد، فاروق متولي وغيرهم)، وكان يشاركنا في الندوات والانشطة السياسية عدد من رؤساء ومديري شركات البترول والسماد في السويس.


كنا نمارس تجربة من العمل السياسي الواسع في الشارع، خاصة ندوات التوعية بالميثاق التي كنا نقيمها ويشاركنا فيها الكثيرون من الكتاب والادباء والسياسيين من القاهرة، وايضاً من خلال الدراسة بالمعهد الاشتراكي في السويس (اول معهد من نوعه في مصر) كان ذلك كله يساعدنا ويسهل مهمة اختيار المجموعات التالية لتنظيم طليعة الاشتراكيين.


كانت تجربة السويس تجربة حية ونابضة، فمن خلال العمل المباشر مع الناس، ومن خلال الندوات والمناقشات برز العديد من القيادات التي استمرت في المسيرة بقوة وصلابة.. وفي عام 1964 تركت منصبي كمحافظ للسويس وانتقلت للقاهرة للعمل وزيراً للدولة في المجلس المشترك بين مصر والعراق، وفي اواخر 1964 استدعاني الرئيس عبد الناصر، وكنا قد بدأنا في تشكيل امانة كبيرة للاتحاد الاشتراكي كنت فيها مسئولاً عن التنظيم، وقد عرض علي الرئيس عبد الناصر موقع الامين العام لتنظيم طليعة الاشتراكيين ووافقت».


اما شهادة سامي شرف وهو من الحاضرين اجتماعات المجموعة الاولى لتوليه مهمة سكرتارية الاجتماعات قال في كتاب «عبد الناصر كيف حكم مصر»؟ ص 196، 197 ورداً على اسئلة الكاتب عبد الله امام: بدأ بناء التنظيم على اساس خلايا علي صبري اقام خلية من عشرة اعضاء وكذلك عباس رضوان، وكلف كل واحد من هؤلاء العشرة ان يعمل أي يشكل خلية من عشرة، لم يكن احد من الاعضاء الاول له مطلق الحرية في ان يختار فلاناً او يبقيه الا بعد تصديق من القيادة على العناصر التي رشحها.


ـ عندما يرشح شخص ما هل يعرض اسمه على الرئيس عبد الناصر؟ ـ نعم، خصوصاً في البداية، ونقترب من الامر الواقع اكثر.


مثلاً علي صبري اختار عشرة، من هؤلاء الاعضاء عبد المجيد فريد، محمد فائق. د. نبوي المهندس، د. ابراهيم الشربيني، حسني الحديدي، د. عبد المعبود الجبيلي، هؤلاء من اذكرهم، أي واحد من هؤلاء العشرة اذا عرض اسمه امام الرئيس فهو يعرفه.


انا رشحت عشرة اعضاء، وهؤلاء العشرة تم عرضهم على العشرة الذين يرأسهم علي صبري قبل العرض على القيادة السياسية، واذا اعترض شخص يستبعد والاستبعاد كان لاسباب سياسية ولم يكن على اسس غير موضوعية، لأن الامر كان يخضع لمناقشة واسعة من عدد من الاعضاء الحاضرين، فكان للاختيار اذن معايير جادة على اساس معايير معينة.


دراسة بقلم: امين اسكندر

البيان الإماراتية
4.8.2002

http://www.albayan.co.ae/albayan/2002/08/04/sya/1.htm

االقذافي عبء على القومية العربية
Go To top





50 عاماً على ثورة يوليو،

قصة «طليعة الاشتراكيين» التنظيم السري لعبدالناصر (3 من 8)،

قادة المظاهرات الغاضبة أعضاء في التنظيم

تناولت الحلقات الماضية الظروف التي دفعت عبدالناصر للتفكير في تأسيس هذا التنظيم.. واهمها تسلل الانتهازيين والمتسلقين الى صفوف الاتحاد الاشتراكي شأنه شأن اي حزب يتم تكوينه من قمة السلطة.


كما استعرضت الحلقات اسماء الخلايا الاولى والتي كان من بينها الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الازهر السابق وتجميد عضوية البعض اثناء الانتقال من التنظيم الحلقي الى التنظيم الجغرافي ومن بين المشاهير التي كانت لهم ادوار كبيرة عزيز صدقي وسيد مرعي وكذلك واجبات عضو التنظيم وكيف كان عبدالناصر بنفسه يصدق على المرشحين للعضوية.


وفي هذه الحلقة نواصل عرض الشهادات، وكيف حلت التنظيمات الشيوعية نفسها ليدخل قياديوها كأفراد في التنظيم الطليعي.


يتذكر السيد ضياء الدين داود من كتاب «سنوات مع عبد الناصر» الصادر عن دار الموقف العربي عام 1984 ـ قصته مع التنظيم الطليعي قائلاً في ص 116 «انني في سنة 1965 وبعد شهور من تكليفي بأمانة الاتحاد الاشتراكي (بالمحافظة «دمياط») فوتحت في شأن تنظيم طليعة الاشتراكيين وأوكل الي امانة المحافظة للتنظيم الطليعي ايضاً وتشكلت لجنة قيادية للمحافظة ولم يكن التنظيم الطليعي قبل ذلك اقليمياً بل كان مركزياً وان ضم بعض الاعضاء من الاقاليم. وكان علينا ان نعمل على نمو التنظيم وخلق المجموعات القاعدية التي يمكن ان يرتكز عليها العمل وكانت عملية صعبة ودقيقة وطرحت تساؤلات: كيف نختار؟ ومن نختار؟ وما الاسس التي يتم عليها الاختيار؟ وما المعايير التي يمكن على ضوئها التحقق من اية شخصية جديرة بعضوية هذا التنظيم؟ والسيد حسني أمين (عضو امانة تنظيم الطليعة الاشتراكية) يقول في شهادته «للباحث» من 1 مايو 1965 حتى 12/8/1967 كنت عضواً بأمانة التنظيم في طليعة الاشتراكيين، ما قبل ذلك لم اكن بالتنظيم الطليعي وانما كنت عضو لجنة العشرين بالاتحاد الاشتراكي العربي في موقع عملي بوزارة السد العالي، ولوجود صراع في لجنة العشرين ومعرفة محمد عروق (مراقب البرامج العقائدية باذاعة صوت العرب وفي نفس الوقت كنت منتدباً بعض الوقت بأمانة تنظيم الاتحاد الاشتراكي العربي) بتفاصيل الصراع عرض علي العمل معه بأمانة التنظيم خاصة وان أمين التنظيم المرحوم شعراوي جمعة كان يعرفني من خلال محاضراتي بالمعهد الاشتراكي بالسويس والتي كان محافظاً عليها، وكان المحاضرون في هذا المعهد هم (محمد عروق، كامل زهيري، سامي داود، حسني امين وآخرين).


في اول يوم قابلت محمد عروق في مكتب السيد «شعراوي جمعة» برئاسة الجمهورية، واثار انتباهي قول شعراوي (اسبقوني على 68) وعرفت فيما بعد ان هذا المكان هو الفيلا القائمة في شارع الخليفة المأمون برقم 68 وكانت قريبة من منزل الرئيس عبد الناصر.


ذهبنا الى هناك وفتح محمد عروق الحوار بأني على علم بالفقرة الخاصة الموجودة بالباب الخامس عن الديمقراطية في الميثاق والحاجة الماسة بوجود جهاز طليعي داخل التنظيم الجماهيري للاتحاد الاشتراكي العربي يقوده وينظم حركته واننا الآن في هذا التنظيم وانه سبقت عدة اختبارات لنشاطي انتهت بترشيحي للعضوية ولتفرغي للعمل بأمانة التنظيم واكثر من ذلك ان اكون عضواً بأمانة التنظيم ويعتبر ذلك قفزاً على جميع المراحل والمستويات التنظيمية وان الرئيس عبد الناصر شخصياً يعتمد ذلك ويوافق عليه وعلمت فيما بعد ان ترشيحي جاء من كامل الزهيري ومحمد عروق لرئيس مجموعتهم التنظيمية السيد شعراوي جمعة اثناء وجوده محافظاً للسويس وكانت الاختبارات عبارة عن متابعة محاضرات في المعهد الاشتراكي وعملي وجهدي في وحدة الاتحاد الاشتراكي ولم تكن هناك أي تقارير امنية من اجهزة الامن في مراحل التجنيد والدليل على ذلك ان هناك عدداً من الكوادر والقيادات التي تم تجنيدها قد تم القبض عليها قبل ذلك اما في قضايا سياسية او قضايا مظاهرات.


المهم تم في نفس اليوم ان حضر المرحوم شعراوي وتم عقد اجتماع الهيئة بمكتب امانة التنظيم من المتفرغين وكانت تتكون من السادة/ احمد كامل (ضابط متقاعد) واصبح فيما بعد امين منظمة الشباب ثم مديراً للمخابرات العامة ـ محمد المصري (ضابط متقاعد) واصبح فيما بعد اميناً للاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الدقهلية ومسئول الطليعة فيها ـ انور ابو المجد (اخو كمال ابو المجد وكان ضابط شرطة بالجوازات وتقاعد) صلاح عبد المعطي (ضابط شرطة متقاعد) يوسف غزولي من مجموعة السيد شعراوي بالسويس وكان يعمل بإحدى شركات البترول ـ شوقي عبد الناصر (كان يعمل في التدريس وكان بالاتحاد الاشتراكي بالاسكندرية).


وكان اهم ما نوقش في الاجتماع «وضع خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتج عن التجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية الى تنظيم جغرافي».


وفي حالة السيد عبد الغفار شكر تبين لنا العلاقة بين الاعداد المنظمة الشبابية والتي بدأ الاعداد لها في اواخر 1963 من خلال الادارة المركزية للشباب بالاتحاد الاشتراكي العربي التي كان يتولاها السيد زكريا محي الدين وكان من اعضاء تلك الادارة السادة (د. محمد الحفيف ـ د. علي الدين هلال ـ حسين كامل بهاء الدين وآخرين) ومن طليعة الاشتراكيين حيث يقول عبد الغفار شكر في شهادته للباحث بدأ اعداد اول دفعة من الرواد الذين سيتولون تأسيس المنظمة في عام 1964 وانتهت عملية الاعداد في مايو 1965 وخلال هذه الفترة كان هناك عدد من هؤلاء الرواد قد ضم في عضوية طليعة الاشتراكيين وكانت عضويتهم سرية.


واتذكر اننا كنا في نهاية احد الافواج الدراسية، نستعد للعودة الى منازلنا في اجازة لمدة 3 أيام، جاء لكل واحد منا اتصال شخصي يطلب الحضور الى 11 شارع حسن صبري بالزمالك لأمر هام مع تعليمات بألا يخبر احداً بذلك وكان الاتصال من حسين كامل بهاء الدين. (11 حسن صبري اصبح بعد ذلك المقر المركزي لمنظمة الشباب الاشتراكي وكان في ذلك الوقت احد مقرات طليعة الاشتراكيين).


عندما دخل كل منا المبنى، ادخلونا قاعة اجتماعات فإذا بكل منا يجد باقي زملائه في هذه القاعة وعندما اكتمل العدد (16) دخل حسين كامل بهاء الدين القاعة وجلس على مائدة الاجتماعات وفتح نسخة من الميثاق وقرأ علينا الفقرة التي تتحدث عن الحاجة لتشكيل جهاز سياسي داخل الاتحاد الاشتراكي وقال ان هذا الجهاز موجود بالفعل ويعمل تحت القيادة السياسية لجمال عبد الناصر ويعمل بطريقة سرية وان القيادة السياسية وافقت شخصياً على انضمامنا لهذا الجهاز وانها تتوقع منا ان نقدر كل جهودها من اجل حماية الثورة وانجاح تجربة منظمة الشباب الاشتراكي، كان الحديث يدور معنا باعتبارنا عناصر ثورية وقال لنا بالاضافة الى ذلك انه كان من المفروض ان يحضر السيد علي صبري هذا اللقاء ولكن ارتباطاته المفاجئة حالت دون ذلك واننا سوف نباشر نشاطنا في طليعة الاشتراكيين من خلال مجموعات سوف نخطر بها بعد ذلك. وانتهى الاجتماع دون ان يتحدث احد منا بكلمة واحدة لأننا فوجئنا جميعاً بهذا الحدث الكبير، بعد ذلك تم توزيعنا على 5 مجموعات قيادية تولى كل منها أحد أمناء الشباب المساعدين في ذلك الوقت واذكر منهم سمير حمزة، اسماعيل طه الشريف، حسين كامل بهاء الدين وانا كنت من اعضاء مجموعة اسماعيل طه الشريف.


المهم عقدت هذه المجموعات عدداً محدوداً من الاجتماعات وما لبثت ان توقفت عن النشاط، علمنا بعد ذلك ان السيد علي صبري اعترض على تشكيل مجموعات طليعة الاشتراكيين من اعضاء منظمة الشباب فقط داخل بنيان المنظمة وكان قد تم تجنيد عدد آخر في المحافظات، وكان سبب اعتراضه بأنه لا يجوز قيام تنظيم طليعي خاص بالمنظمة فذلك يعني تقسيم الطليعة ويحمل مخاطر مستقبلية وفي هذه المرحلة كان قد بدأ التحول في بنية التنظيم من تنظيم حلقي ونوعي الى جغرافي. المهم اتخذ قرار بتوزيعنا على المناطق الجغرافية بالقاهرة وتم بالفعل توزيعي على منطقة غرب القاهرة وكان مسئولها السيد محمد فائق.


لكني لم امارس نشاطاً في غرب القاهرة ومارسته من خلال اللجنة العليا للشباب بطليعة الاشتراكيين والتي كانت تقع في مسئولية السيد علي صبري مباشرة ولها مقرران هما السيدان/ طلعت خيري وزير الشباب والكتور حسين كامل بهاء الدين امين الشباب. وكانت هذه اللجنة تقود العمل الشبابي في جميع مجالاته السياسية (منظمة الشباب) والجماهيرية (الاتحادات الطلابية) والتنفيذية (وزارة الشباب) والنشاط الرياضي (اللجنة الاولمبية) ولهذا فقد كانت تضم في عضويتها كل من: يوسف زين ـ من قيادات وزارة الشباب م. احمد الدمرداش التوني ـ رئيس اللجنة الاولمبية السابق د. رفعت المحجوب ـ من اساتذة الجامعة د. طعيمة الجرف ـ من اساتذة الجامعة عادل عبد الفتاح، هاشم العشيري، عبد الاحد جمال الدين، مفيد شهاب، سمير حمزة، عزت عبد النبي، عبد الغفار شكر، حسين وشاحي امين شباب الاسكندرية.


اما عن شهادة اسعد حسن خليل مسئول اتصال المستوى الاعلى (الصلة بين جمال عبد الناصر) من خلال سامي شرف والتنظيم بقيادة علي صبري ومن ثم شعراوي جمعة فيقول «كان انضمامي في عام 1965 وقبل انضمامي كنت في رئاسة الجمهورية في مكتب السيد علي صبري (رئيس المجلس التنفيذي ثم رئيس وزراء بعد ذلك) وظللت في الموقع حتى 15 مايو 1971 والذي قام بمفاتحتي بالعضوية المرحوم شعراوي جمعة والسيد محمد عروق كنت في مجموعة الرئاسة كان فيها (سفير جمال شعير، فؤاد كمال حسين «امين عام مساعد لمجلس الورزاء»، «عبد المجيد فريد امين عام رئيس الجمهورية»، «حسني الحديدي سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية» «كمال الانصاري سكرتير عام مجلس الورزاء»)، وكان تلك المجموعة مسئول عنها السيد شعراوي جمعة.


وفي شهادة السيد حامد محمود للباحث يقول «في عام 1964 كنت مدير مكتب السيد علي صبري رئيس الوزراء عندما كلفنا الرئيس عبد الناصر بتولي مهام طليعة الاشتراكيين ودعوة عدد من الشخصيات العامة لاخراج التنظيم الى حيز الوجود وعقد الاجتماع الأول لهذا الغرض في صيف 1964 في المقر المؤقت لرئاسة الوزراء في الاسكندرية واخذت الدعوة شكل حفل الشاي وبعد هذه الجلسة الاجتماعية انتقل الجميع الى قاعة الاجتماعات وكان حاضراً فيها كل من السادة حلمي سعيد (رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والادارة ووزير الكهرباء).


عبد المحسن ابو النور نائب رئيس وزراء ووزير زراعة واستصلاح اراضي.


د. نبوي المهندس وزير الصحة.


وعدد من الوزراء والشخصيات العامة وبعض رؤساء مجالس الادارات.


وتم التداول حول سرية التنظيم وتوحيد فكر الاعضاء واعدادهم للمسئولية القادمة بعيداً عن التنظيمات العلنية ودخول عدد من الانتهازيين اليها.


في مايو 1965 تركت مجلس الوزراء وعينت محافظاً للسويس بعد البحر الاحمر وترأست لجنة التنظيم الطليعي وكانت تضم (جمال سعد امين الاتحاد الاشتراكي في السويس، عبد الهادي ناصف، فاروق متولي، حامد حسن الشيخ احمد موسى سالم، عاطف سالم، السيد عيسى، فضل عسر، عادل الاشوح، يوسف غزولي، والاثنان الأخيران عاملان في مكتب شعراوي جمعة).


في شهادة السيد/ فايز محمد الكرته للباحث، انه انضم لطليعة الاشتراكيين في أواخر عام 1967 وكان وقتها رئيس الشئون المالية والتموين في الشركة العامة للبطاريات، وعن ظروف تجنيده فيقول «هزيمة 1967 احبطت الجميع وانا كنت اعد برنامجاً في التلفزيون المصري من عام 1964 حتى عام 1967، وكان اسمه ندوة الاسبوع وكانت مدته ساعة الا ربعاً وبتقديم من قبل مذيع اسمه محمود عبد المجيد، كانت الندوة تناقش مشاكل التطبيق الاشتراكي في مصر (الايجابيات والسلبيات وسبل الاستمرار) وفي كل مرة يستضيف الشخصيات المتخصصة في القضية المثارة وكان من ضمن الشخصيات المستضافة د. اسماعيل صبري عبد الله، د. رفعت المحجوب، د. فؤاد الشريف، د. فؤاد مرسي، د. جابر جاد وكنا حريصين ان نأتي بالمتناقضين.


ذلك عندما وقعت حرب 1967 وعلمنا بالهزيمة، علا صوتي بالهجوم الحاد على السلبيات وبالذات في مواجهة قيادات الاتحاد الاشتراكي الذين كانوا يمرون علينا في المواقع الانتاجية والمصانع لاجل ان يفسروا اسباب الهزيمة وكان من ضمن تلك القيادات احمد شهيب وكانت بيني وبينهم مناظرة حادة وبعد تلك الواقعة بثلاثة ايام وصلتني اشارة من رئاسة الجمهورية تطلب مني التواجد في 62 الخليفة المأمون بمصر الجديدة.


ذهبت الساعة الخامسة بعد الظهر بعد ساعة الا ربعاً تقريباً اجتمع بي احمد شهيب واحمد سمك واثنان آخران لا اتذكر اسماءهما وابلغوني انهم مكلفون من قبل السيد سامي شرف وقرأ واحد منهم فقرة الميثاق الخاصة بالجهاز السياسي في فضل الديمقراطية ومن ثم ابلغوني بأن الرئيس عبد الناصر هو الذي يرأس التنظيم وكلفوني بمسئولية المجموعة الطليعية التي سوف تكون في الشركة العامة للبطاريات، كما ابلغوني بأن السيد سامي شرف هو مسئول شرق القاهرة (قسم مصر الجديدة، قسم المطرية، قسم الزيتون، قسم الوايلي) وكانت المجموعة الطليعية في الشركة العامة للبطاريات مكونة من (محمد البشلاوي، محمد الجمل، صادق بيومي، عبد الرحيم زعبل، فايز الكرته).


وكان عملنا يتلخص في اجتماع اسبوعي نتناول فيه السلبيات قبل الايجابيات لدرجة اني مرة حاولت ان اجرب قدرة التنظيم في حل مشاكل العمل فقمت بتحويل شكوى لعامل اصيب بمرض وراثي (شلل رعاش) والتأمين الصحي كان يعالجه، فأرسلت عبر عبد العاطي نافع مسئول الطليعة في قسم المطرية خطاباً بحالة هذا العامل وطلبت له العلاج اما في مستشفى المعادي العسكري او الخارج. وفوجئت بأنهم استدعو العامل واخذوه مستشفى المعادي والحمد لله شفى تماماً ورجع يلعب في فريق كرة القدم بالشركة.


وبالاضافة الى ذلك فقد انتشرت اشاعة تقول ان غواصة اسرائيلية دخلت ميناء الاسكندرية وان البحرية المصرية لم تنجح في اصابتها. وارسلت بتلك الاشاعة عبر المسئول، وجاءني الرد عبر النشرة المرقمة بنشرة الطليعة، بأن فعلاً هناك غواصة دخلت وتم رصدها ومحاصرتها، انما اختفت تحت باخرة مدنية الى ان هربت، وبعد ذلك تبين لنا انها اصيبت وكانت تحمل اسم داكار».


ويكشف لنا السيد/ عادل الاشوح ـ مدير مكتب السيد شعراوي جمعة في الطليعة ـ والمحكوم عليه بخمس سنوات سجناً في قضية مراكز القوى في عام 1971، والمحاسب بشركة النصر للأسمدة بالسويس. «تعرفت على السيد شعراوي جمعة في السويس حيث كنت اعمل بشركة من شركات احمد عبود وحضرت التأميم ومن ايامها تعرفت على السيد شعراوي عندما كان محافظاً للسويس وجاء يزور المصنع وانا كنت رئيس نقابة وعضو مجلس ادارة منتخب. وكان العضو المفوض في مجلس الادارة السيد. يوسف توفيق سيدهم ومن المعروف انه كان معلماً للزعيم عبد الناصر وللسيد شعراوي في كلية اركان حرب، وكان التعارف بيني وبين السيد شعراوي عبر مناقشات حامية في اجتماع، بعدها طلبني في مبنى المحافظة وجلس معي 3 ساعات وطلب مني ان اتولى امين شباب بالسويس، لكني رشحت له السيد فاروق رضوان وبعدها تعرفت عن طريق السيد شعراوي على احمد عز الدين هلال، ويوسف غزولي، ومحمد عروق.


بعد ذلك قام السيد شعراوي جمعة بعمل لجنة تكون مسئولة عن تخطيط وانشاء مدينة صناعية في منطقة الزيتية وعتاقة وكانت مشكلة من د. رمزي الليثي، د. محمد عبد المطلب شعبان، والمرحوم المهندس يوسف سيدهم واستلمت انا امين اللجنة وعملنا دراسات لانشاء هذه المدينة، وفي هذه الفترة يعين شعراوي وزير دولة في رئاسة الجمهورية وطلبني معه لكني رفضت، وسافر السيد شعراوي واستلم عمله الجديد وفوجئت بأنه اصدر لي امر تكليف من قبله، وذهبت اقابله في رئاسة الجمهورية ووجدت عنده السيد عماد رشدي محافظ بني سويف. وانا من قبل ذلك كنت حضرت اجتماعاً معه في الاسكندرية وكان ذلك في اواخر 1963 والذي ابلغني بهذا اللقاء كان السيد جمال سعد من قيادات السويس وفي هذا الاجتماع وجدت كلاً من جمال سعد وفاروق متولي وعاطف سالم وعبد الهادي ناصف ويوسف الغزولي ومحمد عروق وحامد حسب ومصطفى ابو عدس (فلاح) وكان هذا اللقاء في قصر الصفا في اسكندرية وتم المفاتحة من قبل السيد شعراوي عندما قرأ لنا فقرة الميثاق الخاصة بالجهاز الطليعي وهكذا تشكلت مجموعة السويس في طليعة الاشتراكيين لذلك عندما صدر التكليف بانتقالي الى القاهرة عملت في مكتب اتصال الطليعة وكان معي مجموعة من الفنيين اعضاء الطليعة وبالاضافة الى ذلك اصبحت مسئولاً عن العمل عن المبعوثين في الخارج بتكليف من السيد شعراوي جمعة.


حب وغضب المهندس احمد عبد السلام حمادة عضو طليعة الاشتراكيين بمنطقة شرق القاهرة ومسئول الطلاب في الاتحاد الاشتراكي بالقاهرة، ومسئول طليعة الاشتراكيين في قطاع الطلبة، وحكم عليه بسنتين سجناً في قضية مراكز القوى في مايو 1971. يبدأ شهادته بالتأكيد على ان علاقته بالثورة علاقة حب وغضب وانتماء ونقد في كل المراحل اما عن بداية انضمامه لطليعة الاشتراكيين فيقول في عام 1965، كان عندنا رئيس نقابة لعمال الترام وكان رئيس عمال النقل البري ومنتخب عضو مجلس امة كان اسمه عبد العزيز مصطفى. المهم طلبني وانا كنت مهندساً في الترام وكلمني في تنظيم تقيمه الثورة وطلب مني مقابلة انور سلامة وزير العمل في ذلك الوقت وانا لم اكن عضواً في الاتحاد الاشتراكي العربي. قابلت انور سلامة ففاتحني في الانضمام لطليعة الاشتراكيين وكان معنا السيد/ متولي منصور سكرتير عمال النقل وآخرون. خمسة افراد. لكن الحقيقة انا لم اقتنع تماماً بهذا الكلام، فذهبت وقابلت السيد/ صلاح دسوقي محافظ القاهرة لأنه كان صديقي من ايام النشاط الطلابي قبل تعييني في الترام حيث كنت رئيس اتحاد طلاب جامعة عين شمس ونجحت بعد ذلك كسكرتير عام اتحاد الطلاب العرب وكان ذلك بالتنسيق مع المرحوم كمال رفعت ـ المهم حكيت ماتم للسيد صلاح دسوقي وابلغني ان هذا الكلام صحيح، بعد ذلك حضرت اجتماعين او ثلاثة ولم اتفاعل مع الجلسات ورفضت بعد ذلك الحضور وقمت انا بتجميد نشاطي.


بعد ذلك طلبني الصفطاوي امين الاتحاد الاشتراكي بقسم الوايلي الذي كان مشكلاً من (عباسية وحدائق) وضمني للجنة الطليعي في الوايلي وانضممت على السادة ـ سمير حمزة مقرر اللجنة او المجموعة، امير اسكندر، كمال حديدي، احمد حمادة، وكان سمير حمزة امين مساعد منظمة الشباب في تلك المرحلة وكان من القوميين العرب الذين انضموا الى عبد الناصر عندما تم التنسيق بين القوميين العرب وبين الثورة الناصرية مما رتب بإبلاغ الثورة بأعضاء القوميين العرب على ارض مصر وبدء التعاون معه وكان نشطاً وصاحب عقلية جيدة بعد ذلك تم القبض على سمير وامير اسكندر وآخرين كما تم تجميد اللجنة وجلست فترة من غير نشاط تنظيمي وانا بالمناسبة لم ادخل أياً من تنظيمات الثورة الجماهيرية لا هيئة تحرير ولا اتحاداً قومياً ولا اتحاداً اشتراكياً وقاموا بعمل عضوية لي في الاتحاد الاشتراكي بعد ضمي طليعياً.


بعد ذلك فوجئت بتعييني مسئول شباب بالوايلي بعد القبض على المسئول السابق، واستدعاني صلاح الدسوقي محافظ القاهرة وطلب مني ترشيح بعض الشباب لمنظمة الشباب وكان أيامها المسئول السياسي عن المنظمة زكريا محي الدين فرشحت له مجموعة من الشباب كان منهم (سيد هنداوي، عبد الحميد بركات، عباس الدندراوي وآخرين) وذهبنا الى اول معسكر لمنظمة الشباب في مرسى مطروح وكان معظم الوفود من تربية وخدمة اجتماعية، باستثناء القاهرة كانت من كليات مختلفة وكانت هناك مجموعة من الموجهين كان منهم د. محمد الخفيف وكان صلاح البنا مسئول للمعسكر وكان اخوانياً سابقاً ومميزاً وحضر لنا السيد زكريا محي الدين وشعرت بأنه رجل دولة من طراز رفيع.


بعد ذلك رشحوني للمرحلة الثانية في المنظمة لكنني اعتذرت لظروف عمل وسفري للولايات المتحدة الاميركية، لكن بعد مجيئي من رحلة العمل تلك رشحت للمرحلة الثالثة وتم استثنائي من الثانية ووجدت كل مجموعتي اصبحت من المسئولين في المنظمة وذهبت الى معسكر الهرم وتم انتخابي رئيساً لمجموعتي ووجدت محاكمة لاحمد شوقي العقباوي (عالم نفس) لانه قال ان الميثاق ليس نظرية وانما دليل عمل وفزعت من تلك المحاكمة وكان من قيادة المنظمة الحاضر من المعسكر عزت عبد النبي وهاشم العشيري.


وتم التصويت على انه مذنب ام غير مذنب وانا كنت الوحيد على ما اتذكر الذي قلت غير مذنب، بعد ذلك طلبوا مني ان اعمل موجهاً في المنظمة فرفضت، بعد ذلك فوجئت يتبعني مسئول لشباب الوايلي كما قلت في السابق وقبلت التحدي وعملت تجربة مهمة جداً بشهادات الآخرين فأصبحت امين شباب شرق القاهرة.


بعد النكسة ووقوع مظاهرات 1968، استدعاني السيد سامي شرف وقال لي ان الرئيس اعطى توجيهات بأن تكون مسئول طليعة الاشتراكيين في قطاع الطلاب على مستوى مصر، وقبلت وبدأت الحركة لكن مع الأحداث وصراعات مع بعض المسئولين تقلصت حدود مهمتي في المسئولية على طلاب القاهرة وشكلت طليعة الاشتراكيين في جامعة عين شمس والقاهرة والازهر، فكان في عين شمس السادة/ احمد الحمدي، ماجد جمال الدين، محمد اسماعيل، ماهر مخلوف، طارق النبراوي، محمد سامي، بسام مخلوف، محمد عبد الغني، احمد الجمال، صفوت عبد الحميد، محيي السعيد، سامح السريطي، فاطمة ابو العز، مصطفى الغزاوي، رفعت بيومي، رفعت العجرودي، احد سامي الوكيل.. كنا حوالي 150 طليعياً في جامعة عين شمس. وكان في جامعة الازهر عبد الله ابو هشة واسامة خاطر وآخرين وفي جامعة القاهرة كان مجدي حماد، علاء حمروش، جمال عفيفي، سمير عزب، رفعت عبد الباسط، فريدة حامد، وكان مسئول المتابعة مهدي عسر ونبيل درويش.


واستكمالاً لتلك الشهادات، كان لابد من اخذ شهادة اثنين من فعاليات الطلاب في جامعة عين شمس ـ ذلك الموقع الذي استمر في العطاء وامداد الحركة الناصرية بالكوادر بعد انقلاب مايو 1971.


شهادة كل من السيدين محمد سامي احمد، طارق محمد عزت النبراوي، والاثنين قد تمت مفاتحتهما للانضمام للطليعة الاشتراكية في سبتمبر 1968، وبعد احداث الطلاب والمظاهرات الغاضبة بسبب احكام الطيران كنا من ضمن مجموعة منظمة الشباب داخل كلية هندسة عين شمس، وكنا حوالي 250 طالباً ومن المعروف انه كان مسموحاً بنشاط المنظمة في الجامعة في تلك المرحلة، وكان يوجد ثلاث تيارات رئيسية في الكلية (مجموعة المنظمة، مجموعة الماركسيين، ومجموعة دينية ضعيفة جداً).


وعندما صدرت احكام الطيران، انفعلنا وغضبنا غضباً شديد، وتناقشنا مع بعضنا وقررنا الاجتماع (مجموعة المنظمة) في يوم الجمعة لأنه كان اجازة واتفقنا على التمرد لاعلان غضبنا وقررنا الاعتصام في الكلية ثم الانتقال الى الجامعة.


وعندما وصل الخبر الى قيادات المنظمة، جاءوا الينا في المؤتمر الذي عقدناه يوم السبت لكي يمنعونا من ذلك وكان منهم (د. عبد الاحد جمال الدين، عزت عبد النبي، احمد حمادة، عادل عبد الفتاح، هاشم عشيري، مهدي عسر) واجتمع معنا في مكتب عميد الكلية كل من عبد الاحد جمال الدين وهاشم العشيري ومهدي عسر بغرض اثنائنا عن المشاركة في تلك الاحداث. لكن استمرينا وخرجنا الى الجامعة في مظاهرة كبيرة ومن الجامعة الى ميدان العباسية وتم القبض على محمد سامي ومحمد اسماعيل وعدد آخر من الاسماء لمدة 3 ايام، وصدر قرار باغلاق جامعة عين شمس لمدة اسبوعين، وكانت تحركات العمال قد بدأت يوم الخميس من حلوان وكان من قياداتها عبد المنعم وهدان من المنظمة ايضاً وكنا رافعين لواء التصحيح من داخل الثورة ومن داخل النظام ومطالبين بالديمقراطية ورغم سجن البعض الا انه توالت اجتماعاتنا في المنظمة بمقرها في حسن صبري بالزمالك لكي نكون مستعدين بالحركة عند بدء الدراسة من جديد، المهم بعد هذه الاحداث جاءت الينا دعوة من خلال احمد حمادة في اوائل عام 1968، وقابلنا السيد سامي شرف في نادي الشمس وتمت مفاتحة عدد كبير من الفعاليات الطلابية الذين اشتركوا في الاحداث. وذلك بغرض الانضمام لطليعة الاشتراكيين، وقسمنا على مجموعتين طليعيتين مجموعة كان فيها محمد سامي وطارق البندراوي واسامة عطوة وسمير عبد الشافي (مسئول المجموعة)، ومجموعة اخرى كان مسئولها احمد الحمدي وكان من اعضائها محمد اسماعيل، يحيى زكريا، بسام مخلوف، سهام الحمدي وكان مسئول الطليعة على مستوى الجامعة احمد حمادة، وكان اتصالنا المباشر السيد سامي شرف والسيد شعراوي جمعة.


من تلك الشهادات ينكشف لنا ان التجنيد كان يتم عبر الاختيار الشخصي والمعرفة الشخصية وبعض التجنيد تم عبر محكات الفرز والاشتباكات السياسية والفكرية في مواقع مختلفة، كما ان التجنيد كان يتم تحت سقف وشرعية وغطاء الدولة واجهزتها مما اعطى انطباعاً للمجند بالحماية، فمن سوف يقول لا للسيد شعراوي او السيد سامي شرف او التابعين لهما، ومن يملك جرأة النقد، ومن هنا كان التجنيد عبر المحكات والاحداث الساخنة مثل احداث الطلاب في 1968 وبعض المواقع بعد نكسة 1967، دليل على حيوية وكفاءة وقدرة على تصحيح الاوضاع، ودليل على عين ثاقبة في اختيار العناصر، ولعل ذلك ما تؤكده مسيرة الحركة الناصرية بعد انقلاب مايو 1971 حيث كانت معظم تلك العناصر من التي استمرت في العطاء الناصري عكس الكثيرين الذين انضموا الى حزب السادات ونظامه او قبعوا في منازلهم خشية بطشه.


ويهمنا ايضاً ان فرصة التجنيد في معظم الحالات (الشهادات) كان يتم عبر قراءة نص الميثاق الذي جاء على ذكر الجهاز السياسي في الباب الخامس الديمقراطية، كما يهمنا ان نبين ان احداث طلاب 1968 كانت في معظمها من الشباب الذي تربى في حضن منظمة الشباب الاشتراكي، وذلك يعني ان ابناء الثورة قد بدأوا مسيرة الاصلاح والتصحيح والتصويب من داخل النظام ومن داخل الايمان بالتجربة والقائد. كما تبين لنا ان غضب السلطة على ابنائها كان وارداً وبقسوة احياناً على من يريد ان ينتقد وبالذات من المسئولين الذين فهموا أمن النظام على انه امن الثورة وامن الحلم والمشروع ولم يرغبوا في التعرف على النقد الصحي الذي يطور المسيرة.


طليعة الاشتراكيين والحركة الشيوعية شائع ومعروف موقف الحركة الشيوعية المصرية من ثورة 23 يوليو 1952، ويكفي ان نستعيد ما كتب في النشرات السرية للحركة الشيوعية (راية الشعب، الحقيقية، الثقافة الجديدة، الفلاح، الحركة العمالية) ويتلخص في الآتي: - الخدعة الكبرى ـ انقلاب عسكري فاشي لجر الشعب الى الحرب.


- ستثبت الأيام ان الدكتاتورية العسكرية لا تفترق عن دكتاتورية الملك السابق بل تزيد عنها.


دبر الاستعمار الاميركي انقلاباً عسكرياً فاشياً واقام في البلاد حكماً ارهابياً دموياً، وسلط على المصريين عصابة من السفاحين والجواسيس المحترفين.


- عبد الناصر خائن مدرب على التجسس لمصلحة الدول الاستعمارية.


- عبد الناصر اكبر خائن عرفته مصر.


- عصابة الخراب الاقتصادي.


- فاشي مصر المفلس يبحث عن المجد في باندونج.


- عبد الناصر عدو السلام.


- فظائع السفاح عبد الناصر.


ذلك هو المناخ الذي ساد العلاقة بين الثورة وقائدها جمال عبد الناصر والحركة الشيوعية المصرية بكافة فصائلها.


وفي ذلك تقول شهادة محمود امين العالم القائد الشيوعي البارز والذي انضم الى طليعة الاشتراكيين في ابريل 1965 كنا في سجن الواحات في 1 ابريل 1959، وكان قد تم توحيد الحركة الشيوعية المصرية تحت اسم الحزب الشيوعي المصري لأول مرة، وبعد ذلك بعدة شهور اشتد الصراع بين النظام في العراق والنظام في مصر، وحدث انقسام في الحركة الشيوعية المصرية (الحزب الشيوعي المصري) من جراء ذلك.


وكان قبل السجن قد تمت مقابلة بيني وبين السادات عن طريق يوسف ادريس، ووجه البنداري دعوة للانضمام الى تنظيم الاتحاد القومي، وابلغته تحياتي لعبد الناصر واخطرته رفض الانضمام الا بكل التنظيم.


وبدأت الاعتقالات بعد اربعة ايام لكل الشيوعيين باقسامهم المختلفة، بعد ان تراوحت تحليلاتهم لنظام عبد الناصر بين البعض الذي كان يرى ان التناقض الرئيسي بين عبد الناصر والشعب وليس بين عبد الناصر والاستعمار.


وبعد ان صدر الميثاق تعالت الخلافات في فهم طبيعة النظام من قبل الانقسامات الشيوعية التي زادت من جراء تلك الخطوة، وتم نقل الكثير منا الى الواحات، ونظرنا الى الميثاق بصورة اكثر ايجابية وتفاعل بناء، واطلقنا على اصحابه من النظام «المجموعة الاشتراكية غير العلمية».


وهكذا بدأنا نعقد اجتماعات تعالت فيها اصوات مساندة للنظام.


بعد ذلك تشكلت طليعة الاشتراكيين، وتم اتصال من جانب احمد فؤاد واحمد حمروش بالمرحوم زكي مراد وبعد مناقشات وضح موقف التعاون، وقمت بارسال خطاب للسادات ابلغته فيه امكانية التعاون بيننا. وبعد خروجنا من المعتقلات عقدنا مؤتمراً كبيراً (لكني لم احضره)، وطلبني سامي شرف وفاتحني بعضوية طليعة الاشتراكيين وادخلني في مجموعته وطلب مني عمل مجموعة في اواخر عام 1961، وعينت في مجلة «المصور»، ثم الهيئة العامة للكتاب، وبعد ذلك ابلغني شعراوي جمعة رغبة عبد الناصر في دخولي امانة طليعة الاشتراكيين، حيث كان من اعضائها احمد حمروش وعبد المعبود الجبيلي وامين عز الدين وعبد المجيد فريد واحمد شهيب واحمد فؤاد ومحمد عروق وعبد المحسن ابو النور ومحمد فائق وكان يرأس اجتماعات امانة طليعة الاشتراكيين شعراوي جمعة.


اما السيد احمد حمروش يقول من تلك الايام في كتابة «مجتمع جمال عبد الناصر ص 244» بدأنا الاتصال بالتنظيمين الرئيسيين (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني، حدتو، والحزب الشيوعي المصري)، وكان الإفراج قد تم عن كافة المعتقلين الذين امضوا في المعتقل سنوات طويلة الامر الذي ادى الى عدم اجتماع اللجنة المركزية لحدتو كاملة من ديسمبر 1952 الى مايو 1964 لوجود اكثر من نصفها داخل السجن.. مثل حدتو في هذه المقابلات احمد رفاعي المحامي وزكي مراد المحامي وفؤاد حبشي وتمت موافقتهم على الانضمام الى طليعة الاشتراكيين، واعددت لذلك خريطة كاملة بأعضاء حدتو وتسكينهم مع اعضاء فرعنا في اماكنهم التي يعملون بها في القاهرة والاسكندرية والاقاليم. من المعروف ان احمد فؤاد كان من ضمن مجموعة البداية التأسيسية لطليعة الاشتراكيين وضم حمروش بعد ذلك لامانة طليعة الاشتراكيين وقد قاما الاثنين بجهد كبير يضم بعض اعضاء الحركة الشيوعية، تعليق من الباحث.


كما جرت عدة لقاءات مع الدكتور فؤاد مرسي السكرتير السابق للحزب الشيوعي لم تنته الى قرار واضح، وعندما حمل احمد فؤاد الخريطة التي تحمل اسماء فرعنا مضافاً اليهم اعضاء (حدتو) اخذت الحاضرين (جمال عبد الناصر وعلي صبري ومحمد حسنين هيكل وسامي شرف) الدهشة من سرعة التنفيذ. ووضع الاقتراح الذي تقدم به جمال عبد الناصر شخصياً مع الخريطة التي اعددناها والاقتراحات التي حملها احمد فؤاد على الرف نهائياً.. وقد ادى دخول بعض اعضاء التنظيمات الشيوعية الى طليعة الاشتراكيين ومنع البعض الآخر والتلكؤ في قبوله، الى حدوث خلافات في وجهات النظر وقيام مناقشات على نطاق واسع، وانتهت الى حدث تاريخي لم يحدث في اية دولة من قبل.. اذا اتخذ التنظيمان الشيوعيان الكبيران قراراً بحل التنظيم بوجهات نظر مختلفة.



50 عاماً على ثورة يوليو،

قصة «طليعة الاشتراكيين» التنظيم السري لعبدالناصر (4 ـ 8)،

لم تحدث صفقة بين الرئيس والماركسيين

استعرضت الحلقات الماضية الأسباب التي دفعت عبدالناصر الى تأسيس التنظيم وأهميتها وامتلاء حزب السلطة بالأفاقين والانتهازيين، وصعوبة الفرز بين الناس وقصة الاجتماع الذي دعا اليه الرئيس الاسبق وحضره عدد مختلف عليه من الاشخاص وأهم من انضموا للخلايا الأولى وأغربهم الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الازهر وكذلك مشاهير ممن أصبحوا أعضاء في التنظيم ثم تم تجميد عضويتهم وعلى رأسهم عزيز صدقي وسيد مرعي.


تناولت الحلقات ايضاً واجبات وحقوق عضو التنظيم وكيف كان الرئيس يشرف بنفسه على تشكيل الخلايا وسرد كيفية هذا التشكيل واستبعاد التقارير الأمنية في تقييم المرشحين للعضوية وكيف ضمت منتقدين للنظام وقادة مظاهرات. كما استعرضنا تقلب الحركة الشيوعية وقبولها حل أحزابها ليدخل قياديوها تنظيم طليعة الاشتراكيين بعد ان كانوا يصفون عبدالناصر بأنه سفاح وخائن.


وتتناول هذه الحلقة ما قيل عن وجود صفقة بين ناصر والماركسيين.


شهادة السيد شعراوي جمعة امين طليعة الاشتراكيين وفي رده عن سؤال وجهته اليه مجلة الموقف العربي في عددها رقم 65 في سبتمبر 1985. دخول الماركسيين مجموعات التنظيم الطليعي وامانته العامة.. هل كان جزءاً من صفقة بين عبد الناصر والماركسيين بعد حل احزابهم كما تقول بعض الكتابات؟ للانصاف وللتاريخ لم تكن هناك صفقة من أي نوع ولم تكن هناك شروط، وليس الماركسيين وحدهم هم الذين دخلوا التنظيم الطليعي، فقد دخلوا ايضاً اعضاء انتموا في السابق الى (الطليعة الوفدية) و(الحزب الاشتراكي) و(الاخوان المسلمين) ايضاً، ولعل الكثيرين لا يعرفون مثلاً ان المناضل الراحل عبد الهادي ناصف قد اتى من صفوف الاخوان المسلمين.


واذكر ان الرئيس عبد الناصر في اجتماعه مع اعضاء المكاتب التنفيذية بالقاهرة والجيزة (مارس 1996) اجاب على سؤال وجه اليه عن موقف المكاتب التنفيذية بالنسبة للشيوعيين قائلاً: (اما بالنسبة للسؤال عن الشيوعيين فإن فيهم اشخاصاً صالحين، وقبل ثورة 1952 لم يجدوا طريقاً آخر للكفاح في سبيل حرية هذا البلد واستقلاله) وقد اتيح للماركسيين ان يدخلوا اجهزة التنظيم الطليعي منذ بداية تكوينه، وعندما توليت امانة تنظيم طليعة الاشتراكيين كنت اعرف الكثير منهم وقدرتهم على العمل السياسي واقترحت ادخال بعض العناصر منهم الى امانة طليعة الاشتراكيين للعمل معنا (عندما عرضت الاسماء على الرئيس عبد الناصر لم يعترض على أي منها ولم يطلب اضافة احد وهذا دليل قاطع على عدم وجود صفقة بين عبد الناصر والماركسيين وكان الاختيار شخصياً واذكر هنا على سبيل المثال موقفاً عملياً رجح كفة اختيار (محمود امين العالم) كان العالم يعمل في دار الهلال وحين انتقل الى العمل في هيئة المسرح كان راتبه في عمله الجديد اقل بكثير من راتبه في دار الهلال وفي مثل هذه الحالات تسوى حالة الموظف بحيث يصرف له الراتب الاعلى، لكن محمود امين العالم رفض التسوية واصر على ان يتقاضى راتبه من هيئة المسرح دون أي زيادة وبعد نكسة 1967 جرى تعديل في تشكيل الامانة العامة للتنظيم الطليعي وخرج من التشكيل القديم بعض العناصر وحين عرضت التشكيل الجديد على الرئيس عبد الناصر لم يكن ثمة اعتراض هذه المرة ايضاً فقد كانت القواعد المقررة ان الاشخاص يختارون وفق كفاءتهم واخلاصهم الثوري وليس لاعتبارات اخرى.


اما السيد علي صبري في شهادته المنقولة عن كتاب (علي صبري يتذكر) للكاتب عبد الله امام والصادر عن مكاتب روزاليوسف في اجابة عن سؤال: ـ كيف نقيم مجتمعاً اشتراكياً بينما نعتقل الشيوعيين وهم فصيل هام من الفصائل الاشتراكية؟ الشيوعيون اعتقلوا في فترات زمنية محددة ولمواقف محددة اتخذوها.


في اوائل الثورة الجبهة التي تكونت بين الاخوان المسلمين والشيوعيين.. هم الذين بدأوا بالعدوان على الثورة ولا اريد ان اعدد مواقفهم، فقد اطلقوا مثلاً على قانون الاصلاح الزراعي الافساد الزراعي ولم يقولوا ماذا يريدون خصوصاً في مجال الارض الزراعية حتى نواجههم بالحوار هل يريدون مزارع دولة أم مزارع تعاونية.. وانما اكتفوا بأن قالوا انه قانون افساد زراعي.


سنة 1958 موقفهم من الوحدة بين مصر وسوريا ثم موقفهم من الحزب الشيوعي في العراق.. القوات الاميركية تنزل في لبنان والانجليز في عمان وقوات العدو تحيط بك وترسم صورة للمقاومة والنضال. بينما هم مع عبد الكريم قاسم بل كان موقفهم في الجمهورية العربية المتحدة غريباً. قبل ذلك عندما مصرت المصالح الاجنبية قالوا ان هذا حكم بنك مصر.. وبنك مصر هو بنك الدولة.


ـ كانوا يتشككون في علاقة الثورة بالاميركان في تلك الفترة؟ من حقهم ان يشككوا، ولكن الوقائع اثبتت العكس فقد وضح اتجاه الثورة من المخطط الاميركي واصطدامها به من عام 1954، فإذا كانت هناك حجة او شك عامي 1952، 1953 فلم تكن هناك حجة بعد ذلك وخاصة بعد ان اعلنت القوانين الاشتراكية التي لم يكونوا سعداء بها، وفسروها على انها رأسمالية دولة. ولكن عندما اتضحت الامور واستقرت بعد عام 1964 لم تكن هناك مشكلة وتفهموا الامر تماماً.


اما عن شهادة السيد سامي شرف التي ادلى بها للصحفي عبد الله امام في كتاب (عبد الناصر كيف حكم مصر؟) ورداً على سؤال من عبد الله امام: ـ حسب معلوماتي انه كان لك شخصياً دور في حل الحزب الشيوعي المصري.. فهل يمكن ان تشرح لنا هذه القضية، كيف بدأت؟ بعد الثورة استمرت التيارات الشيوعية المختلفة الموجودة في مصر في نشاطها تحت الارض، وكانت المعلومات تدل على ان الحزب الشيوعي المصري هو انشط هذه التيارات، اما باقي التيارات كانت معروفة بالاسم، ولم يكن لها تأثير او وجود مؤثر.


حدثت اندماجات وانشقاقات بين التيارات الرئيسية وهي الحزب الشيوعي المصري وحركة التحرر الوطني (حدتو) والتيار الثوري، وهي الفروع الثلاثة النشطة اذا قلنا مجازاً ان لها قواعد. وقد لوحظ في الفترة بعد الوحدة من سنة 1958 حتى 1962 زيادة النشرات التي تصدر عن ما يسمى بالحزب الشيوعي المصري الذي يوجد في منشورات تحمل اسم (الرفيق خالد).


اهتم الرئيس بما يكتبه واراد ان يعرف من هو الرفيق خالد، وكلفت الاجهزة التي تتابع الموضوع لتعرف من هو الرفيق خالد، وللاسف الشديد لم تستطع ان تصل الى معرفته، وجاءت معرفته بواسطة الرئيس جمال عبد الناصر شخصياً.


استدعى في يوم من الايام في نهاية 1963 احد الاشخاص وكان لدى الرئيس انطباع قوي انه يعرف من هو (الرفيق خالد) قال له سوف اسألك سؤالاً واحداً: وتجيبني عليه بحكم العلاقة التي تربطنا وبحكم الوطنية ومصريتك، وثق ان الغرض ليس ان تفشي اسراراً او ان تكشف عن شخص قد يكون عزيزاً عليك ولكن ارجوك ان تكون صادقاً معي، كما كنت صادقاً طوال عمرك. اندهش هذا الشخص وقال: اسأل يا ريس ما هو السؤال فسأله الرئيس: من هو الرفيق خالد؟ كان السؤال مفاجئاً ومباغتاً، ولكن هذا الشخص بعد تفكير قصير جداً، لم يطل قال للرئيس ان الرفيق خالد هو الدكتور فؤاد مرسي.


كان الرئيس قبل ان يستدعي هذا الشخص قد ظل شهرين يحلل ويقرأ كتباً وابحاثاً ودراسات لخمسة اشخاص بعينهم، الدكتور فؤاد مرسي واحد منهم ووصل الى قناعة شخصية ان الرفيق خالد قد يكون هو الدكتور فؤاد مرسي.


ـ كان الدكتور فؤاد مرسي معتقلاً؟ ـ في هذا الوقت لم يكن معتقلاً. وقد جاء وقابل السيد علي صبري وتكلم في اطار العمل السياسي والتنظيمات السياسية والاتحاد الاشتراكي، ووجهة نظره في تنظيم الشباب وفي الوحدات الاساسية ولجان الاقسام والمراكز والبناء العام للاتحاد الاشتراكي وسأله عن اقتراحاته لتطويره.


الرئيس يقابل فؤاد مرسي يضيف شعراوي جمعة: وانا كذلك طلبت الدكتور فؤاد مرسي فبدأت الحديث بسؤال لماذا هو في الاسكندرية باستمرار وقلت له: اننا نحب ان نراك في القاهرة؟ قال لو تحبوا ان تروني انا موجود، وابلغته بأن الرئيس مهتم بما يكتب.. المهم خلقت نوعاً من انواع الصلة المباشرة في اطار الاستعانة به في وضع توصيات واقتراحات ونقد للتجارب ولقد تكلم هو بصراحة ووضوح وطلب ان يقابل الرئيس، فقلت له انني سوف ابلغ رغبته للرئيس وحدد الرئيس له موعداً بعدها بأقل من اسبوع.


في اللقاء كاشفه الرئيس قائلاً انه يعلم ان الرفيق خالد هو نفس الدكتور فؤاد مرسي.. وفي هذا اللقاء ايضاً قال له الرئيس: اننا نمر بمرحلة تعاد فيها صياغة المجتمع وهناك ضوابط بالنسبة للمجتمع المصري بالنسبة للتطبيق الاشتراكي، ولا يمكن ان يطبق في مصر الماركسية، لأن لدينا ما يحول دون ذلك، من ناحية المبدأ نحن لا نأخذ اقوالاً ونطبقها، لأن الذي يطبق النظم هم البشر، ولا استطيع ان اضع البشر الذي يصوغ التجربة عملياً في قوالب جامدة، فلنا تجربتنا الخاصة المختلفة والمتميزة وعلى سبيل التحديد نحن نؤمن بالله وديننا واضح ونحن نتمسك به.


وكانت كلمات الرئيس له تشجعه حتى وصل الرئيس الى قوله: انني اطرح عليك رأياً لتفكر فيه، وهو غير ملزم عليك ان تفكر وعندما تصل الى قناعة او الى قرار فإن بابي مفتوح لنناقش ما وصلت اليه، الرأي باختصار شديد هو ان تنضم العناصر اليسارية في الساحة المصرية الى تحالف قوى الشعب بشكل او بآخر، فكروا، وضعوا مقترحاتكم، وانتهى اللقاء عند هذا الحد من النقاش.


بعد هذا اللقاء اعطاني الرئيس تعليمات ابلغها الى السيد علي صبري باعتباره امين الاتحاد الاشتراكي والمرحوم شعراوي جمعة وباقي الاجهزة بما دار من حديث لتكون على علم ودراية بالتطورات التي حدثت، وابلغت ايضاً المرحوم حسن طلعت مدير المباحث العامة.


ـ الشيوعيون كانوا في المعتقل في هذه الفترة؟ ـ بعضهم كان في المعتقل.


ـ هناك تفسير ان الدولة كانت تتجه الى النظام الاشتراكي في الوقت الذي كان فيه الاشتراكيون معتقلين؟ ـ كانت الاعتقالات تتم بالنسبة للعناصر الماركسية وهناك نقطة احب ان اتكلم فيها كشرح مبسط جداً نحن هنا سواء في الاعلام او الاجهزة نخلط بين كلمة اليسار وكلمة الاشتراكيين وكلمة الشيوعيين وهناك فروق كبيرة جداً بين هذه الكلمات وبين من يتصفون بهذه الصفات.


ـ النهاية شيوعيون.. اشتراكيون.. ماركسيون، كلهم فصائل اليسار؟ ـ كلهم يسار نعم، ولكن الانتماءات التي تحت هذه المسميات تختلف، اذكر تماماً ان جمال عبد الناصر في الاجتماعات السياسية، كان يقول دائماً انه اكثر الجالسين يسارية، واليسارية هنا ليست بمعنى الماركسية او الشيوعية ولكن بمعنى اصراره على التغيير.. التغيير الثوري.


ـ رغم اختلافنا مع بعض فصائل اليسار، فإن اليسار عموماً يمكن ان يقيم تنظيمات او خلايا او ان يصدر منشورات ولكنه ابداً لا يستخدم السلاح ولا العنف، والسؤال هو لماذا كان اليسار الماركسي معتقلا؟ ـ الاعتقال بالنسبة للعناصر الماركسية كان للحد من نشاطات تؤدي الى احداث بلبلة في اوساط عمالية او طلابية او تطغى عليها شكل مطالبات لا يستحقها من يطالب بها.


ـ هل يمكن ان يعتبر ذلك نوعاً من انواع التوازن السياسي بمعنى انك تلقي القبض على المتطرفين يميناً وفي نفس الوقت تلقي القبض على المتطرفين يساراً، وهم الاخوان المسلمين من اليمين والشيوعيين من اليسار لاحداث التوازن؟ ـ لم يكن الامر بهذا الشكل.. ولا استطيع ان اقول ان خوروشوف عندما هاجم جمال عبد الناصر اتخذ ناصر اجراء كان هذا الاجراء رسالة لسيد الكرملين يقول له: هل تظن ان الخمسمئة شخص الموجودين في مصر يمكن ان يفعلوا شيئاً.


ـ هل لأن خوروشوف هاجم جمال عبد الناصر يلقى القبض على الشيوعي المصري؟ ـ لا.. ولكنها لعبة الشطرنج السياسي، لا تستطيع تفسيرها بهذا الشكل ويكمن تفسيرها بمعنى ان خوروشوف لما هاجم جمال عبد الناصر هاجمه بناء على نصيحة من خالد بكداش، وكان جمال عبد الناصر موجوداً في سوريا وكانت رؤية خالد بكداش التي قالها لخوروشوف انه اذا نجح نظام عبد الناصر فأخطاره لا تقتصر على المجتمع السوري، فإن العدوى ستنتقل الى المشرق العربي كله، ولن يكون لنا كشيوعيين كيان، فهاجم خوروشوف جمال عبد الناصر، الذي رد عليه بأنه اذا كان يتصور انه توجد قوة يمكن ان تحدث التغيير فهذه القوة ليست مؤثرة.


ـ هل توسط خوروشوف فيما بعد للافراج عن الشيوعيين؟ ـ توسط ولم يستجب له جمال عبد الناصر وقال له ان الاجراء الذي تأخذه القاهرة ينفيه اجراء من القاهرة وكان ذلك في الجلسة التي كان يحضرها الرئيس عبد السلام عارف، عندما جمعهم لقاء في البحر الاحمر.


ـ .. .. .. ؟ ـ قال الدكتور فؤاد مرسي للرئيس عبد الناصر اننا نرحب بالمساهمة في الاتحاد الاشتراكي والمشكلة الرئيسية ان البعض يرى ان يكون لهم وضع خاص.


ومنذ البداية قال الرئيس: تدخلوا كأفراد.. وهذه شروط كأفراد، وكل واحد يقدم طلباً ويأخذ موقعه في محل افراد سكنه جغرافياً، او مهنياً في مكان عمله، وبدأت بعد ذلك لقاءات مع علي صبري حول هذا الامر وتدخل الاستاذ محمد حسنين هيكل في هذا الموضوع، وكان له دور فعال، وعندما تم الاتفاق اصدروا تعميماً داخلياً للاعضاء بأن الامور اصبحت سهلة او ميسرة ويمكنهم ان يمارسوا النشاط داخل الاتحاد الاشتراكي وفي اللقاءات مع الدكتور فؤاد مرسي اتفق دون أي ضغط ان يصدر الحزب الشيوعي بياناً يعلن فيه حل نفسه ومن يريد ان يساهم في العمل السياسي، فأبواب الاتحاد الاشتراكي مفتوحة، ويرفع عنهم العزل السياسي.


ـ في تلك الفترة كانت هناك قائمة باسماء الاعضاء في التنظيمات الشيوعية؟ ـ نعم كانت هناك قوائم باسماء الاعضاء والتنظيمات وكل القيادات الشيوعية الموجودة في مصر وكانوا لا يزيدون على 950 شخصاً دخل اغلبهم الاتحاد الاشتراكي بعد ان رفع عنهم العزل السياسي.


ـ هل سيطروا على التنظيم الطليعي؟ ـ لا .. التنظيم الطليعي كان يقوده جمال عبد الناصر ولجان التنظيم الطليعي بدأت قبل دخول الشيوعيين بشكل خلايا ثم تحول الى تنظيم جغرافي..ولم يكن منهم في مستوى قيادي لفترة ما سوى محمود العالم.


اذن نستطيع ان نرصد ثلاث مراحل في علاقة الثورة بالشيوعيين، مرحلة الصدام والتي صنف فيها الشيوعيين الثورة على انها انقلاب فاشي وديكتاتوري وعميل للأميركان وهي مرحلة انتهت بادخال معظم فاعلياتهم السجون والمعتقلات اما المرحلة الثانية هي مرحلة الحوار وهي التي بدأت مع مواقف الشيوعيين المؤيدة للثورة في حرب 1956 ـ ضد العدوان الثلاثي وقد اعترى هذه المرحلة كثير من العقبات مثل الموقف من الوحدة المصرية السورية والتأييد الشيوعي لعبد الكريم قاسم، لكن الحوار كان طابعاً مميزاً لها استمر حتى وصل الى إمكانية دخول الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي وطليعة الاشتراكيين واخيراً مرحلة التفاعل والاحتواء، حيث تم دخول الكثير من فعاليات الحركة الشيوعية للاتحاد الاشتراكي العربي ولطليعة الاشتراكيين وبالتالي الى كافة اجهزة الدولة والثورة معاً وفي مقابل ذلك تم حل الحزب الشيوعي المصري وحزب الحركة الديمقراطي الوطني (حدتو) لأول مرة في تاريخ الاحزاب الشيوعية تقريباً.


ويهمنا هنا ان نؤكد على وجود اكثر من قيادي ماركسي وشيوعي في امانة طليعة الاشتراكيين والامانة العامة للاتحاد الاشتراكي مثل محمود امين العالم الذي استلم موقع التثقيف الطليعي، وعبد المعبود الجبيلي، ورشدي سعيد، احمد حمروش، فؤاد مرسي، امين عز الدين، يوسف غزولي، حلمي السعيد، احمد فؤاد وآخرين.


العلاقات بحزب البعث أصدرت طليعة الاشتراكيين ثلاثة اعداد من نشرتها السرية (الطليعة الاشتراكية) عن حزب البعث وكانت بتاريخ 10/11/1963 نشرة رقم (2)، وبتاريخ 14/11/1963 نشرة رقم (3)، وبتاريخ 26/12/1963 نشرة ثقافية رقم (3).


وكانت الاولى تحت عنوان (تاريخ حزب البعثيين)، والثانية تحت عنوان (حول المؤتمر القومي السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي)، والثالثة تثقيفية تحت عنوان (سقوط حزب البعث) ويهمنا هنا ان نكتشف رؤية طليعة الاشتراكيين للبعث، وتنكشف اسباب الخلاف وخلفياته وما هو دور التنظيم السياسي في صناعة تلك الازمة او عدم صناعتها.


في النشرة المعنونة (تاريخ حزب البعثيين) يتم تناول الظروف التي ادت الى ظهور حزب البعث حيث تزايد التذمر من الحكم التركي وبدأ وصول النظريات القومية عن الغرب مع كثافة اخبار الثورات في البلقان ولم تنته الحرب العالمية الثانية في عام 1945 حتى كان الشعب العربي قد مر خلال ما يقرب من نصف قرن بسلسلة متتابعة من الاحداث لها الاثر الكبير في تكوينه النفسي والفكري، عشرات الجماعات السرية، الاعدامات المتتالية، الثورة العربية عام 1916 وانكشاف قياداتها واستخدامها لتحقيق مخططات الاستعمار، وعد بيلفور وثورات فلسطين وسوريا والعراق ولبنان، ثم المعاهدات المزيفة بين الاستعمار والحكام العرب.


ولم يكن الشعب مستعداً للانخداع من قبل قيادات متعددة ثبت عدم مصداقيتها الا ان لمحة من الامل تراءت للشعب العربي اثر تواطؤ الفئات الحاكمة في معاهدة 1936مع الفرنسيين على ضم لواء الاسكندرونة الى تركيا ونزوح الكثيرين من شبابه الى سوريا مفضلين النظام على الخضوع لمخططات الاستعمار ولأول مرة يترأى للشعب العربي بوادر حركة عربية قومية شعبية تضم الشباب العربي المناضل يدعمها شباب اللواء القومي النازح عن بلاده.


وانطلقت كلمة البعث العربي لتعبر عن شعار هذه الحركة الجديدة، الا ان الاستعمار وعملائه والفئات الحاكمة احاطت بهؤلاء الشباب فوهنت عزيمتهم، وقعدوا عن متابعة نضالهم، وما لبس اكثرهم من الطامحين بالوصول ان تسرب الى الصفوف الاولى من التنظيم.


في تلك المرحلة عاد ميشيل عفلق من بعثته الدراسية في فرنسا التي اوفدته اليها الحكومة الفرنسية في عام 28/1929، وقد استهوته الحركة الشيوعية فكتب مقالاً صغيراً بعنوان (ثورة الحياة) يبدي فيه تأثراً بدائياً بالاشتراكية، الا ان تفكير ميشيل وطموح خالد بكداش من جهة أخرى، وبقى اثر تراجع ميشيل عفلق اما طموح خالد بكداش فبقي يلازمه حتى الآن.


واخذ ميشيل عفلق في ذلك الوقت أي ما بين عامي 1934، 1936 يسعى ويفتش عن منقذ يتقدم منه الى الزعامة والظهور، فعلى الرغم من علاقته بالحزب الشيوعي الواضحة، فإنه عمل على الاتصال بعصبة العمل القومي التي تشكلت بايحاء من الملك فيصل الاول العمل على اعادة وحدة سوريا والعراق، وقد بقى يفاخر زمناً طويلاً بأنه سعى لمقابلة فيصل الأول في باريس وكان الكفاح الشعبي خلال هذه الفترة في تزايد مستمر.. وكان عفلق يشغل وظيفة مدرس يرقب عن كثب تأجج هذا الكفاح.. فأخذ يتخلى عن تأرجحه بين الحزب الشيوعي وعصبة العمل القومي ويزيد من تعلقه بالشباب العربي.


وهكذا اخذ ميشيل عفلق يوسع لنفسه مكاناً تحت لواء الفكرة العربية، وكان عفلق احد الاعضاء البارزين لحركة (الاحياء العربي).


وبعد حركة (نصرة العراقي) اخذت فكرة اقامة حركة باسم البعث تحت شعار (امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) واستطاعت بعد سنوات ان تضع الشعارات الثلاثة (وحدة، حرية، اشتراكية) لكن ميشيل عفلق الذي كان يمني نفسه بايجاد حزب يقوده كان يشعر انه مهما اوتي من قوة لا يمكن ان يصل الى ما يصبوا اليه.. لذلك حاول ان يعتنق الدين الاسلامي، واذاع خبراً عن ميوله الاسلامية ورأى كذلك في صلاح البيطار قناعاً صالحاً وغبياً الى حد كاف يحتمي وراءه وبحكم تكوين ميشيل عفلق وصلاح البيطار البورجوازي، وبحكم نشأتهما كمدرسين قدما من فرنسا بعد حياة دامت خمس سنوات متصلة تشبعا بالفكر الاوروبي، واستهوتهما اساليب الحياة فيها، فقد حصرا صلاتهما بالطلاب، وعجزا عن ايجاد أي لون من ألوان الترابط بينهما وبين اوساط العمال والفلاحين.


وعلى الرغم من ضعف وحدة الروح الثورية في قيادة حزب البعث منذ البداية، وعلى الرغم اتضاح عجز الحزب في اذابة الميول المتنافرة في صفوف المنتسبين اليه، وعلى رغم من استهواء فكرته لكثير من ابناء العائلات البرجوازية والاقطاعيين والرأسماليين التي تعودوا ان يوزعوا ولاء ابنائهم على مختلف الاتجاهات، بدافع من روح انتهازية متأصلة.. وعلى رغم اتباع قيادات الحزب لاساليب عقائدية ولا اخلاقية ولا ثورية في نشر فروع الحزب كتوجيه كتاب مثلا الى الامير عبد الله امير الاردن في ذلك الوقت، يستأذنه فيه بتأسيس فرع للحزب في الاردن في ظل حكمه، وعلى مبادئ جده الحسين وعلى رغم من ذلك كله، فإن فكرة الحزب استهوت جيلاً من الشباب القومي العربي.


ولكن ما ان تعرضت قيادة حزب البعث الى اختيارات قاسية في زمن حسني الزعيم، حتى خارت قواها وانهارت انهياراً كاملاً.. لكن ميشيل عفلق ما لبث بعد ايام قليلة ان انهار، ووجه كتاباً الى حسني الزعيم يعتذر ويستغفر ذنبه ويعد باعتزال السياسة (نص الرسالة في النشرة).


وبالفعل اعتزل ميشيل عفلق، حيث غادر الى البرازيل لمدة عام، عاد بعدها ليشترك في ضم حزب البعث الى الحزب الاشتراكي الذي كان يقوده اكرم الحوراني.


كان حزب البعث في عام 1952 ضد ثورة 22 يوليو المجيدة، واستمر في عدائه لها حتى قبل معركة الاحلاف ومؤتمر باندونج.


وفي معركة بورسعيد التاريخية، لم يبق لحزب البعثيين مفر من الانجراف مع التيار، تماشياً مع طبيعة قيادته الانتهازية، وانسجاماً مع تاريخ الحزب الطويل في ادعائه الايمان بالوحدة، حاولت القيادة الظهور بشتى الوسائل والاساليب بأنها شاركت في صنع الوحدة مع الرئيس جمال عبد الناصر حتى تشاركه في حب الجماهير له.


لقد كان هدف الاستعمار منذ مئات السنين ان يعمل على تفتيت قوة العرب، وعلى ضوء هذا الهدف وضع مخططه واستراتيجية من الاستعمار القديم حتى الحديث الا ان ثورة 23 يوليو القومية اسقطت تلك المخططات.


غير ان الاستعمار المقنع الجديد الذي فشل ان يخفي عن اعين الشعب العربي اليقظة، استطاع ان يحتمي وراء حزب البعثيين ليهدم وحدة سنة 1958 بين مصر وسوريا، وهو اعظم نصر حققته الامة العربية في تاريخها الحديث.


ينكشف لنا من خلال تلك القراءة النصية تقريباً لقيادة طليعة الاشتراكيين لحزب البعث الاشتراكي والتي عملت على تعميمها على اعضاء الطليعة اننا بصدد قراءة ايديولوجية موجهة ذات طابع امني، عملت على سرد تاريخ تكوين حزب البعث الاشتراكي من خلال العمل على تشويه سمعته ونضالية القيادة في المراحل الاولى حتى الاخيرة، وتصوير بعضهم بالطامحين والانتهازيين وحسب الظهور والزعامة، كما عمدت على زرع الالتباس في علاقات الحركة ومشروعيتها وذلك بالحديث عن علاقتهم بالملك فيصل الاول والامير عبد الله امير الاردن الى ان ينتهي باتهام البعث العربي الاشتراكي بأنه كان ستاراً للاستعمار المقنع الجديد.


كما عملت تلك الرؤية على التفرقة بين ميشيل عفلق وحركة الحزب وسياقه التاريخي، فهو الانتهازي المتأرجح بين الشيوعية والقومية العربية وهو البرجوازي وهو الطامح للزعامة المتغرب. المنفصل عن العمال والفلاحين كما تستخدم الرؤية اوصافاً للبيطار من قبل القناع الصالح والغبي.


ويهمنا هنا ان نؤكد ان تلك الرؤية التي تم تسييدها جاءت بعد الانفصال، والسؤال لماذا لم يتم الكشف عن تلك العلاقة والعيوب والثغرات في حياة الحزب وقيادته قبل الوحدة؟ ولماذا لم يتم حوار داخل تنظيم طليعة الاشتراكيين حول تلك الرؤية؟ ولماذا لم تقدم قيادة طليعة الاشتراكيين نقداً ذاتياً لانخداعها في حزب البعث العربي الاشتراكي، اذا كانت قد خدعت؟ لكن الحقيقة غير ذلك الحكي، وغير تلك الذرائعية، فالصراع كان قائماً بين الدولة المصرية واجهزتها وتعبيرها عن حركة القومية العربية عبر زعامة تاريخية نادرة اجمعت كافة الجماهير العربية بالوقوف خلفها وبين حزب قومي عربي هو المساهم الاكبر في زرع فكرة ومشروع القومية العربية ومشارك رئيسي في الحكم وفي فترات اخرى كان مسئولاً عن الحكم في قطرين عربيين اذن الصراع كان قائماً على شرعية التمثيل للمشروع القومي العربي، وقد استطاعت الدولة المصرية بكل ممكناتها الجغرافية والبشرية والاستراتيجية وبكل وزنها في الامة العربية، وبكل مشروعها الثوري الوحدوي التقدمي الجديد وقيادتها التاريخية ان تتمكن من تلك الشرعية، وان تفرض شروطها على المتنازعين معها بتمثيل المشروع بحكم الاقدمية في طرح الفكرة والنضال من اجلها والعمل على تجسيدها في اطار تنظيمي قومي في بعض الاقطار العربية، الا ان كل ذلك لم يسمح بمساحة من التفهم لذلك من قبل دولة مصر العربية المجسدة للمشروع القومي التحرري التقدمي الوحدوي.


لم يكن ذلك سوى الكشف عن المبتدأ في تلك العلاقة. الاشكالية بين الدولة الاقليمية والمشروع القومي، كما اكدت السنوات الاتية على هذا المشروع حيث تصارع حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر السوري مع حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العراقي، كما تصارع المشروع القومي المحمول على القطر الليبي مع المشروع البعثي المحمول على القطر العراقي والسوري ايضاً، بل ووصل الصراع الى المشروع القومي المحمول على اكتاف القطر الليبي مع المشروع الناصري التاريخي واحتمالاته المستقبلية.


هكذا فقط نستطيع ان نفهم الصراع الذي ادارته اجهزة الدولة القطرية في كل من مصر وسوريا ولعل سياق نشرة 14 نوفمبر 1963 رقم 3 والمعنونة بـ (حول المؤتمر القومي السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي) يكشف عن اوجه الصراع بين المشروعين (المشروع الناصري المحمول على الدولة المصرية والمشروع البعثي المحمول على الدولة السورية) وقد ركزت نشرة الطليعة تحت عنوان الملاحظات العامة على كشف الهدف من عقد المؤتمر القومي السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي، وهو المؤتمر المنعقد بعد واقعة الانفصال وقد اوجزت ذلك في الآتي: 1ـ كان الهدف من عقد المؤتمر هو محاولة تسوية الخلافات داخل الحزب الناشئة عن السياسة التي يجب اتباعها تجاه القاهرة وقضية اعدام المتهمين في قضية محاولة انقلاب 18 يوليو الماضي وقضية التعاون مع اكرم الحوراني وجماعته وغيرها من مشاكل التنافس الشخصية في قيادة الحزب والتي كان من اثارها تقديم صلاح البيطار لاستقالته ثم العدول عنها.


2ـ ان صدور البيان ما هو الا محاولة لتغطية الاسباب الحقيقية لعقد المؤتمر واتهام الرأي العام ان المؤتمر كان يبحث مواضيع جدية.


3ـ يلاحظ ان البيان ضعيف ولا يحوي أي مادة فكرية عميقة سوى بعض الشعارات والعبارات التي تعتبر رؤوس مواضيع للفكر الاشتراكي دون احتوائها لاي مضمون وهي اساساً شعارات مأخوذة من ميثاقنا، كذلك اقتبست بعض الافكار من برنامج طرابلس الجزائري.


4ـ اكد البيان ضحالة التفكير الاشتراكي عند حزب البعث بما يحويه من تناقضات نتيجة الواقع المتناقض الذي يعيش فيه الحزب سواء في سوريا او العراق، فهو يتحدث عن الاشتراكية والتحويل الاشتراكي ثم يتحدث عن دور النقابات في الدفاع عن مصالحها. كما تحدث عن المركزية الديمقراطية في الحزب وهو يعني الديمقراطية المركزية، دون التطرق الى الديمقراطية وشكلها وطريقة ممارستها من قبل جماهير الشعب، ثم يشير الى موضوع القومية والوحدة من الناحية العاطفية دون وضع مفهوم علمي وتطبيقه لها.


5ـ مازال الحزب يركز على موضوع تلاقي الحركات وتشكيل الجبهات مما يعتبر تناقضاً للفكرة القومية وفكرة الوحدة الحقيقية التي تؤمن بفكرة الثورة الواحدة والمفهوم الثوري الواحد على النطاق القومي.


6ـ يحاول الحزب تغطية موقفه المالي للاستعمار لمهاجمة الاستعمار في اكثر من موضع.


7ـ لم يتطرق البيان الى مشاكل العالم العربي الحقيقية، وهي المصالح الاستعمارية التي يقوم الحزب بتثبيتها فعلاً والتناقضات الطبقية والطائفية والعنصرية ومشاكل التوزيع.. الخ.


8ـ لم يهاجم الحزب في بيانه النظم الرجعية العربية في المشرق العربي على وجه التحديد كما فعل بالنسبة للرجعية الغربية بل هاجمها بشكل عام.


9ـ ان البيان بصفة عامة يؤكد افلاس الحزب عقائدياً في مجالات العمل الحزبي، وفي النواحي الديمقراطية والاشتراكية والقومية، وهو محاولة جديدة للتأثير على الجماهير العربية بعدما ظهرت تفاهة قادة الحزب اثناء مباحثات الوحدة.


وتستكمل النشرة دورها في المناقشة الموضوعية للبيان، ويتبين ذلك من عمق الصراع بين المشروعين وذلك عبر المحاولة المكثفة من قيادة طليعة الاشتراكيين لنزع أي قيمة او صفة ايجابية عن المشروع الاخر البعثي (الحزب في تاريخه لم يكن له مفهوم ثوري واضح، تعاون مرات كثيرة عن عناصر عميلة ورجعية وانتهازية، سرق الحزب الثورتين: ثورة 8 فبراير بالعراق وثورة 8 مارس في سوريا، حزب يستعمل اساليب الغدر والخيانة، حزب يعيش على التناقضات في الوطن العربي، حزب قام على اساس الطبقات البرجوازية والعناصر الانتهازية، حزب يفتقد للعقيدة والايديولوجيا.. الخ).


اذن نحن امام محاولة لتعرية حزب البعث العربي الاشتراكي من شرعية تمثيله للمشروع القومي التحرري التقدمي الوحدوي لصالح المشروع الناصري وذلك بغرس وتعبئة اعضاء الطليعة ضد هذا المشروع والعمل على التأثير في الشارع العربي بالتالي ضد مشروع البعث وحزبه وقيادته. انه الصراع بين المشروعين المحمولين على دولتين قطريتين وينكشف ذلك اكثر من استخدام تعبيرات من قبيل (وهي اساساً شعارات مأخوذة من ميثاقنا) (مازال الحزب ـ يقصد البعث ـ يركز على تلاقي الحركات وتشكيل الجبهات مما يعتبر تناقضاً للفكرة القومية ولفكرة الوحدة التي تؤمن بفكرة الثورة الواحدة والمفهوم الثوري الواحد على النطاق القومي.


وهنا يعمد الى مقابلة المشروعين ويعمل على سلب مشروع البعث مشروعية تمثيله للفكرة القومية فهو يتناقض معها بعمله على ثلاثي الحركات وتشكيل الجبهات وتناسى الحزب ان بيان 1 ابريل 1963 هو صورة طبق الاصل من ميثاقنا القومي الذي اعلن في مايو 1962 بل تكاد تكون الكلمات والعبارات الواردة في هذا البيان هي نفسها التي وردت في الميثاق.


ذلك هو الصراع بين مشروعين قوميين محمولين على قطرين عربيين ودولتين اقليميتين بطبيعتهما كان المشروع القومي الناري تعبير عن قوة الدولة ادواتها وقوة الزعيم وقوة النموذج وقوة الجماهير لذا كان الصراع ضارياً بهدف تسليم المشروع الآخر باحتوائه او اعلان هزيمته ونهايته لذلك جاءت النشرة الثقافية تبشر بذلك المضمون تحت عنوان (سقوط حزب البعث) حيث جاء في مقدمتها بالنص (ان ما جرى في المشرق العربي لم يكن مجرد سقوط سياسي انتهى اليه حزب البعث. ان سقوط حزب البعث سياسياً كان نتيجة حتمية سقوطه فكرياً وتنظيمياً. والبعث لم يسقط وحده تنظيمياً وفكرياً، بل ان سقوطه كان مجرد رمز لسقوط طبقة كاملة ونمط في التفكير والتنظيم والعمل السياسي وجد نهايته الفاجعة تحت ضغط الانفجارات العنيفة).


والسؤال الآن كيف تعامل تنظيم طليعة الاشتراكيين مع ذلك الحدث التاريخي الجلل والذي اثر على مسيرة الثورة ومشروعها بعد ذلك؟ نحن امام تعامل امني لا هم له سوى فضح حزب البعث وسلب مشروعية تمثيله للمشروع القومي، وفضح قيادته واتهامهم بالارتماء في احضان الاستعمار؟ والسؤال الاخر: هل هو ذلك الدور المنوط لحزب طليعة الاشتراكيين؟ اذا كان ذلك كذلك فلابد ان يكون التنظيم في خدمة الدولة وليس في خدمة المشروع القومي ولا تفسير لدينا غير ذلك، ومن الغرائب ان لا تتم مناقشة مسئولة داخل طليعة الاشتراكيين لذلك الحدث الكارثي من اجل استخلاص الدروس والعبر والعمل على هندسة الادوار المتكاملة بين المشروعين والحركتين والتنظيمين، وكان ذلك سببا في تزيف دائم حتى الآن لقوى حركة الثورة العربية ولقوى المشروع القومي التقدمي.







الناصرية






50 عاماً على ثورة يوليو،

قصة «طليعة الاشتراكيين» التنظيم السري لعبد الناصر (5 ـ 8)،

علاقة الطليعة بالاخوان وتغلغله في الشرطة والجيش

تناولت الحلقات الماضية الظروف التي دفعت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الى التفكير في تأسيس تنظيم سري رغم انه على قمة السلطة والجماهيرية في مصر، وشكواه من ان الاتحاد الاشتراكي مليء بالانتهازيين باعتباره حزبا أسسته السلطة.


كما تناولت اسماء بعض من ضمتهم الخلايا الاولى وبينهم الدكتور عبد الحليم محمود وبعض من تم استبعادهم وعلى رأسهم عزيز صدقي وسيد مرعي وعرض الباحث لحقوق وواجبات اعضاء التنظيم وكيف كان يتم اختيارهم وضم منتقدين للنظام ومهاجمين للسلبيات وقادة مظاهرات طلابية الى صفوف الخلايا السرية.


وتناولت الحلقات كذلك علاقة تنظيم الطليعة بالشيوعيين المصريين ولغز الرفيق خالد الذي عجزت الاجهزة عن معرفته واكتشفه عبد الناصر بنفسه وكيف وقف الشيوعيون مع عبد الكريم قاسم ومهاجمة خروشوف لناصر الذي رد باعتقال العناصر الماركسية في مصر. وكانه يقول: هل تظن ان الـ 500 شخص الموجودين في مصر يمكن ان يفعلوا شيئا.


وفي هذه الحلقة نتناول علاقة التنظيم الطليعي بالاخوان المسلمين.


يعلن السيد/ علي صبري في حواره مع عبد الله امام والصادر في كتاب تحت اسم «علي صبري يتذكر»: انه «كانت هناك اتصالات مع الاخوان المسلمين قبل الثورة وبعد قيامها ارادوا استغلالها عن طريق احتوائها، ولم يكن ايضاً ـ كما قلت ـ لديهم برنامج عمل محدد تستطيع ان تلتقي معهم وتناقشهم فيه هل هم مع تحديد الملكية الزراعية ام ضدها، ولم يريدوا ان يفصحوا عن رأيهم في أي من القضايا بالتفصيل».


ـ واستمر ذلك حتى الآن..


ـ نعم.. حتى الآن.. هل هم مع العدالة الاجتماعية بالمفهوم العلمي لهذه الكلمة، ام انها شعارات، ثم ما هو موقفهم من الصراع مع الامبريالية العالمية، هذا غير محدد، ولا تستطيع التحاور معهم حول هذه الامور وكان هدفهم الاستيلاء على السلطة.. انهم لا يريدون الاشتراك في الحكم، وانما تعرض عليهم كل القوانين قبل ان تصدر ويوافقون عليها سراً، بحجة انها لابد ان تكون مطابقة للشريعة الاسلامية، ولم تكن تستطيع ان تحدد ما هو المطابق وما هو غير المطابق ومن الذي يمكن ان يكون هو الحكم في هذا الامر، وبالتالي كان لا يمكن التعاون معهم.


ـ هل كان هناك تناقض، او خلاف حول تطبيق الشريعة الاسلامية أو ان تكون القوانين مستمدة من الشريعة الاسلامية؟ ـ الخلاف هو من الذي يفسر الشريعة الاسلامية والتفسيرات كثيرة ومتعددة.. واذا كان الذي يفسر له اهداف سياسية فيمكن ان يفسر شرعية القانون حسب اهدافه السياسية.


ـ هل عرض على الاخوان المسلمين.. في تلك الفترة الاشتراك في الحكم.. وماذا كان موقفهم؟ ـ نعم.. واشتركوا.. الشيخ الباقوري اشترك بمفهوم المبادئ الاساسية للثورة وكان معه المستشار احمد حسني الذي تولى وزارة العدل.


ـ يقول الاخوان المسلمون ان ما حدث سنة 1954 كان تمثيلية ولم تكن حقيقية.. أي ان الرصاص الذي اطلقه محمود عبد اللطيف على جمال عبد الناصر في ميدان المنشية كان تمثيلاً ولم يكن حقيقة؟ ـ كيف يكون تمثيلاً والرصاص انطلق بالليل على بعد خطوات من جمال عبد الناصر، ثم ان القضية معروفة، والاعترافات موجودة، والتنظيم السري للأخوان معروف لا احد ينكره وهو تنظيم مسلح، كلها حقائق لا يمكن انكارها.. يتبين لنا من تاريخ العلاقة انه كانت علاقات من التفاهم والحوار بين تنظيم الضباط الاحرار وحركة الاخوان المسلمين قبل القيام بالثورة، كما ان تلك العلاقات استمرت بعد الثورة حتى ما قبل 1954، ومن المعروف تاريخياً ان حركة الاخوان كانت قد استثنتها الثورة من قرار حل الاحزاب، حتى جاء صدام 1954 ومن بعدها تم حل الجماعة وكانت هناك محاولة اغتيال للزعيم عبد الناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية من قبل احد اعضاء الجماعة وبعدها حدث الصدام الواسع بين الثورة وتنظيماتها وبين حركة الاخوان، ورغم ذلك فقد انضم بعض الاعضاء من الذين انفصلوا عن الحركة واختاروا الانضمام للثورة مثل الشيخ الباقوري والمستشار احمد حسني وكمال ابو المجد الذي كان منضماً لطليعة الاشتراكيين وتم القبض عليه في احداث 1965 والمعروفة بأحداث الاخوان وفي ذلك يقول حسني امين في شهادته للباحث «اكتشاف تنظيم الاخوان المسلمين في اواخر عام 1965 جاءت من تقارير مجموعات طليعة الاشتراكيين في محافظة الدقهلية وكان امينها السيد/ محمد المصري وقد تم تناول هذه المعلومة امنياً فقط حيث لم تكن امانة تنظيم طليعة الاشتراكيين على بينه او درايه بذلك الا بعد القبض على افراد التنظيم الاخواني. ونوقشت هذه القضية في احد اجتماعات امانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحية بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرار النهائي والحاسم، واذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الامن واعتقال بعض الافراد، فهذا يعني انه يتم توظيف اعضاء الطليعة وحركتهم لخدمة اجهزة الامن وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله، وقد قال بذلك في اجتماع امانة التنظيم (امين عز الدين، محمد عروق، عبد المعبود الجبيلي، حسني امين).


وانا كنت منزعجاً جداً من ذلك بسبب دعوتي للسيد احمد كمال ابو المجد لمؤتمر جماهيري في عابدين وفوجئت باعتقاله رغم عضويته في التنظيم وكان في تنظيم الجامعات تحت مسئولية الوزير عبد العزيز السيد وزير التعليم والمعروف ايضاً ان احمد كمال ابو المجد كان من اعضاء هيئة التدريب التي اسست منظمة الشباب تحت اشراف زكريا محي الدين شخصياً (حسب شهادة عبد الغفار شكر للباحث).


اما شهادة الاستاذ/ اسعد حسن خليل وهو امين سر اخير لامانة الطليعة ومن قبلها في رئاسة الجمهورية فلا يتذكر من احداث الاخوان سوى «انا متذكر رسالة اعطاها لي السيد سامي شرف من المرحوم سيد قطب بيحتج فيها عن المعاملات التي عومل بها من اجهزة الامن والتي لا تتناسب مع مكانته الفكرية وقال فيها: انا لست اقل قيمة من المفكر والفيلسوف برتراند راسل».


العلاقة مع القوات المسلحة تفاوتت الشهادات الصادرة في كتب او حوارات صحافية او شهادات اجراها الباحث حول وجود طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة المصرية، ولعل ذلك يرجع اولا: للسرية المطلقة التي كان يتم فيها التعامل مع القوات المسلحة.


ثانياً: لعدم معرفة تلك العلاقة من قبل مستوى امانة طليعة الاشتراكيين ولا حتى مكتبها التنظيمي انما كانت العلاقة ما بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر عن طريق شمس بدران.


ثالثا: نحن نرجح وجود حركة تجنيد لطليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة المصرية تحت مفهوم امن الثورة داخل الجيش ويبدو من سياق الشهادات والاحداث وتكوين طليعة الاشتراكيين ان ذلك كان من بين احد الاسباب الرئيسية خلف نشأة التنظيم.


رابعا: تضارب الشهادات ناتج ايضاً من رغبة البعض في عدم تحميل التنظيم اخطاء شمس بدران وعبد الحكيم عامر في هزيمة 1967 وما حدث من صراع على السلطة على اثرها وعن ذلك يكتب السيد/ احمد حمروش في صفحة 248 من الجزء الثاني المعنون بـ «قصة ثورة 23 يوليو مجتمع جمال عبد الناصر» اذا كان قانون الاتحاد الاشتراكي لم ينفذ بادخال القوات المسلحة والشرطة والقضاء الى تنظيمه فانه قد بدأ ينفذ فيما يتصل بتنظيم طليعة الاشتراكيين».


«كانت السرية التي لم يتم تشكيل التنظيم، والافضلية النسبية الناتجة من اختيار الافراد، عاملاً مشجعاً على تكوين تنظيم لطليعة الاشتراكيين داخل الجيش».


كان المسئول عن هذا التنظيم الصاغ شمس بدران الذي كان يستمد قوته الهائلة المؤثرة في الجيش وخارجه من عاملين اولهما الثقة المطلقة غير المحدودة التي منحه اياها كل من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر. وثانيهما منصبه كمدير لمكتب القائد العام لشئون الميزانية والافراد الامر الذي اتاح له السيطرة على كل شيء في القوات المسلحة، وسهل له وضع العناصر المرتبطة به شخصياً في المركز القيادية الحساسة حتى اصبحت تشكل قوة رئيسية خاصة ومؤثرة داخل القوات المسلحة.


ولذا لم يكن تشكيل طليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة عملية عسيرة او معقدة.. بل نفذت دون مصاعب، وظلت سراً مجهولاً على الكثيرين، ولو انه عرف فيما بعد انها كانت تسير على نظير طليعة الاشتراكيين خارج الجيش فقد ضمت القادة مثل محمد فوزي القائد العام للقوات المسلحة بعد يونيو 1967 ثم وزير الحربية بعد امين هويدي، ومحمود احمد صادق رئيس اركان الحرب ثم وزير الحربية بعد مايو 1971، اما السيد حسني امين عضو مكتب تنظيم طليعة الاشتراكيين يذكر في شهادته للباحث «حسب معلوماتي لم يكن هناك طليعيون في القوات المسلحة لكن المشير عامر كان يحاط علماً بالتنظيم عن طريق النشرة وعن طريق سامي شرف كما ان السيد سامي شرف كان يتسلم عدد 30 نسخة من النشرة لانه مسئول التنظيم بالخارج ولا اعلم أي شيء عن ذلك الخارج».


وفي شهادة السيد حامد محمود للباحث يقول «اعتقد ان شمس كان مكلفاً بعمل تنظيم طليعي من جمال عبد الناصر في الجيش وكان اغلبهم من دفعته، واعتقد انهم كانوا تحت قيادة جمال عبد الناصر مباشرة» لكن السيد/ سامي شرف يتحدث لعبد الله امام في كتابه «عبد الناصر كيف حكم مصر؟» وفي صفحة 191 يعلن بشكل واضح ان المشير عبد الحكيم عامر كان يعرف ان هناك تنظيماً طليعياً ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضواً به، لكنه في صفحة 36 وفي اجابة عن سؤال مباشر هل كان لشمس بدران تنظيم داخل القوات المسلحة؟ نعم كان له تنظيم ومن غير المنطقي ان يكون لشمس تنظيم داخل القوات المسلحة دون معرفة للأجهزة، اذا كان هذا التنظيم تابع وحتى موالي لشمس بدران فلابد من توفر غطاء شرعي امام اجهزة الدولة المتعددة ونحن نعتقد ان الغطاء كان طليعة الاشتراكيين، وفي اجابة للسيد شعراوي جمعة عن سؤال: هل كان للتنظيم نشاط داخل الشرطة والقوات المسلحة؟ (في عدد 65 لمجلة الموقف العربي الشهرية ـ سبتمبر 1985م) قال: «لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة، اما الشرطة فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها وكان لطليعة الاشتراكيين فرع داخلها، وكان ذلك متسقاً مع النظام السياسي للثورة» وهذه الاجابة تعني اولاً انه كان هناك تفكير في تأسيس طليعة اشتراكيين في القوات المسلحة لأن ذلك كان متسقاً مع النظام السياسي للثورة وهي احدى قوى التحالف (عمال، فلاحون، مثقفون، رأسمالية وطنية، وجنود) ويعني ثانياً ان تعبير «لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة» ان هناك احتمالات بخطوات تمهيدية أي تم تجنيد عدد قليل من القريبين والمخلصين، بالذات عندما يقول عن طليعة الاشتراكيين في الشرطة «فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها».


علاقة الطليعة بمنظمة الشباب في منتصف عام 1963 يونيو بدأ اول اجتماع للتحضير لتأسيس طليعة الاشتراكيين، وفي اواخر عام 1963 بدأ الاعداد لمنظمة الشباب. وعن ذلك يقول عبد الغفار شكر من خلال شهادته للباحث «المنظمة بدأ الاعداد لها في اواخر 1963، ومن خلال الادارة المركزية للشباب بالاتحاد الاشتراكي العربي التي كان يتولاها السيد زكريا محي الدين وكان ذلك، من خلال دراسات تمت في مصر، وبعض الشخصيات التي ارسلت للصين وتشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفييتي للتعرف ولدراسة المنظمات الشبابية فيها وكان من ضمن تلك الشخصيات السادة د. محمد الخفيف، د. علي الدين هلال، حسين كامل بهاء الدين».


وبدأ اعداد اول دفعة من الرواد الذين سيتولون تأسيس منظمة الشباب في عام 1964، وتم الانتهاء من اعداد الرواد في مايو 1965، وخلال هذه الفترة كان هناك عدد من هؤلاء الرواد قد تم تجنيدهم في طليعة الاشتراكيين وكانت عضويتهم سرية.


اول دفعة من الذين تلقوا التدريب كرواد على 3 مراحل تدريبية وتثقيفية 350 عضواً، تم اختيار 107 منهم لقيادة العمل المركزي وفي المحافظات في اطار المنظمة. اختير منهم 16 لبدء عملية التوجيه السياسي في المعهد الاشتراكي للشباب بحلوان. وهذا غير المعهد العالي للدراسات الاشتراكية، وهؤلاء بدأوا اعمالهم في سبتمبر 1965، وكان منهم د. عادل عبد الفتاح، هاشم العشيري، عبد الغفار شكر، حمدي طاهر، عباس الاندراوي، عزت عبد النبي، احمد عبد الغفار المغازي، صلاح الشرنوبي، ابراهيم الخولي، علي الدين الطحان، محمود عاشور، محمود سعيد.


بعض هؤلاء كانوا اعضاء في طليعة الاشتراكيين قبل عضويتهم للمنظمة مثل حسين كامل بهاء الدين، عادل عبد الفتاح هاشم العشيري، عزت عبد النبي، وبعد سبتمبر 1965 بدأت عملية تجنيد لهذه القيادات لعضوية طليعة الاشتراكيين.


وهكذا ظهرت اول منظمة شبابية مؤمنة بثورتها وبمبادئها، ودافعة بالآلاف من شباب مصر للمشاركة في العمل الوطني العام، وكما كانت ساحة هائلة للفوز والتجنيد لصالح حزب طليعة الاشتراكيين، ولعل الشهور القليلة في عام 1963 التي جعلت من تأسيس طليعة الاشتراكيين يسبق منظمة الشباب الاشتراكي العربي سبباً في نظرة البعض لهذه المنظمة الشبابية نظرة شك وتوجس وعداء احياناً، فقد رأى فيها الجيش سنداً شعبياً للزعيم عبد الناصر وبالذات بعدما اصدر عبد الناصر قراره بانشاء مجلس الرئاسة في سبتمبر 1962، وكان ذلك بعد الانفصال الواقع بين مصر وسوريا وبعد بداية التواجد في اليمن ودعم ثورتها التحررية، ويقول الكاتب والصحفي كمال سليم في كتابه «التنظيمات السرية لثورة 23 يوليو في عهد جمال عبد الناصر ص 90» في احد الاجتماعات قرر عبد الناصر ان يضرب ضربته فقدم مشروعاً بتحديد سلطة القائد العام للقوات المسلحة في تعيين قادة الاسلحة وعزلهم وجعل ذلك من اختصاص مجلس الرئاسة بصفته السلطة العليا في البلاد.


ومنذ ذلك الوقت بدأت جماعة المشير عامر في القوات المسلحة المصرية تنظر لطليعة الاشتراكيين ومن بعدها منظمة الشباب الاشتراكي نظرة شك وتوجس خشية تبعيتهما لجمال عبد الناصر ورجاله المخلصين من القدامى والجدد وواجهت تلك الجماعة هذه الادوات الجديدة عبر الاختراق بواسطة عناصر لها او المواجهة في احيان الاخرى.


ويحكي عبد الغفار شكر في شهادته للباحث عن توزيع المنضمين لطليعة الاشتراكيين من قيادات منظمة الشباب المجموعة الاولى مجموعة الـ 16 وبعد مفاتحتهم مباشرة عبر السيد حسين كامل بهاء الدين تم توزيع هؤلاء الاعضاء على خمس مجموعات قيادية يتولى قيادة كل واحدة منها احد امناء الشباب المساعدين في ذلك الوقت واذكر منهم السيد سمير حمزة (10) وكان من المقربين للسيد سامي شرف والعقيد اسماعيل طه الشريف ـ ضابط حر وقريب من المشير عبد الحكيم عامر، وانا كنت عضواً في مجموعة اسماعيل طه الشريف وكانت علاقتي انسانية به واجيد التعامل معه للحد من اسلوبه القائم على الشك في قيادة المنظمة وهذا ما اعتقده سبباً في وضعي في تلك المجموعة من قبل الدكتور حسين كامل بهاء الدين».


ولم تكن القوات المسلحة هي فقط التي تخشى منظمة الشباب، بل هناك وقائع تؤكد ان الاتحاد الاشتراكي العربي بقيادته الجماهيرية وغير المعززة وحزب طليعة الاشتراكيين وعبر بعض قيادات المستوى الاعلى وفي لعبة الصراعات الدائرة بالقرب من جمال عبد الناصر كانت لهما يد في محاصرة المنظمة وضربها في بعض الفترات. ورداً على سؤال في مجلة الموقف العربي ـ العدد 65 العام 1985 عن المصادمات بين التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب خصوصاً بعد مظاهرات 1968. اجاب السيد شعراوي جمعة الامين العام لطليعة الاشتراكيين قائلاً: مظاهرات 1968 عبرت عن التمزق النفسي لدى الشباب بعد الهزيمة. وليس صحيحاً ان تصادمات او تناقضات من أي نوع حدثت بين التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب، منظمة الشباب كانت تنظيماً مساعداً للاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي ومنظمة الشباب، منظمة الشباب كانت تنظيماً مساعداً للاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي كان العمود الفقري للاتحاد الاشتراكي، فمن اين يأتي التناقض او التصادم؟ ربما كان هناك خلاف في التقدير حول الدور الذي لعبته بعض القيادات، لكن ذلك لا يمنع من تسجيل حقيقة ان تجربة منظمة الشباب كانت تجربة ممتازة، وقد استطاع التنظيم الطليعي من خلال منظمات الشباب ان ينشط بكثافة في صفوف طلبة الجامعات خاصة فيما بعد 1968.


اما في شهادة السيدين محمد سامي احمد وطارق محمد عزت النبراوي واللذين انضما لطليعة الاشتراكيين في سبتمبر 1968 وبعد احداث ومظاهرات الطلاب في عام 1968 كنا ضمن مجموعة منظمة الشباب في كلية هندسة عين شمس وكانت تلك المجموعة حوالي 250 عضواً، وبعد صدور احكام قادة الطيران المسئولين عن الهزيمة في عام 1967، رتبنا ردود الفعل، حيث نظمنا مظاهرة في فبراير 1968 للاعتراض على تلك الاحكام المخففة جداً بالنسبة للهزيمة وكان معنا السادة (احمد الحمدي، اسامة عطوة، ماجد جمال الدين، محمد اسماعيل، بسام مخلوف وآخرين) ونتذكر اننا عقدنا اجتماعاً كان يوم الجمعة وكان اجازة مع معظم قيادات المنظمة في الكلية، ورتبنا غضبنا من الاحكام الصادرة وخطنا للتحرك وللانضمام، ولما علمت قيادات المنظمة بذلك جاءت معظم قيادتها الى المؤتمر الذي دعينا اليه يوم السبت لكي يمنعوا انعقاده.


ويعلن كل من محمد سامي وطارق النبراوي رأيهما بصراحة اكثر «كانت هناك حساسية شديدة بين الاتحاد الاشتراكي العربي وبين المنظمة لأن المنظمة كان من الواضح انها ذات بأس مما اشعر مؤسسات الدولة وبالذات المحافظين منهم بالخطر».


من تلك الشهادة نستطيع ان نؤكد ان صراعات المؤسسات والاجهزة والافراد قد طالت كل شيء تقريباً ولعلها طبيعة الاجهزة وطبيعة البشر معاً.


مظاهرات رفض التنحي بعد انقلاب مايو 1971، تعالت بعض الاصوات في مناسبات عديدة وغير وسائل الاعلام المختلفة تدعي ان مظاهرات 9، 10 يونيو، التي خرجت بعد خطاب التنحي من قبل الزعيم عبد الناصر والذي اعترف فيه بمسئوليته عن الهزيمة التي لحقت بالقوات المسلحة في 1967، كانت مصنوعة من رجال طليعة الاشتراكيين ولكن شهادات الطليعيين تنفي ذلك ومعظمهم كان في مستويات ومواقع هامة ومن الضروري اذا كان هناك ترتيب ما كان سوف يتم معرفته من سياق الاحداث او اصدار التوجيهات والتعليمات لهم: فلتكن الشهادات هي خير مرشد لنا: يقول السيد شعراوي جمعة في إجابته عن سؤال مباشر لمجلة الموقف العربي العدد 65 بتاريخ سبتمبر 1985: يقال ان التنظيم الطليعي هو صانع مظاهرات 9، 10 يونيو التي اعادت جمال عبد الناصر الى الحكم بعد تنحيه؟ للحقيقة والتاريخ فإن تنحيه جمال عبد الناصر وعودته لم تكن منظمة على الاطلاق. وانا شخصياً لم اكن اعرف ان مظاهرات ما ستخرج، وفوجئنا بخروج الجماهير تلقائياً الى الشارع يومي 9، 10 يونيو يونيو فلم تكن هناك قوة منظمة في مصر قادرة على دفع كل هذه الحشود الى الشارع للتظاهر.


وفي شهادة الكاتب محمد حسنين هيكل المخطوطة في كتاب الانفجار يتناول بالحكي تفاصيل يوم 9 يونيو بالكامل من الصباح الباكر. السادسة والنصف صباحاً حيث حمل مشروع خطاب التنحي وذهب الى لقاء عبد الناصر في منزله لكي يعرضه عليه بعدما اتفق معه على خطوطه الرئيسية ليلة 8 يونيو، وعرض عليه المشروع وطلب عبد الناصر منه تغيير الجملة الآتية من «وبرغم اية عوامل قد اكون بنيت عليها موقفي في الازمة فإنني على استعداد لتحمل المسئولية كلها».


بعد ذلك يحكي هيكل في شهادته قائلاً «وظهرت صورته على الشاشة وراح يقرأ وكنت اكثر من غيري اشعر بمدى الجهد الذي يبذله لكي يظل مسيطراً على الموقف وكادت سيطرته ان تفلت منه للحظة عندما وصل الى الفقرة التي يعلن فيها تنحيه ثم فرغ من الخطاب واختفت صورته من الشاشة ولأول مرة بدأت تصوراتي تذهب الى ما يحتمل ان يحدث بعد انفجار النبأ ولم تمض غير دقائق حتى جاءت الاجابة عما كنت اتساءل عنه. فإذا انا اسمع اصواتاً في الشارع لا اتبين مصدرها ثم اقترب من نافذة تطل على كوبري الجلاء فأجد الوفاً من الناس يجرون عليه ولا يعرفون الى اين، ولكنهم ذاهبون بأقصى سرعة وصراخهم متصاعد ينادي بما لم استطع تمييزه من مكاني ورحت ادير جهاز راديو على بعض محطات الاذاعة احاول التقاط ما عساه ان يكون للنبأ من صدى في العالم الخارجي وكانت بعض المحطات تقطع ارسالها وتذيع النبأ.


واتصلت «بالاهرام» اسأل عن برقيات وكالات الانباء وما حملته او جاءت به مما اعلنه جمال عبد الناصر قبل دقائق في قصر القبة واحسست بالمفاجأة الضخمة التي وقعت على كل الرؤوس من هؤلاء الذين تحدثت اليهم في الاهرام ثم قيل لي ان جماهير كبيرة من الناس تتدفق على مبنى الاهرام وكان وقتها وسط المدينة في شارع الساحة وان هتافهم الملح هو كلمة واحدة ناصر.


وفي هذه اللحظة دق جرس تليفون آخر كان موصولاً بالشبكة الخاصة للرئاسة وكان المتحدث هو السيد شعراوي جمعة وزير الداخلية وكان انفعاله على الآخر وهو يصرخ في التليفون متسائلاً عن هذا الذي حدث، ثم قائلاً انه ليس في مقدوره ولا في مقدور غيره ان يمسك بزمام الامن في البلد لأن كل المعلومات التي وصلت اليه في نصف الساعة التي مضت منذ القى الرئيس خطابه تقول بأن طوفاناً من البشر يتدفق الى الشوارع منادياً بأسم عبد الناصر ومطالب ببقائه ثم قال لي ان سامي شرف ابلغه الآن فقط ان اوامر الرئيس قاطعة في الا تقال او تذاع أي كلمة بدون الرجوع اليه وقد عرف من سامي شرف ان الرئيس لا يريد أي اتصال مباشر به.


وعاد الاهرام يتصل بي لابلاغي ان ما يحدث في القاهرة يتكرر في كل عاصمة عربية وان وكالات الانباء تنقل صوراً رهيبة عن بحور من البشر تتدفق الى الشوارع مطالبة ببقاء جمال عبد الناصر.. وكان السيد شعراوي جمعة مرة اخرى على الخط الآخر يقول لي انه ذهب الى بيت الرئيس وان هناك حصاراً بشرياً مخيفاً حول البيت.


وفي شهادة السيد حسني امين عن ذلك يقول «كنت مكلفاً يوم 9 يونيو 1967 بالتوجه الى محافظتي الدقهلية ودمياط اولاً من اجل شرح ابعاد الموقف الذي دعت الى قبول وقف اطلاق النار يوم 8 يونيو وثانيا: لتحديد موقف التنظيم في هذه المرحلة القاسية جداً وثالثاً تسليم النشرة لهم. وانهيت اجتماع الدقهلية حوالي الساعة خمسة بعد الظهر، وانتقلت بعد ذلك للاجتماع مع لجنة التنظيم في دمياط حوالي السادسة مساءً، وكان ضياء الدين داود امين التنظيم الطليعي وامين الاتحاد الاشتراكي العربي في نفس الوقت، وبعد انتهاء الاجتماع ارسل السيد ضياء، داود معي سيارته بسائقها لكي الحق القطار القائم من المنصورة الى القاهرة، واثناء سيرنا الى المنصورة استمعت من خلال راديو السيارة الى خطاب التنحي وكان معروفاً لدينا ان هناك بيانا للرئيس يذاع وهو بيان خطير لكننا لم نعرف عن ماذا سوف يتحدث بالضبط وكان صدمة كبيرة لي وللسائق. وبدأنا نشاهد خروج اعداد من الناس الى الشارع من منازلهم ومن الطرق الزراعية وكان جميعهم في حالة من جيشان عاطفي وصياح شديد. المهم وصلنا الى محطة قطار المنصورة حيث كانت الجموع الغفيرة من الجماهير في حالة تكالب وازدحام لركوب القطار المتجه الى القاهرة، وحدث ان الكمساري حاول الحصول على قيمة التذاكر منهم فلم ينجح وبدأ غضب الجماهير منه واضحاً وعندها تدخلت وقلت له يمكنك ان تخطأ مرة واحدة في حياتك ولا تقوم بواجبك الوظيفي بسبب هذه الظروف الصعبة ومن الافضل لك ان تنضم لهم.


وعندما وصلنا الى القاهرة كان داخل المحطة وخارجها بميدان رمسيس امواج بشرية بعضها كان يهتف بحياة عبد الناصر والبعض يقول «هنحارب» والبعض يحاول ان يجد طريقاً للخروج من الزحام الى مصر الجديدة حيث بيت الزعيم عبد الناصر.


وكان هدفي انا شخصياً ان اصل الى امانة التنظيم بمجلس قيادة الثورة بالجزيرة، حيث قطعت هذه المسافة، سيراً على الاقدام. فوجئت عند وصولي الامانة بعدم وجود اية معلومات او تكليفات ولم يتمكن السيد محمد عروق باعتباره مدير مكتب امين التنظيم من الاتصال بالسيد شعراوي جمعه او غيره من المسئولين مثل علي صبري او عبد المجيد شديد.


وجلسنا جميعاً (انا ومحمد عروق وعبد المعبود الجبيلي وانور ابو المجد ومحمد عبد المجيد وسلامة عثمان، اسعد خليل، ومحمد الدجوي) في غرفة الاجتماعات مفترشين الارض وكانت تصلنا معلومات من بعض مجموعات التنظيم او استفسارات من مجموعات اخرى وكلها كانت تنصب حول الخروج العفوي والتلقائي والفوري من كافة المواقع رافضة التنحي والهزيمة، والحقيقة كنا لا نملك أي اجابة لعدم وجود تعليمات.


اما السيد عبد الغفار شكر فيذكر في شهادته للباحث انه سمع خطاب التنحي في 11 ش حسن صبري، المفكر المركزي للمنظمة وكان موجوداً معه عبد الاحد جمال الدين ومفيد شهاب وهاشم العشيري وجلال شرف (مدير العلاقات العامة بالمنظمة).


وبعد انتهاء الخطاب مباشرة اكثر من واحد في الجالسين قال يجب ان نخرج للشارع لكي يعلن الشارع رأيه وعندما قررنا الخروج وجدنا الشارع مليء بالناس والمظاهرات اغلقته، عبرنا الى بولاق ابو العلا في اكثر من ساعة وهناك لم نستطع التحرك متر واحد بعد ذلك.


نزعوا صورة عبد الناصر!! وفي شهادة السيد حامد محمود محافظ مدينة السويس في تلك الفترة ومسئول الطليعة في نفس الوقت قال «انا كنت جالساً في مكتبي بمحافظة السويس، اتابع خطاب الرئيس عبدالناصر وفوجئت بالناس داخلة مبنى المحافظة ومن ثم مكتبي، وقاموا بنزع صورة عبد الناصر وتظاهروا بها، وكان المرحوم عبدالهادي ناصف (عامل في شركة السماد وعضو مجلس محافظة السويس وعضو في قيادة طليعة الاشتراكيين بالسويس) موجودا معي، وقمنا بالحديث مع المواطنين من فوق (شكاير الرمل) الموجودة امام المحافظة بعدما اخذنا المواطنين الذين دخلوا مكتبي الى الخارج فوجدنا الالاف في الخارج، وفي وقتها طالبتهم بعدم التجمع خشية قصف طائرات العدو، ولم يكن عندنا تعليمات من قيادة التنظيم الطليعي اما السيد اسعد حسن خليل فيذكر في شهادته انه قد نام يوم 5 يونيو 1967 في مبنى رئاسة الجمهورية وقال علمنا بالهزيمة وبعدما سمعنا خطاب التنحي وفوجئنا جميعا بذلك، خرجت متوجها الى امانة التنظيم في مجلس قيادة الثورة وفي ذلك الوقت كنت اعتقد ان الاجتماع بافراد التنظيم واجب ومهمة حتى نتدارس العمل الواجب. المهم انثاء سير السيارة كانت الشوارع ممتلئة عن آخرها بالناس لدرجة ان السائق بكى ولطم وجهه مما نتج عنه اصطدام السيارة في سور عمارة رمسيس، وبعدها ذهبت الى مجلس قيادة الثورة وكان هناك عدد من الاصدقاء اتذكر منهم يوسف غزولي وحسني امين ومحمد عروق وآخرين من الطليعي، وطرحنا على انفسنا سؤالاً هو ما العمل؟ حيث لم تكن هناك اي تكليفات او تعليمات او توقعات موجودة لدى قيادة التنظيم وشبكة اتصاله.


ويذكر السيد عادل الاشوح (مدير مكتب السيد شعراوي جمعه عضو امانة مكتب تنظيم الطليعة) عن احداث ومظاهرات 9 و 10 يونيو انه كان في السويس مكلفاً بالاتصال بلجنة السويس الطليعية بشأن الترتيبات الخاصة باستقبال الجنود العائدين من سيناء وكان معي تكليف آخر خاص بغلق مدخل بور توفيق وذلك عبر السيد حسام الدين هاشم عضو لجنة تنظيم السويس واحد اعضاء لجان تأميم قناة السويس في عام 1956، مع السادة عزت عادل ومحمود يونس وفؤاد الطودي.


وانا رجعت يوم 9 يونيو ليلا، ولم تكن هناك اضاءة في القاهرة وكانت الشوارع مكتظة بالبشر ولم يكن احد من المسئولين موجوداً.


اما عن شهادة السيد احمد حماده للباحث قال في خطاب التنحي انا كنت موجوداً مع بعض الشباب بقسم الوايلي. اتحاد اشتراكي عربي ـ من اجل ان نسمع خطاب الرئيس، وسمعناه بيقول ساعدوني من اجل اتخاذ القرار بالتنحي. وبكى بعضنا وصرخ الآخر، لكن كان فيه آنسه قالت فلنذهب لوداعه لان منزله كان على مقربة امتار من قسم الوايلي. وبالفعل خرجنا ومرت السيارة من امامنا وهرولنا جميعا خلفها وطالبناه بعدم التنحي، واخذنا نصرخ ونبكي وكانت الشوارع بدأت تكتظ بالبشر بعد دقائق من الخطاب.


وفي شهادة السيد ضياء الدين داود (امين الاتحاد الاشتراكي العربي ومسئول طليعة الاشتراكيين وعضو مجلس شعب عن محافظة دمياط) في كتاب سنوات مع عبد الناصر والصادر عن دار الموقف العربي يقول: وفي يوم 9 يونيو حضر الينا مندوب من امانة التنظيم الطليعي حيث ابلغنا ان الرئيس سيلقى بيانا هاما وعلى قيادات التنظيم ان تتجمع لسماع البيان وتجمع العشرات في مكتبي لسماع البيان المرتقب من التلفزيون وكان الكل في حالة بلبلة واضطراب شديد وكان الحنق والغيظ شديد من قيادة الجيش التي جعلتهم يعيشون على الاوهام وما ان بدأ الرئيس خطابه ووصل الى اعلانه التنحي حتى امتلأت الحجرة بكاء وعويلا وفقد الكل السيطرة على عواطفهم وجلسنا مشدوهين ودموعنا تنهمر. ولم تمض دقائق حتى كانت الشوارع تضج بالمتظاهرين رجالا ونساء وسط ظلام دامس فرضته ظروف الحرب . واتصلنا بالقاهرة تليفونيا نستفسر عن امكانية الوصول اليها وكان من الصعب ان اجد من احدثه من المسئولين علمت ان القاهرة تموج بالمتظاهرين واعلنت للناس انني لا اعارض السفر للقاهرة وحضرت سيارات كثيرة وركبت سيارتي ومعي اعضاء مجلس الامة وتوجهنا الى القاهرة وفي الطريق اليها رأينا مظاهرات لم تكن لتخطر على البال .. وعندما وصلت القاهرة رأيت وكأنما القيامة قد قامت واننا نواجه يوم الحشر .. ووصلنا الى مجلس الامة بصعوبة شديدة، من تلك الشهادة ينكشف لنا ان خروج مظاهرات 9 و 10 يونيو لم يكن سوى انفعال تلقائي من شعب مميز في شخصية عبر تاريخه الطويل ولعل ذلك ماجعله يستشعر بالخطر ويتمسك بعبد الناصر لاستكمال المعركة وفي نفس الوقت هو متيقن من مصداقية ذلك الزعيم وقدرته على معالجة الاخطاء والخطايا.





50 عاماً على ثورة يوليو،

قصة «طليعة الاشتراكيين» التنظيم السري لعبد الناصر ( 6 ـ 8)،

«البكباشي صح» يهزم الجميع بمساعدة شعراوي جمعة وسامي شرف

تناولت الحلقات السابقة الظروف التي دفعت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الى تأسيس تنظيم سري بينما هو يمتلك ناصية السلطة وناصية الجماهيرية وشكواه من امتلاء الاتحاد الاشتراكي بالانتهازيين وكونه جسدا بلا عمود فقري. كما تناولت اسماء من شكلوا الخلايا الاولى واغربهم الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الازهر،


فيما بعد واسماء من تم ضمهم ثم استبعدوا وعلى رأسهم سيد مرعي وعزيز صدقي وادار التنظيم وكيفية اختيار الاعضاء وكيف ضم منتقدين للنظام وعناصر اخوانية سابقة وقيادات طلابية قادت مظاهرات الغضب احتجاجا على محاكمات الطيران.


ثم استعرضت الحلقات علاقة التنظيم بالحركة الشيوعية المصرية .. وكيف فشلت الاجهزة الامنية في معرفة حقيقة شخصية الدكتور خالد الذي كان يكتب مهاجما النظام ورئيسه وكيف اكتشفه عبدالناصر بنفسه ثم الملابسات التي دفعت التنظيمات الشيوعية الى اعلان حل نفسها ليدخل قياديوها كأعضاء في التنظيم الطليعي. واستعرضت الحلقات كذلك علاقة التنظيم الطليعي بحركة الاخوان ودوره الحقيقي في مظاهرات التنحي، كيف فاجأت هذه المظاهرات الجميع بمن فيهم قائد التنظيم نفسه الذي اخذ يصرخ في التلفون قائلا: ليس في مقدور احد ان يمسك بزمام الامن في البلد.


هذه الحلقة تتناول رحيل عبد الناصر وكيف تعامل التنظيم مع خلفه انور السادات.


عن ملابسات اختيار السادات خليفة لعبد الناصر بعد رحيله ودور طليعه الاشتراكيين.


يجيب السيد علي صبري، نائب رئيس الجمهورية رداً على سؤال للصحافي عبد الله امام في كتاب «علي صبري يتذكر ـ طبعة اولى 1987».


ـ نحن نتحدث اليوم في ظل اوضاع مختلفة، وعندما نحكم على واقعة معينة يجب ان نحكم عليها في ظل الظروف التي كانت سائدة. بعد وفاة جمال عبد الناصر كانت المعركة هي التفكير الوحيد في ذهن أي واحد وطني، والذي كان يحكم كل التصرفات هي المعركة، وما هو خير لها قبل كل شيء بصرف النظر عن اية خلافات داخلية، او انقسام يلهي عن المعركة. واياً كان الذي سيكون بدل انور السادات لابد ان يجري تصفيات لأسباب مختلفة. ومعنى هذا اننا كنا سنمضي مالا يقل عن سنة في هذه الامور، وهذه مسئولية خطيرة من الناحية الوطنية وبالتالي كان الحل الوسط ان نسير بالاسلوب المتبع ولا نغير في التكوين الموجود حتى ننتهي من المعركة وخصوصاً انها كانت على الابواب. فقط اتفقنا اولاً انه لا يستطيع شخص ان يملأ كرسي جمال عبد الناصر اذن لابد ان نكون كلنا البديل،ومن هنا لا يصدر قرار الا بعد المناقشة والاتفاق في الاجهزة السياسية المختلفة، وان أي قرار لابد ان يعرض على اللجنة التنفيذية العليا (اعلى مستوى من الاتحاد الاشتراكي ـ الباحث) قبل اتخاذه، وقد ذهب السادات الى ابعد من ذلك في خطابه بمجلس الامة فقال ان أي قرار لابد ان يعرض على اللجنة المركزية وهي الاوسعس. وفي كتاب « ايام عبد الناصر والسادات » للسيد ضياء الدين داود والصادر من دار الموقف العربي سوكان الرأي يكاد يكون اجماعياً ومستقراً على ترشيح السادات خلفاً للرئيس عبد الناصر، وذلك رغم كل التحفظات التي ابديت ورغم الاحساس بأنه اختيار لا يوافق هوى اكثر الناس الى درجة ان حسين الشافعي ابدى تخوفه من امكانية ان يحوز الاغلبية عند الاستفتاء®. وكان كثيرون يرون ان السادات لم يمارس مسئولية حقيقية تنفيذية منذ قيام الثورة وان دوره كان دائماً الموافقة او كما وصفه احد الكتاب «البكباشي صح» حيث كان دائماً يردد تعبير «صح يا ريس» ورغم كل ذلك فقد انحصر التفكير في اتجاه واحد لم يتعداه وهو اختيار السادات®. اذا كان الاحساس بقرب بدء المعركة واهمية تهيئة الجو الملائم والمستقر وبسرعة، وكان الحرص شديداً على وحدة الصف وتماسك الجبهة الداخلية، وكان اصرار من ناحية اخرى على ان يتم الترشيح والانتخاب خلال الاطر الدستورية والسياسية القائمة في مواجهة ما كان يروج له البعض لعودة مجلس الثورة القديم.


عقدت اللجنة التنفيذية اجتماعاً خصص لمناقشة ترشيح رئيس الجمهورية وأيد الجميع ترشيح السادات رئيس الجمهورية®. ولم يشذ عن ذلك الا موقف للسيد حسين الشافعي اشرت اليه من قبل، وموقف للدكتور محمود فوزي اذ بعد الانتهاء من المناقشة اخرج استقالة مكتوبة عزاها الى تقدمه في السن حيث جاوز السبعين.


بدأت بعد ذلك حملة مركزة لتقديم السادات للجماهير على غير الصورة التي استقرت عنه في اذهانهم وكان من اشق الامور اقناع قيادات الاشتراكي ومنظمة الشباب به®. وكنا نحن اعضاء اللجنتين التنفيذية والمركزية وامناء المحافظات والشباب نجوب البلاد ونعقد المؤتمرات لهذا الغرض حيث كنا حريصين على ان يتم اختياره بالاجماع وان يعلن ذلك بوضوح.


وفي كتاب «التنظيمات السرية» لثورة 23 يوليو في عهد جمال عبد الناصر ص 144، يذكر جمال سليم ذات يوم حزين سقط عبد الناصر شهيداً، وبعد مراسيم الجنازة، دعا التنظيم الطليعي كله للاجتماع ليطرح عليه سؤالاً واحداً: من يكون رئيس الجمهورية القادم؟ وقال كثير من المجموعات: تبقى القيادة جماعية الى ان تزول آثار العدوان وقالت احدى المجموعات: علي صبري هو الرئيس القادم®. وقالت مجموعات اخرى يطرح الامر كله على الشعب، وبعد اسبوع آخر دعينا الى اجتماع بتوجيه شفوي مسبق للموافقة على ان يتولى انور السادات رئاسة الجمهورية ويكون الحكم من خلال قيادة جماعية على طريق عبد الناصر®. وقيل لنا ان علي صبري هو الذي يطلب هذا®. وهو يعرف اكثر منا ®. ورفض كثير من المجموعات هذا التوجيه. ويقول المهندس حلمي السعيد (عضو امانة طليعة الاشتراكيين ومسئول جنوب القاهرة ووزير الكهرباء والسد العالي) في كتابه الصادر عن دار المستقبل العربي «شهادتي للاجيال»، الى ان حدثت وفاة القائد جمال عبد الناصر وضرورة عبور الفترة الصعبة العصيبة وما تطلبته من اتخاذ خطوات عملية للاستقرار وضمان استمرار الثورة وسرعة اختيار خليفة عبد الناصر، وبايجاز شديد توالت اجتماعات اللجنة التنفيذية العليا واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي ثم اجتماع مجلس الامة وكان ترشيح انور السادات للجمهورية والتحرك الشعبي والتنظيمي لمساندته استمراراً لمسيرة 23 يوليو 1952.


من تلك الشهادات يتبين لنا ان جماعات الثقل في النظام الناصري لم تكن ابداً على نغمة واحدة، وكانت صراعاتها وتناقضاتها مع بعضها البعض من جراء اختلاف الرؤى، واختلاف الأوزان واختلاف مساحات الاقتراب من الزعيم عبد الناصر، واختلاف المواقع واختلاف مصالح الجماعات المحيطة ببعض مواقع التأثير كان كل ذلك بمثابة البركان الموائم انفجاره وكان الفضل في عدم وقوع الانفجار لجمال عبد الناصر تلك القيادة الماسكة بزمام ذلك وبالذات بعد 1967 ورغم اعطاء معظم اهتمامه لبناء القوات المسلحة.


ولذلك عندما حانت لحظة الفراق كان لابد ان يبحث الفرقاء عن نقطة التقاء مؤقتة لالتقاط الانفاس وتم الاتفاق على السادات فهو الاضعف وهو في نفس الوقت الممسوك من الجميع وعلى مسافة تواصل مع الجميع.وهكذا نظر السادات للموضوع على انه وقت لالتقاط الانفاس واعادة ترتيب القوة.


ومن خلال تلك الرؤية تحركت طليعة الاشتراكيين على مستوى القيادة لكي تعطي تعليماتها للقواعد لتأييد السادات وتبييض وجهه.


وكان الاعداد للحرب والاستعداد للحظتها هو الذريعة المناسبة للجميع الى ان يحين وقت الانقلاب، لكن الطليعيين نسوا ان السادات هو رجل الانقلاب وهو صاحب خبرة من قبل الثورة، كما انهم دخل الغرور اليهم من ادوات القوة المتحكمين فيها «جيش، بوليس، اعلام، مخابرات، امن دولة، وتنظيم سياسي وطليعي» لكنهم نسوا ان ادوات القوة تلك هي في يد الدولة المصرية العتيدة وليس في يدهم هم وانما هي تحت امر صاحب الشرعية الوحيد، رئيس الجمهورية لذا كان طبيعياً بقليل من التآمر والتكتكة ان يكسب السادات الجولة.


انقلاب مايو ستظل احداث مايو 1971، نقطة تحول رئيسية في التاريخ المصري الحديث، لانه وقع فيها انقلاب عن حكم وخط الزعيم عبد الناصر، بل كونها كانت مرتكزاً فيما تلا من سياسات تابعة بدأت منذ الانقلاب ولم تتوقف حتى الآن. لكن كيف حدث ذلك رغم ان كل ادوات القوة وشرعيتها كانت تحت سيطرة التنظيم السياسي بقيادة اللجنة التنفيذية العليا وفي القلب منه الجهاز السياسي، حزب طليعة الاشتراكيين؟ اين كان ذلك الحزب الطليعي الذي تراوحت اعداد عضويته، حسب رؤية الشهود المذكورة للباحث والصادرة في مذكرات ومؤلفات من 30 ألف عضو الى ما يقرب من 150 الف عضو طليعي!! في رواية السيد علي صبري لأحداث الانقلاب يقول الصحفي عبد الله امام في كتاب «علي صبري» يتذكر: حتى نواصل الامور لابد ان نعود الى ما قبل 15 مايو بمراحل، وبالتحديد الى يوم رحيل جمال عبد الناصر، فبعد غياب عبد الناصر كان لابد من اعادة تقييم الموقف®. وكان امامنا احد طريقين: اما ان نعيد تنظيم الدولة والمؤسسات السياسية®. واما الطريق الثاني وهو ان نسير بالامور لتطور تدريجياً في ظل احتلال سيناء وفي ظل معركة وشيكة الحدوث، كان الاختيار للطريق الثاني®. وضعت ضوابط لهذا الاسلوب من العمر بأن تكون قيادة جماعية®. قد اتفق ان كل القرارات تكون صادرة من اللجنة المركزية ومن اللجنة التنفيذية العليا®. كانت المعركة في ذهن كل شخص®. وبدأ الكلام مع السادات على تحديد التاريخ الذي تبدأ فيه المعركة، فأخذ يراوغ.


وعندما اجتمعنا في مجلس الدفاع في فبراير 1971 بحضور القيادات العسكرية كلها، واعضاء اللجنة التنفيذية العليا، كان واضحاً ان الاستعداد كاملاً، ولكن السادات اراد التأجيل®. ثم اعلن ما يسمى بمبادرة 4 فبراير وكان هذا اول صدام حقيقي بين السادات وبيني، لأني كنت قد بدأت اقتنع قناعة كاملة بأنه لا يريد ان يحارب®. وبعد ذلك ذهبت اليه في القناطر الخيرية، وتناقشت معه، ووضع امامي الخرائط العسكرية، وتحدد موعد للحرب فعلاً وبعد ان انتهى شهر فبراير، وهو شهر المهلة، جاء الى اللجنة التنفيذية العليا في شهر مارس وطلب مواصلة شهر آخر، لأن موسكو سوف ترسل لنا صواريخ بعيدة المدى.


المهم انه اجل شهراً آخر®. ثم بعد شهر ذهبت اليه لاحدد الموقف نهائياً®. وقلت له ما معناه: انه اذا كنت لا تنوي الحرب فإنني سوف استقيل®. فلست مستعداً ان اتحمل مسئولية انني نائب رئيس الجمهورية وعضو لجنة تنفيذية عليا، بينما توضع سياسة لا انا اوافق عليها ولا جميع القادة عسكريين وغير عسكريين يوافقون عليها وعندما وجد ان الموقف قد تأزم قال انه قد حدد موعداً في 20 ابريل لبدء الحرب وطلب الا اخبر احداً بهذا التاريخ لانه سري جداً حتى على حسين الشافعي®. وقال ان فوزي ـ يقصد الفريق محمد فوزي ـ جاهز بترتيباته العسكرية بعد عدة ايام وجدت انه يعقد اجتماعاً في القاهرة، لبحث اعلان وحدة رباعية بين مصر وسوريا وليبيا والسودان واتضح ان عملية الوحدة الرباعية او الاتحاد، هي عملية تعطيل للمعركة، خصوصاً انه قال لي في الاجتماع الذي عقدته معه: اننا يمكن ان ننتظر قليلاً لترى برجس ـ القائم بالاعمال الاميركي سوف يحضر لي بعض المقترحات وان روجرز قادم.


قلت له ان هدفهم اضاعة الوقت بالنسبة لنا حتى تدعم اسرائيل نفسها عسكرياً بمزيد من الاسلحة، بدليل ان الاميركان سوف يمنحون اسرائيل 25 طائرة فانتوم جديدة®. ووافقني السادات على هذا الرأي®. وانتهى الامر على اننا سنحارب يوم 20 ابريل®. وتبدأ المعركة.


تخلص من علي صبري يضيف علي صبري قائلا : فوجئت به يعلن عن بدء اجتماعات الوحدة®. وصلت الى قناعة كاملة انه غير جاد في الدخول في الحرب وبدأت اجتماعات الوحدة هنا في القاهرة، ثم انتقلت الى بنغازي. جلست معه في بنغازي جلسة طويلة جداً وقعت خلالها مشاجرة بيننا®. عندما عدت من بنغازي سردت على اللجنة التنفيذية العليا، ثم على اللجنة المركزية وجهة نظري كاملة®. وهذه الآراء مسجلة، وقد اتهمت فيها انور السادات ـ ضمناً ـ انه يناور من اجل الهروب من المعركة®. ولم يصبح الامر خلافاً في غرفة بيني وبينه ولكنه كان في حضور اعضاء اللجنة المركزية ولابد انه وصل الى كل قواعد الاتحاد الاشتراكي.


لذلك كان من المنطقي من وجهة نظره ان يتخلص مني بأية طريقة ولكنه كان يريد ان يتعرف على الذين يتخلص منهم معي®. لذلك فقد طلب من اللجنة التنفيذية العليا من جميع الاعضاء ان يحددوا موقفهم بالضبط®. من معه®. ومن ليس معه.


الذين ليسوا معه®. اعتقلهم في 13 مايو.


كان قبل ذلك قد اقالني من منصبي كنائب لرئيس الجمهورية ولكنه لم يستطع ان يقيلني من اللجنة التنفيذية العليا، لأنني جئت بالانتخاب. وقد ارسلت اليه استقالة من جميع المناصب ولكنه في 13 مايو قام بتصفية الوزارة، وبدأها بوزير الداخلية قبل ان ينتقل الى الباقين، فقدم جميعهم استقالاتهم، ورداً على سؤال من الصحافي عبد الله امام ـ الا ترى ان الاستقالة تمثل نوعاً من الهروب في تلك الفترة؟ يجيب السيد علي صبري ـ في مثل هذا الظرف، ولعلانية الامر، استقيل حتى يحدث تساؤل لماذا استقيل؟ وتكون الاستقالة مسببة، أي ان بها اتهام. عبد الله امام ـ الموقف هنا®. انه يفرط وانت تقاومه®. انما عندما تستقيل®. فتترك له المجال واسعاً ليرتع فيه.


ـ ما هو الحل الآخر®. ان اقوم بانقلاب®. انت تخيرني ان اقوم بعمل انقلاب او استقيل®. فأنا استقلت لانه لا يجوز التفكير في انقلاب ولديك ارض محتلة وعدو متربص.


ـ استقالة المجموعة®. الا يعتبر خطأ وهروباً؟ ـ هو خطأ تقديري®. خطأ في التقديرات®. وقد تمت دون استشارتي.


ـ لو انهم استشاروك فماذا يكون رأيك؟ ـ لم اكن اوافق على الاستقالة الجماعية.


ـ ماذا كان البديل؟ ـ هناك بدائل ومنها ان يطرح الامر للمناقشة العامة، حتى لا يتمكن من ان يعتم على الناس ويدعي انها مؤامرة®. اشراك الجماهير او القيادات في العملية كانت سوف ترغمه على الرضوخ لرأي الجماهير او القيادات وهناك قيادات واعية جداً.


ـ التنظيم الطليعي وهو تنظيم ملتزم والمفروض انه يتربى تربية عقائدية®. بماذا تعلل انقسام اعضاءه®. فريق مع انور السادات وفريق ضده منذ بداية الاحداث.


ـ ليس كل اعضاء التنظيم الطليعي كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ®. وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا التنظيم الطليعي، ونحن نبينه من موقع السلطة فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة، بل العكس هؤلاء كانوا اكثر الناس حماساً للتنظيم الطليعي.


ـ بصراحة®. الا ترجع المسئولية الى خلل ما في الاتحاد الاشتراكي®. والا يدل ذلك على ان التنظيم نفسه كان هشاً.


ـ لا القضية في طبيعة الشعب المصري الذي ينظر بجلال الى الشرعية، وانه ليس سهلاً ان تقول لأي مواطن حتى ولو كان منظماً ان يثور على رئيسه.


ـ في مجال الند الذاتي الا تقدم نقداً لمجموعة مايو؟ ـ ممكن ان نوجه اليهم نقداً، نقول انه كان لابد ان يتخلصوا من انور السادات او لا ينتخبوه منذ البداية.


أما السيد شعراوي جمعة وفي رده على سؤال مطروح لمجلة الموقف العربي العدد 65 لعام 1985 يقول: ـ ما هو دور التنظيم الطليعي في احداث 15 مايو 1971؟ ـ نحن لم نشرك الجماهير في الصدام مع السادات. ولم نشرك التنظيم الطليعي ولا حتى الاتحاد الاشتراكي®. ربما كان عدم اشتراكنا للتنظيم خطأ لكن هذا هو ما حدث.


وبالرغم من غياب قواعد التنظيم الطليعي عن تفاصيل الصدام مع السادات، الا ان مجموعات كثيرة من الاعضاء في الصف الرابع والخامس تحركت تلقائياً خلال احداث 15 مايو. كان يمكن للتنظيم ان يلعب دوراً حاسماً لكنه اقصى عن ميدان المواجهة وربما كانت حساباتنا يومها غير دقيقة، كنا نخاف ان نهتم بالمعركة الداخلية بينما المعركة الخارجية وشيكة.


ويكشف لنا السيد سامي شرف معلومات جديدة ذات دلالة في حديثه مع الصحافي عبد الله امام في كتاب «عبد الناصر كيف حكم مصر؟».


ـ في شهر فبراير 1971 اتصل بي انور السادات قائلاً ان هناك شخصاً سوف يأتي لمقابلتي، عندما اردت معرفة اسم الشخص قال انني سوف اعرفه عندما يأتي فعلاً ورفض ان يذكر اسمه®. وبذلت معه جهداً حتى عرفت ان اسمه كمال ناجي على الاقل حتى اترك له خبراً لدخول قصر القبة حيث كان مكتبي®. كمال ناجي من الاخوان المسلمين الذين هربوا وتركوا مصر بعد حوادث 1954 مثل سعيد رمضان مثل عبد الحكيم عابدين من الذين هاجروا خارج مصر ومنهم من ذهب الى دمشق او السعودية او المانيا او قطر.


جاء كمال ناجي وجلس معي ولم يقل شيئاً، وبعدها اتصلت بالسادات وقلت له انني قابلت كمال ناجي ولكنه لم يقل شيئاً. قال الظاهر انه «كش منك» وابلغني انه يحمل رسالة على لسان الاخوان المسلمين للسادات يقولون انه لا يوجد بيننا وبينه شيء، ولكن الثأر الذي كان بيننا وبين عبد الناصر انتقل الى شعراوي جمعة وسامي شرف.


ثم قال: انا اقول لك يا سامي شدد الحراسة على نفسك انت وشعراوي جمعة.


قلت له: الحارس هو الله، وابلغت شعراوي جمعة هذه الرسالة®. واستمر كمال ناجي في القاهرة مدة اسبوع او عشرة ايامس.


ـ قبل ان يدخل السادات قاعة مجلس الامة لالقاء خطابه واعلان مبادرته في 4 فبراير حدثت معه مشاجرة عنيفة اشترك فيها الدكتور محمد محمود فوزي. الذي لم يعل صوته ابداً، اشترك معنا معترضاً على الكلام المكتوب لا احد يعلم ماذا كان في الخطاب الا انور السادات وهيكل وانا، عقدنا لقاء خاصاً بمكتب ملحق بقاعة مكتب رئيس الجمهورية لمجلس الامة حضره الدكتور فوزي وشعراوي جمعة والفريق فوزي ومحمود رياض وانا.


كان الاعتراض على نقطتين اولاً المبادرة، ثانياً الهجوم على سوريا ووافق السادات على رفع الصفحات التي تعرض لسوريا فيها وكان يتهمها بأنها تعوق مسيرة الامة العربية والكلام غير موضوعي، استطعنا الغاء هذه الصفحات الاربع. اما المبادرة فقد اصر عليها. وهذا كان بداية تفجر الخلافات. وتصادف في نفس الوقت انه كان هناك لقاءات واتصالات مع بيرجس القائم بالاعمال الاميركي في مصر، وان هذه الاتصالات بدأت المخابرات العامة تكشفها وتكتب تقارير عنها. وقد جاء بهذا التقرير ان انور السادات سوف يغير ـ وعلى وجه التحديد ـ المسئولين الذين يعارضون المبادرة، محمود رياض وشعراوي ومن وقف في مجلس الامة ضد ما جاء في هذا الخطاب وضعه انور السادات على قائمة التغيير او الابعاد.


النقطة الثانية، وهي على الصعيد الخارجي، وهذا هو الشيء المحير والغريب وهو نقطة تحول خطيرة ان اول مرة رئيس جمهورية عربي يتمنى ان واحد مثل موشى ديان يتولى رئاسة الوزراء في اسرائيل من اجل ان يتفاهم معه وحسب ما ورد بعد ذلك من تسجيلات في منزل بيرجس ان انور السادات كلف سيسكو ان ينقل هذه الرسالة بمثل هذه العبارات الى موشى ديان.


النقطة الثالثة: انه سوف يبدل في هيكل المؤسسات السياسية في مصر، وقد وضح بعد ذلك عندما طلب منا حل الاتحاد الاشتراكي واعادة بناءه من القاعدة الى القمة بشكل جديد.


وفي اجابته عن سؤال للصحافي عبد الله امام لمَ لمْ تتحركوا عندما وصلتكم معلومات انه سنة 1971 اعلن انه يريد ان يعقد صلحاً مع اسرائيل؟ ـ الاجابة عن السؤال بدون لف ولا دوران وبصراحة هي احداث انقلاب ضد انور السادات بناء على ذلك هناك سؤال يطرح نفسه هو: هل نحن انقلابيون ام لا؟ ـ لا اكذب عليك كل واحد بينه وبين نفسه وبدون ان نجلس في شكل اجتماع نبحث هذا الموضوع، لكن كل واحد منا في نفسه كان يسأل نفسه هذا السؤال®. الظروف التي تمر بها البلاد، وانت حاشد كل قوة ممكنة مدنية، عسكرية، اقتصادية، سياسية، معنوية، اعلامية من اجل المعركة كل شيء كان يركز على العبور®. انا سوف اقول الخلاصة التي اقيم بها الموقف اليوم فأعترف واقر وأبصم بالاصابع العشر بأننا اخطأنا.


السادات يفضل أعضاء التنظيم!!


ويذكر السيد محمود امين العالم في شهادته للباحث انه كان في دمشق ولما عرف باخبار الصدام رجع وقابل سامي شرف وقد طمأنه السيد سامي شرف، ويقول العالم انا في الحقيقة دهشت من تلك الاجابة وعندها قلت كيف تصدقونه (12) بعدها باسبوع كان اخر اجتماع للجنة المركزية، ووقفت وعارضت السادات وقلت له لابد من اسقاط وقف اطلاق النار ولابد من حساب الامر وأخذ قرار بالاغلبية بعد ذلك أصدر السادات قراراً بفصل اربعين عضو وقيادي من الاتحاد الاشتراكي وطليعة الاشتراكيين وكان من بينهم فريد عبد الكريم، عندها طلبت من شعراوي جمعة ان يقابل السادات من اجل مناقشته حول عدم قبولنا مبدأ فصل الاعضاء ولابد ان يصل اليه رغبتنا في بدء المعركة. لكن السادات تحرك بسرعة وابعد شعراوي من الوزارة وبعدها توالت الاحداث وتم القبض علي تحت اسم مراكز القوى لمدة اربع شهور في سجن القلعة.


ويذكر لنا السيد اسعد حسن خليل مسئول اتصال المستوى الاعلى بعض الوقائع الهامة في شهادته مع الباحث: يوم 13 مايو الخميس 1971، ذهبت الى مكتب السيد شعراوي جمعة وزير الداخلية وامين طليعة الاشتراكيين لكي اعرض عليه بعض التقارير الخاصة بالتنظيم لكن ابلغني العميد البهنساوي مدير مكتبه في الداخلية انه في اجتماع مع الدكتور فؤاد مرسي والاستاذ احمد عباس صالح، ومن بعدهما السيد حامد محمود®. المهم تقابلت معه وفاجأني السيد شعراوي بأنه تم قبول استقالته وان د. فؤاد مرسي عندما عرف ذلك قال له: احنا ننزل تحت الارض في مواجهة هذا الرجل وكان يحكي تلك القصة لاقناعي بالهدوء كما اقنع فؤاد مرسي وبعد انقلاب مايو كان مرسي وزير في الوزارة التي جاءت بعد الانقلاب!! خرجت من مكتب السيد شعراوي ورأسي يدور فيه عشرات الاسئلة واثناء سيري تذكرت ان مالية التنظيم في امانتي حيث كانت من مسئولياتي. المهم ذهبت الى السيد شعراوي في منزله الكائن بمصر الجديدة صباح يوم 14 مايو لكي اعرف رأيه في مصير الاوراق المحفوظة برئاسة الجمهورية الخاصة بطليعة الاشتراكيين ومصير مالية التنظيم والتي كانت تقدر بحوالي مئة الف جنيه ما بين جنيه مصري وعملة صعبة. ومن المعروف انه كانت لدي تعليمات من السيد الرئيس عبد الناصر بأن الاوراق تحرق كل اول يوم في الشهر واليوم الخامس عشر منه، لكن ما تبقى من اوراق فسألت السيد شعراوي عنها. فقال لي السيد شعراوي سلم مالية التنظيم لأي مسئول في رئاسة الجمهورية.


لكني وجدت ان الرئاسة ليس لها علاقة بموضوع التنظيم الطليعي وامواله، انما التنظيم المفروض انه تابع للتنظيم السياسي ـ الاتحاد الاشتراكي العربي.


وبالفعل ذهبت صباح السبت 15 مايو قابلت الدكتور محمد محمد الدكروري الذي تولى امانة الاتحاد الاشتراكي بدلاً من السيد عبد المحسن ابو النور وكان ايضاً من طليعة الاشتراكيين في المنيا، واخبرته عما لدي من اموال، فطلب مني اعطاء المبلغ للدكتور عبد المنعم جنيد الذي كان مديراً لمكتب السيد شعراوي جمعة في الاتحاد الاشتراكي العربي، لكني ابلغته بأن المبلغ كبير ويقتضي تسليم وتسلم اي اجراءات حسابية ودفترية، فحضرت لجنة من اعضائها السيد عبد الرحمن ابو العنين وزير الشئون المالية برئاسة الجمهورية وكان ذلك يوم الثلاثاء 18 مايو 1971 واستلموا المبلغ مع الدفاتر وبعد عدة ايام جاءني كتاب يفيد بصحة جرد المبالغ ومطابقتها على الوارد بالدفاتر وكان موقع من السيد احمد حسن المراقب المالي بالاتحاد الاشتراكي العربي. ويستكمل السيد اسعد حسن خليل شهادته: ويقول: طليعة الاشتراكيين لم تكن راضية عن اختيار انور السادات وكنا قد رشحناه إعمالاً لرأي القيادة المتمثلة في شعراوي جمعة وسامي شرف. اما السيد علي صبري لم يكن موافقاً على ترشيح السادات لكن سلطة شعراوي وسامي جعلت من التيار المؤيد للسادات تياراً قوياً داخل التنظيم. واتذكر اني ادرت حواراً مع السيد شعراوي بعد تعيين السادات رئيساً للجمهورية ذاكراً امامه رأي الناس ومعرفتي بالسادات شخصياً الا ان السيد شعراوي ابلغني ضرورة التفاف الناس حول السادات وضرورة الاستعداد للمعركة وقد اشعر في ذلك بأن الامور كلها في يد الطليعة وان السادات مجرد رمز. وكانت قد ترددت اشاعات قبل اجتماع اللجنة المركزية في اول مايو 1971 ان السيد شعراوي جمعة سيتولى رئاسة الوزارة وقد اكد ذلك بنفسه معي في حديث خاص، كما تردد من بعض القيادات القريبة بأن السيد شعراوي أيد فعلاً بيان الحكومة وقام بالمشاركة في اعداده السيد محمد عروق.


ومن المعروف ان اغلبية اعضاء طليعة الاشتراكيين كانت ضد السادات عند استطلاع رأيها، كما كانت هناك رؤية عند قيادات طليعة الاشتراكيين لمواجهة السادات بدليل ابلاغي من قبل السيد شعراوي بالذهاب للدكتور حسام عيسى لتحريك الطلاب وتوعيتهم وكلف السيد وجيه اباظة لتحريك الجماهير الشعبية.


بعد رفض اقتراح السادات بالوحدة بين مصر وليبيا والسودان من قبل امانة طليعة الاشتراكيين وكان ذلك بمقر رئاسة الجمهورية قال شعراوي جمعة: سوف نعطي السادات فرصة حتى مساء اليوم التالي حيث سوف اذهب مع السيد عبد المحسن ابو النور والفريق اول محمد فوزي لمقابلته ومناقشته، واذا اصر على موقفه سيكون لنا موقف آخر، عند ذلك رد السيد احمد كامل رئيس المخابرات العامة وعضو امانة طليعة الاشتراكيين وقال: انتم لا تمتلكوا اي شيء فأي ضابط صغير في الجيش يستطيع ان يحدث انقلاباً، وانا كرئيس للمخابرات لابد ان اخبر رئيس الجمهورية بكل ما يحدث امامي في هذه الجلسة. بعد ذلك حدث الانقلاب والاستقالات، وتم التحقيق معي وحكم علي بسنة سجن مع الايقاف، وذهبت للعمل في انجلترا.


تفاصيل اخرى واسرار تتكشف لنا من شهادة السيد حامد محمود محافظ السويس ومسئول طليعة الاشتراكيين فيها.


صدر قرار في اغسطس 1970 لتعيينه محافظاً للجيزة ورغم غضب اهل السويس من ذلك القرار الا ان السيد شعراوي جمعة ابلغني بأن الرئيس اختارني من اجل القيام بمهام مركزية في طليعة الاشتراكيين والبداية كانت مسئوليتي عن الشباب والطلاب على مستوى الجمهورية، وكان السيد صفي الدين ابو العز مسئولاً عن طليعة الاشتراكيين في الجيزة وكان من المفروض ان احل محله. لكن الظروف لم تسعفنا بعد ذلك لاني استلمت موقعي كمحافظ في 5 سبتمبر 1970 في 28 سبتمبر توفي الزعيم عبد الناصر، واستمر اشرافي على الشباب والطلاب في طليعة الاشتراكيين حتى احداث مايو، 1971.


في اوائل مايو 1971 جاء الي بعض الطلاب الطليعيين وكان منهم طالب في دار العلوم اسمه محمد سيد عبد القادر وابلغنا انه قد صدرت لهم توجيهات من قبل اعضاء امانة طليعة الاشتراكيين بأن الرئيس السادات بصدد حل تنظيمات الاتحاد الاشتراكي وان على الطلاب ان يقوموا بمبادرات فردية. وكان الطلاب في تلك الفترة في امتحانات وغير فاهمين لمعنى المبادرة بالفردية. وقلت لهم انني غير مقتنع بهذا الكلام ولا يجب ان يفعلوا ذلك واذا اردتم تغطية لذلك اكتبوا لي رسمياً بذلك وانا ارد عليكم بذلك.


وطلبت بعدها مقابلة السيد شعراوي جمعة لعرض مسألتين احدهما خاصة بالمبادرات الفردية والتوجيه الصادر به، والمسألة الثانية انه كان قد وصلتني معلومات اثناء حضوري حفل ام كلثوم وقبل الوصلة الثانية من السيد محمد احمد سكرتير الرئيس السادات حيث اتصل به في التلفون وابلغني بأن السيد الرئيس السادات بلغته معلومات عن وجود تحركات في الجيزة وانه بيعتبرني المسئول عن ايقاف تلك التحركات ومنعها وكان ذلك الخميس الاول من مايو 1971. واتفقت مع السيد محمد احمد ان نلتقي في المنزل يوم الجمعة لكي نتداول في الموضوع. واثناء الحفل قابلني السيد احمد الخواجة والسيد محمد حلاوة من قيادات الاتحاد الاشتراكي في الجيزة، وسألاني ايه الموضوع، حيث اتضح ان هناك مجموعة من المواطنين كانوا جالسين على المقهى في امبابة (تابعة للجيزة) يتناقشون حول من الذي سوف ينتصر في الصراع الدائر، حيث كان هناك فريق كان يرى المنتصر سوف يكون من معه الجيش والشرطة والاجهزة الامنية، لكن واحد من الجالسين قال الرئيس هو الذي سوف ينتصر لأن معه الشرعية وبعدها انسحب وذهب لمقابلة السيد فوزي عبد الحافظ سكرتير الرئيس السادات وابلغه بالواقعة عندها رأى الرئيس ان من مسئولية حامد محمود كمحافظ منع ذلك! يوم الجمعة جاء الى منزلي محمد احمد وقلت له كيف يمنع محافظ الكلام في المقاهي والشوارع؟ في يوم 13 مايو ـ صباحاً ـ ذهبت لمقابلة السيد شعراوي جمعة في وزارة الداخلية وكان اجتماعنا حوالي الساعة الواحدة ظهراً، ووجدت في انتظاره السيد اسعد حسن خليل، وسألني عن الاخبار فقلت له انا شاعر بأن فيه لخبطة وقد تسفر عن نتائج مقلقة وبعد ذلك دخلت للسيد شعراوي وتحدثت معه بشأن موضوع الشباب والمبادرات الفردية وابلغته بأني رفضت ذلك. واستحسن السيد شعراوي هذا التصرف. وبعد ذلك سألني وقال الرئيس طلب مني استبعاد عدد من قيادات الاتحاد الاشتراكي العربي واذكر من بينهم السادة عبد الهادي ناصف وفاروق متولي وآخرون؟ فما رأيك؟ فقلت له ان الرئيس يريد ان يستخدمك في ابعاد رجالك من الاتحاد الاشتراكي فيفقدهم ثقتهم فيك ومن ناحية اخرى يكون من السهل التعامل معك بعد ذلك.


في الساعة السادسة كان قد اذيع نبأ تعيين ممدوح سالم وزيراً للداخلية وقبول استقالة شعراوي جمعة. في الساعة الحادية عشرة من نفس اليوم ليلاً اذيع خبر الاستقالات الشهير. وذهبت الى مكتبي في الصباح في محافظة الجيزة، وعلمت بعد ذلك بأن السيدة جيهان تساءلت قائلة كيف لم يقف معنا محافظ الجيزة؟ وبالفعل اتصل بي السيد لبيب زمزم يوم 15 يونيو وكان وقتها وكيل وزارة الادارة المحلية وقال: ان السيد حمدي عاشور يريد رؤيتك الساعة 6 مساء اليوم وكان وقتها وزير الادارة المحلية®. وذهبت لمقابلته ووجدته مرتبكا وابلغني بأن السيد محمد احمد قال له ان على حامد محمود ان يأخذ اجازة طويلة يوم 16 يوليو 1971 ثم جاء الى منزلي المقدم ابو بكر من مباحث امن الدولة ـ جيزة وابلغني تعليمات بالمثول امام المدعي العام الاشتراكي مصطفى ابو زيد الساعة 6 مساء.


ويحكي كل من السيدين محمد سامي احمد، وطارق محمد عزت النبراوي عن احداث مايو 1971 للباحث بعد وفاة الزعيم عبد الناصر اخذنا قرارا جماعيا من اعضاء طليعة الاشتراكيين في كلية هندسة عين شمس بفتح المجموعتين الطليعيتين الموجودتين في الهندسة. واخذنا موقفا حادا جداً من ترشيح السادات وكان ذلك خلف فتح المجموعتين على بعضهما البعض. وطلبنا المقابلة مع شعراوي جمعة وتحدثنا معه بشأن رفضنا للسادات لكن السيد شعراوي طمأننا جداً وابلغنا ان طليعة الاشتراكيين مسيطرة على كل اجهزة ومؤسسات الدولة وبعد ذلك التقينا السيد سامي شرف وابلغناه رفضنا في ترشيح السادات وقال لنا ان السادات تحت يدنا وفي متناول قبضتنا، لا تخشوا شيئاً.


بعد ذلك جاءت احداث 15 مايو 1971 وكنا بنستعد للامتحانات ورغم ذلك اتصلنا بالمهندس احمد حمادة مسئولنا الطليعي. في اعقاب سماعنا بالاستقالات نصحنا بالابتعاد عن هذا الموضوع والاكتفاء بالدرس في هذه الفترة وكان هناك تقدير منه بعدم الزج بنا في هذا الصراع. وبعد احداث مايو ذهبنا لمقابلة وجيه اباظة وكان محافظاً بعد الاحداث لفترة بسيطة ـ وطلب منا (محمد سامي وطارق النبراوي ومحمد اسماعيل) اذا ما استدعينا وتعرضنا للتحقيق فالاجابة ان المسئول الذي يتحمل انضمامنا هو وجيه اباظة كما طلب منا الابتعاد في تلك المرحلة.






الناصرية في الذكرى الخمسين لثورة 23 يوليو



50 عاماً على ثورة يوليو،

قصة «طليعة الاشتراكيين» التنظيم السري لعبدالناصر،

رئيس جمهورية من خارج العباءة.. (7 ـ 8)

تناولت الحلقات السابقة الظروف التي دفعت الزعيم الراحل جمال عبدالناصر إلى تأسيس تنظيم سري وعلى رأسها امتلاء الاتحاد الاشتراكي وهو حزب السلطة بالانتهازين.


كما عرضت اسماء عدد ممن شكلوا الخلايا الاولى والمفاجأة ان الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الازهر كان عضواً في التنظيم فيما تم استبعاد عزيز صدقي وسيد مرعي. بعد المرحلة الاولى ضم التنظيم قياديين في التنظيمات الشيوعية واعضاء سابقين في جماعة الاخوان وكذلك قادة لمظاهرات الغضب الطلابية التي اشتعلت عام 1968 وسردت علاقة الطليعة بالحركة الشيوعية المصرية وكيف حلت الاخيرة احزابها واختارت الانضمام الى التنظيم وكذلك علاقة الطليعة بحركة الاخوان المسلمين وحقيقة دورها في مظاهرات 9 و10 يونيو التي طلبت عبد الناصر بالتراجع عن التنحي كيف فاجأت هذه المظاهرات الجميع ودفعت امين التنظيم الطليعي والذي كان في الوقت نفسه وزيراً للداخلية الى ان يصرخ في التلفيون مؤكداً عدم قدرة احد على الامساك بزمام الامن في البلد.


كما تناولت الحلقات علاقة التنظيم الطليعي باختيار السادات وكيف تمكنت الصراعات بين مراكز الثقل ـ التي كان يتوقع لها ان تخلف ناصر ـ من شل فعالية التنظيم واختيار الحلقة الاضعف.. حيث تصور كل طرف ان الرئيس السادات حصان سباق بامكانه ان يمتطيه لتحقيق اهدافه هذه الحلقة تعالج ميل السادات الى ابرام اتفاق صلح مع اسرائيل حتى قبل حرب اكتوبر وكيف كان كل ذلك يتم تحت سمع وبصر الاجهزة المصرية غير ان كل رجال عبدالناصر تساقطوا كاوراق الخريف مع اول ضربه من قبضة السادات.


في شهادة عادل الاشوح بعض الوقائع الهامة لابد من ذكرها بشأن احداث مايو 1971.


في مارس 1971 كنا عائدين من زيارة لبلغاريا (يوسف غزولي ـ عبد المنعم جنيد وانا) واحنا راجعين سمعنا خبر تعيين محمد عبد السلام الزيات وزير وقيل بعد ذلك السادات خطب في مجلس الامة وفاجأ كل الموجودين بخطاب لم يكن متفقا عليه. وبعد ذلك في احتفال اول مايو في عيد العمال رفع العمال صور عبد الناصر وانسحبوا من السرادق اللي كان بيخطب فيه، وقبلها كان في اجتماع لجنة مركزية وكان في مناقشة حامية وحادة لموضوع الوحدة المصرية الليبية السودانية. ثاني يوم هذا الاجتماع كنت في مكتب د. نبيل الدكروري (مدير مكتب عبد المحسن ابو النور) وكان ابن عم الدكتور د. محمد الدكروري (عضو مجلس الامة ومدير مكتب انور السادات) وعلمت من د. محمد ان الرئيس السادات زعلان مني جداً لأنه عرف اني رتبت اجتماع اللجنة المركزية.


عرفت بعد ذلك مباشرة ان مجموعة السادات في مجلس الامة كانت تضم د. الدكروري من المنيا، احمد عبد الآخر من سوهاج ويوسف مكاوي من المنيا ومحمد عثمان اسماعيل من اسيوط وكل تلك المجموعة ذهبت للغداء ثاني يوم الاجتماع في دهبية السادات في النيل وابلغوه بأني انا الذي رتبت اجتماع اللجنة المركزية وكانو كلهم في طليعة الاشتراكيين.


وانا الحقيقة كنت قلق من السادات جداً، لذلك كنت باهتم بالتفاصيل لدرجة اني حصلت على خطة تحرك السادات بالنسبة لمجموعة مايو يوم الاربعاء 12 مايو الساعة 8 مساء ووجدت عنده سامي شرف وحكيت لهما بالتفصيل ماذا سوف يتم يوم 13 مايو لكن شعراوي قال اهدأ ولا تنزعج انا سوف اقابل السادات الساعة 7 مساء يوم الخميس 13 مايو.


لكن السادات عمل خطة تمويه كبيرة ففي يوم الاثنين 10 مايو كانوا في استضافة السادات، ويوم الثلاثاء ذهب هيكل لعرض رئاسة الوزراء على شعراوي جمعة ويوم الخميس كان على موعد الساعة 7 مساء مع السادات. لكن سامي شرف ابلغ شعراوي بقبول الاستقالة (الاقالة) الساعة 3 الا خمسة ظهراً.


الساعة 3 ظهراً عرفت فتحركت واخذت ملفات قضية الانحراف في جهاز المخابرات وقضية النكسة (محكمة قادة سلاح الطيران) وكانت تلك القضيتين في 6 اكلسيرات كاملة ومن المعروف ان الذي حقق مع صلاح نصر كان شعراوي جمعة وحلمي السعيد واخذت كل ما يتعلق بتنظيم الطليعة في القضاء والطلاب والمبعوثين، وطلبت محمود السعدني وقلت له انا سوف ارسل لك اشياء لابد من حرقها.


وانا حامل الستة اكلسيرات دخل علي وجيه اباظة واخذها مني وكان فيها تقرير كتبه محمود امين العالم عن اخبار اليوم.


بعد ذلك طلبني اسعد خليل وقال قابلني في الخارج وسلم لي تنظيم الشرطة ورجعت المكتب واعطيت الموظفين اذن بالرحيل وذهبت الى المنزل وحرقت اسماء تنظيم الشرطة وتركوني حتى يوم 16 الساعة الثانية والنصف ظهراً وجاءت مباحث امن الدولة لكي تقبض علي وتعرضت وبالذات في الايام الاولى لمعاملة غير انسانية وبالذات من اللواء سيد فهمي الذي حل محل لواء حسن طلعت الطليعي وانا تأكدت من جراء هذه المعاملة ان ممدوح سالم يخشى ان اكشف سر ممانعته لتعيين السادات بعد رحيل عبد الناصر وكان ذلك عند استطلاع رأي المحافظين في ترشيح السادات حيث وافق الجميع باستثناء (د. فؤاد محي الدين وممدوح سالم) .


وفي شهادة احمد حمادة طليعة جامعة عين شمس اعترضت على ترشيح السادات وطليعة شرق القاهرة ايضاً وقد سبب ذلك ازعاج لسامي شرف واستدعاني في قصر القبة وقابلني بغضب وقال احمد حمادة ونبيل نجم (جروا اللجنة من مناخيرها) يقصد لجنة شرق القاهرة، وانا سوف ابلغ شعراوي انه يلغي هذه اللجنة وكان رأينا بسيط جداً كيف يرشح السادات رئيس جمهورية وهو لم يكن منضماً لطليعة الاشتراكيين وكان ذلك في 11 مايو وحدثت مشادة خفيفة في هذا الاجتماع الذي كان حاضراً فيه كل من احمد شهيب وعلي زين العابدين واحمد سمك وعبد العاطي نافع وقلت لهم انقضوا او انفضوا في جلسة اجتماع اعضاء البرلمان في تنظيم شرق القاهرة وطليعة شرق القاهرة وكانت بغرض ترتيب اسئلة لاحراج السادات، وانا كان رأيي ان الصراع لا يدار بهه الطريقة وعندها قلت هذه العبارة.


بعد ذلك كانت تهمتي انني حاولت مقابلة وجيه اباظة محافظ القاهرة من اجل ايقاف النقل العام بالقاهرة وعلى اساس ذلك اخذت سنة سجنا.


روجرز يسب محمود رياض!! وفي شهادة اللواء حسن طلعت (مدير المباحث العامة سابقاً) والمذكورة في كتابه «في خدمة الامن السياسي مايو 1939ـ مايو 1971» والصادر عن الوطن العربي للنشر والتوزيع.


جاء فيها: بعد مبادرة السادات الاولى في فبراير سنة 1971 بدأت اشعر بالقلق من ان الرئيس لن يسير على نفس الخط الذي كان يسير عليه الزعيم عبد الناصر، وفي احد الايام ولا اذكر التاريخ بالتحديد لكنه بعد زيارة روجرز وسيسكو وزير ووكيل الخارجية الاميركية علمت ان روجرز بعد ان خرج من لقائه مع انور السادات وفي حديث خاص له كان يلخص فيه نتيجة مقابلته للسادات بدأ يسب محمود رياض وزير الخارجية المصري في ذلك الوقت متهماً اياه بتضليله وذلك بافهامه ان موقف السادات من الحل السلمي متشدد جداً وانه عندما التقى بالرئيس السادات وجده متساهلاً جداً وان الاخير ابلغه بآنه لا يثق في محمود رياض وزير الخارجية ولا الفريق اول فوزي وزير الحربية وانه يرغب في تكوين مجموعة عمل لحل النزاع المصري الاسرائيلي تتكون من جوزيف سيسكو وبرجس القائم بالاعمال الاميركي في القاهرة واحد كبار الصحافيين المصريين.


كان لذلك وقع الصاعقة في نفسي ولكن شعراوي جمعة طمأنني بأن الموقف ليس سيئاً كما اتصور وان القوات المسلحة على اهبة الاستعداد لبدء القتال خلال شهور قليلة وان هذا سيمنع تقدم اية تنازلات من جانب أي شخص قد يكون فيها اذلال او اجحاف بمصر.


وفي الايام التالية اقيل على صبري من منصب نائب رئيس الجمهورية ووضح للجميع ان هناك اختلافاً في الرأي بين الرئيس السادات وغالبية معاونيه في الحكم وكان الصراع قد تفجر علانية في جلسة اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي.


وجاء يوم 13 مايو سنة 1971 وقد بدأ كغيره من الأيام فزاولت عملي في الصباح في المكتب وانصرفت الى المنزل حوالي الساعة الثالثة مساء وبعد تناول الغذاء اتصل بي شعراوي جمعة وزير الداخلية تليفونياً وابلغني بأنه قد علم بأن الرئيس السادات يعقد اجتماعات متوالية في منزله منذ الصباح يحضرها رئيس الوزراء الدكتور محمود فوزي وان اللواء ممدوح سالم محافظ الاسكندرية قد استدعى لمنزل الرئيس وانه لا يدري ما يراد وانه قد ضاق ذرعاً بهذا الاسلوب في الحكم وطلب مني عدم اعدام تفريغات المحادثات التلفزيونية للاشخاص الذين كانوا تحت المراقبة بأوامر منه وكانت هذه التفريغات تعتبر من الاوراق الخاصة بوزير الداخلية وتحفظ بدولاب خاص بادارة المباحث العامة بصفة مؤقتة تحت تصرف الوزير.


بعد انتهاء المكالمة اتصلت بالضابط المناوب بالادارة وطلبت منه البحث عن رئيس مكتب المراقبات التلفزيونية وتكليفه بالاتصال بي وفعلاً تم ذلك وابلغته بمضمون امر الوزير واعتبرت الامر عادياً وقتها ولم اكن اشعر في هذه اللحظة بالمؤامرة التي تنسج ضدي على غير اساس والتي سيتضح فيما بعد انها خواء في خواء.


توجهت لمكتبي في مساء نفس اليوم وحوالي الساعة السابعة اتصل بي اللواء يوسف بهادر وكيل وزارة الداخلية وسألني عما اذا كان هناك احد يعمل بمكتب الرئيس السادات باسم فوزي عبد الحافظ فأجبته بأنه سكرتيره الخاص فقال لي ان فوزي عبد الحافظ اتصل به تليفونياً وطلب منه التواجد بمكتبه بوزارة الداخلية لاستقبال اللواء ممدوح سالم الذي عين وزيراً للداخلية وسألني عما اذا كنت اعلم شيئاً عن هذا الموضوع فأجبت بأنه لم يخطرني احد بشيء وانه طالما انه تأكد من ان المتحدث هو فوزي عبد الحافظ فلابد ان يكون الخبر صحيحاً. وبعد فترة حضر لي مفتش فرع الادارة بالجيزة وابلغني بأنه استدعى لمقابلة وزير الداخلية فسألته هل شعراوي جمعة في مكتبه فأجاب بالنفي وقال ان اللواء ممدوح سالم هو الذي في المكتب فعلمت انه وصل فعلاً وتولي منصب وزير الداخلية.


ولما كان اللواء ممدوح سالم احدث مني تخرجاً من كلية الشرطة وكان يعمل تحت رئاستي عندما كان مفتشاً للمباحث العامة بالاسكندرية كما عينته نائباً لي عندما رقي الى رتبة اللواء وذلك بعد ان سعى لكي يعين محافظاً لاسيوط ثم الغربية ثم الاسكندرية.. فقد استدعيت العقيد محمود عبد المجيد من اركان حرب الادارة وابلغته بعزمي على الاستقالة وطلبت منه تسوية عهدتي الشخصية.


واخذت حلقات المؤامرة تتوالى وانا غافل عنها فقد اوردت وكالة انباء الشرق الاوسط خبراً حوالي الساعة 9 مساء بأن الرئيس السادات امر بالغاء المراقبات التلفونية وعقب ذلك اتصل بي الرائد طه زكي الذي يعمل بمراقبة التليفونات وابلغني بأن ضباطاً من الحرس الجمهوري يغلقون مكاتب المراقبة بمبنى مصلحة التليفونات وانهم في هذه اللحظة في مكتب المخابرة الحربية فاجبته بأنه رئيس الجمهورية اصدر امراً بالغاء المراقبات وانه يمكنه تنفيذ تعليمات الحرس الجمهوري ولكنه عاد واتصل بي ثانية وسألني الرأي فيما لديه من تسجيلات تمت في نفس اليوم فاجبته بمحوها طالما انه قد صدر امر بالغاء الرقابة وان يغلق المكتب وينصرف على ان يحضر في الصباح للادارة لمعرفة الاوامر الجديدة.


وطال بقاء الوزير في مكتبه وانا ارجئ كتابة الاستقالة لحسن نيتي اذا كنت اخشى ان اقابل ممدوح سالم في مستقبل الايام فيعاتبني على عدم تهنئتي له وكان الرد الذي اعددته هي انني سألت عنه فوجدته قد انصرف.


وقد كان هذا التفكير هو الذي انقذني من تهمة ظالمة اخرى عندما وضحت المؤامرة واعتبرت استقالات الوزراء عملاً من اعمال التخريب لكيان الدولة.


وحوال الساعة الثالثة صباحاً حضر لي مدير ادارة كاتم الاسرار وقال لي انه في شدة الاسف فقلت له لا داعي للاسف فأنا انوي الاستقالة اذا كان هناك قرار باحالتي للمعاش فقال بل اكثر من ذلك فسألته هل هو اعتقال لي فأجاب بالايجاب فقلت له هيا وانا مستعد لذلك ايضاً وتوجهنا سوياً بالسيارة الى كلية الشرطة حيث تقرر احتجازنا بها، وعن ذلك يقول الكاتب العربي محمد حسنين هيكل في محاورة مع انور السادات، مقدماً فيها خطته لاستقرار الامر لصالح السادات وحكمه المسألة ان «جمال عبد الناصر» كان يشغل ثلاثة مواقع رئاسية بالجمهورية، رئاسة الوزارة، رئاسة التنظيم السياسي.


ولقد بدا ان «هذا الرأي لقي» استحساناً من انور السادات وربما لم يعترض البعض لانها جاءت فرصة لالتقاط الانفاس، واستكشاف الاحتمالات وترتيب الاوراق والاستعداد لما بعد الخطوة الانتقالية الاولى.


وكان بادياً وسط السحاب الذي ظلل القاعة من دخان سجائر الجلسة المشتركة للجنة التنفيذية العليا للتنظيم السياسي ومجلس الوزراء ان هناك: 1ـ ثلاثة رجال يراودهم الطموح مع اختلاف دواعيه وهم: «انور السادات»النائب الوحيد لرئيس الجمهورية و«حسين الشافعي» اكبر اعضاء مجلس قيادة الثورة الباقين في دائرة السلطة و«علي صبري»الأكثر خبرة بالخطط والمهام وامين عام التنظيم السياسي.


2 ـ ثلاثة رجال يعتقدون ان في يدهم مفاتيح القوة وهم الفريق الاول محمد فوزي وزير الحربية، شعراوي جمعة وزير الداخلية وامين طليعة الاشتراكيين سامي شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية والمسئول عن الحرس الجمهوري.


3ـ وكان من حول هؤلاء الثلاثة الذين يعتقدون بملكيتهم لمفاتيح القوة، ثلاثة رجال آخرين بدوا ـ ولو في الظاهر ـ اقرب اليهم باعتبار علاقات السلطة. وهم الدكتور لبيب شقير رئيس مجلس الامة، محمد فائق وزير الارشاد القومي وامين هويدي وزير الدولة ورئيس سابق للمخابرات العامة.


وفي الواقع فانه لم يكن هناك من هو مستعد في تلك الظروف لخطوة غير محسوبة، وهذه شهادة لجميع الاطراف بصرف النظر عن نواياهم المكتومة او خططهم التي نبضت خمائرها تتخلق استعداداً لمراحل لاحقة. والمهم انه لم يكن فيهم من هو مستعد لمغامرة، ولا كان فيهم من هو جاهز ببديل.


ولعله مما ساعد على جريان الامور سهلة وسلسة ان كثيرين ظنوه الاضعف بين المرشحين وربما خطر لهم انه من الممكن بعد ذلك استغلاله او السيطرة عليه او حتى ازاحته ذلك هو المسرح والممثلين على خشبته وادوارهم حسب قوتهم على ارض الواقع وطموحاتهم في المستقبل.


صنع القرار اول ايام الرئاسة كان على السادات ان يجرب صنع قراره وقال الآن بدأ الجد. حتى الآن مشينا كما اقترحت «يقصد الاستاذ هيكل». انت في سياسة «خطوة واحدة في الوقت الواحد».


وحان وقت رئاسة الوزراء واريد ان اسمع رأيك.


وجاء رأي محمد حسنين هيكل وبمبررات كثيرة بمحمود فوزي، وقام هو بنفسه باقناعه بعدما كان قد قدم استقالته ليستريح.


ولقد شعر انه اخذهم على غرة باختيار الدكتور فوزي لرئاسة الوزارة، لكنه راح يحاول اقناعهم بأن المفاتيح في ايديهم لاتزال.. وقد ركز جهده في «التربيط» طبقاً لتقيده مع ثلاثة: شعراوي جمعة نائب رئيس الوزراء ورئيس الداخلية وامين طليعة الاشتراكيين والفريق اول محمد فوزي وزير الحربية و سامي شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية.


وفي يوم 10 ديسمبر 1970 واثناء تبادل الاتصالات والصياغات لتنفيذ مبادرة روجزر قبل ان ينتهي موعدها المؤجل من 4 نوفمبر الى 4 فبراير ـ ادلى «موشى ديان» في مؤتمر صحفي بحديث قال: اذا كان العالم لايزال في حاجة الى فتح قناة السويس فان اسرائيل على استعداد لسحب قواتها الى الوراء عدة كيلومترات لكي تسمح بتطهير القناة واعادة فتحها.


ومن الارجح ان الرئيس «انور السادات» قرأ تصريحات «ديان» ولعلها لفتت نظره وفي الاسبوع التالي تصادف ان جاء لزيارته «عبد المنعم امين» والمعروف بعلاقاته من بداية الثورة بالسفارة الاميركية حيث كان ممسكاً بخيط الاتصال معها.


وفيما يبدو كان «عبد المنعم امين» بعد جلسة طويلة مع الرئيس انور السادات عرض عليه فكرة ان يقوم نيابة عنه بالاتصال مع الاميركان ولم يمانع السادات وبالذات بعد ما تبين له ان قناة السعودية غير سالكة.


وهكذا تم الاتصال بالمستر ـ دونالد بيرجيس ـ القائم على شئون رعاية المصالح الاميركية تحت مظلة السفارة الاسبانية في القاهرة.


واتصل ايضاً بالمستر «يوجين ترون» ممثل وكالة المخابرات المركزية، وكانت عيون وتسجيلات المخابرات المصرية راصدة لكل شيء في منزل بيرجيس وتم تفريغ ما دار وعرض امام سامي شرف وبدأ الصراع مكشوفاً.


في 4 فبراير الساعة 30:10 صباحاً واجه الرئيس السادات موقفاً عصيباً شهده صالون رئيس الجمهورية في مجلس الامة ذلك ان الذين كانت في يدهم مفاتيح القوة والسلطة عرفوا بما ينوي قوله في خطابه واقاموا له على حد تعبيره محاكمة مبدئية.


وكانت تحت ايديهم محاولة مع كمال ادهم واضيف اليها تقارير تفريغ اشرطة الاحاديث «مع دونالد بيرجيس» و«يوجين ترون» والآن جاءت مبادرته وقد اضافت الى الشبهات ما يرقى به الى درجة القرائن.


ومساء يوم 30 دعا الرئيس «انور السادات» محمد حسنين هيكل الى مقابلة في بيته في الجيزة.. وراح الرئيس يتحدث عما جرى في اجتماع مجلس الامن القومي، ثم وصل في النهاية الى هواجسه بشأن موقف القوات المسلحة.


وطرح «محمد حسنين هيكل» رأيه ومؤداه: 1 ـ انه قد يكون من المستحسن تطويق الفتنة بالحكمة، وتهدئة المشاعر وطمأنة الخواطر، لأن البلد لا يتحمل في ظروفه الراهنة صراعات سلطة عنيفة. وان واجبه ان يحاول وان لا يكف عن المحاولة ـ فإذا نجحت محاولاته فهذا افضل ـ واذا لم تنجح فالشرعية في جانبه.


2ـ انه ليس للرئيس ـ اغلب الظن ـ ما يخشاه من جانب الجيش، فهذا الجيش اعد نفسه لمهمة معينة، ولن يقبل ان يزج به في صراع داخلي خاصة وان الصورة كلها معروفة خصوصاً على مستوى القيادات.


3ـ انه عندما يعرف موضوع الاشكال بينه وبين الاخرين، وهو لابد معروف اذا استحكم الخلاف، فإن القوات المسلحة التي تعايش الحقيقة، سوف تكون فاهمة لموقفه ومقدرة، وبالتالي فلن يسهل على احد ان يلهب المشاعر والعواطف لأن، الجميع يدرك ان الوطنية والشجاعة معاً في حاجة الى ما هو اكثر من الشعارات ماداموا قد رأوا بعيونهم ان القيادة المحاذرة والمحتاطة تملك الارادة القادرة على التحضير والتنفيذ.


4ـ انه من باب الاطمئنان فأنه من الواجب عليه ان يتحدث في الموضوع صراحة مع الفريق الليثي ناصف، قائد الحرس الجمهوري، وهذا الحرس لديه كتيبتان من الدبابات، وهو يستطيع إذا ألم بجوانب الموقف ان يحمي رئيس الدولة، ويجعل أي تفكير في التعرض له بالقوة ـ عملية مكلفة.


5ـ انه من باب الزيادة في الاطمئنان، فانه من الضروري له ان يتحدث في الموضوع صراحة مع الفريق «محمد احمد صادق»رئيس اركان حرب القوات المسلحة، ذلك ان «صادق» عارف بالاحوال، ولن يقبل باقحام الجيش فيما لا دخل له فيه، وفي كل الظروف فان وزير الحربية لا يستطيع تحريك لواء واحد بدون امر يصدره رئيس اركان الحرب.


6 ـ انه في مطلق الاحوال فإن البلد من حقه ان يفرغ وينتهي من هذا النوع من صراعات القوى الخفية، وان يتجه قدر الامكان الى مجتمع مفتوح تتحقق فيه سيادة القانون فوق مراكز القوة، وليست تلك منه او منحة، فقد اصبحت القوة الاجتماعية التي ولدتها الثورة اكبر من كل السلطات التي تحاول تنظيم حركتها او احتوائها، وهذا امر تحدث فيه «جمال عبد الناصر» نفسه.


واقتنع الرئيس «السادات» بهذا المنطق، وقد بدأ ـ من باب الاحتياط ـ بما هو حال وعاجل، ورأى ان يتصل هو مباشرة بقائد الحرس. وكانت صلته به حتى هذه اللحظة عن طريق وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية.


واما فيما يتعلق بالفريق «صادق» فإن الرئيس «السادات» طلب الى «محمد حسنين هيكل» ان يقوم بالاتصال به باعتبار صلات الود بين الاثنين سابقة.


وفجأة في اواخر مارس 1971 ـ بينما الرئيس «السادات» يواجه مأزق قرار الحرب (في الاسبوع الاخير من ابريل طبقاً لما تقرر من مجلس الامن القومي المصري) ـ تذكر مشروع الوحدة واطارها الذي سبق وضعه، واذا هو يعيد الاتصال بالرئيس «حافظ الاسد»، «العقيد القذافي» ثم يتفق على اجتماع في طرابلس يوم 16 ابريل 1971، ومع فجر يوم 17 ابريل الساعة الثانية صباحاً وقع الثلاثة ما اسموه «اتفاق اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة».


وعاد الى القاهرة ومعه نصوص الاتفاق، ومعه ايضاً الترتيبات الضرورية لتنفيذه وكانت في انتظاره عاصفة.


كان سبب العاصفة ان الذين كانت في يدهم مفاتيح القوة والسلطة في مصر ادركوا ان اعلان قيام الوحدة واجراء استفتاء شعبي عليها في مصر ـ كما في سوريا وليبيا في شهر سبتمبر المقبل. سوف تسبقه وتلحقه عملية انتخابات للتنظيم السياسي ولمجلس الامة على اساس ان دولة جديدة سوف تقوم وبدستور جديد ومؤسسات جديدة.


ومعنى ذلك ان قواعد القوة والسلطة، على الاقل في الجانب السياسي منها، أي التنظيم السياسي والمجلس النيابي، قد تطرأ عليها تغيرات تمس الموازين الراهنة.


وجرت مناوشات في اجتماعات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي، وجرت محاولات لارغامه على التراجع بقوة قواعد القوة والسلطة السياسية، ولم يكن على استعداد للتراجع.


وفي اليوم الذي بلغت فيه العاصفة ذروتها، غادر اجتماعاً للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي وتوجه الى بيته، وليلتها كان مأخوذاً بتوتر الموقف الى درجة انه لم يكن قادراً على مجرد الكلام! لكنه في اليوم التالي تمالك اعصابه، وكان المعسكر الاخر قد لجأ الى المدفعية الثقيلة. وهي القوات المسلحة والتلويح بها.


وقدم اليه وزير شئون رئاسة الجمهورية «سامي شرف» مذكرة وغطاها بخطاب مختصر بخط اليد، جاء فيها بالحرف: الرئيس احترامي اتشرف بأن ارفق طيه تقرير رأي عام من القوات المسلحة برجاء التفضل بالنظر مع فائق احترامي.


سامي شرف 20 ابريل 1971 بعد ذلك كانت الطلقة الثانية في المعركة بين الرئيس «انور السادات» ومجموعة القوى والسلطة الممسكة بكل المفاتيح ـ هي قرار الرئيس بابعاد «علي صبري» من جميع مناصبه وكان لسوء الحظ ان هذا القرار تصادف في توقيته مع الموعد المقرر لوصول وزير الخارجية الاميركية «وليام روجرز» وبدأ الاجراء ـ مع صداقة «علي صبري» المعروفة للاتحاد السوفييتي ـ وكأنه تضحية بكبش فداء على عتبة الباب قبل ان يخطو «روجرز» فوقها.


وبعدها تواصلت طلقات السادات وكانت المؤامرة التي تم بموجبها اعتقال ما اطلق عليه مراكز القوى وهي تعبير الاستاذ محمد حسنين هيكل! تلك هي قصة احداث 15 مايو 1971 وعلاقتها بطليعة الاشتراكيين من شهادات بعض من عاشوا فيها من قيادات ومستويات وسيطة وقاعدية في التنظيم.


ويهمنا هنا ان نوضح ما تبين من خلال سياق الاحداث ودور الافراد فيها.


1ـ ان ما حدث منذ رحيل الزعيم عبد الناصر عن الدنيا في 28 سبتمبر 1970، وترشيح السادات لرئاسة الجمهورية من قبل اللجنة التنفيذية العليا وطليعة الاشتراكيين وكافة مؤسسات الدولة بكل موازين القوى فيها وبكافة اشكال الصراع المثارة حولها. لم يكن فقط رغبة في تسيير نقل السلطة بشكل دستوري مطمئن وانما كان ذلك تعبيراً عن مرحلة انتقالية رأت فيها كافة اطراف الصراع داخل السلطة في مصر انها فترة واجبة لالتقاط الانفاس وترتيب اوراق القوة حتى تحين ساعة الحسم، كما رأت تلك الاطراف (طليعة الاشتراكيين والاتحاد الاشتراكي العربي ومنظمة الشباب وكثير من مواقع الدولة المهمة مثل الشرطة والجيش وعلى الجانب الآخر السادات وبعض رجال المال وكافة الاتجاهات التي ارادت ان تنتقم من جمال عبد الناصر وخطه وتحالفهم في الخارج) ان السادات هو اصلح رمز لهذه المرحلة الانتقالية حيث تصور كل طرف انه من الممكن ان يركبه كحصان سباق لتحقيق اهدافه في تلك المرحلة. ذلك هو ما كان مخفيا في خطاب الصراع الذي تم ترويجه من الطرفين حيث استخدم طرف رجال دولة عبد الناصر الذين عرفوا من قبل اجهزة الاعلام مجموعة 15 مايو، مجموعة مراكز القوة خطاب القيادة الجماعية ورفض الخروج عليها من قبل السادات في اعلان المبادرة، وفي عدم تحديده موعداً دقيقاً للعبور، وفي قضية الوحدة المصرية السورية الليبية السودانية، كما ان هذا الخطاب استمر في الحديث عن التحضير للمعركة ولا شيء له اولوية غير المعركة، بل وصل الامر الى خطط لحشد وتعبئة بعض المواقع التابعة لتنظيم خلية الاشتراكيين اما الطرف الآخر فقد استخدم خطاب الديمقراطية وحتمية مواجهة مراكز القوى، والقوى المستقلة في السلطة (سيد مرعي، محمود فوزي، اللواء صادق، الليثي ناصف).


2ـ لم يكن ما حدث في 15 مايو 1971 مجرد انقلاب قاده انور السادات على رجال عبد الناصر، انما كان انقلاباً شاملاً تم التفكير فيه من قبل اصحاب مصلحة في الداخل وقوى خارجية ولعل ذلك ما يفسر علاقات السادات ببعض رجال الولايات المتحدة الاميركية في مصر، ويبرز علاقته مع مندوب حركة الاخوان المسلمين الذي جاء حاملاً رسالة له بإمكانية التعاون بينهما، وهذا ما يفسر طلب السادات من جوزيف سيسكو ان يبلغ ديان رغبته ان يكون هو رئيس وزراء اسرائيل حتى يفاوضه حسبما كشفت التسجيلات بعد ذلك وذكر ذلك سامي شرف.


3ـ ان هناك ادواراً قد لعبت في هذا الصراع داخل الطرفين لصالح السادات البعض منها كان تحت بند الحفاظ على الموقع (الكرسي) والبعض منها دفاعاً عن مصالح وادوار، لذا كان من الطبيعي ان يلعب سيد مرعي لصالح خط السادات، وكان من الطبيعي ان يتصور الاستاذ هيكل انه يفضل ان يكون مع السادات حتى يحافظ على وضعه وتأثيره. لكن ليس من الطبيعي ان يتصور كل من السيدين شعراوي جمعة وسامي شرف انه من الممكن المواءمة والسير مع السادات ـ مهما كانت المبررات ـ وهنا لابد ان نتوقف لكي نتأمل دور سامي شرف مع اللواء الليثي ناصف، وفهمه لتعيين محمد عبد السلام الزيات ودوره في الاتصال الذي تم مع كمال ناجي مندوب الاخوان وكيف فهم ذلك؟ ودوره في حفل قصر عابدين في ذكرى الاربعين للزعيم عبد الناصر ودوره في ترويج السادات داخل طليعة الاشتراكيين، اما شعراوي جمعة فيكفي انه بلع طعم السادات في تعيينه رئيس وزراء بعد اقالة علي صبري. ويكفي دوره في عدم ابلاغه اعضاء طليعة الاشتراكيين بما يجري رغم ان مسئوليته كأمين للطليعة كان يفرض عليه ذلك وهو العالم بما جاء بالتسجيلات التي تمت في منزل بيرجيس والذي اتضحت فيها رغبة السادات بعمل صلح مع اسرائيل، بالاضافة الى صراعه مع علي صبري فهو القائل عنه «اولئك الثلاثة انور السادات وحسين الشافعي وعلي صبري ينزلون في قصر القبة ويتصرفون كأنهم حكومة ثلاثية» ص 104 من كتاب «الطريق الى رمضان».


4ـ ليس من الحقيقة في شيء ان تدعي مجموعة مايو ـ حسبما شاع في الصحافة ـ انها لم تنظر بشأن عمل انقلاب وانما السادات هو الذي تدبر ونفذ الانقلاب. الحقيقة الظاهرة من خلال سياق الروايات والشهادات انه كان هناك ترتيب من الطرفين وان طرف رجال دولة عبد الناصر كان له تصور ـ بعيداً عن ما قيل في المحاكمة ـ وامامنا من الشهادات تعليمات تكلف حسام عيسى بالتحرك في وسط الطلاب واخرى تكلف وجيه اباظة بحركة الشارع في القاهرة، وهناك كلام عن جاهزية الفريق فوزي، بل وهناك اسرار لم يحن وقت اذاعتها كما اشار لي بعض الشهود. وفي اعتقادنا ان سبب فشل هذا الطرف في المواجهة يعود لعدم توفر الارادة الواحدة لديهم امام السادات وهذا ما جعل السادات يفتح ثغرات واسعة في جبهتهم، كما ان بعضهم كان يعمل بروح احتمالية الفوز بفرصة افضل في نظام السادات، كما كانت الصراعات بينهم كبيرة جداً، وهذا ما يتبينه أي قارئ ذكي لتلك الشهادات والروايات.


5ـ بقى لنا ان السادات وطرفه في هذا الصراع قد استطاع ان يلعب بورقة الديمقراطية ووجد صدى لهذا عند الجماهير العادية، ولعل ذلك يؤكد ان قضية الديمقراطية في التنظيم وبين التنظيم والجماهير كانت شبه معدومة ولذا نجح السادات في التلامس مع وتر مهم في الحياة السياسية وتفاعلت معه قوى سياسية محرومة مثل الاخوان المسلمين والليبرالين والماركسيين ويكفي ان تعطى عن ذلك دليلاً واحداً هو دور الشيوعيين (بعض رموزهم) في انقلاب مايو والتشكيلات التي اتت بعده من احزاب وتنظيمات ووزارات.


بعد ذلك يأتي الحديث عن تجربة طليعة الاشتراكيين والثغرات التي عاشت بها يقول شعراوي جمعة في مجلة «الموقف العربي» العدد 65 بتاريخ شهر سبتمبر 1985، وفي الاجابة عن سؤال: ـ ما هي اهم خبرات ودروس تجربة التنظيم الطليعي من وجهة نظركم؟ ـ باختصار درسان: الاول ان نشوء التنظيم في احضان السلطة كان اكبر الاخطاء التي وقعت. الثاني: ان التنظيم الثوري لابد ان يركز على العمل في صفوف العمال والفلاحين والشباب مع التواجد التدريجي المدروس في النقابات المهنية، وليس ادل على ذلك من ان نشاط التنظيم الطليعي في هذه القطاعات لا يزال حتى اليوم يؤتي ثماره.


ويتفق علي صبري في ذلك حيث يقول للصحفي عبد الله امام في كتاب «علي صبري يتذكر» «ليس كل اعضاء التنظيم الطليعي كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ، وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا الى التنظيم الطليعي ونحن نبينه من موقع السلطة فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة. بل بالعكس هؤلاء كانوا اكثر الناس حماساً للتنظيم الطليعي فقد تبين جزء من هؤلاء على حقيقة عندما تغيرت الامور».


وفي الاجابة عن سؤال: ـ ما هي من وجهة نظرك اخطاء التنظيم الطليعي؟ ـ يجيب سامي شرف في صفحة 201 من كتاب «عبد الناصر كيف حكم مصر قائلاً: 1 ـ لم يكن يضم احياناً الاشتراكيين الحقيقيين.


2ـ كانت بعض قياداته تمثل البيروقراطية من القيادات الادارية والتنفيذية وهؤلاء كانوا يقودون العمل الطليعي في حين ان القواعد ذات المصلحة الحقيقية كانوا محجوبين.


3ـ كانت امانة التنظيم الطليعي في بعض المحافظات توكل الى المحافظ الذي كان غريباً عن الاقليم ولا يعرف قيادات ويحيط نفسه بهالة من السكرتارية ورؤساء المدن والمصالح.


4ـ البناء كان يتم من موقع السلطة، ولم يتعرض لمواقف نضالية للفرز، وكان الصوت العالي احياناً هو جواز المرور للعضوية في بعض القطاعات.


5ـ لم يراع الانتماء الطبقي بالدرجة الكافية في العضوية.


ويركز احمد حمادة على سلبيات طليعة الاشتراكيين في شهادته مع الباحث موجزاً: 1ـ التوسع في العضوية الطليعية بعد عام 1968.


2- وعاء الاتحاد الاشتراكي كان فيه مثالب كثيراً من انتهازيين ورجال الامن الرجعيين.


3ـ تحكم النظرة الامنية في التنظيم، وعلى سبيل المثال انا فوجئت بأن اعضاء الطليعة في قطاع الطلاب كانت اجهزة الامن ترفع عنهم تقارير قبل التجنيد كمسوغ لضمه بأنه ليس له نشاط سياسي ضار!! وهذا معناه سيطرة نظرة الامن ومفهوم الامن على الطليعة، لأن المناضل السياسي لابد ان يكون له رؤية ووجهة نظر وقدرة على النقد وفضح السلبيات، فمعنى انه ليس له نشاط سياسي ضار، معناه ميت وغير فاعل بل وغير منتم ان الضرر يقع فقط عندما يتآمر ويخون اما اذا كانت حركته في اطار كشف السلبيات وتحريض الجماهير فهذا هو المطلوب ولعل فهمي هذا هو سبب نجاح موقع مثل جامعة عين شمس حيث ان معظم اعضائه كانوا من المشاركين في مظاهرات 1968 لكن ولاءهم كان للثورة وللنظام وللزعيم ايضاً.





الـنـاصـريـة بـمـنـظـور نـقـدى





50 عاماً على ثورة يوليو،

التسوية ودور أميركا والمصالح جمعت بين هيكل والسادات، 8 ـ 8

تناولت الحلقات السابقة الظروف التي دفعت عبدالناصر الى تأسيس تنظيم سري رغم كونه على قمة السلطة وعلى قمة مشاعر الشعب وامتلاء الاتحاد الاشتراكي بالانتهازيين. كما عرضت الحلقات اسماء اول من تم ترشيحهم للخلايا السرية


وكيف كان منهم الدكتور عبدالحليم محمود الذي اصبح شيخاً للازهر فيما بعد واستبعاد عدد من المرشحين لهذه الخلايا على رأسهم عزيز صدقي وسيد مرعي.


كما استعرضت الحلقات علاقة التنظيم بالشيوعيين وحركة الاخوان المسلمين وشخصية الدكتور خالد وكيف تمكن ناصر وحده من حل لغزها بعد ان عجزت اجهزة الامن.


وتناولت الحلقات قيام التنظيمات الشيوعية بحل نفسها وانضمام قياداتها كأعضاء في التنظيم الطليعي، كما تناولت دور التنظيم في الاحداث الكبرى التي مرت بمصر ابتداء من خطاب التنحي وصولاً الى ما حدث عقب موت عبدالناصر والانقلاب على رجاله.. وموقف التنظيم من الانحراف بالسياسة المصرية نحو الولايات المتحدة ونحو حل سلمي مع اسرائيل حتى قبل ان تدخل مصر حرب اكتوبر.


الحلقة الأخيرة تكشف الامراض التي أدت الى انهيار التنظيم والدور الذي لعبه هيكل في التخلص من رجال عبدالناصر.


يقدم السيد صلاح مغيث عضو طليعة الاشتراكيين رؤيته مكتوبة وبعد انقلاب مايو بفترة زمنية طويلة من اجل استخلاص الدروس والعبر لصالح بناء تجربة جديدة لم يحن الوقت لتناولها، يقدم مغيث بلورة لانتقاداته قائلاً: 1ـ ان السرية التي اتسم بها التنظيم الطليعي قد تقررت لعوامل ثلاثة. وهي حماية اعضاء التنظيم من كيد القوة المضادة للثورة وابعادهم عن امراض التعالي والظهور على الجماهير. وضمان ترسيخ قيم الالتزام واحكام قواعد المركزية الديمقراطية.. غير ان السرية ذاتها.. خلقت امراضاً اخرى لم تجد مجهوداً لعلاجها وهي ان كثيراً من الاعضاء اكتفى بمجرد حضور الاجتماعات وان كثيراً من القيادات كانوا ينسبون تصرفاتهم وقراراتهم الخاطئة الى توجيهات هذا التنظيم التي هي بطبيعتها سرية ولم يكن ذلك صحيحاً تماماً.


2ـ ان احساس عضو التنظيم الطليعي بأن مسلكه وتصرفاته تحت النظر والتقييم تأكيداً لمبدأ الطهارة الثورية دفع الكثير من الاعضاء الى الانكماش تجنباً لمزالق غير محسوبة فاقدين بذلك اهم مقومات عضو التنظيم وهو ارتباطه بالجماهير.


3 ـ انه قد يكون صحيحاً الاعتماد على اعضاء التنظيم في قيادة المواقع التنفيذية ذات الصلة المباشرة بالجماهير غير ان ذلك كان يتم في اغلب الاحيان دون امداد يذكر.. ودون ان يمر العضو المرشح لهذا الوقع او ذاك باختبارات واجبة تؤكد صلاحيته واثبتت التجربة ان بعضهم على الرغم من نزاهتهم الا انهم فشلوا في قيادة العمل فنياً.


4ـ ان بناء التنظيم بمجموعة تم اختيارها منذ البداية. وكانت لهم مناصبهم الهامة والمؤثرة.. فقد صعب عليهم وعلى غيرهم التفرقة بين الشخص وبين منصبه.. ولربما كان المنصب هو البارز في الامر اكثر من الشخص. ويصنع هذا الوضع العديد من الحواجز بين القيادات والقواعد. اختفت فيها مبادئ الديمقراطية داخل التنظيم.


5ـ ان امين التنظيم على الرغم من شهادة الجميع له بكفاءته فكراً ومسلكاً الا ان كونه يجمع بين واجبه كأمين للتنظيم ومنصبه كوزير للداخلية. تسبب في الكثير من الخلط بين الواجب والمنصب مما افقد التنظيم حرية الحركة وحق المبادرة الذاتية واتسمت قيادة تنظيم بطابع اداري بيروقراطي.


6ـ ان مثل هذه الملاحظات ادت الى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى قيادات التنظيم حيث كان في تصورهم ان انتقاد المسئولين في السلطة قد يعطي القوة الرجعية سلاحاً تستخدمه للتشهير بالثورة فوقعوا في خطيئة التستر على الاخطاء وربما تبريرها. والحق ان ذلك لم يكن مقبولاً لدى قواعد التنظيم فقد كانت رؤيتهم ان التصدي وكشف مسئول منحرف ليس تصدياً للسلطة ولكن بمثابة تطهير للسلطة من احد المنحرفين فيها.


7ـ من المفاهيم الخاطئة ايضاً.. الخلط بين ثلاثة مستويات من الولاء والغاء المسافات بينها. الولاء للثورة. والولاء لعبد الناصر. والولاء للعاملين معه. هذا الخلط اعطى الفرصة لبعض الانتهازيين المتسللين الى الصفوف الى اشاعة جو من الارهاب لم يعط قواعد التنظيم حيويتها المطلوبة في العمل الوطني.


8 ـ ان كثيراً من القواعد لم تكن تجد لها واجباً محدداً فلم تكن تجد في اجتماعاتها الا الثرثرة والاحساس بشكلية التكليفات.


9ـ ان اهتمام قيادات التنظيم بقواعدهم لم يكن يتم الا في المناسبات. وبتعليمات صادرة من فوق.. وعند الحاجة فلم تكن بين القواعد والقيادات صلة ثابتة وفعالة في تحقيق الاتباع المطلوب في هذا التنظيم الذي اريد له ان يكون بمثابة عصب المجتمع وعموده الفقري.


10ـ ان هذه الملاحظات جميعها وغيرها. جعلت القيمة الفعلية في هذا التنظيم للتعليمات الصادرة من فوق. وقيمة اقل وربما لا تذكر لنبض القواعد وصرخاتها احياناً الصادرة من اسفل. واصبح التنظيم الطليعي الذي كان يشكل حلماً «لعبد الناصر» في ترسيخ المبادئ الثورية استمراراً واستقراراً وفعالية والذي كان يشكل املاً للقواعد الشابة.. وان يكون هذا التنظيم هو الثورة وهو البطل.. وهو القائد. اصبح ذلك كله رهن لمشيئة قيادات تفتقد الثقة في الجماهير وتخشاها وتطمئن الى ان تؤدي واجباتها بقوة السلطة وان حسمت نواياها ومن ثم كان من الطبيعي ان ينتظر المحافظون تعليمات صادرة لهم من فوق لتقول للجماهير المطالبة بعودة عبد الناصر وعدوله عن التنحي عما اذا كانت التعليمات ستقرر ان يعود عبد الناصر او لا يعود.


وكان من الطبيعي ان يخرج من صفوف التنظيم مسئول لمتابعة تصور انه في الامكان محاسبة مسئول كبير عن تصرفه. وكان من الطبيعي ان يقف اعضاء التنظيم حائرين وعاجزين عن عمل شيء نحو صراع فاحت رائحته في قمة السلطة ويهدد الثورة بأفدح الاخطار. لمجرد ان قيادات التنظيم رأت التستر على هذا الصراع او اعتباره امراً يخصها هي دون غيرها. وكان ذلك خطأ كبير دفع الجميع ثمنه. حتى لو كان هذا الخطأ مستنداً الى مبررات نبيلة هي رغبة القيادات في تحجيم الصراع نظراً لظروف المعركة.


بعد تلك الشهادات من بعض فعاليات الطليعة العربية تجاه تقويم تلك التجربة بسلبياتها وايجابياتها نرى لزاماً علينا ان نقدم رؤيتنا لهذه التجربة والاسباب الواقفة خلف الانهيار الذي حدث وألم به.


فلسفة أمنية في حديث للكاتب الاشهر «محمد حسنين هيكل» مع جريدة «العربي» لسان حال الحزب الناصري ومع الصحافيين. محمود المراغي (رئيس التحرير)، عبد الله السناوي (رئيس قسم الشئون العربية) قال بتاريخ 26 يوليو 1993: «انا دائماً اقول ان تجربة عبد الناصر لها ثلاث قوائم، ولم اغير هذا الكلام. قائمة الحلم وهذه يمثلها جمال عبد الناصر. الحلم والفكرة والمشروع. وقائمة التنفيذ. وقائمة التأمين اننا ننسى احياناً، وتأخذنا عجلة الرؤية الشاملة عن التفاصيل. التنفيذ قام به كله تقريباً مدنيون. ولعلك لو نظرت الى تفاصيل التجربة لوجدت ان تنفيذ مشروعات الثورة قام به اهل الاختصاص: عبد المنعم القيسوني الذي اعلن قرارات التأميم جاء من سكول اون ايكونوميكس في لندن، محمود فوزي الذي قاد السياسة الخارجية المصرية في وقت السويس جاء من جامعة يوكوهاما عزيز صدقي جاء من جامعة هارفارد.. ما يقلقني ان تحمل عنصر التأمين السياسي او التأمين غير السياسي اكثر مما تطيق طبيعته وطبيعة الامن. لابد ان يأخذ جيل جديد المسئولية. يأخذ الحلم ويعيد صياغتهما بما يناسب العصر ويطرحه على الناس.


ويمكن رصد تلك الفلسفة الواقفة خلف بناء التنظيم من خلال المجموعة الاولى (الخلية الاولى) عن ذلك يقول احمد حمروش في صفحة 240 من الكتاب الثاني «مجتمع جمال عبد الناصر»، وهو الجزء الثاني من قصة ثورة 23 يوليو الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر «يفكر جمال عبد الناصر في تطبيق ما ورد بالميثاق حول الجهاز السياسي من القول بأن الحاجة ماسة الى تكوينه داخل اطار الاتحاد الاشتراكي لتجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها. ويبدأ في التنفيذ بعد اسابيع من جلسات مباحثات الوحدة.. ويعقد جمال عبد الناصر اجتماعاً في يونيو 1963 يدعو اليه علي صبري ومحمد حسنين هيكل واحمد فؤاد واحمد سامي شرف سكرتيراً لجلسة تحضير الجهاز السياسي للاتحاد الاشتراكي يتم بعيداً عن جميع اعضاء مجلس قيادة الثورة السابق.. حتى الامين العام للاتحاد الاشتراكي كان غائباً عن الاجتماع الاول.


السبب غير مفهوم الا اذا وضع في اطار الثقة الشخصية من جانب جمال عبد الناصر في ان يكون الحاضرون من المقتنعين في التحول الاجتماعي عن طريق الاشتراكيين. واذا كان حكماً من جمال عبد الناصر بأن زملاءه السابقين القابلين لمواصلة المسيرة معه انما يفعلون ذلك بدافع الرغبة في البقاء داخل دائرة السلطة للاستفادة بمزاياها اكثر من ايمانهم بالتحول نحو الاشتراكية.


والمجموعة التي اعتمد عليها جمال عبد الناصر كبداية واساس لتكوين الجهاز السياسي كانت ذات ميول فكرية متباينة.. الوحيد الذي ارتبط منهم خلال ماضيه بحركات سياسية اشتراكية كان احمد فؤاد عضو الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني.


عندما استفسر احمد فؤاد من جمال عبد الناصر عن مدى التجانس بين افراد هذه المجموعة، قال له ان علي صبري ومحمد حسنين هيكل هم أكثر الافراد تأثراً بفكره وانهما رغم اصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية الا انهما يعبران مرحلة من مراحل التحول الفكري الى الاقتناع بها.. كما اشترط جمال عبد الناصر ان يكون التنظيم سرياً. والا يكبر الاعضاء فيه الا بعد عرض الاسماء عليه للموافقة عليه.. وكان مفهوماً انها تفرز بواسطة اجهزة امن خاصة.


وفي لائحة طليعة الاشتراكيين محظورة التداول تنص على «ان المهمة الاساسية لهذا التنظيم ان يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل، بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار في التحالف الشعبي الاشتراكي القائد».


وتحت بند واجبات الاعضاء «ان يحافظ على الاستقلال الوطني وان يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول اجنبية او العاملين بتوجيهات منها».


اذن نحن امام خلية اولى جمع فيها المتأثرون بفكر الزعيم عبد الناصر. والموثوق في ولائهم له وتم اعتماد السرية طريقاً لبناء التنظيم تحت ذرائع ومبررات كثيرة ومتعددة، ولا يقبل الاعضاء فيه الا بعد عرض الاسماء عليه للموافقة عليهم. واصبحت المهمة الاساسية للتنظيم ـ حسب لائحته التي صدرت مواكبة للمرحلة الثانية في بناء التنظيم مرحلة التنظيم الجغرافي ـ بقاء سلطة الدولة باستمرار بأيدي التحالف الاشتراكي القائد، لذا كان طبيعياً ان يكون من واجبات العضو ان يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة والمرتبطين بدول اجنبية او العاملين بتوجيهات منها، وهي مهمة لا تقوم بها سوى اجهزة المخابرات وامن الدولة، كما ان تعبير «العاملين بتوجيهات منها» يفتح الباب واسعاً لتحويل عناصر التنظيم الى رجال امن يتشككون في تصرفات المواطنين، ويفسرون الوقائع والاقوال والسلوك بطريقة امنية، فمن الذي يمتلك حق تفسير جملة «العاملين بتوجيهات منها» وما هي تلك التوجيهات وكيف تحدد، ومن الذي يعطي له الصلاحية. فنحن امام تعبير محمل برؤية امنية لدور عضو التنظيم لذا كان طبيعياً ان يتم الدمج بين موقع وزير الداخلية وموقع امين التنظيم، فهو الوحيد القادر على تسييد تلك الرؤية الامنية في بنية التنظيم وهو الوحيد عبر اجهزته القادر على معرفة التصرفات والسلوكيات والولاءات، وهو الوحيد الذي يستطيع ان يرشدنا عن «العاملين بتوجيهات» وهو الوحيد القادر على التوظيف وهو الوحيد عبر اجهزته القادر على معرفة التصرفات والسلوكيات والولاءات، وهو الوحيد الذي يستطيع ان يرشدنا عن «العاملين بتوجيهات» وهو الوحيد القادر على التوظيف الامثل لطاقات وكفاءات التنظيم في اطار السياق الامني لها حتى لا تتحول الى سياق قيادي للمجتمع ككل. ولعل ما يؤكد ذلك ايضاً. الدمج الذي حدث بين العناصر الامنية والعناصر المدنية، فنحن امام عناصر مدربة على الاستخبارات، السيد شعراوي جمعة (مسئول المجموعات السرية في جهاز المخابرات المصري)، محمد عبد الفتاح ابو الفضل (نائب رئيس جهاز المخابرات) محمد احمد المصري (مخابرات)، عباس رضوان، محمد فائق، سامي شرف، حلمي السعيد، سعد زايه، عبد المجيد شديد وآخرين في كافة المستويات.


وقد كشفت واقعة القبض على بعض عناصر من الاخوان المسلمين فيما عرف بقضية 1965، عن ذلك الدور الامني الذي كان مفاجأة لكثير من العناصر، وقد عبرت عن ذلك شهادة السيد حسني امين للباحث عندما ذكر الآتي: «المفترض نظرياً ان التنظيم يعلو في حركته ومعلوماته على الاجهزة الحكومية الاخرى باعتباره يقود الاتحاد الاشتراكي وينظم حركة الجماهير. لكن هذا الغرض النظري كثيراً لم يتحقق. فمثلاً واقعة اكتشاف تنظيم الاخوان المسلمين في اواخر 1965، جاءت من تقارير مجموعات التنظيم الطليعي في الدقهلية.


وقد تم مناقشة هذه القضية في احد اجتماعات امانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحيحة بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرار النهائي والحاسم، واذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الامن واعتقال بعض الافراد، فهذا يعني انه يتم توظيف اعضاء الطليعي وحركتهم لخدمة اجهزة الامن وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله، المهم ان السيد شعراوي جمعة قال في رده على ذلك: لا تنسوا ان امن البلد له الاولوية، ولا تنسوا اني وزير الداخلية.


لا حوار وتحت هذه الفلسفة الامنية الحاكمة كان لابد من تجسيد وحدة الولاء للزعيم وللحلم الثوري وللنظام ولرجاله وصار أي منتقد للسيد (س) منتقد للزعيم وللثورة ومشكوك في ولائه، وفي ظل تلك الفلسفة صار من الطبيعي ان تنفذ التعليمات الصادرة من اعلى، وان تصعد الى اعلى ايضاً تقارير الرأي العام وتقارير عن المشاكل وبعض السلبيات لكننا لا نرى ـ تقريباً ـ ديالوج داخل التنظيم، حوارات حول السياسات الكلية، صحيح هناك الميثاق دليل العمل الذي تمت له مناقشة واسعة داخل مؤتمر قوى الشعب، الا ان هناك سياسات وخطط مرحلية وخطة سياسية لاعمال ما نص عليه الميثاق، لكننا نرصد من نشرات طليعة الاشتراكيين وبعض الكتيبات الصادرة عن بعض القضايا ان وجهات النظر قد تم بلورتها في عقل الزعيم وبعض مستشاريه واحياناً اللجنة التنفيذية العليا وامانة الطليعة. وبعد ذلك تصدر لعضوية الطليعة من باب العلم بالشيء وهناك امثلة على ذلك فهناك النشرة الثقافية رقم 3 بتاريخ 26 ديسمبر 1963 الصادرة تحت عنوان سقوط حزب البعث، وهي تتناول السقوط السياسي والتنظيمي لحزب البعث وخلاصة هذا التحليل هو الحكم بموت حزب البعث نتيجة انعزاله عن الجماهير وعن المسألة الاجتماعية وسيطرة التطلعات الفردية والبورجوازية التي بدأت تأكل بنيان الحركة القومية التنظيمية.


ولعل ما قصدناه بعدم وجود حوار ومناقشة داخل طليعة الاشتراكيين توضحه الاجابة عن سؤال: هل تم ادارة حوار حول هذه الرؤية الخاصة بسقوط البعث؟ والغريب ان هذه الرؤية نقلت عن مقالة من مجلة الحرية اللبنانية بتاريخ 23 ديسمبر 1963 وليس هناك تفسير لذلك سوى تعبئة اعضاء طليعة الاشتراكيين ضد البعث وبالذات. ونحن لا نرى عيباً في نقل بعض الرؤى والمقالات الهامة الا العيب في عدم فتح الحوار عليها وسماع وجهات النظر عليها حتى تتحول الى قناعات موضوعية اما انزالها للعضوية من اجل حشدهم وتعبئتهم فقط فلا يعني هذا سوى تحكم النظرة الامنية المؤسسة للتنظيم.


وهناك مثال اخر يتضح من خلال نشرة طليعة الاشتراكيين بتاريخ 4/6/1967 الاحد ـ حول «الموقف الراهن بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين الاردن والجمهورية العربية المتحدة» أي قبل عدوان يونيو 1967 بيوم واحد ومن قبلها كانت هناك نشرة بتاريخ 27/5/1967 تحت عنوان «ايام المجد عادت.. ايها المصري».. وقبلها بتاريخ 10 مايو 1967 تحت عنوان «حركتنا الراهنة المواجهة الصريحة لكل الاعداء من اجل تحطيم الثورة المضادة» وقد كانت كل تلك النشرات السابقة تتناول المواجهة بين مصر واسرائيل، والغريب رغم خطورة تلك المرحلة لم نر ولم نسمع عن حوادث داخل طليعة الاشتراكيين حول تلك المسألة وذلك الصراع ولكننا قرأنا في النشرات صياغات انشائية وتحليلات مبسطة ومن قبيل «ان مواجهتنا الصريحة لامريكا لن تكلفنا شيئاً جديداً.. لقد جربوا ضدنا كل اسلحتهم فلم يفلح منها شيء معنا.. ولسنا في حاجة الى استعادة تاريخنا القريب لتعدد انتصاراتنا على مؤامراتهم وضغوطهم فماذا بقي في ايديهم ليواجهونا به؟» هل يلجأون الى العدوان المسلح؟ هم اول من يعرف خطورة نتائجه.. وهم اول من يقدر ما يحيق بهم من هذه النتائج.. ثم هم يعرفون ان النصر سيكون من جانبنا.. لقد انتصرنا على العدوان الثلاثي عام 1956.. ونحن الآن اقوى مما كنا عليه عام 1956 وهم الآن اضعف مما كانوا عام 1956.. ماذا بقي لهم اذن وما هو طريقهم: امامهم طريقان لا ثالث لهما: التآمر الخارجي: باستغلال العناصر الرجعية في البلدان العربية والافريقية وتمويلها بالمال والسلاح والضغط الخارجي لقلب نظام الحكم فيها بقصد اضعاف الجبهة الحرة التي تقف صفاً واحداً مع الجمهورية العربية المتحدة.


التآمر الداخلي: ووسائله محددة: اطلاق الشائعات المثيرة قصيرة المدى التي تحدث بلبلة معرقلة مثلما حدث عندما اطلقت شائعة سحب الدم وكان من اثرها ارتبك النظام في كثير من مدارس الجمهورية ثم سرعان ماتبددت وقبض على مروجيها.


والباب الثاني المفتوح امامهم هو محاولة الاعتداء على الامن والتآمر على حياة القادة ولن تكون لهذه المحاولات آخر.


مؤامرات حزب الاخوان المسلمين ونشاطهم السابق كان لافراد من التنظيم فضل اكتشافها.. مروجو شائعات سحب الدم توصلت اليهم المباحث العامة بعد ساعات من بدء نشاطهم كما تابعهم بوعي اعضاء التنظيم.


نشاط المخابرات المركزية الاميركية تكشفه عين مخابراتنا وتتحسسه عيون التنظيم في دقة وحساسية.


والسؤال الآن ما هو المستوى الذي كان واضحاً امامه تلك الخيوط المتشابكة لهذا الصراع؟ وما علاقة ذلك المستوى بتنظيم طليعة الاشتراكيين؟ واذا كان المستوى هو امانة طليعة الاشتراكيين أي المستوى الاعلى فلماذا لم تفتح حواراً حول تلك القضايا الخطيرة من اجل ان يؤخذ رأي الاعضاء فيها؟ ولماذا خلص هذا التحليل بتنويه واضح عن دور طليعة الاشتراكيين في الكشف عن جماعة الاخوان ودورهم اليقظ الواعي في مواجهة مروجي الاشاعات، وعيونهم الدقيقة والحساسة في مواجهة ومتابعة نشاط المخابرات المركزية؟ لا تفسير عندنا سوى ان هذا التنظيم يؤسس على فلسفة امن النظام والثورة والمشروع وهو الطابع الغالب عليه لذلك كانت اجندته اليومية هي سماع التكليفات وارسال التقارير والملاحظات السلبية ولا يوجد مكان لمناقشة ولا حوار حول القضايا الاستراتيجية والسياسية الكبيرة.


وهناك احتمال آخر وليس مستبعداً ان تكون القضايا الكبيرة مسئولية الزعيم عبد الناصر ومنها يتم الاستلهام واخذ التكليفات والتعليمات لامانة الطليعة وتقوم الامانة بتوصيلها مبسطة من اجل حشد وتعبئة اعضاء التنظيم عليها.


وفي كلتا الحالتين من المؤكد انه ليست هناك حوارات حول السياسة الكبرى والاستراتيجية داخل تنظيم طليعة الاشتراكيين.


وهناك مثال آخر يؤكد ذلك في النشرة رقم (7) بتاريخ 5 ديسمبر 1963 تحت عنوان «حرب الشائعات التي يوجهها الاستعمار واعوانه ضد الجمهورية العربية المتحدة» وفيها تناول بعض الاشاعات التي تم ترديدها في تلك الفترة والتي كانت تستهدف ابراز خسائر الجمهورية العربية المتحدة في حرب اليمن ومساندة ثوار الجزائر، وتقوم النشرة بتحليل تلك الشائعات وكشف الهدف منها وتصل الى توجيه نصه الآتي: 1- على اعضاء التنظيم الاهتمام بما ورد بالنشرة رقم (7) المرفقة والعمل فوراً على نشرها بالقواعد على اوسع نطاق وفي جميع المجالات والتركيز على التبصير بأن هذه الشائعات تشكل جانباً من الحرب التي يشنها الاستعمار على الجمهورية العربية المتحدة، يقصد منها التقليل من الانتصارات التي احرزتها في المنطقة العربية. وخاصة بعد ثورة اليمن وانتصار الجزائر في موقفها مع المغرب بمعاونة الجمهورية العربية المتحدة، وانهيار حكم البعث المستند للاستعمار في العراق وبوادر انهيار البعث السوري.


2- على كل عضو في التنظيم ان يقدم في ظرف اسبوع من تاريخه لضابط اتصال الحلقة المنضم اليها تقريراً مفصلاً عما اتمه من انجازات في تنفيذ هذا التعميم، محدداً المجالات التي نشط فيها والمواعيد التي اتم فيها انجازاته.


وعلى كل امين حلقة ان يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع لها.


تلك الامثلة هي مجرد نماذج لحياة التفاصيل داخل التنظيم، والتفاصيل هي مهام رجال التنفيذ اما الرؤى الحاكمة لتلك التفاصيل فمن المؤكد بعد كل تلك السباحة في ملف طليعة الاشتراكيين انها لم تكن من اختصاص رجالها.


والفرق بين طليعة صاحبة قرار تتحاور حوله وتسمع رؤى متعددة حتى تصل اليه ومن طليعة تشرف على تنفيذه حيث يتحول الى تكليفات وتفاصيل واجندة عمل. التنظيم في الحالة الاولى هو تنظيم حيوي ومؤمن عن قناعة وصاحب رؤية وبالتالي مدافع عنها اما التنظيم في الحالة الثانية هو تنظيم الحشد والتعبئة وسماع التكليفات وانتظارها ولا يقوى على اتخاذ القرار.


ولعل انقلاب 15 مايو 1971 يؤكد لنا عدم القدرة على اتخاذ القرار بشكل واضح رغم انكشاف السادات وافعاله التي وصلت لرغبة في مفاوضة ديان الا أنه على جانب قيادة التنظيم لم يكن هناك احد قادراً على اتخاذ قرار المواجهة تحت ذرائع نبيلة ولكنها غطاء الهزيمة الناتجة عن عدم المقدرة في اتخاذ قرار المواجهة.


واذا كانت الفلسفة المؤسسة للتنظيم هي فلسفة امنية، فمن الطبيعي ان تظهر السلبيات المتوالية من خلط الولاء بين الثورة وعبد الناصر والنظام ورجاله، حتى يصير من المنطقي ان يترأس المحافظ المسئولية التنفيذية والسياسية والامنية في محافظته، والطبيعي ان تكون القيادات في معظمها مكتبية تضع تحت ايديها كافة الخيوط المتشابكة لمسئوليات الحياة بكل صنوفها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، الى ان تصل ان امين طليعة الاشتراكيين هو نفسه المسئول عن الامن المصري ـ وزير الداخلية. ومن الطبيعي ان يستطيع «السادات» بعقليته التآمرية ومعه بعض المعاونين له الذين تصوروا انهم سوف يكونوا هم القادرين على قيادة السادات ـ مثلما تصور قيادات طليعة الاشتراكيين. ان يدير انقلاب ضد من يمتلكون مفاتيح القوة والسلطة ـ حسب تعبير «محمد حسنين هيكل» مهندس الانقلاب حسبما يفهم من ماذكره في كتاب «اكتوبر 73 السلاح والسياسة»، ولعل رصد بعض مواقف «محمد حسنين هيكل» اثناء الاحداث يؤكد دوره الهام في هندسة الانقلاب.


فهو الذي قدم رؤية كاملة لنقل السلطة بطريق هادئ ودستوري في الجلسة المعقودة في صالون منزل الزعيم عبد الناصر بعدما تحولق الجميع حول جثمانه وتركوا فرصة لاهل بيته لالقاء نظرة الوداع عليه. وقد كان موقف «هيكل» مفهوماً ومبرراً على المستوى الانساني تجاه مفاتيح القوة والسلطة (حسب تعبيره)، فهو لم يكن مرتاحاً لهم وهم كذلك لاسباب متعددة بعضها ناتج عن قربه الشديد من «جمال عبد الناصر» وبعضها ناتج عن خلافه مع وجهات نظره وكذلك رؤيته للتنظيم ككل وقدراتهم كمسئولين. لذا كان من الطبيعي ان يقدم الرؤيا التي تفيد نقل السلطة الى نائب رئيس الجمهورية «السادات» تحت تبريرات دستورية والنقل الهادئ المعبر عن وجود مؤسسات قائمة بعد رحيل «ناصر». لكن السيد «هيكل» يعلم جيداً ان الدستور ينص على نقل السلطة الى نائب الرئيس على ان يتم تقديم مرشح للاستفتاء وهنا من الممكن ان يكون «السادات» كنائب رئيس جمهورية ومن الممكن ان يكون احد غيره يقدمه التنظيم السياسي وكافة مواقع القوة في النظام بعد ان يتم التقاط الانفاس.


الا ان السيد هيكل تصور ان هذا هو الطريق للخلاص من فريق القوة والسلطة، وفي نفس الوقت السادات بشخصه وطريقة تفكيره سوف يعطي هيكل فرصة اكبر للتأثير عليه، بل وقيادته في بعض القضايا وبالذات لوجود مساحات من الرؤى المشتركة تجاه بعض القضايا وبالذات تجاه الدور السوفييتي الصراع العربي/ الصهيوني والدور الاميركي في الصراع ذاته.


وينكشف لنا ذلك مما جاء في كتاب «اكتوبر 1973 السلاح والسياسة» حيث جاء فيه الاتي وبالتسلسل: 1- في الساعة العاشرة والنصف يوم اول اكتوبر، يوم تشييع الجنازة، كان انور السادات واقفاً في مجلس قيادة الثورة في الجزيرة يتقبل عزاء الوفود، واحس اعراض ازمة قلبية في الوقت الذي اقترب منه رئيس الوفد الاميركي «اليون ريتشاردسون» وزير التجارة الاميركي (وقد اوفده الرئيس «نكسون» نائباً عنه للمشاركة في الجنازة وتقديم العزاء). وحين قال له «ريتشاردسون» انه يتمنى ان تتاح له فرصة لمقابلته، قال له وهو يتمدد على سرير طواريء جيء به اليه على عجل: «قابل هيكل وتحدث معه».


ومساء نفس يوم الجنازة، وسرادق العزاء منصوب، اتصل المستر «دونالد بيرجس» القائم باعمال المصالح الاميركية بـ «محمد حسنين هيكل» يقول له «ان السيد «انور السادات» وجه المستر اليوت ريتشاردسون الى مقابلته والحديث مع»ه.


وبالفعل جاء المستر ريتشاردسون في الساعة السابعة مساء الى مبنى الاهرام لموعد مع «محمد حسنين هيكل» بصحبة الوفد الذي يرافقه.


والسؤال هنا لماذا احال المستر ريتشاردسون على محمد حسنين هيكل بالذات؟ لماذا لم يحله إلى محمود رياض وزير الخارجية مثلاً وهذا هو المنطقي؟ 2ـ ومع الشهر الثاني من رئاسته كان انور السادات قد بلور افكاره اكثر..


1 ـ انه يريد ان يتجنب ضرورة الحرب، ويريد ان يستنفد كل امكانيات الحل السلمي.


2ـ وهو يطالب بأن يجد طريقاً يؤدي الى اتصال مباشر مع الولايات المتحدة الاميركية فهي التي تملك مفاتيح الحل لأنها هي القادرة وحدها على اسرائيل.


3ـ ان الوصول الى الاميركان افضل ما يكون من باب السعودية.


وقرر ان يرسل في استدعاء كمال ادهم وهو صهر الملك «فيصل» ثم انه الى جانب ذلك رئيس المخابرات السعودية وصلة الوصل بين المملكة وبين المخابرات المركزية الاميركية ـ وهو من قديم صديق له الى درجة ان «انور السادات» كان الشاهد على عقد زواجه.


وكان بين الاثنين لقاء طويل في استراحة القناطر لم يكن «انور السادات» سعيداً بنتيجته لانه السيد «كمال ادهم» قال له ما ملخصه «ان الاميركان منزعجون من الوجود السوفييتي في مصر، وان أي اقتراب لهم من ازمة الشرق الاوسط سوف يظل محكوماً بهذا الانزعاج».


وكان تعليق الرئيس «انور السادات» بعد انتهاء مقابلته مع السيد «كمال ادهم»: «ان السعوديين عندهم عقدة من الروس، وانا لا استطيع ان اجاريهم في هذا الطريق فالروس وحدهم يقدمون لي السلاح وبدونهم لا يعود في يدي شيء. ولقد قلت لكمال ادهم انني اتعهد للملك فيصل بخروج السوفييت من مصر اذا خرج الاسرائيليون من سيناء».


3ـ يوم 5 يناير 1971 قام الرئيس «السادات» بدعوة محمد حسنين هيكل الى لقائه، فقد كان يريد ان يناقش معه خطوط خطابه امام مجلس الامة يوم 4 فبراير، اهم ما فيه انه كان مطالباً في سياقه بأن يعلن موقفه الرسمي من وقف اطلاق النار: يكسره او يلتزم به لمدة اخرى او ماذا؟ وخلال الحديث.. ظهر ان تفكير الرئيس «السادات» وصل الى مبادرة يريد اعلانها: ـ انه يريد ان يطالب اسرائيل علناً باتمام انسحاب جزئي لقواتها من الضفة الشرقية للقناة خلال ثلاثين يوماً كمرحلة اولى ضمن جدول زمني محدد لتنفيذ قرار مجلس الامن رقم 242.


ـ واذا تحقق ذلك، فهو على استعداد للعمل فوراً على البدء في اعمال تطهير قناة السويس وفتحها للملاحة (وكان تقديره انه بذلك يأخذ في جانبه النقيضين: السوفييت وشركات البترول الاميركية الى جانب الحصول على دخل القناة لكي يخفف من اعباء المعركة على الناس).


ـانه بذلك يفتح بابه لمحاولات السفير «جونار يارنج» يدخل منه الى حل كامل بتسوية الازمة على اساس القرار 242.


ـ وكان التعليق الذي يطرح نفسه تلقائياً هو: ان مبادرته ربما يجري تفسيرها باعتبارها استجابة لمشروع «ديان» الذي اعلنه قبل عدة اسابيع.


وكان رد «السادات» ان ما يهمه ان تتحرك الامور وان ينفك قيد الجمود الذي يحاصر الازمة الان.


كان يتحدث من قلبه، وكان مقتنعاً بفكرته، والى حد كبير فقد كان يمكن فهم موقفه والتعاطف مع هواجسه في ظروف لم تكن من صنعه. وكان اكثر ما يعطي وزناً لمحاولته هو واقع ان الامداد السوفييتي بالسلاح يصل الى مصر ـ وقتها ـ بالقطارة. وفي كتاب «الطريق الى رمضان» صفحة 111 يقول الاستاذ «هيكل» لم اكن انا نفسي متحمساً لمبادرة الرئيس في باديء الامر.. لكنها في الحقيقة اثبتت فائدتها فيما بعد حيث اظهار حسن نية مصر والمساعدة على عزل اسرائيل.


التسوية جمعت هيكل بالسادات! من صياغات الباحث ـ فقد كشفت المباحثات الهاتفية بين السيد «هيكل» و«السادات» مشاركة «هيكل» عن اعتقاد وايمان في لعب دور مع سيسكو وروجرز وكندال وتفاصيل ذلك في الفصل السابع من كتاب «اكتوبر 73 السلاح والسياسة» وكتاب «الطريق الى رمضان» الصادر عن دار النهار عام 1975 ما تقصده من هذا التسلسل ان نؤكد انه اختيار «هيكل للسادات، لم يكن فقط من جانب الشرعية، انما كان ايضاً لتقدير «هيكل» لمساحات الاتفاق في الرؤى بشأن قصة التسوية والانسحاب من سيناء ودور اميركا في ذلك. ولعل ذلك هو ما يفسر موقف هيكل، بل ان موقف هيكل بعد ذلك من اتفاقية الفصل الثاني للقوات، يدعم تلك الرؤية ايضا.


فهو لم يكن متطابقاً مع السادات لكنه كان يرى امكانية لاعمال طريقة تفكير جديدة لتحريك مسارات القضية تعتمد على اعطاء دور ووزن للولايات المتحدة بالتوازي مع الدور السوفييتي على الجانب الآخر، ولعل ذلك هو ما يفسر موقفه المؤيد ضمناً للمباحثات التي دارت بين «كمال ادهم» و«السادات» وموقفه من الاتصالات مع سيسكو وروجرز، وموقفه وتعليقه على ما تم من مباحثات بين السادات والمسئولين السوفييت في الزيارة التي لم يعلم بها كل من السيد علي صبري والسيد محمود فوزي (ايضا)، وقد كتب هيكل عن تلك الرؤية ـ تقريباً. في جريدة «الاهرام» تحت عنوان «بصراحة» وقال عن ذلك في كتاب «الطريق الى رمضان» في صفحة 110 «وكنت في ذلك الوقت ادعو بشدة في مقالاتي في «الاهرام» وفي لقاءاتي مع الساسة الى حاجة مصر الى العمل على تحييد الولايات المتحدة باعتبار ذلك ضرورة اساسية للمعركة التي بدت امراً محتوماً وقلت انه لا يمكن لاية مشكلة في الشرق الاوسط ان تحل من دون اشتراك فعلي من جانب القوتين العظميين».


خاتمة:


هكذا يتكشف لنا من خلال المولد والمسار والمصير لطليعة الاشتراكيين، من خلال الوثائق والنشرات والمواقف والاحداث، والمستويات والرجال. ان هذا التنظيم كان بغرض الامن السياسي لمشروع عبد الناصر وكان في نفس الوقت تنظيم يقوم على اصدار التعليمات والتوجيهات ويتلقى التقارير والمعلومات، كما كان هذا التنظيم به كثير من السلبيات التي كان بعضها جزءاً رئيسياً في مكوناته الاولى من قبيل الولاء لقائد الثورة هو نفس الولاء للثورة وللدولة ولرجالها من المسئولين والقادة.


لذلك كان طبيعياً ان يكون بداخله الشرفاء والمخلصين والمؤمنين بالثورة والقائد، والى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك.


وهنا نستطيع ان نصفه بحق لقد كان صرحاً من قش ـ رغم كل الجهود المخلصة في بنائه، ورغم كل العناصر الشريفة التي انضمت اليه، ورغم كل الايمان الذي ملأ قلوبهم الا انهم كانوا لا حول ولا قوة منتظرين دائماً التعليمات الصادرة من القيادة. لكن القيادة حق عليها تعبير السادات ـ حسبما جاء في كتاب محمد حسنين هيكل «الطريق الى رمضان» في صفحة 119 «انكم لستم على مستوى كاف لتكونوا متآمرين، ولذا فإنني اقترح ان تعودوا الى منازلكم فانتم جميعاً مفصولون».


وهكذا دفعت مصر الثمن فادحاً.


البيان الإماراتية

http://www.albayan.co.ae/albayan/2002/08/10/sya/1.htm